الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولاكلُّ مَن غاص بحرَ الهوى
…
حوَى مِن جواهِره باغْتنامْ
ولاكلُّ مَن قد سما للعلومِ
…
يقرِّر مُشكِلَها عن إمامْ
فذاك هو الن؟ َّدْبُ بدرُ العلومِ
…
ولم يزل نورُه في التَّمامْ
كخِلِّى الكَرِيمىِّ مَن فضلُه
…
تلفَّعه يافعاً باهْتمامْ
مُهذَّبُ أخلاقِ أهل الوفا
…
حفيظٌ لعهدِ التقى والذِّمامْ
؟
السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله
والدي الذي هو سبب حياتي الفانية، تتبعها حياتي الباقية.
فإني من صلبه خرجت، وعليه تخرجت.
ولا أعد من الفضل، ما كثر لدي أو قل، إلا منه ابتداؤه، وإليه انتهاؤه.
وكنت أطوع له من قلمه لكلمه، وأوفق من بنانه لبيانه.
ما ملت عن نهجه ولا تنحيت، من حين دبيت إلى حين التحيت.
أرجو على يديه حسن التحلي، والاطلاع على أسرار التجلي.
حتي أسعد في آخرتي ودنياي، وأفوز بالحسنى في مماتي ومحياي.
وكان هو حريصاً على فائدة يلقيها على، وعائدة يجر نفعها إلىّ.
حتى خصَّني بتعليم ما تفرد به من صنعة الإنشاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأنا فيما ذكرته واصف نفسي، وأما وصفه فمما لا يقوم باستيفائه يرسى ولا نقسى.
إن قلت: فاضل، فقد ساواه في الفضل من سواه، أوقلت: ماجد، فقد شاركه في المجد من عداه، وهو تعداه.
وأنا لا أرضى له إلا التوحد، ولا أقبل له إلا التفرد.
فإنه من منذ وجد، إلى أن فقد.
لم يزل ربيب نعمة، غذى حشمة.
والجاه في زمن أبيه، يخشى من أنفته وتأبيه.
والأمداد فضل الله، لأبي الأمداد فضل الله.
وله عزمة تلين قسوة الدهر الأبي، ويتلى حديثها كما يتلى الحديث عن النبي.
إلى بشر يترقرق ماؤه في غرته، وينفتق نور الشرف بين أسرته.
وله كلماتٌ كحديث الصديق، أو عتيق الرحيق، يجمع لذة حلو الحديث إلى نشوة المر العتيق.
بخطٍ ينطق من غير لسان، ويفصح من غير بيان.
وشعرٌ إذا رأيته، رويته.
ونثرٌ تحفظه، حين تلحظه.
وله تآليف ضربت من الإجادة بسهم، وأقر لها أهل البلاغة من كل شهم.
هي لعقد الفضل واسطة النظام، ولمطلع المجد بيت القصيد وحسن الختام.
فمن شعره قوله، من قصيدة مطلعها:
حديثُ غرامي في هواك صحيحُ
…
وقلبي كأقْوال الوُشاة جريحُ
وشوقي إلى لُقياك شوقُ حمامةٍ
…
لها فوق أفْنان الغصون صُدوحُ
فتندُبُ أطْلالا لها ومعاهداً
…
وتظهِر أشْجانا لها وتصيحُ
فلا مؤنسٌ في الدار لي غير صوتها
…
إذا هاج وَجْدي والدموع تسيحُ
كلانا غريبٌ يشْتكى الهجرَ والنَّوَى
…
فيبكي على إلفٍ له وينُوحُ
فقلبي وجَفْني ذا يذوبُ صَبابةً
…
حَزِيناً وهذا بالدموع قَرِيحُ
ومُهجةِ صَبٍّ مُستَهامٍ مُتيَّمٍ
…
بها صار من داء الغرامِ قُروحُ
أهِيمُ غراماً حين أذكُر جِلَّقاً
…
ودمعي بسفْح القاسِيُونِ سَفوحُ
ولو كان طَرْفي في يدَىَّ عِنانُه
…
سعيْتُ ولكن مُناى جَمُوحُ
وقوله من أخرى، مستهلها:
رعى اللهُ أيام الشَّبِيبة من عَصْرِ
…
وهزَّ نسيمُ العيش رَيْحانةَ العمرِ
وحّيَّ بِقاعاً تُنبت الحسنَ تُرْبُها
…
وتُبْدِي لنا الأقمارَ من فلَك الخِدْرِ
حَلْلتُ بها والدهرُ أبيضُ مُقِبلٌ
…
وعَيْشِى مقيم في خمائله الخُضْرِ
تُحيط بَي الغِيدُ الحسانُ أوانِساً
…
كما اشْتبكَتْ زُهْر النجوكم على البدرِ
هذا نقل منق قول ابن خفاجة في النسيب:
غَزاليَّةُ الألْحاظِ رِيميَّةُ الطُّلَى
…
مُداميَّةُ الألْمَى حَبابَّيةُ الثغرِ
تَرنَّح في موشِيَّةٍ ذهبَّيةٍ
…
كم اشتبكتْ زُهْرُ النجومِ على البدْرِ
وفي المقامة الحلوانية: وقد أحاطت به أخلاط الزمر، وإحاطة الهالة بالقمر، والأكمام بالثمر.
وله من أخرى مستهلها:
طيفٌ يُمِّثله الغرامُ بفكْرِه
…
ورَجاً يَحارُ بطَيِّه وبنَشْرِهِ
منها في الغزل:
وبمُهْجتي نَشْوانُ من خمرِ الصِّبا
…
لعبتْ بنا قَهْراً سُلافةُ خمْرِهِ
يرْنُو إلىَّ بساحرٍ من طَرْفِهِ
…
عنه روَى هاروتُ قصةَ سِحْرِهِ
بدرٌ تكامَل في المحاسِن خَلْقُهُ
…
لمَّا غدا منه المَحاقُ بخَصْرِهِ
هذا معنى أرق من خصر مليح، وفيه مع هذه المقابلة تنشيط وتمليح.
وأظنه رأى بيت المطَّوِّعيِّ فاستجاد معناه، وشيد بوصف الكمال مغناه.
وبيت المطَّوِّعيِّ:
قضيبٌ ولكنْ مَبْسمُ النَّورِ ثغرُه
…
وبدرٌ ولكن المَحاقَ بخَصْرِهِ
ولقد مر بي أبيات في هذا المعنى لابن مخلد، لعبت بي لَعِبَ الشمول، بحُرِّ العقول.
وهي:
لعبتْ به نُجْلُ المَحاجِرْ
…
لَعِبَ الخناجرِ بالحَناجِرْ
بأبي رواقدُ في سُوَيْ
…
داءِ القلوبِ وفي النَّواظرْ
هُنَّ البدورُ ولا مَحا
…
قَ لهُنَّ إلا في الخواطِرْ
تتمة الأبيات من القصيدة:
قد بات يسْقينا مُدامة ثَغْرِهِ
…
وتُضيءُ مجلَسنا لآلئُ دُرِّهِ
طَرْفي بجنَّة حسنِه مُتنعِّمٌ
…
والقلبُ في نارِ الجحيم بهَجْرِهِ
قد لامَني فيه العذولُ جَهالةً
…
لم يَدْرِ ما صَحْوُ الهوى من سُكْرِهِ
بَحْرُ المحبَّة ليس يبلُغ غَوْرَه
…
لم يُلْفِ ساحلَ بَرِّه من بحرِهِ
يا قلبُ رِفْقاً كم تُحمِّلني الأسى
…
أوَ مَا ترى جَوْرَ الزمانِ بِحُرِّهِ
مَهْلا لقد حمَّلتني عِبْئاً لقد
…
أعْيَى الجبالَ الشُّمَّ شَمَّةُ نَزْرِهِ
وألِفْتُ صَرْفَ الدهر حتى إنه
…
سيِاَّنِ عندي عُسْره مع يُسْرِهِ
وما أحاسن محاسنه قوله:
ومَصُونٍ عليه غَيْرةُ حُسْنٍ
…
حجَبْته عن أعْيُن الأوهامِ
حبُّه في القلوبِ سِرٌّ خَفِيٌّ
…
كخَفاءِ الأرْواحِ في الأجسامِ
ملِكٌ لم يدَعْ من الحسنِ شَيَّا
…
لِسواهُ بَراه في الأحْلامِ
وقوله:
ألا يابنَ الأُلَى سادُوا أراك تفوقُهمْ
…
وتبلغُ إن شاء الله الإلهُ العُلَى حَتْمَا
فأنت هلالٌ والهلالُ نمُوُّه
…
دليلٌ له أن يْغتدِى قمراً تِمَّا
هذا من قول الآخر:
إن الهلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّه
…
أيْقْنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملَا
قلت: عامة أهل الأدب وغيرهم أن نجاح الأمور وسعادتها، ونحوستها وخيبتها، بأوائلها.
وفي أمثال العامة: " ليلة العيد من العصر ما تخفى ".
" والليلة المضيَّه تبان من عشيَّة ".
" واليوم المبارك من أوله يبين ".
ويقولن: " لو أراد يسعدني أيش كان يقعدني ".
كما قيل:
إذا بلغ الفتى عشرين عاماً
…
ولكم يفْخَر فليس له افْتخارُ
وقال:
وإذا الفتى مرَّتْ له في عمرِه
…
خمسونُ عاماً للتُّقى لا يجْنحُ
عكَفتْ عليه المُخْزِياتُ فما لَهُ
…
مُتحوَّلٌ عنها ولا مُتزحْزَحُ
وإذا رآى إبْليسُ غُرَّةَ وجهِه
…
حَيَّى وقال فَدَيْتُ مَن لا يُفِلحُ
والمنجمون على خلافه، فإنهم يقولون: هذا بحسب الطالع، فقد يكون في أول العمر، وقد يكون في أوسطه، وفي آخره.
وكذا في الشرع، قد يولد المرء مؤمناً أو كافراً في أول أمره، وفي أوسطه، وآخره، ثم يعرض له خلافه.
وما ذهبوا إليه أوهام. انتهى باختصار.
ومن كتاب اللآلي قال الشهاب: قلت: الواهم ابن أخت خالته، فإن الأول في وادٍ وهذا في آخر، بعيد عنه بمراحل، لأن الجمهور أرادوا أن الله خلق في كل أحدٍ استعداداً للسعد وغيره، تظهر علاماته عليه في أول أمره.
كما قال:
في المهدِ ينطِق عن سعادِة جَدِّه
…
أثرُ النَّجابِة ساطعُ البُرهانِ
وأما برُوزه من القوَّة، فقد يُسرِع وقد يُبْطِى، كما لا يخفى.
وله:
أنا ما بين زُمْرِة الأقْرانِ
…
خَصَّ حَظّي الزمانُ باِلحرْمانِ
فالعُلالاتُ لي سحائبُ يبْدُو
…
بَرْقُها خُلَّباً مكانَ الأمانِي
هذا من قول بعضهم: برقٌ خلَّب، وعلالات للنفس وخدعٌ لها.
قال كعب:
فلا يُغرَّنْكَ ما منَّتْ وما وعدتْ
…
إن الأمانِيَّ والأحلامَ تضْليلُ
وقد استحسنوا قول بعض الحكماء: الأماني أحلام المستيقظ.
ونظمه القاضي محمد بن هبة الله الحسيني الأندلسي، فقال:
كم ضيَّعتْ منك المُنَى حاصلاً
…
كان من الواجبِ أن يُحفْظاَ
فإن تعلَّلتَ بأطْماعِها
…
فإنَّما تحلُم مُستْيِقظَا
ومن النوادر:
أحاديثُ نفسٍ كاذباتٌ وما لَها
…
فوائدُ إلا أن تسُرَّ الفتى العانِي
وأكثرُ ما تُمْليه يظهُر ضِدُّه
…
فكلُّ أمانِي القلبِ أحْلامُ يَقْظانِ
وأحسن منه:
إنما هذه الحياةُ مَنامٌ
…
والأمانيُّ حُلمٌ بها المرءُ صَبُّ
فلهذا تأْني على العَكْسِ ممَّا
…
كرِه الناسُ دائماً وأحَبُّوا
وشعره كثير مجموع في ديوان، والطرس يستدل على ما فيه من العنوان.
ومن منشآته، التي أعدها من بدائع مقولاته.
ما كتبه على لسان فرسٍ إلى مفتٍ بالروم، وجرى فيها على طريقة الوهراني، في رقعته التي كتبها على لسان بغلته، وعلَّقها في عنقها، وسيبها في دار الأمير عز الدين موسك.
فأما رقعة أبي، رحمه الله تعالى، فهي: الهمام المقدام في حلبة الرهان، والإمام المصلى به يقتدى المجلى والثاني في ميدان البيان.
غرة جبهة دهم الليالي، من شهب أيامه ربيع الفخار والمعالي.
جعل الله مجمل سعادته غنياً عن الإفصاح، وجياد أوصافه الحسنة متباريةً في ميدان المداح.
بجاه سيدنا محمد الذي علا على البراق، وتشرفت به الآفاق.
أنهى إلى عالي حضرته، بعد تقبيل سامي سدته.
أنه لا يخفى ما ورد على النبي النبيه، أهدى الله إليه صلاته وسلامه،:" الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ".
وإنني تلك الفرس الأصيلة الطرفين، والحجر العريقة الجانبين.
فأبى من العتاق المعنقية، وأمي من الصَّافنات الجياد السقلاوية.
نشأت بأراضي الشام، وشممت ذلك العرار والبشام.
وقد كان شرفني المولى بالرُّكوب، وأملت منه المطلوب.
وفزت بالمراد، وسبقت الجياد.
وتقدمت الحياشية أمامي، وحملت الغاشية قدامي.
ومشيت بالأدب والوقار، ولم يصدر مني عثار ولا نفار.
وقد طرق سمعي أن المولى صار فارس الميدان، وسابق يوم الرهان.
وامتطي الصدارة صهوة الإقبال، وسحب له جنيب العز والإجلال.
وملك زمام الأمور، وشد حزام العزم في مصالح الجمهور.
فحصل لي كمال السرور والنشاط، وكدت أن أفك نفسي من الرباط.
وأجد في المسير، إلى تهنئة جنابة الخطير.
لكن أقعدتني الأيام عن ذلك، ومنعتني عن سلوك هذه المسالك.
لما حل بي من مواصلة الصيام، والركوع والسجود عند القيام.
وتقدمني في المسير الرفيق، الذي اجتمعت أنا وإياه في طريق.
إن العوائقَ عُقْنَ عنك ركائبي
…
فلهُنَّ من طربٍ إليك هَدِيلُ
وكان بلغني أنه ركض في ميدان حضرتك بعض اللئام، ووضع قديم قوله حيث شاء من الملام.
ونسبني إلى البطر والجموح، وسلوك طريقٍ من قلة الأدب مطروح.
وأن البحر على تعكر، والورد الصافي تكدر.
فوالله ليس لما قيل، أصلٌ أصيل.
وكنت أود أن أتوصل إلى بره، وأكرع من فائض بحره.
وأورد موارد إحسانه، وأفوز بلطفه وامتنانه.
فلا خير في حبٍ لا يحمل أقذاؤه، ولا يشرب على الكدر ماؤه.
وقد علم أن البهائم لا تعلم شعر أبي تمام، ولا تعرف شعر أبي الطيب الهمام.
ولا تطرب الخيل، إلا بسماع الكيل.
والعلاف، لا يعرف مسائل الخلاف.
وصاحبي وإن كان هو الأصيل العريق، كلنه مقتر للضيف في العليق.
كثير الشعر قليل الشعير، ينشد بلسان التقصير:
ومالي صنعةٌ إلا القوافي
…
وشعرٌ لا يباع ولا يعار
فالشعير أبعد من الشعرى العبور، ولا وصول إليه ولا عبور.
فالبطن ضامر لا يشد عليه حزام، والفم خالٍ ليس فيه إلا اللجام.
وقد بليت بعد الهزال بالخرس، وأصبحت كما قيل: الجل خيرٌ من الفرس.
وغيري ممن ليس له أصل ولا فصل، ولا أدب عنده ولا فضل.
يرتع في رياض الإنعام، ويجهل أنه من الأنعام.
حمارٌ يسيَّبُ في روضةٍ
…
وطِرْفٌ بلا عَلَفٍ يُربَطُ
فإن أنْعَم المولى بحَلِّ وَثاقي من يد الحِرمان، وأحلَّني من ربيع فضلهِ في رَبْوة الإحسان.
فأكرُم الخيل أشدُّها حَنِيناً إلى وطنه، وأعتق الإبل أكثرها نزاعا غلى عطنه.
فليهتز فرص الاقتدار، ويغتنم التجاوز عن عثرات الأحرار.
فالدابة تضرب على النفار، لا على العثار.
فليس لي سواه أعول عليه، وأرفع قصتي إليه.
وهيْهات أن يُثْنَى إلى غيرِ بابِه
…
عِنانُ المطايا أو يُشَدَّ حِزامُ
وهذه رقعة الوهرانيّ، وهي من لطائف نزعاته، ومحاسن مخترعاته: المملوكة ريحانة بغلة الوهرانيّ، تقبل الأرض بين يدي الأمير عز الدين، حسام أمير المؤمنين.
نجاه الله من حر السعير، وعظم بداره قوافل العير.
ورزقه من التِّبن والشَّعير، وسق مائة ألف بعير.
واستجاب فيه أدعية الجمّ الغفير، ومن الخيل والبغال والحمير.
وتنهى إليه ما تقاسيه من مواصلة الصيام، والتعب في الليل والدوابُّ نيام.
قد أشرفت مملوكته على التَّلف، وصاحبها لا يحمل الكلف، ولا يوقن بالخلف، ولا يقول بالعلف.
وإنما يحلّ به البلاء العظيم، في وقت حاجتي إلى القضيم.
والشَّعير في بيته مثل المسك والعبير، والأطريفل الكبير.
أقلُّ في الأمانة من النصارى الأقباط، والعقل في رأس قاضي سنباط.
فشعيره أبعد من الشِّعرى العبور، ولا وصول إليه ولا عبور.
وقرطه أعزُّ من قرطي مارية، لا يخرجه صدقةً ولا هبةً ولا عارية.
والتِّبن، أحبُّ إليه من الابن.
والجلبَّان، أعز عنده من دهن البان.
والقضيم، بمنزلة الدُّرِّ النَّظيم.
والفصَّة، أجلُّ من سبائك الفضَّة.
والفول، دونه ألف باب مقفول.
وما يهون عليه يعلف الدوابّ، إلا بفنون الآداب، والفقه الُّلباب، والسؤال والجواب، وما عند الله من الثواب.
ومن المعلوم أن الدوابَّ لا توصف بالحلوم، ولا تعيش بسماع العلوم.
ولا تطرب إلى شعر أبي تمَّام، ولا تعرف الحارث بن همام.
ولا سيما البغال، التي تستعمل في جميع الأشغال.
مسكبة قصيل، أحب إليها من كتاب التَّحصيل.
وقفَّة دريس، أشهى إليها من فقه محمد بن إدريس.
ولو أكل البغل كتاب المقامات، لمات.
ولم لم يجد كتاب الرَّضاع، لضاع.
ولو قيل له: أنت هالك، لم يأكل موطأ مالك.
وكذلك الجمل، لا يتغذَّى بشرح أبيات الجمل.
ووقوفه في الكلا، أحبُّ إليه من شعر أبي العلا.
وليس عنده طيِّب، شعر أبي الطيِّب.
وأما الخيل، فلا تطرب إلا إلى استماع الكيل، وإن أكلت كتاب الذيل، ماتت بالنهار قبل الليل، والويل لها ثم الوبل.
ولا تستغنى الأكاديش، عن أكل الحشيش، بكل ما في الحماسة من شعر أبي الخريش.
وإذا أطعمت الحمار، شعر ابن عمَّار، حلَّ به الدمار.
وأصبح منفوخاً كالطبل، على باب الإسطبل.
وبعد هذا كله فقد راح صاحبها إلى العلاف، وعرض عليه مسائل الخلاف، وطلب من بيته عشر قفاف، فقام إلى رأسه بالخفاف.
فخاطبه بالتقصير، وفسَّر له آية العير، وطلب منه قفَّة شعير، فحمل على عياله ألف بعير.
فانصرف الشيخ منكسر القلب، مغتاظاً من الثَّلب، وهو أخسُّ من ابن بنت الكلب.
فالتفت إلى المسكينة، وقد سلبه الغيظ ثوب السكينة.
وقال لها: إن شئت أن تكدِّي فكدِّي، لاذقت شعيرة ما دمت عندي.
فبقت المملوكة حائرة، لا قائمة ولا سائرة.
فقال لها العلاف: لا تجزعي من خياله، ولا تلتفتي إلى سباله.
ولا تنظري إلى نفقته، ولا يكن عندك أخسّ من عنفقته.
هذا الأمير عز الدين، سيف المجاهدين.
أندى من الغمام، وأمضى من الحسام، وأبهى من البدر ليلة التمام.
لا يرد سائلاً، ولا يخيِّب آملاً.
فلما سمعت المملوكة الكلام، جذبت اللجام، ورفست الغلام، وقطعت الزمام، وشققت الزِّحام، حتى طرحت خدها على الأقدام، ورأيك العالي والسلام.
وله من رسالة كتبها إلى منصور الطبيب الغزواني، يشكو إليه علة لزمته، وبرداً وقع في ذلك العام، خارجاً عن معتاد الشام.
أنا أصبحتُ لا أُطيق حَراكاً
…
كيف أصبحت أنت يا منصورُ
قد طالت العلَّة، وطابت العزلة.
فليس في الحركة، هذا الآن بركة.
والانقطاع، أربح متاع، والاجتماع جالب الصُّداع.
والاختلاط، محرّك الأخلاط.
والوحشة استنئناس، وأجمع للحواس.
فهو زمان السكوت، وملازمة البيوت، وأوان القناعة بالقوت، وذلك قوت من لا يموت.
والحر حرٌ، وإن مسه الضر.
فوطؤه خفيف، وضالته رغيف.
لزوم البيت أروح في زمانٍ
…
عدمنا فيه فائدة البروز
فلا السلطان يرفع من محلى
…
ولست على الرعية بالعزيز
ولست بواجدٍ حراً كريماً
…
أكون لديه في حرزٍ حريز.
وإني لأشكو من تسحب هذا السحاب، وتسلط هذا الرَّباب.
وام أر قط والله كالعام، الكثير الإنعام.
الذي من تورط فيه غرق، ومن تنشط فيه عام.
سحابٌ مجنون، يصم الآذان برعده، وبرقه يغشى العيون.
وغمامٌ شديد الإيلام، كأن صوبه صوب ملام، أو عرق حمام.
ومطرٌ كأفواه القرب، وصوت رعدٍ يميت الطرب.
حتى كأن صوته صوت عذاب، أو سطوة ليوثٍ غضاب.
أو أنه مهجور مرتاب، من تصرم أسباب وداد الأحباب.
أو كأنه نعرة فيل، أو نفخة إسرافيل.
أو شق السماء بشدةٍ فانشقت، " وأذنت لربها وحقت ".
ولمع برقٌ خفاق جلاب، مشرق كالشمس إلا أنه شديد الاضطراب، سريع الاحتجاب، لمّاع، دفّاع، يختار دونه لمع السراب، ومنع الشراب.
حتى قال قائلنا: ليت بذي الغمام جهام، وليت ذا البرق المتألق خلب وسيفه المسلول الصارم كهام.
وليته كان كاذب المخيلة، وليت لقحة نوئه هذا شحيحةٌ بخيلة.
ولم أر حال هذا السحاب الغيداق، إلا كحال مولهٍ مشتاق، شديد الأشواق. وكاف الآماق.
مشتعل الزفرات، متقاطر العبرات.
فسبحان من أرسل مدارا، وجعل القطار في هذه الأقطار بحارا.
ألا يرى كيف من الله سبحانه بالوقوف، على السقوف.
وبالثبوت، على البيوت.
ولم يعلم هل هذا السحاب، أصبح يجود لسقياً رحمةٍ أم سقيا عذاب.
وأما الثلوج فإنها شيبت نواصي الجبال، مع شدة الاحتمال، فما الظن بنواصي الرجال، مع تزاحم الأهوال، وتراكم الأثقال.
اللهم إنا نستعيذ بك أن تقلب الأعيان، فتجعلها سبب الموتان، في الحيوان، أو أن تعيد الطوفان، في آخر الزمان، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
وأبق له عبدٌ وهو بالقاهرة، فكتب إلى دمشق، يخبر بإباقته: وأما ياقوت الممقوت، سوَّد الله وجهه، وعامله بالنكال أيما توجه.
قد أبق في هذه الأيام، كما هو دأب جنس الخسيس الخبيث فما عليه ملام.
واللومُ للحرِّ مقيمٌ رادعٌ
…
والعبد لا يردعُه إلا العصَا
ولما بلغنا ذهابه من اليم، تباشرنا بزوال الهم.
وأنشدنا:
إلى حيثُ ألْقَتْ رَحْلَها أمُّ قَشْعَم
ولو طلب منا الإجازة أجزناه، والمكاتبة كاتبناه ودبرناه، وعن خدمتنا أبعدناه.
ولو أدرناه تطلبناه، وبما يليق عاملناه.
وإذا رأيتَ العبدَ يهرُب ثم لم
…
يُطْلَب فمولى العبدِ منه هاربُ
ولو لم يكن لي في هذه السَّفرة من الربح الذي ليس به خفا، إلا ذهاب هذه الغمة السوداء لكفي.
وفي الحديث الشريف: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه "، ومن أمثالهم:" قبح اللكع ومن يرجوه ".
وقد كنَّا قديماً نسمع، أن الخادم بمنزلة النَّعل يلبس ويخلع.
والعبد لو كانت ذؤابة رأسه ذهبا، لكان رصاصةً رجلاه.
ومن أبق عن الخدمة، فقد يعد بعده نعمة، وقربه نقمة.
فقد يفر المهر من عليقه، ويطير الفراش إلى حريقه.
فما كل شجرة تحلو لذائقها، ولا كل دار ترحب بطارقها.
ومن أبق عن مولاها مغاضباً، وجانب إحسانه الذي لم يكن له مجانباً.
يجد من مفارقة معاهد الإحسان، ما يجده من مفارقة معاهد الأوطان.
ويكون ذنب عقابه فيه، وكم عبدٍ أبق من مواليه.
وقد روى مرفوعا عن سيد الأمة: " أيما عبدٍ أبق فقد برئت منه الذمة ".
وبالجملة فقد حصل لنا بذهابه غاية المسارّ، و:
إذا ذهب الحمارُ بأم عمرٍو
…
فلا رجعتْ ولا رجع الحمار
وله يصف فتى: حسنه يملأ القلوب والصدور، وليس البدر إلا أن فيه حسنا تلاشت في دقائقه البدور.
ريمٌ من الروم، خادم مخدوم.
قد كساه الزمان ملابس جماله، ووهبه الأوان محاسن كماله.
بديعُ جمالٍ كل ما زاد ناظرِي
…
به نَظَراً زادتْ محاسُنه حسناَ
جرى فيه ماء النعيم والهيف، وتحكم فيه تيه الحسن والصلف.
باهٍ بقده، زاهٍ بوردى خده.
ألصق بالقلب، من علائق الحب.
كلَّما لاح وجُهه بمكانٍ
…
كثُرتْ زحمةُ العيون عليهِ
ذو قدٍ مياد ميال، بيدي المَلال والدَّلال.
يتمايل من خمر الصبا، تمايل الغصن إذا أمالته الصبا.
ويتصرف مع القلوب، كتصرف السحاب مع الجنوب.
فهو ألطف من نسيم الشمال، على أديم الماء الزلال.
كأن حديثَه خُلَسُ التَّشاكِي
…
مع الأحْباب أو قُبَلُ الوَداعِ
قد حل بالشام، فازدهرت به ازدهار الخد بالوشام.
وغردت أطيارها، وتمايلت طرباً أشجارها.
وتدانت ولا تدانى المحبين، وتعانقت ولا تعانق العاشقين.
وأحداق الحدائق باهت في رياض جماله، والأغصان تاهت في لين قده، واعتداله.
أسفر فرأيت البدر طالعا من أطواقه، وأقبل بحلة كأنما صبغت من دم عشاقه.
فالشمس طالعة من أزراره، والبدر من مشارق أنواره.
له مبسم لو تبسم في الليل صير الظلام نهارا، ولو استعار الراح منه الحبب لقال:
شغل الحلى أهله أن يعارا
شكل ظهر في طريق الحسن بالبياض، وصحح حديثه الحسن أجفان المراض.
أوقد ناري، وأمات اصطباري.
وكم في الناس من حسَنٍ ولكن
…
عليه لِشقْوتي وقع اخْتيارِي
فكلف به بعض سكانها، وهام فيه بعض أعيانها.
وقد تزايد فيه الغرام، ومن يعشق يلذ له الغرام.
وقد هاجت بلابل بلباله، وقصد أن يرفع لحضرته بعض خصاله، في عرض حاله.
فاللحظ، يعرب عن اللفظ.
فما كانت إلا نظرة، أعقبت حسرة.
أتعبت الخاطر، وسرت الناظر.
وقد قيل: إن الحسن عليه زكاةٌ كزكاة المال، وليست زكاته عند علماء المحبة إلا عبارةً عن الوصال.
ولما دعاه داعي الهوى أخذ يبدي له الالتفات، ويريه الصد تارات.
قد جرى بينهما في ميدان الصحبة بدهم الليالي والأيام، طراد خيل اللهو في حلبة المحبة والغرام.
وهو قانع منه بالقليل، راضٍ بالنظر إلى وجهه الجميل.
ومضت معه أوقاتٌ من مواسم العمر محسوبة، والسُّعود إلى طوالعها منسوبة.
حيث الزمان ربيع، والروض مريع.
والنسيم عليل، والوقت سحر وأصيل.
ألطف من عدة الحبيب، وألذ من غفلة الرقيب.
وما تفْضُل الأوقاتُ أخرى لِذاتِها
…
ولكنَّ أوقاتَ الحسانِ حِسانُ
فقد كانت أطيب من نيل المراد، ولكنها أقصر من ساعات الأعياد.
فلو كان دهري عقداً لكانت واسطته، أو كان عمري جيداً لكانت قلادته.
فهيهات أن تنسى، وعسى أن تعود عسى، ربما أحسن الزمان وإن كان قد أسا.
هذا، فبينما هما على هذا الحال، قد أرغد عيش وأنعم بال.
إذ دنت شمس النوى بالطلوع، وفضح التطبع شيمة المطبوع.
وحارَبِني فيه رَيْبُ الزمانِ
…
كأن الزمانَ له عاشقُ
فعلمت من مقدار الفراق ما كنت جهلته، ووجدت من شخصه ما كنت ضللته.
وقد أظهر دمعي ما أضمرته، وأبان من وجدي ما أخفيته.
عجباً لقلبي يوم رَاعَنِيَ النوى
…
ودَنَا التفرُّق كيف لا يتفطَّرُ
أكفكف بالأكف الدموع، وأطوى على نار الغضا الضلوع.
وقد جزعت ساعة وداعه، حتى خفت على تفطر كبدي بانصداعه.
وما خلق الفراق، إلا لتعذيب قلوب العشاق.
فتكلم الحب عن لساني، وبرح الشوق بكتماني.
لو كنتُ أعلم أن آخرَ عهْدِه
…
يومُ الفِراقِ فعلتُ ما لم أفْعَلِ
كأن قائل ذلك كان حاضرا معنا، أو كأنه قال ذلك لنا.
وقد انثنيت بجسم ناحل، أو بت من صبري على مراحل.
ما إن تركتُ وَداعَه عن جَفْوةٍ
…
لكن جزِعتُ لبَيْنِه وفِراقِهِ
وما خلوت ساعة مذ تفارقنا من نفسٍ تتقيَّد له الأضلع، وذكرٍ تفيض له الأدمع.
وتشكي الفراق، وتذكر أيام التَّلاق.
وسهَّل التوديعَ يوم النوى
…
ما كان قد وعَّرْه الهجْرُ
فالنظر إلى عين الشمس أسهل علىّ وأهون على عيني من أن أنظر إلى ذلك الصدر، وقد خلا من ذلك البدر.
كفى حزَناً بالهائمِ الصَّبِّ أن يرى
…
منازلَ مَن يهوَى مُعطَّلة قَفْرَا
ما أعول إلا على العويل لو كان يغنى، ولا أستنصر غير الوجد لو كان يجدي.
والله سبحانه يقدر التلاق، ويضمُّ مشتاقاً إلى مشتاق.
فكم من حبيبين، فرق بينهما البين.
وأليفين، عادا بعد الفراق للوصل حليفين.
وقد يجمعُ الله الشّتيتْين بَعْدما
…
يظْنان كلَّ الظنِّ أن لا تلاقِيَا
وهنا أنهيت الكلام على هذه العصبة، وختمت بهم عصابة أحرزوا في مجال القصبة.
وقد عنَّ لي أن أذكر قصيدة جعلتها لجبهة دمشق إكليلاً، ووصفت بها من محاسنها روضا أريضاً وظلاً ظليلا.
فلتكن منوهة بمحل فضائل هذا الجمع، وخاتمةً لأوصافهم التي هي آخر ما يقرع السمع.
والقصيدة هي قولي:
سقَى دمشقَ موطنَ الأوطارِ
…
دمعي وصَوْبُ العارِض الزَّخَّارِ
حتى يُرَوِّيا بها كلَّ رُبًى
…
تصوَّرت في صُورةِ الأنوارِ
يسافرُ الطَّرْف بها إلى مَدى
…
يُغنِى بها الخُبْرُ عن الأخبارِ
وباكرتْ نَيْرَبَها نُسَيْمةٌ
…
عابقةٌ في رَوْضِهِ المِعْطارِ
من قبل أن تصْدَى بأنْفاسِ الورى
…
بَلِيلةُ الأذْيالِ في الأسْحارِ
فنبَّهتْ أطْفالَ نبْتٍ نُوَّماً
…
ترضعُ ثَدْي الدِّيمةِ المِعْطارِ
وللرِّياض طِيبُ أنفاسٍ بها
…
تُهدِى الثناءَ الجَمَّ للأمْطارِ
يتلُو خطيبُها بصوتٍ شاكرٍ
…
مِدْحتَه في منبرِ الأشجارِ
وينثُر الزَّهر فينظم الندى
…
يا حسنَ ذاك النظمِ والنَّثارِ
لَوَى القضيبَ ثم جِيداً غَنِمَتْ
…
تقْبيلَه مباسمُ الأنوارِ
والماءُ في خَريرِه مُنهمِكٌ
…
والطيرُ عاكطفٌ على التَّهْدارِ
إن ردَّه اللحنُ انْثنتْ غصونُها
…
تسمعُ منه رَنَّةَ الأوتارِ
وربما انْحنتْ لتَقْرا أسطراً
…
في النهرِ خَطَّها النسيمُ السَّارِي
والنَّورُ قد فتَّح عن أكْمامِه
…
وفكَّكَ الوردُ عن الأزْرارِ
والرَّبوةُ الغنَّاء حَناها الصَّبا
…
فنفَحتْ عن جَوْنِة العطَّارِ
أُعِيذ بالسَّبْعِ المَثانِي دَوْحَها
…
على احْتواءِ السَّبْعَةِ الأنهارِ
ودَبْرُ مُرَّان القديم لا عدَتْ
…
سُحْبُ الحَيا ما فيه من آثارِ
فيه حديث البَبَّغا وعهدُه
…
حَلْىٌ لِجِيدِ سالفِ الأعْصارِ
والمَرْجةُ الفيْحاءُ والوادِي الذي
…
مَنْظرُه الباهِي جلَا الأبْصارِ
معاهدٌ فيها النَّدامي أغْصُنٌ
…
مُثْمرةٌ فواكَه الأسْمارِ
من كلِّ وَضَّاح الجبِينِ مُسْفرٍ
…
عن طلعةٍ تهْزَأُ بالأقمارِ
فالنجمُ سارٍ طالباً لقيته
…
لذاك قد لُقِّب بالسَّيَّارِ
وشاب حُزْناً طَرفُه وما رأى
…
شبيهَهُ في الفلَك الدَّوارِ
يعرَق وجهُ الكأس بالحَباب إن
…
فَاه وخدُّ الرَّوْضِ بالقُطارِ
مُنْتِقبٌ بالورد من خَجْلتِه
…
جُوداً ومُرْتَدٍ حُلَى الوقارِ
وكلُّ مختارِ المعاني حسنُه
…
قَيْدُ النُّهَى وعُقْلُه الأفكارِ
تلميذُه هاروتُ يروِى فَنَّه
…
عن لفظِه عن طَرْفِه السَّحَّارِ
أهدتْ لي السُّقْمَ عيونهُ لذا
…
وهبتُها النوَم عن اضْطرارِ
خَطَّ الجمالُ فوق طِرْسِ خدِّه
…
سطراً برأسِ القلم الغُبارِي
أرَى على وَجْنِته دائرةً
…
حَرّرها الجمالُ بالبركارِ
فالخْالُ في كُرسِيِّها قد استوى
…
كمركزٍ لذلك المِدْرارِ
قد كاد موجُ رِدْفِه يُغرقُه
…
لولا اعْتلاقُ الخَصْر بالزُّنَّارِ
وكاد أن يسيل لولا أنه
…
جاذبه تشبُّثُ الإزارِ
أذكُر عهدَه فمتن تأوُّهِى
…
فحمُ الدجى مُحترقٌ بالنارِ
وإن تقَلَّقْتُ لماضِي عهدِه
…
فإنَّ عُذْري سيدُ الأعذارِ
ولي إلى الجامعِ شوقٌ والهٌ
…
لا يفترُ الدهرَ عن التَّذْكارِ
للهِ أقوامٌ به أعزَّةٌ
…
من خُلَّصِ الأخيار والأبرارِ