الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منيل الأماني بلا منة الحقب، متهلل يضع الهناء موضع النقب.
وهو مقصد يتزود ذكره المسافر، ويعمل إلى لقائه الخف والحافر.
فحل عنده حلول النوم من الأحداق والمدام من الأقداح، وبقي عنده يتحفه بدر الأثنية ويجلب إليه غرر الأمداح.
حتى دهمتهم داهمة ابن جانبولاذ، وتضعضع منهم ركنٌ يحتمى به في الدهر ويلاذ.
عندها أقلع إلى أدلب فكأنما دعاه إليه الأجل، ومضى إلى الله تعالى على وجه السرعة والعجل.
وقد جئت من شعره بما هو أحلى في الأفواه من الشهد، وأشهى إلى العيون من النوم بعد السهد.
فمن ذلك قوله، من قصيدة:
أمُعذِّبي رِفْقاً بصَبٍّ مُغْرَمِ
…
أضحى كمثل ابن السبيلِ الغارمِ
فلقد جعلت الدمعَ وَقْفاً جارياً
…
يحْتار منه ذو البكاء الدائمِ
فاعجَب لدمعِي سائلاً متصدِّقاً
…
واعجَبْ لواقِفة المُقيمِ الهائمِ
هل أنت راحمُ ما ترى يا مُتلفِي
…
من حالتي أم أنت لستَ براحمِ
فلقد جرى ما قد كفى ولقد كفى
…
ما قد جرى من مَدْمعِي المتلاطمِ
يا رُبَّ ليلٍ طائلٍ ما تحته
…
من طائلٍ غير العَناءِ اللازمِ
مَدَّتْ به طُنْبُ الظلامِ فلا ترى
…
إلَاّ نجوماً في سوادٍ فاحمِ
فكأنها عطْشَى فتشرب ما بدَا
…
من فجْره شُرْبَ النَّزِيف الحائمِ
لو لم يكنْ فَرْعُ الحبيب مُشبَّها
…
بسَوادِه لغدَوْتُ أبْلَغ شاتمِ
قاسيتُ فيه كلَّ هَوْلٍ هائلٍ
…
وركبتُ منه كل مَتْنٍ قاتِمِ
حتى بدَا ضوءُ الصباح كأنه
…
إشْراقُ وجهِ محمَّدِ بن القاسمِ
وقوله، وهو من بدائعه:
كأنَّ الدجَى ظَرْفٌ على الصبح مُوكَأٌ
…
ولكن لطُول الامْتلا والبِلَى انْفَلقْ
فسال فغطَّى أنْجُماً ما تعلَّمتْ
…
لقصْر المدى سَبْحاً فأدركها الغَرَقْ
قلت: لقد أجاد، وإن كان تناوله من قول ابن تميم:
انظُر إلى الصبح البديع وقد بدا
…
يغْشَى الظلامَ بمائِه المتدفِّقِ
غرقت به زُهْرُ النجوم وإنما
…
سلِم الهلالُ لأنه كالزورقِ
والضد أقرب خطوراً بالبال عند ذكر ضده.
تذكرت هنا قول أبي علي البصير، وفي الثاني نظر:
وجُفونُ عينِك قد نَثَرْنَ من البكا
…
فوق المَدامعِ لُؤْلُؤاً وعَقِيقا
لو لم يكُن إنسانُ عينِك سابِحاً
…
في بحرِ مُقْلتِه لمَات غريقَا
ولابن العطار في غرق الليل:
صبحٌ يلُوح وشخصُ الليل مُنْغمِسٌ
…
فيه كما غَرِق الزِّنْجِيُّ في نَهَرِ
ومن أهاجي المترجم قوله في قاض بحماة:
من شَرِّ بيتٍ شرُّ قاضٍ أتى
…
حماته يا قُبْحَ ما استحسنَتْ
أبُوه مُحْتالٌ دَنِيٌّ وكم
…
في رأْسِه من دَوْحةٍ أغْصَنتْ
وأُمُّه مريم لكنها
…
وعيشِكم ليس التي أحْصَنتْ
الأمير حسن بن محمد
المعروف بابن الأعوج
حاكم حماة صانها الله وحماها، ولا زالت حوامل المزن تحط أثقالها بحماها.
أميرٌ وابن أمير، وروض نضير، أنشأه ماءٌ نمير.
تلقى راية المجد بيمين عرابة، وما أتى أمراً قط وفيه غرابة.
وجَلا الإمارةَ في رَفيفِ نضارِة
…
جلَتِ الدجى في حُلَّةِ الأنْوارِ
في حيثُ وَشَّح لبَّه بقِلادةٍ
…
منها وحلَّى مِعْصَما بسِوارِ
فهو فارس ميدان اليراع والصفاح، وصاحب الرماح الخطية والأقلام الفصاح.
فالسيف من جملة خدمه، والقلم يقوم في خدمته على رأسه عوض قدمه.
يكتب فيجعل للأقلام حجة قاطعة على السيوف، وينتضي سيفه فيقول القلم مالي بارقة في ميدان هذا الحتوف.
وإن جرى أدهم قلمه في حومة البراعة فهو سباق الغايات، وإن غردت حمائم نفثاته على غصون أقلامه قيل جاء من الزمر ما غطى على النايات.
وهو جواد مبسوط الكف، ما أعرض يوماً عن مكرمة ولا كف.
فجوده يغني عن القطر إذا شم الغمام، ونعمه هي الأطواق والناس الحمام.
وكان عصره كابتسام البرق إذا خفق، والصبح إذا تكشف عن الشفق.
لم يتعلق أرج الكرم بغير أثوابه، ولم يتعشق صب الثناء إلا تراب أبوابه.
وأهل الأدب يروحون إليه على وجد ويغدون على وجد، ويتنافسون على مدائح أخلاق خلقن من محض المجد.
وهو مع شغله بالمنصب، وتشتت فكره بغرض المتعصب.
لا يخلو من مطارحات تدل على ندماء مجلسه بإيرادها، ومناظيم يجلو بها عليهم الحور العين في أبرادها.
وشعره مثقف المباني، له اتحاد بالمثالث والمثاني.
أبرزت منه إلى العيان، ما هو ألذ من عزف القيان.
فمنه قوله من قصيدة يشتكي فيها من الزمان:
حاديَ العِيسِ سِرْ بغير ارْتيابِ
…
ففؤادي قد حَنَّ للاغْترابِ
لا أُرِيد الأوطانَ والذلَّ فيها
…
واضِعاً طوقَه بأعلى الرِّقابِ
ولو أنِّي قضَّيتُ فيها سروراً
…
في شبابي لم أكتئِبْ لمُصابِي
بل تولَّتْ نَضَارةُ العمرِ منّي
…
بين عَيْشٍ ضَنْكٍ وفَرْطِ اكْتئابِ
فالفرارَ الفرارَ من دار هُونٍ
…
تركَتْني أشكو زمانَ الشبابِ
وإذا الضَّيْم ما أقام فأحْبِبْ
…
بجيادٍ تمُرُّ مَرَّ السحابِ
لم يكن في مُقامِ ذَ اللُّبِّ فضلٌ
…
قطَع السيفُ وهْو ضِمْنُ القِرابِ
أدرَك المسكُ بالتنقُّل شأْواً
…
وهْو في أرضِه دُوَينُ الترابِ
فالفتى الشهمُ من إذا شام ضَيْماً
…
لا يُبالِي بفُرْقة الأحبابِ
منها:
كيف مُكْثي ما بين أظْهُر قومٍ
…
عهدُهم في ثَباتِه كسَرابِ
جارُهم إن غدا عزيزاً عليهمْ
…
كان كالشَّاةِ في مَقِيلِ الذئابِ
هم إذا صادَرُوا أسودَ شَراءٍ
…
وإذا حارَبوا فدون الكلابِ
كم أناسٍ من دارِهم أخرجوهمْ
…
ليسُومُونهم بسوءِ العذابِ
إن فِرْعَوْن ثم نَمْرودَ كانا
…
دونهم في اخْتراع سوءِ العذابِ
ومَساوِيهمُ التي مِثْلُ هذا
…
عَدَدُ الرملِ والحصا والترابِ
ربِّ يا من أباد عَاداً وأوْدَى
…
بثَمُودٍ ذوِي النفوسِ الصَّعابِ
لا تذَرْ منهمُ على الأرضِ شخْصاً
…
إنهم جاحدون نَصَّ الكتابِ
وانتقِمْ مُسرِعاً وعجِّلْ عليهمْ
…
ليس فينا صبرٌ ليوم الحسابِ
قوله: " قطع السيف " إلخ. من قول بعضهم: السيف لا يقطع في قرابه، والليث لا يفترس في غابه.
وقوله: " أدرك المسك "، من قولهم: المندل الرطب حطب في أوطانه، والمسك دمٌ في سرر غزلانه.
وله من قصيدة أخرى، أولها:
تبَّدتْ فأضْحى البدرُ في الأُفْق غائباً
…
وشامَتْ فوَلَّى الظَبْيُ في البِيدِ هاربَا
رَبِيبةُ خِدْرٍ يحرس الحسنُ وجهَها
…
بسهمِ لِحاظٍ يجعل يجعل القوسَ حاجِبَا
إذا ابْتسمتْ عن صُبْح ثَغْرٍ مُنوَّرٍ
…
تُشاهد منها في النهار كواكبَا
وإن برزَتْ في أسْود الشَّعْرِ ضحْوةً
…
رأيتَ الدجى للصبحِ أضحى مُصاحبَا
فما دَوْحةٌ سَقى النَّدَى نَسْجَ بُرْدِها
…
وحاكتْ حِبالُ الشمس منه جَلائبَا
مُلوَّنةٌ من خَيْط ليلٍ وفجرِه
…
مُنوَّعةُ الألْوانِ تُبْدِي العجائبَا
إذا سائلُ الغُدران حَنَّ صَداؤُه
…
وطائرُها المَيْمون غنَّى مُجاوِبَا
بأبْهجَ منها حُلَّةً وطَراوةً
…
وأخْصبَ مَرْعىً من حِماها وجانبَا
لها لا لِعَزّ حُقَّ وَصْفُ كُثَيِّرٍ
…
وتَوْبة في ليْلَى أعادتْه كاذِبَا
صدق توبة ليلى مشهور، وأصله ما روي أنه لما شغف بها، واشتهر أمره وأمرها به، قال:
ولو أنَّ ليلى الأخْيَلِيَّةَ سلَّمتْ
…
عليَّ ودوني جَنْدَلٌ وصفائحُ
لسلّمتُ تسلِيمَ البَشاشةِ أوزَقا
…
إليها صَدىً من جانب القبر صَائحُ