الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهي البلدة الطيبة الماء والهوا، التي توافقت على حسن بنائها ولطف أبنائها الأهوا.
أحياها الله تحية تنحط بالخصب سيولها، وتجر باللطف على سرحة الرياض ذيولها.
فيها الترحيب مذخور للمقيم والظاعن، ولا محل فيها يلفى للقادح والطاعن ولها المرأى الذي يسافر فيه الطرف فيأخذ بحظه، ويستولي عليه الفرح حتى يخاف على قلبه ولحظه.
فبينا تحسب الأرض نضاراً تكتسي برد الضحى فتحسبها عسجدا، وبينا ترى جناتها أنبتت دراً إذا هي أطلعت زبرجدا.
وهناك الحصن الذي عانق السماك، يكاد أهله يقتطفون نرجس الكواكب من فلك الأفلاك.
يزُرّ عليه الجوُّ جَيْبَ غمامِه
…
ويُلْبِسها من حَلْيهِ الأنْجُمَ الزُّهْرَا
وقد أحاط به الخندق إحاطة الهالة بالقمر، والسوار بالمعصم، وحوله الأبنية الشامخة تستنزل بحسن رونقها النسر المحلق والغراب الأعصم.
ولأهلها من عهد بني حمدان أمراء الكلام، وأجل من استعملت في مدائحهم الدوي واستخدمت الأقلام.
اعتلاق بالأدب وارتباط. وتفوق فيه يدعو إلى حسد واغتباط.
ولشعرهم في القوب مكانة، كأنما شيدوا بأهواء القلوب أركانه.
فصبوا على قوالب النجوم، وغرائب المنثور المنظوم.
وباهوا غرر الضحى والأصائل، بعجائب الأشعار والرسائل.
وقد ظهر منهم قريباً جماعةٌ تنازعوا الفضل في غايات مستبق، وكل منهم وإن اختلفت حاله فالقول في فضله متفق.
إذا عَنَّ ذِكْراهم فتَمْزيق مَلْبَسٍ
…
يُرِيح بَناءَ الفكر من حَلَّة العُرى
بمِحْراب صدر القلب مُعتكِف به
…
هواهُم تلا من ذكْرهم ما تيسَّرَا
فمنهم:
مصطفى بن عثمان البابي
اصطفيته مفتاح الباب؛ لكونه منسوباً إليه، وجعلت معرفة القشر من اللباب، متميزاً به، ومحالاً عليه.
وأحسب أني أتييت بأمرٍ معقول، وإذا أرسلت نفسي في وصفه ووصف بلده فأجدها تقول:
البلدةُ الشهباءُ مشحونةٌ
…
بلُطْف أشعارٍ وآدابِ
ممنوعةٌ بالسُّور لا يُبْتغَى
…
دخولُها إلا من البابِ
وهو شرفٌ لعصره ومفخر، وبحر يهتاج عبابه ويزخر.
تمادى في ميدان الشهباء طلقه، واستوفى الخصلة التي ناسب فيها خُلُقَه خَلْقُه.
وأصبح في الفضل وحيدا، ولم تجد عنه النباهة محيدا.
وناهيك بمحاسن قلدها، ومناقب أنبتها وخلدها.
إذا تليت في المجامع، اهتزت الأعطاف وتشنفت المسامع.
وهكذا النسمات إذا هبت في الأسحار، رفت لها أهداب النبات وطنت آذان الأشجار.
تروق بها الخمرة في الكاس، وتجلو رويحات السحر إذا صدتها البشر بالأنفاس.
إذا وصفت علاه عكفت طيور المعاني على أوكار الفكر، وإذا تليت حلاه تنبهت عيون الرياض من نسمات الآصال والبكر.
وشعره ملكه الحسن رقة، فكاد تشربه الأسماع لطفاً ورقة.
كلامٌ بلا مُدامٌ بل نِظامٌ
…
من المَرْجانِ أو حَبِّ الغَمامِ
يروح كأنه رَوْحٌ ورَاحٌ
…
ويجْرِي في العُروق وفي العظامِ
وقد وافيتك منه بما يغالى في مدحه، ويعلم منه وفور قسمه من الأدب وفوز قدحه.
فمنه قوله يتوسل:
هوتِ المشاعرُ والمدار
…
كُ عن معارجِ كبريائِكْ
يا حيُّ يا قيُّوم قد
…
بهرالعقولَ سَنا بَهائِكْ
أُثنِي عليك بما علمْ
…
ت وأين عِلْمي من ثنائِكْ
مُتحجِّب في غَيْبك الْ
…
أحْمَى منيعٌ في عَلائِكْ
فظهرْتَ بالآثار والْ
…
أفعالِ بادٍ في جَلائِكْ
عجباً خَفاؤُك من ظهو
…
رِكَ أم ظهورُك من خفائِكْ
ما الكون إلا ظلمةٌ
…
قبَسَ الأشعَّة من ضيائِكْ
وجميعُ ما في الكون فا
…
نٍ مُستمِدٌّ من بقائِكْ
بل كلُّ ما فيه فقي
…
رٌ مُستمِيحٌ من عطائِكْ
ما في العوالمِ ذَرَّةٌ
…
في جَنْبِ أرضِك أو سمائِكْ
إلَاّ ووِجْهتُها إليْ
…
كَ بالافْتقارِ إلى غِنائِكْ
إني سألتُك بالذي
…
جمَع القلوبَ على وَلائِكْ
نورِالوجود خُلاصةِ الْ
…
كَوْنَيْن صفوةِ أوليائِكُ
إلَاّ نظرتَ لمُستغِي
…
ثٍ عائذٍ بك من بَلَائِكْ
قذفتْ به من شاهقٍ
…
أيدي امْتحانِك وابْتلائِكْ
ورمتْه من ظُلَم العنَا
…
صرِ والطبائعِ في شَبائِكْ
وسطَتْ عليه لوازمُ الْ
…
إمكانِ صَدّاً عن سنائِكْ
فإذا ارْعوَى أو كاد نا
…
دتْهُ القيودُ إلى ورائِكْ
فالْطُفْ به فيما جرَى
…
في طَيِّ عِلْمِك من قضائِكْ
وقوله من نبوية، مستهلها:
قضَى عجَبا من دهرِه المتعجِّبُ
…
يجِدُّ اشْتعالا رأسُه وهْو يلعبُ
ألم يأْنِ أن يْقنِى الحياءَ مُؤنِّبُ
…
بلى آن أن يْقنِى الحياءَ المؤنِّبُ
ومَن لم يدعْ شيْبُ المَفارِق غَيَّه
…
فلائمُه باللومِ أحَرْىَ وأنْسَبُ
أبِنْ لي على ماذا حصُلتَ من الدُّنَا
…
فقد ذُقْتَ منها ما يمُرُّ ويعذُبُ
أكان سِوى طَيْفٍ ألَمَّ وعارِضٍ
…
جَهام وبَرْقٍ مخلِفِ النَّوْءِ خُلَّبُ
متَى أنت العَمْياء غَادٍ فرَائحٌ
…
تُصعِّد في بَهْمائِها وتُصوِّبُ
تُبارىءُ بالعِصْيان من هو قادرٌ
…
عليك وفي آلائه تتقلَّبُ
أحُدِّثتَ أن المرءَ في الأرضِ مُعجِزٌ
…
لقد كذَبْتك النفسُ والنفسُ تكذِبُ
لقد لَزَّك التَّسْويفُ في مارِق على
…
شَفا حُفْرةٍ سَرعانَ ما تتصوَّبُ
لَعَمْرُ المَنايا إنها لقريبةٌ
…
على أنها من ساحةِ الشيبِ أقْرَبُ
وإنَّ مِراسَ الموت لا دَرَّ دَرُّه
…
وإن كان صَعْبا فالذي بعدُ أصَعْبُ
تقلَّص ظلُّ العمر إلا صُبابةٌ
…
ألآ فانْتبْها قبل ما أنت تُنْهَبُ
وبادِرْ فإن الوقتَ ضاق عن الوَنَى
…
وصَمِّمْ فُسكِّيتُ الرِّهانِ المُذبْذَبُ
وخذ للقاء للَّهِ ما اسْتطعْتَ أُهْبةً
…
فإن لقاءَ اللَّه ما عنه مَهْرَبُ
وإن ضِقْتَ ذَرْعاً من تعاظُم ما مضى
…
فلا تنْسَ عفوَ الله فالعفُو أرْحَبُ
ولُذْ بجَناب الفاتحِ الخاتِم الذي
…
به يطمئنُّ الخائفُ المترقِّبُ
هو العاقِبُ الماحِي الذي بزَغتْ به
…
على الكون شمسٌ نورُها ليس يغرُبُ
تحُلُّ له الرُّسْل الكرامُ حِباهُمُ
…
وإن ذُكِروا فهْو العُذَيْقِ المُرَجَّبُ
إذا الخَطْب أبْدَي ناجِذَيْه فنادِهِ
…
تجدْ خيرَ جارٍ في المُلمَّاتِ يُنْدَبُ
وإِن لذَعْتك المُوبقاتُ فداوِها
…
به فهْو تِرْياق السموم المُجرَّبُ
إليكَ رسولَ الله قد جاء ضارعاً
…
أخو عَثْرةٍ يرجو الإقالةَ مُذنبُ
فبابُك بابُ اللهِ ما عنه مهرَبٌ
…
وطالبُه من غير بابِك يُحجَبُ
فليس لنا من منحةٍ بتفَضُّلٍ
…
من الله إلا عن مَساعِيك تُجلَبُ
ولا مَسَّنا من محنةٍ أو يَمسُّنا
…
بكسبِ يَدٍ إلا بيُمْنك تذهبُ
منها:
إذا قمتَ في وَعْد المَقام فإِننا
…
على ثقةٍ أن ليس فينا مُخيَّبُ
ألم يُرْضِك الرحمنُ في سورة الضحى
…
وحاشاك أن ترضَى وفينا معذَّبِ
أترضَى مع الجاه الوجيهِ ضياعَنا
…
ونحن إلى أعْتاب بابِك نُنسَبُ
أترضَى مع العِرْضِ العريضى بأن يُرى
…
مَقامُك محوداً ونحن نُعذَّبُ
أتخذُل يا حامِي الذِّمار عصابةً
…
بهَدْيِك دانتْ ما لها عنك مَذهبُ
دعوْتَ فلبَّينَاك سمعاً وطاعةً
…
وحاشاك أن ندعوكَ ثم تُخيِّبُ
منها:
عليك صلاةُ الله تتْرَى مُسلِّما
…
مع الآلِ والأصحابِ ما انْهَلَّ صَيِّبُ
صلاةٌ تُوازِى قدرَ ذاتِك رفعةً
…
بتَبْليغها عنِّي إلى الله أرْغَبُ
وقوله من قصيدة في المدح، أولها:
هو الفضلُ حتى لا تُعَدَّ المناقبُ
…
بل العزمُ حتى تطلُبُنْك المَطالبُ
وما قدَر الإنسان إلا اقْتدارُه
…
أجَلْ وعلى قدَرْ الرجال المراتبُ
منها:
وللمجدِ مثلُ الناس سُقْمٌ وصحةُ
…
وفيه كما فيهم صَدُوقٌ وكاذبُ
منها:
ومن خسِر الرَّاحات يكتسِب العُلَى
…
وبعضُ خَساراتِ الرجال مكاسبُ
فآب بما يُشجِى العِدى ويسرُّه
…
فوائدُ قومٍ عند قوم مصائبُ
إليك إمامَ الفضلِ منا توجَّهتْ
…
كتائبُ إلَّا أنَّهُنَّ مواكبُ
مَعانٍ تُعِير العِينَ سحرَ عيونِها
…
وتسخرُ منها بالعقودِ التَّرائبُ
قد انْسَدلتْ فوق الطُّروسِ سطورُها
…
كما انسدلتْ فوق الصدورِ الذَّوائبُ
لها من بَراحِ الشوقِ حادٍ وقائدٌ
…
إليك ومن لُقْياك داعٍ وخاطبُ
ومن بدائعه قوله:
ليت شعري ما الذي سخَّر السَّمْ
…
ع لصوت السنطير حتى أصَاخَا
ثم ماذا أشار به النَّا
…
يُ لرَكْب الأرْواح حتى أناخَا
ثم ماذا الذي به اسْتشعر الحِسُّ
…
بحَسِّ الأوْتارِ حتى تراخَى
ذاك سِرٌّ يذوقه من ترقَّى
…
عن ذُرَا عالم الهيولي انْسلاخَا
وترقَّى به إلى قاب قَوْ
…
سَيْن فألْقَى العصا ورام المُناخَا
وقوله من قصيدة، أولها:
أشاردٌ ياغزال أم واجدْ
…
وعابثٌ في النفوس أو عائدْ
أعند عينيْك أنَّ أنفسَنا
…
حَبْسٌ على سَيْل نَبْلها الصاردْ
بل كثرةُ العاشقين تُوهمه
…
بأنَّ ماضي نفوسِهم عائدْ
مهلا أبا الحُسْن قد فُجِعت به
…
واستبْق منَّا داعٍ له حامدْ
نحن بنو نَجْدة الهوى ولنا
…
فيه فَخارُ الطَّرِيف والتَّالِدْ
وكم لما غارةٌ على ثَغَرٍ
…
يصدُر عنها المُفتِّر الباردْ
تلك عهودٌ قد كان لا بَعُد
…
تْ طَرْفُ الليالي عنَّا بها راقدْ
ماسَها الدهرُ عن تفرُّقنا
…
بل ظنّنا لالْتئامِنا واحدْ
على هذا الالتئام والإتقان، تأمل قولي في الاتحاد عند العناق:
يا طِيبَ ليلٍ حيَّى وقد غفَلتْ
…
عنا عيونٌ تظَلُّ ترمُقنَا
بِتْنا كرُوحيْن في حشَا جسَدٍ
…
تحيَّر النوم كيف يطرُقنَا
ولعز الدين الضرير ما هو منه:
توهَّم واشِينا بليلِ مَزارِه
…
فهَمَّ ليسْعى بيننا بالتباعُدِ
فعانقْتُه حتى اتحدنا تعانُقاً
…
فلما أتانا ما رأى غيرَ واحدِ
ولخالد الكاتب:
كأنني عانقتُ رَيْحانةً
…
تنفستْ في ليلِها البارِدِ
فلو ترانا في قميصِ الدُّجى
…
حسِبْتَنا في جسدٍ واحدِ
ولأحمد بن أبي العصام:
ضمَمْتُه ضَمَّ مُفْرِط الضمِّ
…
لا كأبٍ مُشفِق ولا أمِّ
ولم نزَلْ والظلامُ حارسُنا
…
جسميْن مُستودَعيْن في جسمِ
ولابن سناء الملك:
وليلةَ بِتْنا بعد سُكْرِي وسُكرِهِ
…
نَبذْتُ وِسادِي ثم وسَّدتُه يدِي
وبتْنا كجسمٍ واحد من عناقنا
…
وكالحَرْفِ في لفظِ الكلام المُشدَّدِ
واعترض عليه بأن العروضيين يعدون المشدد بحرفين، فلو قال: في الخط، لحصل مطلوبه.
ليت درَى القانطون في حلبٍ
…
حالي وما حالُ من لهم فاقِدْ
يرقُب وفد الشَّآمِ ذا قلَقٍ
…
عسى يراهُم بناظرِ الوافِدْ
فارقتُ مَثْوايَ في رِضا زمن
…
على ذوي الفضل لم يَزلْ واجِدْ
خرجتُ منه مع البُزاةِ عسى
…
تصفُو الليالي ويصلُح الفاسدْ
يشير إلى قوله:
أذا أنْكرتْني بلدةٌ أو نكِرْتُها
…
خرجتُ مع البازِي عليَّ سوادُ
ومن مديحها:
الحكَم العَدْلُ من عزائمُه
…
قامتْ على الدهر فاكْتفى القاعدْ
وأصبحتْ حَيْرةً حواسدُه
…
كأنها العُمْيُ مالها قائدْ
هذا أحسن من قول المتنبي:
ما بالُ هذي النجوم حائرةً
…
كأنها العُمْي مالها قائدْ
وهو أخذه من قول العباس بن الأحنف:
والنجمُ في كبد السماء كأنه
…
أعْمَى تحيَّر ماله من قائدِ
رَبُّ القوافي التى لآلئُها
…
توَدُّ لوقُلِّدت بها الناهِدْ
إذا تأمَّلْتَها وجدتَ فتىً
…
شُهْبَ الدياجي بفكرِه صائِدْ
وقوله من أخرى، اولها:
هو الشوقُ حتى يستوى القربُ والبعدُ
…
وصدقُ الوفا حتى كأن القِلَى وُدُّ
فلا رقَدتْ عينٌ يؤرِّقها هوىً
…
ولا خمَدت نارٌ يسعّرها خَدُّ
ألا في سبيل الأعْيُن النُّجْل ما جرى
…
بمُنْعرَج الجَرْعاء حيث انْطوى العهدُ
عشيَّةَ أدْناني وأقْصاهُم الهوى
…
برَغْمِي وأرضاهُم وأسْخطنِي البعدُ
تذكّر عيشاً قد طوى نَشْرَه النوى
…
وعُفْراً عفَى من سِرْبها الأجْرَعُ الفَرْدُ
خليلَىَّ نَجْدٌ تلك أم أنا حالمٌ
…
لقد كذَبْتني العينُ ما هذه نجدُ
بلى هذه نجدٌ فأين ظِباؤُها
…
أأحجبها عِزٌّ أأم اغْتالها فَقْدُ
وما صنعتْ من بعدنا تلكمُ الدُّمَى
…
وكيف ذوَتْ هاتيكمُ القضُبُ المُلْدُ
كَأَنْ قد أضَلَّ البَيْنُ في عَرَصاتِها
…
مُنىً أو عليها في فؤاد النوى حِقْدُ
لقد خلَدتْ ممَّا دَهاك جَهَنَّمٌ
…
بأحْشائنا يا جنَّةً خانها الخُلْدُ
خليليَّ ماوُدَّا كُما وُدَّ مخلصٍ
…
أما فيكما هَزْلٌ إذا لم يكن جِدُّ
أفوق سوادِ الليل تبغي نجومُه
…
غشاء فلِم لم تصْحُ أعيُنها الرُّمْدُ
كأن تعالى اللهُ ذا البدرِ في السما
…
مَلِيك مُطاعٌ والنجومُ له جُنْدُ
كأن سماء الليلِ روضٌ مُنمَّقٌ
…
خمائلُه مِسْك أزاهِرُه نَدُّ
كأن الدجى والبرقَ والزُّهْرَ ناهدٌ
…
من الزَّنْج يُزْهيها فيُضحكها العِقْدُ
كأن الثُّريَّا كفُّ نَقَّادٍ اسْتوى
…
على نَطْع سَبجٍ فوقه نُثرَ العقدُ
كأن نجومَ الليلِ من حَيْرةٍ بها
…
ركائبُ تسْرِي مالها في السُّرَى قَصْدُ
كأن وَمِيضَ البرقِ في حالِك الدجى
…
صفاءٌ بقلبٍ قد توطَّنه الحِقْدُ
كأن الكرى سِرٌّ كأن الدجى حَشاً
…
كأن المُنى طِفْل كأن الرَّجا مَهْدُ
كأن السُّهَا معنىً دقيقٌ بفِكْرةٍ
…
فآونةً يخْفى وآونة يبْدُو
كأن الدجى والفجرُ يفتِق زِيقَه
…
مواطنُ غَىٍّ قد أناخ بها الرُّشْدُ
كأن الصَّبا رُسْلُ الصباح إلى الرُّبَى
…
بسِرٍّ أذاع الشِّيحُ خافِيه والرَّنْدُ
كأن طِلابِي المجدَ والدهرُ دونه
…
ترقُّب طَيْفٍ حال من دونه السُّهْدُ
كأن يَراعى غائصٌ بحرَ ظُلْمةٍ
…
فيُلفَظ لي من فِيه جوهرُه الفَرْدُ
كأن المعاني السانِحاتِ لخاطرِي
…
كواعبُ زارتْ مالزَوْرتها وَعْدُ
منها في المديح:
حديقةُ فضلٍ لا يُصَوِّح نَبْتُها
…
ونهرُ عطاءٍ ما لسائِله رَدُّ
ورِقَّةُ أخلاقٍ يَسيرُ بها الصَّبا
…
وبأسٌ له ترْمِي فرائسَها الأُسْدُ
وقوله من أخرى، أولها:
سرى عائدا حيثُ الضَّنى راع عُوَّدِي
…
سُرَى البَدْرِ طَيْفٌ بالدُّجُنَّةِ مُرتدِ
وما رَقَّ لو لم يَرْعَ حَيْني ولا سرَى
…
على البُعد في ثوب الحدادِ لمَرقدِي
فأعجبَه شوقي إليه على النَّوى
…
كذا كان حيث الشملُ لم يتبدَّدِ
وعاتبْتُه والظنُّ أيْأس طامعٍ
…
فجاوبَني والقلبُ أطمعُ مجتدِ
ولاطفْتُه حتى استملتُ فؤادَهُ
…
فيالك سَعْداً بعضُه لِينُ جَلْمَدِ
وبِتُّ كأن الدهرَ ألْقى زِمامَه
…
إليَّ وصافاني فأحْرزْتُ مَقْصِدِي
وحَكَّمني مِن جِيده وهْو عاطِلٌ
…
فحَلَاّه دَمعي بالجُمان المُنضَّدِ
إلى أن نعَى بالبَيْن صُبْحٌ كأنه
…
غرابُ النوى لكنه غيرُ أسوِد
من مديحها:
به دَرَّ ضَرْعُ المَكرُماتِ وثُقِّفتْ
…
قَنا الفضلِ وانْهلَّتْ غوارِبُ للصَّدِى
يُساقِط من فِيه المعاني كأنها
…
فرائدُ دُرٍّ في ترائبِ خُرَّدِ
ومن كلِّ سطرٍ فوق طِرْس كأنه
…
عِذارٌ تدلَّى في عوارِض أمْرَدِ
ومن مقطعاته قوله مضمنا:
قلتُ لما أن بدَا في خدِّه
…
زَرَدُ العارِض نَبْتاً وانْتضَدْ
أنَباتٌ لاح في خدَّيك أم
…
نسجَ الرِّيحُ على الماء زَرَدْ
قلت: أجاد في هذا التضمين، ولطف في نقله.
وأصله ما قال صاحب بدائع البدائة: روى عن عبد الجبار بن حمديس الصقلي، قال: صنع عبد الجليل بن وهبون المرسى الشاعر لنا نزهة بوادي إشبيلية، فأقمنا فيه يومنا فلما دنت الشمس للغروب هب نسيمٌ ضعيف غضن وجه الماء، فقلت للجماعة: أجيزوا
حاكتِ الريحُ من الماءِ زَرَدْ
فأجازه كلٌ منهم بما تيسر له.
فقال لي أبو تمام غالب بن رباح الحجام: كيف قلت يا أبا محمد؟ فأعدت القسيم له.
فقال:
أيُّ دِرْعٍ لقتالٍ لو جمَدْ
ثم قال صاحب البدائع، بعد ما سبق: وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف فقال:
نثرَ الجوُّ على التُّرْبِ بَرَدْ
…
أيُّ دُرٍّ لنُحورٍ لو جمَدْ
فتناقض المعنى بذكر البرد لو جمد، إذ ليس البرد إلا ما جمَّده البرد، اللهم إلا أن يريد بقوله: لو جمد لو دام جمده، فيصبح.
ومثل هذا قول المعتمد بن عبَّاد، يصف فوَّارة:
ولرُبما سلّت لنا من مائها
…
سيفا وكان عن النواظر مُغْمَدَا
طبعتْ لُجَيْناً ثم زانت صَفْحَةً
…
منه ولو جمَدتْ لكان مُهنَّدَا
وقد أخذ المقَّرى هذا المعنى، فقال يصف روضا:
لو دام هذا النَّبْتُ كان زَبَرْجَداً
…
ولو جَمدتْ أنهارُه كُنَّ بَلُّورَا
وهذا المعنى مأخوذ من قول على التُّونسي الإياديّ، من قصيدته الطائية المشهورة:
ألُؤْلؤٌ قَطْرُ هذا الجوِّ أو نُقَطُ
…
ما كان أحسنَه لو كان يُلْتقَطُ
والمعنى كثير للقدماء، قال ابن الرُّومي، من قطعة في العنب الرَّازقي:
لو أنه يبْقَى على الدهورِ
…
قرَّط آذانَ الحسان الحُورِ
عوداً على بدء.
ووما يشبه ما حاوله في التَّضمين قول عزِّ الدين الموصلي:
كالزَّردِ المنظومِ أصْداغُه
…
وخدُّه كالوردِ لمَّا وردْ
بالغْتُ في الَّلثْم وقبَّلتُه
…
في الخَدّ تقْبيلاً يفُكُّ الزَّرَدْ
وللبابي في ذم من تعذَّر:
قد كسَا اللهُ صُبحَ خدَّيْه ليلاً
…
وطَلى ذلك البياضَ سَوادَا
أصبحتْ ماءُ وَجْنتيْه سَراباً
…
وغدَت جمرةُ الجمال رَمادَا
وله أيضاً:
نادى لوَ أن النِّدا يُجدِي
…
قِفوا انْظروا ما أصاب خَدِّي
قد كان ورداً بغير شوكٍ
…
فصار شوكاً بغير وردٍ
مثله لذي الوزارتين أبي الحسن بن الحاجّ:
أبا جعفرٍ مات فيك الكمالُ
…
فأظهر خَدُّك لبْسَ الحدادِ
وقد كان يُنبِت وردَ الرياض
…
فأصبح ينبتُ شَوْكَ القَتادِ
ولعرقلة الكلبيّ:
إذا ما الأمْرَدُ المصقول جاءتْ
…
عوارضُه فنْقصٌ في ازْديادِ
وهل يَستحسنُ الإنسانُ روضاً
…
إذا ما حلَّه شوكُ القَتادِ
ومن بدائعه قوله من قصيدة، قالها وهو بالرُّوم يتشوَّق إلى الباب:
تذكَّر بالْباب ظبياً غَرِيرَا
…
وعيشَا رقيقَ الحواشِي نَضِيرَا
وعهداً تَرِفُّ أساريرُه
…
قطفْنا به العيشَ غضًّا نضيرَا
مَساحِبُ أذْيالِ لهوٍ بها
…
لبِسْنا الشبابَ طرِيّاً طَرِيرَا
وفي سَفْح تَيْماءَ وادٍ أغَنُّ
…
ثَراه تراه يفُتُّ العَبِيرَا
نسيماً عليلاً وظلاًّ ظليلاًَ
…
وماءً نَميِرا وروضا مَطِيرَا
تُعانِق فيه الغصونُ الغصونَ
…
ويلْطِم فيه الغديرُ الغديرَا
وللوُرْقِ صَدْحٌ بأفْنانِها
…
كألْحانِ داود يَتْلو الزّبورَا
وأثَّر فَرْطُ اعْتلال النسي
…
مِ في حركات الغصونِ فُتورَا
للرِّيح بالطيرِ فوق الغصو
…
نِ عبَثٌ به يستخِفُّ الوَقُورَا
فبيْنا يكاد يمَسُّ الثرى
…
بها إذْ يكاد يمَسُّ الأثِيرَا
وماءٌ يسِحُّ على وجهِه
…
ويسرَح في كل وادٍ مُغِيرَا
فلولا تشبُّثُ حَصْبائِه
…
به كاد من خِفَّة أن يطيرَا
إذا ما اسْتدار خلال الرياضِ
…
تخال مَعاصِم ضَمَّت خُصورَا
وقوله في الغزل:
كأنما أوْقف اللهُ العيونَ على
…
رُؤْيا محاسنِه لاصابَها ضَرَرُ
فلو بدَا من وَرا المرآةِ لانْحرفتْ
…
عن أهلِها حيث دارتْ نحَوهُ الصُّوَرُ
وكثيرا ما يسأل عن معنى البيت الثاني، وأحسن ما يوجَّه به، أن قوله من ورا، أي من خلف المرآة، لانحرفت الصور حيث سارت محاسنه، لأن الأبصار وقفٌ على محاسنه، لأن البصار وقفٌ على محاسنه، والمراد من الصور المنحرفة الدّاخلة المرآة.
وإنما أفرد المرآة وجمع الصُّور، مع أن في المرآة صورة واحدة، لأن المرآة الواحدة يمكن أن يرسم فيها صورٌ كثيرة، على طريقة البدليَّة، ولا تتعدد المرآة.
والصُّور فاعل انحرفت، وفاعل سارت ضميرٌ راجع إلى محاسنه.
وله:
ولي نفسُ حرٍّ لا مُني تسْترقُّها
…
ولا مَطَمعٌ نحو الهَوانِ يُدِيرُهَا
متى استكْبرتْ تصْغُرْ وإن هي صُغِّرتْ
…
تساوَى لديها عبدُها وأميرُهَا
إذا لَمستْها كفُّ عِزٍّ تطامنَتْ
…
وإن لَحَظتْها عينُ هُونٍ تُطيرُهَا
وله، وهي من غرره:
كاد يسعَى للتَّصابِي أوْسعَى
…
وَيْحَه ما عفَّ حتى نَزَعَا
الصَّبا لاسامح اللهُ الصَّبا
…
نبَّهتْ من غَيِّه ماهجَعَا
واستثارتْ من أقاصِي لُبِّه
…
صَبْوةً كان رَثاها ونَعى
قد صَبا طَوْعَ هواه ما صَبا
…
ورعَى شُهْبَ الدياجِي ما رعَىَ
هُجَنٌ ستَّرها ليلُ الصَّبا
…
غَضَّ عنها صُبحَ فوْدٍ طلَعَا
وعِثارٍ قد أقلَّتْه النُّهَى
…
فإن استأْنفت فيه لا لَعَا
زعَموا إن أسكتْتني ضِنَّةٌ
…
بالقوافي أن طَبْعي رجَعا
وتناسَوْا ذلك النَّظْمَ الذي
…
زاد في الرِّقة حتى انْقطعَا
والمعاني الَّلاي أنَّى أُنْشِدتْ
…
تلْمَس العقدَ الغواني جزَعَا
غَرّهم منّي سكوتٌ كلُّه
…
كلماتٌ تُسمِع الصُّمَّ الدُّعَا
وخُمود تحته جَزْلُ الغَضا
…
وسكونٌ تحته الرِّيُّ سعَى
في حِرِ امِّ الشِّعر مالي وله
…
خَلَّة سُدَّتْ وغَيٌّ أقْلعَا
قوله: زاد في الرقة نقله من قول ابن مليك، في الغزل:
لَيِّنُ الأعطافِ من خَصْرُه
…
رَقَّ حتى كاد أن ينْقطعَا
وقوله: تلمس العقد الغواني، من قول المنازيّ:
ترُوع حَصاه حالِيَة العذارَى
…
فتلْمسُ جانبَ العقْدِ النَّظيمِ
وله من قصيدة طويلة مستهلها:
حوَّلت عهدَ عيْشِه الأهوالُ
…
واستحالتْ من وُدِّها الأحوالُ
سَلْ رُسوم الرُّبوع عنها وما يُجْ
…
دي سؤالٌ عنه الجواب السؤالُ
قد وقفْنا نبكي الطولَ بها حتَّى
…
بكتْنَا بدمعها الأطلالُ
وعجبنا لرَبْعها كيف أقْوَى
…
مُطرقاً واسْتحال ذاك الجمالُ
ساكنٌ في السكون منه اضْطرابٌ
…
ساكتٌ في السكوت منه مَقالُ
صرَفتْ نَقْده صُروفُ الليالي
…
واستخفَّتْ به الخطوبُ الثِّقالُ
عَهْدُنا في ذُراه يُستأنَس الأُنْ
…
سُ وتُستَرْوَح الصَّبا والشَّمالُ
غادرَتْه الأغْيارُ تُستوحَش ال
…
وَحْشَةُ فيه وتُوجَل الأوْجَالُ
يا أُثَيْلاتِ مَسْرحٍ أقبل الإدْ
…
بارُ فيه وأدبر الإقْبالُ
باكَرتْكُنَّ عن عيون الغوادِي
…
إن عَراكُنَّ من دموعي المَلالُ
طالما بات للجمال مَقِيلٌ
…
في ذُاركُنَّ والعِثارِ مقالُ
وزمانٍ ما طال بالوصلِ حجتى
…
قَّصرتْه أيامُ هَجْرٍ طِوالُ
أخْلقتْ جِدَّةُ النَّوى ذلك العهْ
…
دَ ولبَّى داعي النعيم الخيالُ
أي ذنبٍ نُعاتب الدهرَ فيه
…
وعتابُ الأيام داءٌ عُضالُ
أنا ما بين فُرقةٍ تجمع السُّقْ
…
مَ وبُعْدٍ تدنُو به الآجالُ
وخُطوبٍ ألِفْتُها يستعيذُ الْ
…
خوفُ منها وتَذعَر الأهْوالُ
وأمانٍ تُجاذب الدهرّ ذيلَ الْ
…
حظِّ والدهرُ جاذبٌ جَدَّالُ
هِمَّةٌ أرَّقتْ جفونَ الأماني
…
بوُعودٍ للدهر فيها مِطالُ
واشْتغالٍ فرَغْتُ فيه عن اللهْ
…
وبأمرٍ للحظِّ عنه اشْتغالُ
أتمنَّى من الزمانِ وفاءً
…
ووفاءُ الزمان أمرٌ مُحالُ
وله من أخرى، أولها:
أقَبُول تنَّفستْ أم قُبولُ
…
أم شَمالٌ دارتْ بنا أم شَمُولُ
نشرتْ نَشْرها النَّدِىَّ كأنَّ ال
…
أُفْق بُرْدٌ من الكِبَا مَبْلولُ
مَهَلاً يسْترِحْ سَنامُك من وَقْ
…
رِ الشَّدِّ فالأناةُ أمرٌ جميلُ
واسْعِدينا بوَقْفِة نَسْمَةِ الشَّ
…
آمِ فقد يرحُم العليلَ العليلُ
كيف خَّلْفت دارَ أنْسٍ ومن الأُنْ
…
سْ فعَهْدي بالأُنس عهدٌ طويلُ
بوُجوه متى تبدَّتْ تبدَّى التَّ
…
كبيرُ من حولِهنَّ والتَّهْليلُ
التكبير والتهليل للتعجُّب، مما استعمله المولَّدون.
قال المتنبيّ:
كبَّرتُ حول ديارهمْ لما بدَتْ
…
تلك الشموسُ وليس فيه المشرِقُ
ووقع في مجلس أبي بكر بن زهر، أن بعض أدباء الأندلس كان عنده، فدخل فاضل من أهل خراسان عليهم، فأكرمه ابن زهر، وأجلَّه.
فقال الأندلسيّ: ما تقول في علماء الأندلس وأدبائهم وشعرائهم؟ فقال: كبَّرت.
فلم يفهم جوابه، واستبرده.
فلما فهم ابن زهر إنكاره، قال: قرأت شعر المتنبي؟ قال: نعم، وحفظته.
قال: أما سمعت قوله:...... وأنشد البيت، فعلى البيت، فعلى نفسك فلتكبِّر، ولفهمك اتِّهم وأنكر.
فخجل، واعتذر.
ومثله استعملوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الشيوخ بحماة:
فمَن رأى ذلك الوِشا
…
حَ الصَّائمَ صلَّى على مُحمَّدْ
ولبعضهم في وصف خط:
خطٌّ كما انْفتحتْ أزاهيرُ الرُّبَي
…
مُتنَزَّه الألْبابِ قَيْدُ الأعْيُنِ
وبلاغةٌ مِلْءُ العيونِ مَلاحةً
…
نال النبيُّ بها صلاةَ الألْسُنِ
وقد منعها النَّوويُّ في مثل هذا شرعاً.
قال: والوارد في مثله سبحان الله، كذا ذكره في أذكاره.
وقال الحليميّ: إنه جائز بلا كراهة.
وبَّينوا وجهه في فقههم.
وله من قصيدة، أولها:
عُوجا على رَسْمِ ذلك الطَّلَلِ
…
نَقْضِي حقوقَ الليالِي الأُوَلِ
لعلَّ نَثنِى أعطافَه ثانيةً
…
وقد ترجَّيْتُ غيرَ مُحتَمِلِ
فالدهرُ بأْبَي إبقاءَ مُغتنَمٍ
…
فكيف يُرْجَى لرَدِّ مُرتحِلِ
لكلِّ ماضٍ من شِبْهِه بدَلٌ
…
وما لعهْدِ الشبابِ من بدلِ
سقى لُوَيْلاتِنا بذي سَلَمٍ
…
كلُّ مُلِثِّ الرَّبابِ مُنْهمِلِ
معاهدٌ طال ما اقتطفتُ بها
…
زَهْرَ الهنا من حدائقِ الجذَلِ
وأطْلَع السعدُ في مَعالِمها
…
بَدْرَ المُنى في غياهِب الأمَلِ
حيث قُطوفُ اللَّذَّاتِ دانيةٌ
…
ومَوْرِد اللهوِ مُغْدِقُ النَّهَلِ
نعثُر فيها بذَيْل لَذَّتِنا
…
في هِضاب العِناق والقُبَلِ
بكلِّ مُستوْقِف العيون سَناً
…
يدعُو فراغَ القلوبِ للشُّغُلِ
الشغل فيه أربع لغات: شُغْل، وشُغُل، وشَغْل وشَغَل.
أثْقَل أعْطافَه بخفَّته
…
لُطْفُ التَّصابِي فخفَّ بالثِّقَلِ
وعُطِّلتْ من حَلْىِ النَّبات عِذَا
…
راهُ فحلَاه الحسنُ بالعَطَلِ
إذا رمتْنا من قَوْسِ حاجبِه
…
سهامُ جَفْنيْه مابَنُو ثُعَلِ
وارَحْمتا العاشقين قد دهَمَت
…
همُ المَنايا في صورة المُقَلِ
وقد تفاءلْتُ من مَصارعِهمْ
…
أنّ تَلافِى بالأعْيُنِ النُّجْلِ
أساً لقد جُرِّع الأسَى وهوًى
…
أهْويْتُ من أجلِه على أجَلِي
فذا الذي حَجبَتْ محاسنُه
…
عنَّا مَساوِى الصدودِ والنّقلِ
من كان عنِّي قبلَ النَّوَى صَلِفاً
…
أبْعدُ مَسمِعي عن العَذَلِ
مازِدتُ عنه بُعداً بفُرقتِه
…
لا وَاخَذ اللهُ البَيْنَ من قِبَلِي
منها في المدح:
أقام للفضل دولةً حسُنتْ
…
والوصفُ بالفضل أفضلُ الدُّوَلِ
واسْتتَر الظلمُ من عدالتِه
…
بين حُصون الظِّباء بالكَحَلِ
يا أبيضَ العدلِ ما تركتَ بها
…
سوادَ ظُلْمٍ إلا من المُقَلش
واعتدلتْ حيث ما اسْتمرَّ بها
…
لولا قدودُ الحسانِ ذُو مَيَلِ
ما كنتُ ادري من قبل رُؤْيتِه
…
كيف انْحصار الأنامِ في رجلِ
حتى رأيتُ امْرَأً يقوم له الدَّ
…
هْرُ على ساقِه من الوَجَلِ
إن ادَّعَى مبصرٌ له شبَها
…
فاحكُم على ناظِريْه بالحَوَلِ
هذا في استعمالهم كثير، ومن أبلغه قولي في غلام أحول:
بنفْسِيَ من أخْلصتُ قلبي لأجْلِه
…
فما اخترتُ عنه قَطُّ أن أتحوَّلَا
بديعُ جمالٍ لا يرى طرفُ ناظرٍ
…
نظيراً له حُسْنا ولو كان أحْوَلَا
ومن قصائده، ميميّته التي أهداها شنبا لثغر الأدب الباسم، وبعثها روحا في مجارى القبول الناسم:
تلك الطُّلولُ طلولُ سَلْمَى
…
فافضُض بها للدمعِ خَتْمَا
دِمَنٌ غرَستُ بها الهوى
…
فجنيْتُه كَمَداً وسُقْمَا
وانشُد هنالك مُهْجةً
…
بصرِيعة الأحْداق تُسْمَى
خلَّفْتُها يوم النوى
…
لِسهامها غرَضاً ومَرْمَى
وأظنها لم يُبْقِ منْ
…
ها حبُّ ذاك الظبِي رَسْمَا
صنمٌ كأن اللهَ صوَّ
…
رَهُ من الأرْواح جسمَا
وكأنما مُزِج الصَّبا
…
حتى تكوَّن منه بالْمَا
وجَناتُه رقَّتْ فكا
…
دتْ من خيالِ الوهمِ تَدْمَى
وَصَفتْ معاطُفه فكا
…
دبها الغلائلُ أن تنمَّى
نفِّسْ عليه يا نِطا
…
قُ فقد كدَدْتَ الخَصْر ضَمَّا
واخفِفْ مُرورَك يا نسي
…
مُ فقد خدَشْتَ الخدَّ لَثْمَا
إنِّي غضضْتُ الطَّرفَ خوْ
…
فاً أن يُؤثِّر فيه حَتْمَا
نَشْوانُ من خمرِ الدَّلا
…
لِ مُعشَّقُ الحركاتِ ألْمَى
عُوِّضتُ فيه عن هُدا
…
يَ وصحَّتي غَيّاً وسُقْمَا
إن الذي قسَم الهوى
…
جعل القنا لي منه قِسْمَا
لا واخَذ اللهُ الدُّمَى
…
بدمِي فقد هدرَتْه ظُلْمَا
فإلى مَ يا ثَمِلَ الجفو
…
نِ وفي مَ تجفْوني ومِمَّا
قد تَاه سلطانُ العيو
…
نِ على القلوب وجار حُكْمَا
تلك الصِّفاحُ البيضُ ل
…
كنْ للْمَنايا السُّودِ تُنْمَى
فكأنما راشَتْ لها
…
عزَماتُ نجمِ الدين سَهْمَا
نجمٌ غدا للحائري
…
ن هُدىً وللأعْداء رَجْمَا
وله الأيادِي الغُرُّ تُرْ
…
جِع أوْجُهَ الحسَّادِ دُهْمَا
لو حاربَتْه الشُّهْبُ لَانْ
…
قضَّتْ لديْه ترُوم سَلِمْاَ
منها:
خُذْها إلأيك أبا القوا
…
في لا أراها اللهُ يُتْمَا
قد أطْلعتْ من كلِّ مَعْن
…
نىً في سمَا عَلْياك نَجْمَا
أوْهمْتُها مدحَ السِّوَى
…
فتميَّزتْ بالغيظِ وَهْمَا
ومن مصوناته التي إذا اشتهرت اشتغل الناس بها عن كل منظوم، واحتفلوا بها احتفال بني تغلب بقصيدة عمرو بن كلثوم، هذه الميميّة:
عاد فانْقاد للهوى بذِماِم
…
بعد ما ودَّع الصِّبا بسلاِم
نسْمةٌ من رُبا الغدير استفزَّتْ
…
من أقاصي الحشَى دَواعي الغراِم
نشأتْ من منابِت الشِّيح والقَيْ
…
صوِم تروِى عن رَنْدِه والخُزاِم
ذكَّرْته عهداً قديماً وكم نبَّ
…
هَ ذكرُ العهودِ جَفْنَ الهُياِم
بوجوهٍ تجلّتْ صُوَر الأقْما
…
رِ ترْنُو عن أعْيُن الآرامِ
كل قَدٍّ يكاد يعقِده اللِّي
…
نُ وتَثْنيه خَطْرةُ الأوهامِ
وفم طيِّب المُقبَّل والنَّكْه
…
هة يُبْدى عن مثل حَبِّ الغَمامِ
أبْلَجٌ واضحُ الدليل بأنَّ الْ
…
جوهرَ الفردَ قابلُ الانْقسامِ
ولذيذُ الحديث يقطُر ظَرْفاً
…
بتثنِّي جِيدٍ وهَزِّ قَوامِ
لكلا العاشقْين ينفُث سحراً
…
شكلُ رُعْبوبةٍ وزِيُّ غلامِ
هذا البيت آخذٌ بطرفي الحسن، تتنبَّه له من غيرتها الجفون الوسن.
وقد ذكر الباخرزيُّ في مثله بيتا، وهو:
لمُذكَّر الخُطواتِ غيرِ مُؤنَّثٍ
…
ومُؤنَّثِ الخلَواتِ غيرِ مذكَّرِ
ثم قال، في وصفه:" هذا بيت شعر، يستوي بيت تبر، ففيه، قلبٌ يقبله كل قلب ".
ومما يقارب هذا قول بعضهم:
هو تحت العَجاج ليثُ عَرِينٍ
…
وهْو فوق الفِراشِ ظَبْيُ كِناسِ
زمن مَرَّ كلُّ عام كيومٍ
…
قِصَراً جَرَّ كلَّ يومٍ كعامِ
هكذا كلُّ مَغْنمٍ فهو عينُ الْ
…
غُرمِ والوجدُ زائدُ الإعدامِ
سترى إن أعارَك الدهرُ عيناً
…
أن دَرَّ الأيامِ للأيامِ
جلَّ بارِي الأمورِ في صُورِ الأضْ
…
دادِ أبْدَى اللذاتِ بالآلامِ
وجلا العزَّ في ملابِس ذُلٍّ
…
وكسَا الذلَّ صورةَ الإعْظامِ
وأراك المخْدومَ ناعمَ بالٍ
…
وهْو أشْقى الخدام بالخُدّامِ
حسبُك القَنع منصباً وكفى المَرْ
…
ءَ نعيما مُطارَحات الكرامِ
هي أهْنَى مواردِ العيش لكنْ
…
كدَّرْتها مَؤُونة الاحْتشامِ
من خشوعٍ ولات حين صَلاةٍ
…
واحْتراسٍ ولات حين صِدامِ
حركاتٍ تجري على غير طبعٍ
…
وقعودٍ مُعَّينٍ وقيامِ
وأشدُّ البلا على الرأسِ تُلْفَى
…
عِمَّةٌ مثل ذِرْوةِ الأهرامِ
ولباسٌ يغرى النَّوائبَ بالأكْ
…
نافِ ضافي الأذْيال والأكْمامِ
صاحِبَيَّ ابْغيا لنا خارجَ الْعا
…
لَم داراً فبئْس دارُ الزِّحامِ
واصْدُقاني ألسْتُما بين ليلٍ
…
ونهارٍ، مالي حليفُ ظلامِ
واسْتعيرا لمُقلتي هَجْعَةً عَلَّ
…
مَنامي يعودُ لو في منامِ
من أُمور تَقْذِى العيونَ وأخرى
…
تصْدَع السمعَ مثل وخْزِ السهامِ
مَشْربٌ كلُّه قَذًى سوَّغتْه
…
إلفُ هذا النفوِس بالأجسامِ
ما أرى موتَ مَن فقدْنا من الإخْ
…
وانِ إلا لفَرْط شوقِ الحِمامِ
هلكُوا هِمَّةً وأدركنا الَّل
…
هُ بحُمْقٍ عشْنا به في جَمامِ
مَن أراد العيش الهَنِىَّ فلا يُعْ
…
مِلُ فكراً فالعيشُ عيش السَّوامِ
وَيْكَ حتى م نحن غَرْقَى بحور الشِّ
…
عِر أسْرَى سلاسلِ الأرْقامِ
قد عكَفْنا على غَوايتِنا نَضْ
…
ربُ منها في غاربٍ وسَنامِ
قد غنَيْنا عن الدُّروس بما تُم
…
لِى علينا صحائفُ الأيامِ
من عِظاتٍ تُتْلى بغير لسان
…
وسطورٍ خُطَّت بلا أقلامِ
أرْمُسٍ دارِساتِ عهدٍ وأخرى
…
طامِساتِ الصُّوَى وأخرى قِدامِ
ولوَ أنَّ العيونَ زال غَشاها
…
لرأتْ كلَّ أَخْمَصٍ فوق هامِ
بل وفي وردةٍ ألف خَدٍّ
…
وقضيبٍ يميسُ ألفَ قَوامِ
فلَكٌ دائرٌ وما هو إلَّا
…
أجَلٌ ساهرٌ لقومٍ نيامِ
كم قرون طَحَنَّ أيضاً وكم تطْ
…
حنُ أرحاؤُهنَّ بالإعدامِ
وقوله: " ولو أن العيون "، إلى آخر البيتين، معنى دقيق، وفي رُباعيّات عمر الخيام بالفارسيّ من نوعه أشياء كثيرة.
ولي في ترجمة رباعية من رباعياته:
في الاعْتبار بمَن مضى من قبلنا
…
عِبَرٌ وتلك هدايةُ المسترشدِ
فلكم طوتْ ترْباؤُنا أُمَماً وهل
…
مَيْتٌ بغير ثَرائِها لم يُلْحَدِ
حتى كأن شَقِيقها دمُ أسرةٍ
…
سفَكتْ دماءَهمُ عيونُ الخُرَّدِ
وبَنَفْسَجُ الروضِ النَّدِىِّ كأنه
…
خِيلانُ وَجناتِ الخدودِ الوُرَّدِ
ومن هذا قول المنجكيّ:
وإذا تأمَّلت الثَّرى ألْفيْتَه
…
غُرَرَ الملوكِ تُداسُ تحت الأرْجُلِ
وقول السيد عبد الرحمن بن النقيب:
كم ضَمت التّرباءُ خَلْقاً قبلَنا
…
من آخِر يقْفو سبيلَ الأوَّلِ
حتى كأن أدِيمَها ممَّا حوَتْ
…
حبَّاتُ أفئدةِ الملوك العُدَّلِ
والمشهور فيه قول أبي العلاء المعرِّيّ، من مرثيَّته الشائعة:
رُبَّ لَحْدٍ قد صار لحداً مراراً
…
ضاحكٍ من تَزاحُم الأضدادِ
صَاحِ هذى قُبورنا تملأ الرُّحْ
…
بَ فأين القبور من عَهد عادِ
خفِّفِ الوَطْءَ ما أظن أديم الْأ
…
رضِ إلَّا من هذه الأجسادِ
وقد شاركه فيه مهيار، في قوله:
رُوَيداً بأخْفاف المَطِيِّ فإنما
…
تُداسُ جِباهٌ في الثَّرَى وخدودُ
ومنزع هذا كله قول أبي الطيِّب:
ويدفنُ بعضُنا بعضا ويمشي
…
أواخرُنا على هامِ الأوالىِ
يريد بالأوالى الأوائل، وهو كثير في كلامهم، قال امرؤ القيس:
وأمنع عِرْسِي أن يُزَنَّ بها الخالِي
أي الخائل.
عودا إلى ما نحن فيه.
وما أحسن ظنَّه بربه، حيث قال:
لا أُبالي إن قبضتُ على
…
سُنَنِ الإسلامِ قَطُّ عَنَا
رحمةُ الله التي وسِعتْ
…
كلَّ شيءٍ لا تضيقُ بنَا
وهنا أنهى ترجمته بموشَّح له يذكر فيه عين الذهب، ويندب عيشاً له فيها ذهب:
بِأبي وَا بِأبِي وا بِأبي
…
جَرْعةٌ من ماء عينِ الذهبِ
يارعاهُ الّلهُ من وادٍ وسيمْ
…
رَقَّ فيه الماءُ واعْتلَّ النسيمْ
تُعرف النَّضرةُ فيه والنعيمْ
…
عيشُنا فيه رَخِىُّ الَّلَبَبِ
غفلتَ عنه عيونُ النُّوَبِ
حيث ما يمَّمْتَ روضٌ وغديرْ
…
وإلى جانبه ظَبْيٌ غَرِيرْ
وفِراشٌ مُنْقَنُ الوَشْىِ وَثِيرْ
…
كمُلَتْ فيه دواعِي الطَّرَبِ
يؤْخذ الصيدُ به عن كَثَبِ
ونديمٍ شَبَّ في حجرِ الدلالْ
…
لو عصَرْتَ الظَّرْف من عِطْفْيه سالْ
قمرٌ ينظر عن عيْنَيْ غزالْ
…
وإذا ساجْلَته بالأدبِ