المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب - نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة - جـ ١

[المحبي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الباب الأولفي ذكر محاسن شعراء دمشق

- ‌الشام ونواحيها لا زالت طيبة العرار والبشام

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بسم الله الرحمن الرحيمبقية الباب الأول

- ‌في محاسن شعراء دمشق ونواحيهافصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

- ‌السيد محمد بن السيد كمال الدين

- ‌أخوه السيد حسين

- ‌السيد عبد الرحمن

- ‌السيد عبد الكريم

- ‌السيد إبراهيم

- ‌شهاب الدين بن عبد الرحمن

- ‌أخوه إبراهيم

- ‌فضل الله بن شهاب الدين

- ‌ علي بن إبراهيم

- ‌ حفيده إسماعيل

- ‌ولده عبد الغني

- ‌أحمد بن ولي الدين

- ‌ولده عبد الوهاب

- ‌عمر بن محمد

- ‌حفيده محمد بن علي

- ‌حسين بن محمد

- ‌القاضي محب الدين

- ‌عبد اللطيف

- ‌ أخوه محب الله

- ‌محمد بن عبد اللطيف الشهير بالخلوتي

- ‌ السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله

- ‌فصل

- ‌محمد بن عمر الصوفي

- ‌على بن جار الله

- ‌حافظ الدين العجمي

- ‌مرعيّ بن يوسف الكرميّ

- ‌‌‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في الحثّ على المواعيد

- ‌فصل في شكوى حال غريب

- ‌فصل في مخاطبة محدّث

- ‌فصل في مخاطبة منطقيّ

- ‌فصل في مخاطبة نحويّ

- ‌خير الدين بن أحمد الحنفي

- ‌نجم الدين بن خير الدين

- ‌أحمد الخالدي الصفدي

- ‌حسن الدّرزيّ العيلبونيّ

- ‌محمد بن محي الدين المعروف بالحادي الصّيداويّ

- ‌حسين بن عبد الصمد الحارثيّ

- ‌ولده بهاء الدين

- ‌حسن بن زين الدين الشهيد

- ‌سبطه زين الدين بن محمد

- ‌السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني

- ‌ولده السيد جمال الدين

- ‌أخوه السيد علي

- ‌نجيب الدين بن محمد بن مكي

- ‌محمد بن حسن بن عليبن محمد، المعروف بالحر

- ‌محمد بن علي بن محمود الحشريّ

- ‌حسين بن شههاب الدينبن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

- ‌عبد اللطيف البهائي البعلي

- ‌حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي

- ‌عبد الجليل بن محمد الطرابلسي

- ‌رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي

- ‌فصل في وصف عمامة

- ‌المعروف بابن الأعوج

- ‌الباب الثاني في نوادر الأدباءبحلب الشهباء

- ‌مصطفى بن عثمان البابي

- ‌السيد موسى الرَّامحمدانيّ

- ‌أبو مفلح محمد بن فتح الله البيلوني

- ‌السيد محمد بن عمر العرضي

- ‌فتح الله بن النحاس

- ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

- ‌ولده السيد باكير

- ‌ السيد عبد القادر بن قضيب البان

- ‌ولده السيد محمد حجازي

- ‌السيد عبد الله بن محمد حجازي

- ‌ السيد يحيى الصادقي

- ‌السيد عطاء الله الصادقيّ

- ‌السيد محمد التقوى

- ‌السيد أسعد بن البتروني

- ‌السيد حسين النبهاني

- ‌القاضي ناصر الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن تاج الدين الكوراني

- ‌ولده أبو السعود

- ‌محمد بن أحمد الشيباني

- ‌حسين بن مهنا

- ‌محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن الشاه بندر

- ‌صالح بن قمر

- ‌صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم

- ‌مصطفى الزيباري

- ‌مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن محمد البخشي

- ‌إبراهيم بن أبي اليمن البتروني

- ‌أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا

- ‌محمد بن حسن الكواكبي

- ‌الباب الثالثفي نوابغ بلغاء الروم

- ‌الباب الرابعفي ظرائف ظرفاء العراق

- ‌والبحرين والعجم

- ‌شعراء البحرين

- ‌فصل جعلته للمعرباتقديماً وحديثاً

- ‌الباب الخامسفي لطائف لطفاء اليمن

- ‌ذكر بني القاسم الأئمة

- ‌ذكر آل الإمام شمس الدينبن شرف الدين بن شمس الدين

- ‌فائدة

الفصل: ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

وصارتْ عيون المشْفقين قلائداً

عليه وعينُ الحِقْد تنظُر عن شَذْرِ

وقلتُ ستْنَدى بالثِّمارِ أنامِلي

فما كان إلَّا أن قبضْتُ على جَمْرٍ

وعدتُ كما عاد المُسيءُ مُذمَّماً

أغَصُّ بشكْرى وهْو يُحسَب من وِزْرِى

وما ساءَ حظّاً كالذي اجْتلب الهوى

وأسْلَمه مَحْضُ الوِدادِ إلى الهجْرِ

إني لأعجب مني ومن تواضع الشيخ في مناجاته إياي وهو الطود الأشم، واتخاذه أذني صدفا لدرر عباراته وهو البحر الخضم.

واقتراحه علىَّ أن أبرز من خباء أبكار الشعر، ربيبة خدر، ونتيجة فكر.

تكون معجزة ابن الحسين، ومفحمة الخالديين.

تنطوي على مدح ما انتشر عن ألوية فضائل ذاته المعجز ألسن الواصفين وصفها، وتتضمن نشر ما نسم من طيب أذيال فواضل صفاته المعطر مشامَّ الناشقين عرفها.

وقيامي له على قدم الحد، أفرى فلوات السعي وأمتطي صهوات الجد.

أقتنص الشوارد، وأتناول الفراقد.

وأغوص على الغرر، من بنات الفكر.

إلا أن تكامل عقدها، وجاءت نسيج وحدها.

من مستفزات القلوب، تهادى أناة الخطو بكر عروب.

تجر على مهيار الديلمي ذيل دلالها، وتسكر الشريف الموسوي بجريالها.

لو رآها المخضرمون، لجاءوا إليها من كل حدب ينسلون.

وبعثت بها مع لطم الشكر، إلى جناب إمام العصر.

كيف حال الجريض دون القريض، وغاض زلال راحته وهو الغضيض، ولم سدَّ عني باب اعتنائه، ومحا ما كتب من إملائه.

حتى استهدفتني ألسنة الشامتين، وأحدقت إلى أعين العدى، وليس عندي منه ما يغض أجفانهم ولا قذى.

فياليت شعرى ما الذي أوجب هذا الصد، ولم لم يحسن القبول فليحسن الرد.

وليكن بدون قوله ما أصنع بالقصائد دونه وشعره، حتى اسود وجه آمالي ولم يبيض حجره.

بعدما خطفتني منه مخالب الظنون، ورجعت أقلب أكفي بصفقة المغبون.

أحاسب عن أوزار العباد، وأعاقب بجناية قوم عاد.

وعهدي بالشيخ جبلا آوى إليه، وحمى أحوم حوله، وعماداً أعتمد بعد الله عليه.

فما بال الجبل لم يأو، والحمى لم يحم والعماد لم يحو.

وما باله في مسراته وأنا في ليل الهموم، أتوقع تنفس صبحها، وأبتهل إلى الله تعالى في طلوع شمسها.

فعندما حلت أكف الابتهال عرى الدحى، ولاح من تنفس صبح الوصال أشعة شمس المنى.

حال بين طرفي وسناه قذاة البين، وأصبحت مصابا بعين.

أعوذ بالله من أن يلهى الشيخ عني زخرف المتمشدق، وتستميله أقاويل الدخيل وجنة المتملق.

والزخرف عتبة التلاشي، والتمشدق باب الهول.

فالأقاويل مطية الكذب، والدخيل قذال يد الرد، والتملق مزراب النفاق.

ولي في محبته الجنان الثابت، والقلب الصابر، وللسان الرطب، والفم الشاكر.

وله مني الوداد المحض، والقصائد الغر.

وله منه أنة المتوجع، ولوعة المصاب، وحرقة المهجور، وخشية المرتاب.

وما أراه من اقتفائه أثر الملتبس عليهم الأمر، في كسر زجاجة ودادي من زيد وعمرو.

ولا غرو قد يدمى الجبين إكليله، وتهجر الحسام قيونه.

وكثيراً ما يضل المدلج دليله، وتخطىء المؤمل ظنونه.

‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

السيد المولى، من هو بكل ثناء أحق وأولى.

حل من الشرف في ذروته، وتحكم من الأدب في بحبوحته وعقوته.

وقد تمتعت الرياسة دهرا بعده النضر، وشرفت النقابة له عبقريها الحسان ورفرفها الخضر.

فألقت إليه السيادة أفلاذها، واتخذت السعادة طاعته عصمتها وملاذها.

فرفه لأهل الأدب هضابا، وأرشفهم إلى ظماء من ماء مكارمه رضابا.

فالفضائل ملء حقيبته، والآمال تستنتج بيمن نقيبته.

ومآثره بادية الأوضاح، ونعمه سائلة الغرر والأوضاح.

ومجلسه بأصناف المعارف حافل، وفمه بحل ما يعي الأفهام كافل.

وله القلم الذي يكاد من نداوة بنانه، يبيض وجه الطرس بتسويد النقوش من بجدائع بيانه.

فهناك جنان البلاغة لم يطمث أبكارها إنسٌ قبله ولا جان، وأشجار البراعة لم يقطف ثمارها عين ناظر ولا يد جان.

من كل لفظٍ مع معناه روح وجسد، إذا سمع الناس تركيبه خلقن له القلوب الحسد.

وقد ذكرت من كلامه الشريف، ولفظه العالي المنيف.

ما تجعله سيد الكلام، وتقطع عن المغالي في مدحه مادة الملام.

كقوله:

ص: 296

حضرةٌ تقلدت أعناق الرجال بقلائد نعمها، وتدبجت رياض الآمال بهواطل سحب كرمها، وطافت أفهام الطلاب بكعبة حقائقها وعلومها، وسعت أفكار بني الآداب ما بين صفا منثورها، ومروة منظومها.

لا برحت الأيام باسمة الثغر بمعاليها، والانام حالية النحر بأياديها.

وكقوله: هو صدر الدنيا، وركن العليا، وواسطة عقد ورثة الأنبياء، وواحد هذا النوع الإنساني من الأحيا.

دعوَى لا يُداخل بنيتها وهم، ونتيجةٌ لا يشين مقدماتها عقم.

فإن من كان صدر بني هاشم، وشنب ثغر مجدهم الباسم، وهم وهم في الرفعة والمنعة، كأن أجل موجود، وأعظم من في الوجود.

وكقوله: قسما بمن جعل محاسن الدنيا في تلك الذات محصورة، وأسبابا العليا على ملازمة عتباتها مقصورة.

إن عقد عبوديتي لا تطاول إليه الأيام بفسخ، وعهد مودتي عهد لا تتوصل إليه الحوادث بنسخ.

وكيف يفسخ وصورته في الجنان مجلوة، أم كيف ينسخ وسورته على كل حين باللسان متلوة.

ولعمري مهما نسيت فإني لا أنسى أيامي في خدمتها، والتقاطي الدر من مذاكرتها.

وما كان بيننا من المصافاة التي أين منها مصافاة الماء مع الراح، وما يجري بيننا من المفاوضة التي هي في الحقيقة مفاوضة الورد والتفاح.

وعلى كل حال فلا عوض لنا عنها إلا ما تنقله الركبان من أخبار سلامتها، وما تودعة في صدفة آذاننان من جواهر آثار عدالتها.

لا جرم أنه كلما تعطرت مجالسنا بشيءٍ من ذلك، دعونا الله عز وجل هنالك.

بأن يزيد باع عدلها امتدادا، وشعاع فضلها سطوعا واشتداد.

وأن يبلغها أقصى ما تطمح إليه عينٌ طامحة، أو تجنح نحوه نفسٌ جانحة.

هذا والمتوقع من كرمها، كما هو المألوف من شيمها، ألا تخرجنا من ضميرها المنير، وأن تعدنا في جريدة من يلوذ بقماقها الخطير.

والله تعالى يبقى لنا تلك الحضرة، سامية الركاب، عالية القباب، في رفعة دونها قاب العقاب.

ومن شعره قوله، يخاطب بعض أحبابه:

رُوَيْدَك شأنُ الدهر أن يتغيَّرا

وشِيمتُه إمَّا صفَا أن يُكدَّرَا

وعادتُه الشَّنْعاء في الناسِ أنه

إذا جاء بالبُشْرى تحوَّل مُنذِرَا

فلا بُؤْسُه يبَقى وأمَّا نعيُمه

فكالطَّيْف إذْ تلقْاه في سِنة الكَرَى.

فلا تَكُ مسروراً إذا كان مقبِلا

ولا تكُ محزوناً إذا هو أدْبَرَا

فأيُّ دُجَى هَمٍّ دَهاك ولم تجدْ

صَباحاً له بالبِشْرِ وافاك مُسْفِرَا

وقد هُزلتْ أيامُنا فلَوَ اُنَّها

أتتْتنا بجِدٍّ كان للهزلِ مَصْدرَا

منها:

وليس يعيبُ البدرَ فُقْدانُ نُورِه

إذا كان بعد الفَقْد يظهر مُقْمِرَا

وما جُعَلِيُّ إن جفَا الوردَ إذْ به

أضَرَّ بداعٍ أن يُذَمَّ ويُهْجرَا

الجعل يتأذى برائحة الورد، وكذا المزكوم، والحسناء إذا ابتليت بذامٍ، فهي كالورد مع الجعل، وصاحب الزكام.

ومما يلحق بهذا أن الوزغة تكره رائحة الزعفران، وتهرب منه.

وعليه بنى البتار قوله في هجاء الغندلي، وقد وصل إلى بابه، فتحجب عنه:

تحجَّب الغُنْدَلِيُّ عنِّي

فساءَ مِن فعلِه ضميرِي

يَنْفر من رُؤْيتي كأني

مُضَّمخُ الجَيْب بالعبيرِ

وله من قصيدة، يخاطب بها أيضاً صديقا له:

تزُول الرَّواسِي عن مقَرِّ رسُومِها

ووُدِّي على الأيام ليس يزولُ

ولستُ بمَن يُرضيه من أهل وُدِّه

خَفِيُّ ودادٍ في الفؤادِ دخيلُ

إذا لم يكن في ظاهرِ المرءِ شاهدٌ

على وُدِّه فالودُّ منه عليلُ

أأرْضَى بوُدٍّ في الفؤاد مُغيَّبٍ

وليس إلى علم الغُيوبِ سبيلُ

وأقْبلُ عن هجري اعتذاراً مُزيَّفاً

تمحَّلْتَه إنَّي إذا لَجُهولُ

لَعَمْرُك قد حرَّكتَ مَن كان ساكتاً

وعلَّمتني بالعَتْب كيف أصُولُ

وله من قصيدة:

فياليتَ شِعْري هل لعمروٍ مَزِيَّةٌ

إذا ازْداد واواً وهْو في رُتبة الذُّلِّ

وهل شَان بسمِ الله وهْي عزيزةٌ

تمنُّعها في الخطِّ عن ألفِ الوصلِ

ص: 297

ورُبَّ ازْديادٍ كان للهُلْك داعياً

كما كان في نبْت الجناح رَدَى النَّمْلِ

وما هذه الأيام إلا عجائبٌ

تشابَه ما تُبْدِي من الجِدِّ والهَزْلِ

وقد طمَستْ أفْكارَنا بصُروفِها

وأشْغَلت الخِلَّ الألُوفَ عن الخِلِّ

قوله: وهو في رتبة الذل، يريد تمحضه للمضروبية في أمثلة المحاة، ومن هنا تعلم سر قولهم فيه: الاسم المظلوم، كما لا يخفى.

وكان الجاحظ يعني بذلك إلزاقهم به الواو، التي ليست من جنسه، ولا فيه دليل عليها، ولا إشارة إليها.

ويشهد له قول الشاعر:

أنما البَهْنَسِيّ خطبٌ جليلٌ

لا خطيبٌ ولا جليلٌ بقَدْرِ

زِيدت الياءُ فيه ظُلْما وعُدْوَا

ناً كواوٍ غدَتْ بآخر عَمْرِو

وقوله: ورب ازدياد، من قوله:

وإذا استوتْ للنَّمْلِ أجنحةٌ

حتى يطيرَ فقد دَنا عَطَبُهْ

ومن غرره، قوله من قصيدة يرثى بها أخاً له مات، وأرسلها على أبي الوفا العرضي، يعزيه في آخرها عن ولدين له ماتا، ومطلعها:

رُزْءٌ ألَمَّ وحسرةٌ تتوالَى

ومُصيبةٌ قد جَذَّتِ الآمالَا

وجليلُ خَطْبٍ لو تكلَّف حملَه

ثَهْلانُ ذو الهضَبات هَدَّ وزَالَا

وفِراقُ إِلْف إن أردتُ تصبُّراً

عنه أردتُ من الزمان مُحالَا

وعيونُ عَيْنٍ ليس تفتُر دائما

عن سَكْبِ رَقْراق الدموع سِجَالَا

بُعداً لدهرٍ شأنُه أن لا يُرَى

إلا خَؤُونا غادراً مُغْتالَا

نَغترُّ فيه بالسلامة بُرْهةً

ونرى المآلَ تمحُّقاً وزوالَا

ويُعيرنا ثوبَ الشَّبيبة ثم لم

يبْرَح به حتى يُرى أسْمالَا

قُبِّحتَ يا وجهَ الزمان فلا أرى

لك بعد أن فُقِد الجمال جَمالَا

ذاك الذي قد كان قُرَّةَ ناظرِي

وقَرارَ قلبي بل وأعظمَ حالَا

قد كنتُ أرجو أن يُؤخَّر يومُه

عني ويَحْمِل بعديَ الأثْقالَا

ويذوقَ ما قد ذُقْتُه لِفراقِه

ويُمارسَ الأهوال والأوْجالَا

فتطاولتْ أيدي المنيَّةِ نحوه

وبقِيتُ فرداً أنْدُب الأطْلالَا

كنَّا كغُصْنَيْ دَوْحةٍ قطَع الرَّدى

منها الأغَضَّ الأرْطبَ المَيَّالَا

أو كاليديْنِ لِذاتِ شخصٍ واحدٍ

كان اليمينَ لها وكنتُ شِمالَا

أسَفِي عليه شمسُ فضلٍ عُوجِلتْ

بكُسوفِها وعمادُ مجدٍ مالَا

لا كان يوم حم فيه فراقنا

فلقد أطال الحزن والبلبالا

فسقى ضريحاً حَلَّه صَوْبُ الحيَا

في كل وقتٍ لا يغيبُ وِصالَا

منها:

هيهات مَن لي بالرِّثاء وفَقْدُه

لم يُبْقِ فيَّ بقيَّةً ومَجالَا

أفْحمتني يارُزْءَه من بعد ما

كنتُ الفصيحَ المِصْقَعَ القوَّالَا

مَن لي بطبعِ اللَّوْذَعِيِّ أبي الوفا

ذاك الذي بالسحرِ جاء حلالَا

مولًى إذا وعظ الأنامَ رأيتَه

يُلْقى على كل امرئٍ زِلْزالَا

بزواجرٍ لو أنه استقْصَى بها

أهلَ الضلال لمَا رأيتَ ضلالَا

مولايَ يا صدرَ الزمانِ ومَن غدا

لبَنيه غَوْثاً يُرتجَى وثِمالَا

ذِي نَفْثةُ المصدورِ قد سرَّحْتُها

لِحِماك تشْكو بَثَّها إدْلالَا

إِنَّ المُصيبةَ ناسبَتْ ما بيننا

إِذْ حوَّلت بحُلولها الأحْوالَا

فثكلتَ مَخدومَيْن كلٌّ منهما

قد كان في أُفْق السُّعود هلالَا

لو أُمْهِلاً مَلَآ العيونَ محاسِناً

وكذا القلوبَ مَهابةً وكمالَا

ولَكان هذا للمعالي ناظراً

ولكان هذا في طُلاها خَالَا

خطفتْهما أيْدي المَنونِ وغادرتْ

ماءَ العيونِ عليهما هَطَّالَا

فأجابه بقصيدة، منها:

ص: 298

لهفِي على بدرٍ تكامَل حسنُه

قد سار في فلَك الكمال هِلالَا

أعْظِم به رُزْءًا أتاح مصائباً

فَتّ القلوبَ ومزَّق الأوْصالَا

ما كنْت أعلم قبل حَمْلِ سريرِه

أن الرِّجال تُسَيِّر الأجْبالَا

وعجبتُ للبحر المُحيط بحُفْرةٍ

هل غاب حقاً وأوراك خيالَا

يا دافِنِيه مِن الحياءِ تقنَّعوا

غيَّبْتُم شمسَ الغَداةِ ضلالَا

عهدِي الغمامُ حِجابُها مالي أرى

أضْحى الحجابُ جنادلاً ورمالَا

وكتب إليه في هذا الشأن:

خَطْبٌ يقرِّب دونه الآجالَا

ويمزِّق الأحشاء والأوْصالَا

فدعِ الجفونَ تجود إن نضَبتْ سَحا

ئبُ دمعِها الصافي دماً هَطَّالَا

أفلَتْ ذُكاءُ الفضلِ من فَلك العلى

ووهَى ثبِيرُ المكرُمات ومَالَا

وذَوَتْ غصونُ رياضها وتصدَّعتْ

أجْبالُها حتى بَقِينَ رمالَا

فقدت أولى الألباب ذو المجد الذي

عدموا بفقد حياته الإقبالا

فقدُو حليفَ الفضل مَن بكمالهِ

وحِجاه كنَّا نضرب الأمثالَا

مَن شاءٍ للعَلْياء يَسْعَ فإن من

كانتْ له بالأمْسِ مِلْكاً زالَا

منها:

أعزِزْ عليَّ بأن أرى ربَّ الفَصا

حةِ والبلاغةِ لا يجيب سُؤالَا

ما كنتُ أعلمُ قبل يومِ وفاتِه

أن الكواكبَ تسكُن الأرْمالَا

ما كنتُ أحسَب أن أرى من قبْله

للشمسِ من بعدِ الزَّوالِ زوالَا

منها:

صَبْراً على ما نالَنِي في يومِه

كالصبرِ منه به على ما نالَا

ملأَ القلوبَ من الأسى ولطالَما

ملأَ العيون مَهابةً وجلالَا

لولا أخوه أبو الفضائل أحمدٌ

لرأيتَ أنْديةَ العُلَى أطْلالَا

الكاملُ الفَطِنُ الذي عَزَماتُه

إن صال تلْقاها ظُباً ونِصالَا

منها:

ما رام بدرُ التِّمِّ مثلَ كمالِه

إلا وصيَّره المَحاقُ هِلالَا

مولايَ يا ابن الرَّاشدِين ومَن لهم

شرفٌ على هامِ السِّماكِ تَعالَى

صبراً فإِن الدهرَ مِن عاداتِه

يُدنِي النوى ويُحوِّل الأحْوالَا

وقد اقتفى أثر الشريف الرضي الموسوي في قصيدته التى رثى بها الصاحب ابن عباد، وأولها:

أكذا المَنون تقْنطرُ الأبْطالَا

أكذا الزمانُ يُضَعْضِع الأجْبالَا

قال وكان بالقرب من ضريحه عدة أشجار من العناب، فشاهدت يوماً أغصانها المخضرة، تزهو بثمارها المحمرة.

فأتبعت الحسرة بالحسرة، ولم أملك سوابق العبرة.

وجادت الطبيعة، بأبيات على البديهة.

وهي هذه:

وقائلةٍ والدمعُ في صَحْن خدِّها

يَفِيضُ كهَطَّالٍ من السُّحْبِ قد هَمَى

أرى شجراً العُنَّاب في البُقْعة التي

بها جدَثٌ ضمَّ الشريفَ المُعظَّماَ

لها خُضْرةُ المُرْتاح حتى كأنه

على فقْده ما إن أحسَّ تألُّماَ

وأغصانُه فيها ثمارٌ كأنها

بحُمرتها تُبْدي السرورَ تألماَ

ولو أنصفتْ كانت لعِظْمِ مُصابِه

ذوَتْ واكْفهرَّتْ حَسْرةً وتندُّماَ

فقلتُ لها ما كان ذاك تهاوُناً

بما نالَنا من رُزْئِه وتهضُّماَ

ولكنها لما وضعْنا بأصلهِ

غديراً بأنْواع الفضائل مُفْعَماَ

بدَتْ خضرةٌ منه ترُوق وحُزْنُه

كمِينٌ فلا تستْفْظعِيه توهُّماَ

وما احمرَّتِ الأثْمارُ إلا لأننا

سقَيْناه دَمْعا كان أكثرُه دَمَا

ولما وقف عليها صلاح الدين الكوراني، قال أبياتا منها:

فيا شجرَ العُنَّاب مالك مُثمِرٌ

سُروراً ولم تجزَعْ على سيِّد الحِمَى

على رَمْسِه أوْرَقتَ تهْتزُّ فَرْحةً

وتُدْلِى إليه كلَّ غصن تَنَمْنَمَا

ص: 299

أهذِي أَماراتُ المسرَّة قد بَدَتْ

أم الحزنُ قد أبْكاك من دونه دَماَ

ومنها على لسان العناب:

نعم فَرْحتي أنَّى مُجاورُ سيدٍ

نمَى حسبَا في عصرِه وتكرُّماَ

وحضرتُه روضٌ من الجنَّة التي

زَهَتْ بضجِيعٍ كان بالعلْم مُغرَمَا

أتعْجبُ بي إذا كنتُ في جنبِ روضةٍ

وحقِّيَ فيها أن أُقيم وألْزَمَا

كعادةِ أشْجارِ الرياض فإِنها

تمكَّن فيها الأصلُ والفرْعُ قد نَمَا

وقد قيل في الأمْثال إذ كنتَ سامعاً

خذِ الجارَ قبل الدارِ إن كنتَ مُسلِماَ

أمَا سار من درا الفَناء إلى البَقا

وأبْقى ثَناءً بالجميل مُعظَّماَ

ومَن كان بعد الموت يُذكَر بالعُلَى

فبالذِّكْر يَحيَى ثانياً حيث يمّماَ

فقلتُ له يهْنيك طِيبُ جِوارِه

وحَيَّاك وَسْمِىُّ الغَمامِ إذا هَمَى

لتُسْقِط أثماراً على جَنْبِ قبرِه

ليلْقُطها مَن زارَه وترحَّمَا

فواعجَباً حتى النَّبات زهَتْ به

فحُقَّ لنا عن فضلِه أن نُترجِمَا

وله، يمدح المولى البهائي:

كشف الدهرُ عن وُجوه الأمانِي

ومَحا السَيّئاتِ بالإحسانِ

وأرانا شمسَ العدالةِ تبدو

في بُروجِ الجمال والعِرْفانِ

وحَبانا من آل سعدٍ بمولَى

لا يُدانيهِ سعدُ تفْتازانِي

دُرَّةٌ رُكِّبت بتاجِ المعالِي

غُرَّة أشْرقتْ بوجهِ الزمانِ

عالمٌ وهو عالَم يتراءَى

للْبَرايا في صُورةِ الإنْسانِ

وهُمام مُهذَّبٌ قد تحلَّى

بعقُول الكهولِ في العُنْفُوانِ

أخْمَد الظلمَ منه عدلٌ مُنيرٌ

وكذا النورُ مُخْمِد النِّيرانِ

خُذ يمنِي إنَّ البراعَة منه

فعلتْ ما يكِلُّ عنه اليَمانِي

إن شَهْباءَنا به قد أنارتْ

وعلَتْ رُتْبةً على كِيوانِ

وتوالَتْ على بَنيها المَسرَّا

تُ فهم يسْحَبون ذيلَ التَّهانِي

منها:

أنت معنىً لك الفضائلُ كاللَّفْ

ظِ ورُوحٌ والمجدُ كالجُثْمانِ

أنت في المَكْرُمات فَضْلٌ ولكنْ

لابن عبد العزيز في العدل ثانِي

ومنها، يعتذر عن هدية أهداها:

وهُدِيتَ اليسيرَ فأنْعَم وقابِلْ

نَزْرَه بالقَبولِ والامْتنانِ

فلو أنَّ العَيُّوقَ والشمسَ والبدْ

رَ مع الفَرْقَديْن في إمْكانِي

كنتُ أهديْتها وقدَّمْتُ عُذْراً

ورأيتُ القُصور معْ ذاك شَانِي

ومما يسكر العقول في الاعتذار عن الهدية قول الشاهيني، ومن قصيدة كتبها إلى أبي العباس المقري، وأرسل له معها خمسين قرشا:

لو كان لي أمرُ الشبابِ خلْعتُه

بُرْداً على عِطْفَيْك ذا أرْدانِ

لكنْ تعذَّر بَعْثُ أوَّل غايتي

فبعثْتُ نحوَك غايةَ الإِمْكانِ

وللسيد أحمد من اعتذارية عن هدية أيضاً:

إلى قصَّر الداعي وأهْدى بلا

رَوِيَّةٍ مُحْتَقرا نَزْرَا

مِنْ عمَل الصِّين قطاعا أتتْ

لا تستحقُّ الوصْفَ والذِّكْرَا

فاعْذُر فقد أهدَى إليك الثَّنَا

عِقْدا نظيماً يُخجِل البدرَا

ومن بدائعه قوله، وهو في غاية الجودة:

لِدَواةِ داعِيكم مِدادٌ شابَ من

جَوْرِ اليَراعِ وقد رثَتْ لمُصابِهِ

فأتتْ تُؤمِّل جُودَكم وترُوم مِن

إحْسانكم تجْديدَ شَرْخِ شبابِهِ

وقوله، في صدر رسالة:

أيها الفاضلُ الذي خصَّه الل

هُ من الفضلِ والحِجَى بلُبابِهْ

إن شوقي إليكَ ليس بِشَوْقٍ

يُمْكِن المرءَ شرحُه في كتابِهْ

وكتب إلى السيد محمد العرضي، قبل توجهه إلى الروم:

ص: 300