المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السيد محمد بن عمر العرضي - نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة - جـ ١

[المحبي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الباب الأولفي ذكر محاسن شعراء دمشق

- ‌الشام ونواحيها لا زالت طيبة العرار والبشام

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بسم الله الرحمن الرحيمبقية الباب الأول

- ‌في محاسن شعراء دمشق ونواحيهافصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

- ‌السيد محمد بن السيد كمال الدين

- ‌أخوه السيد حسين

- ‌السيد عبد الرحمن

- ‌السيد عبد الكريم

- ‌السيد إبراهيم

- ‌شهاب الدين بن عبد الرحمن

- ‌أخوه إبراهيم

- ‌فضل الله بن شهاب الدين

- ‌ علي بن إبراهيم

- ‌ حفيده إسماعيل

- ‌ولده عبد الغني

- ‌أحمد بن ولي الدين

- ‌ولده عبد الوهاب

- ‌عمر بن محمد

- ‌حفيده محمد بن علي

- ‌حسين بن محمد

- ‌القاضي محب الدين

- ‌عبد اللطيف

- ‌ أخوه محب الله

- ‌محمد بن عبد اللطيف الشهير بالخلوتي

- ‌ السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله

- ‌فصل

- ‌محمد بن عمر الصوفي

- ‌على بن جار الله

- ‌حافظ الدين العجمي

- ‌مرعيّ بن يوسف الكرميّ

- ‌‌‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في الحثّ على المواعيد

- ‌فصل في شكوى حال غريب

- ‌فصل في مخاطبة محدّث

- ‌فصل في مخاطبة منطقيّ

- ‌فصل في مخاطبة نحويّ

- ‌خير الدين بن أحمد الحنفي

- ‌نجم الدين بن خير الدين

- ‌أحمد الخالدي الصفدي

- ‌حسن الدّرزيّ العيلبونيّ

- ‌محمد بن محي الدين المعروف بالحادي الصّيداويّ

- ‌حسين بن عبد الصمد الحارثيّ

- ‌ولده بهاء الدين

- ‌حسن بن زين الدين الشهيد

- ‌سبطه زين الدين بن محمد

- ‌السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني

- ‌ولده السيد جمال الدين

- ‌أخوه السيد علي

- ‌نجيب الدين بن محمد بن مكي

- ‌محمد بن حسن بن عليبن محمد، المعروف بالحر

- ‌محمد بن علي بن محمود الحشريّ

- ‌حسين بن شههاب الدينبن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

- ‌عبد اللطيف البهائي البعلي

- ‌حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي

- ‌عبد الجليل بن محمد الطرابلسي

- ‌رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي

- ‌فصل في وصف عمامة

- ‌المعروف بابن الأعوج

- ‌الباب الثاني في نوادر الأدباءبحلب الشهباء

- ‌مصطفى بن عثمان البابي

- ‌السيد موسى الرَّامحمدانيّ

- ‌أبو مفلح محمد بن فتح الله البيلوني

- ‌السيد محمد بن عمر العرضي

- ‌فتح الله بن النحاس

- ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

- ‌ولده السيد باكير

- ‌ السيد عبد القادر بن قضيب البان

- ‌ولده السيد محمد حجازي

- ‌السيد عبد الله بن محمد حجازي

- ‌ السيد يحيى الصادقي

- ‌السيد عطاء الله الصادقيّ

- ‌السيد محمد التقوى

- ‌السيد أسعد بن البتروني

- ‌السيد حسين النبهاني

- ‌القاضي ناصر الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن تاج الدين الكوراني

- ‌ولده أبو السعود

- ‌محمد بن أحمد الشيباني

- ‌حسين بن مهنا

- ‌محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن الشاه بندر

- ‌صالح بن قمر

- ‌صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم

- ‌مصطفى الزيباري

- ‌مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن محمد البخشي

- ‌إبراهيم بن أبي اليمن البتروني

- ‌أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا

- ‌محمد بن حسن الكواكبي

- ‌الباب الثالثفي نوابغ بلغاء الروم

- ‌الباب الرابعفي ظرائف ظرفاء العراق

- ‌والبحرين والعجم

- ‌شعراء البحرين

- ‌فصل جعلته للمعرباتقديماً وحديثاً

- ‌الباب الخامسفي لطائف لطفاء اليمن

- ‌ذكر بني القاسم الأئمة

- ‌ذكر آل الإمام شمس الدينبن شرف الدين بن شمس الدين

- ‌فائدة

الفصل: ‌السيد محمد بن عمر العرضي

وانظرْ محاسنَهُ دَرَّاً كمَبسَمِه

منه كدمعِك دُرُّ اللفظ ينتثرُ

منها:

عيْناه في القلب أغصانُ الهوى غُرِساَ

ورُبَّ غَرْسٍ جَناه الصَّابُ والصَّبِرُ

أوْلَيْتُ للشوقِ قلباً ليس يرجع من

هجرٍ أيرجعُ ماءٌ حيث ينْحدرُ

ومن مديحها قوله:

يكاد بدرُ الدُّجَى يُنْمَى لطلْعتِه

لو كان يمشي على وجهِ الثرى القمرُ

قضى الإلهُ بأن يُفْدى بحاسدِه

فما له حسَدٌ باق لو عُمُرُ

والدهرُ لو أنه نَاواه لانْقلصَتْ

ظلالُه ورأينا الناسَ قد حُشِرُوا

له عزائمُ زان الحِلمُ سَطْوتَها

ينْقَدُّ إن شامَها الصَّمْصامَةُ الذَّكَرُ

منها:

وافَيتُ باكِرَ لا أرجو سواهُ وما

سواه ليس له نفعٌ ولا ضَرَرُ

وجئتُ سَبْسَبَ خَطْبٍ من مَناسِمِه

بسيْل ذَوْب اصْطباري تملأُ الحُفَرُ

وأيْنُقِي حين أحْدُوها بمدْحك لا

يكاد يلْحقها من سُرعةٍ نَظَرُ

كأنها ابْتلعتْ بِيدَ الفَلا وسرتْ

في السُّحْبِ تقصِد حيث الغيثُ ينْهمرُ

فظَهْرهُنَّ حرامٌ إذْ بلَغْنَ إلى

نادٍ يحِلُّ بمن قد حلَّه الوَطَرُ

منها:

وهذه مِدَحي في طَيِّ أسطُرها

عَبِيرُ ذكرِك في الأقْطار يْنتشرُ

عذراءُ ترفُل في ثوبِ البلاغ لها

من القوافي حُجولٌ صاغَها الخَفَرُ

ألفاظُها كصخورٍ في متانتِها

وكلُّ لفظٍ به معناه مُنتقرُ

وله من قصيدة، أولها:

صَبابةُ لا اصْطبارَ يضمِرها

ومهجةٌ لا خليلَ يعذُرُهَا

ودمعةٌ لا الزَّفيرُ يُنضِبها

وزفرةٌ لا الدمُوع تُضمرُهَا

وعَشْقةٌ قد أبان أولُها

أن هلاكَ المحبِّ آخرُهَا

فكل نارٍ وإن علَتْ خمَدتْ

سوى التي وَجْنةٌ تُسِّعُرهَا

وَيْحَ جريحِ اللِّحاظ عِلَّتُه

في الطبِّ حيث الطبيبُ خِنْجرُهَا

ثباتُ عينُ الحبيبِ ليَلته

كالنجمِ لكن أبيتُ أسهَرُهَا

لولا الكرى قامت مُرنَّحةً

لم تكُ أيدي الجفونِ تهْصُرُهَا

لي زَفْرةٌ لم أزلْ أُصعِّدُها

ودمعةٌ لم أزلْ أُقطِّرُهَا

ما العشقُ إلا كالكِيمياءِ أنا

دون جميعَ الأنام جابرُهَا

تبْسَم إن كُلِّمتْ مَشاكِلُها

ودُرُّ دمعي غدا يُناظِرُهَا

هيفاءُ ما الغصنُ مثلَ قامتِها

لكنَّ أعْطافَه أشايِرُهَا

أعشق من أجْلها الكَثِيبَ إذا

يضمُّ أمثالَه مَآزِرُهَا

وأحسِد البدرَ في محبَّتها

فغيرُه لا يكاد يْنظُرهَا

وألثَمُ المسكَ والعبيدَ عسى

يكون مما فتَّتْ ظفائرُهَا

لله ما في الهوى أُعالجُ من

لواعِجٍ في الهوى أُصابِرُهَا

يا حبَّذَا خُلْسةٌ ظفرتُ بها

في غَفلةٍ للزمان أشكرُهَا

حيث لعْهدٍ غدتْ تمُدُّ يداً

لم تدْرِ أسرارَها أساورُهَا

يسألها خاطرِي الوصالَ ولا

يُجيب عنه إلَّا خواطرُهَا

ليت ليالي الوِصالِ لو رجعتْ

أوْليت قلبي معي فيذكرُهَا

ومن مقاطيعه قوله:

لا تُلمْ من شكا الزمانَ وإن لم

تَشْفِ شكْواه علَّةَ المَجْهودِ

إنما يُحوِج الكرامَ لشكْوَى

شوقُ ما في طباعِهم من جُودِ

وهنا أذكر ثلاثة من بلغاء النثر والنظم، نسقهم الشِّهاب في مطالع خباياه نسق النظم.

فمنهم:

‌السيد محمد بن عمر العرضي

هو من ألقيت إليه في كرم الطبع أعنة السلم، فلولا توقد ذهنه لا خضر في يده القلم.

ص: 281

مكانته من الشهرة حيث يستبين للمبصر النهار، وطبعه يتنفس عن المعاني تنفس الروض عن الأزهار.

وله عذب لفظٍ يلفظ الدرر الزواهر، وفي غير هذا العذب لا تتكون الجواهر.

نظم فيوزِّع على العقول سحراً، وينثر فيفرق على الأفواه دُرًّا فهو يذيب الشعر والشعر يذيبه، ويدعو القول والسحر يجيبه.

إذا خط في الطرس نم ببدائع الآثار، وأطرب حتى كأن قلمه مضرابٌ وسطوره أوتار. فيجيء من أبكار افكاره، بما يستعير الرحيق السلسل من فضل إسكاره.

وكان دخل الروم مقدراًَ أن المتاع بأرضه يسترخص، وأن المرء يبلغ مناه في أي وجه يشخص.

فلم يحصل على ما يستحقه وفور كماله، فقال يذكر ما لقيه من تخلف آماله: لما ضاقت رقاع بلادي، ونفدت حقيبة زادي.

فوقت سهام الاحتيال، وأجلت قداح الفال.

فكان معلاها السفر، سفينة النجاة والظفر.

طفقت أتوكأ على عصا التسيار، وأقتحم موارد القفار.

أفرى فلاةً يبعد دونها مسى النعى، وألطم خدود الأرض بأيدي المطى.

فكنت فتى قذفته رقة الحال على بريد النوى، واعتنقته الهمة العاقر وألقحت بعزمه لواقح المنى.

أساير عساكر النجوم والأفلاك، وقد ركز الليل رمح السماك.

فأنخت راحلتي بمخيم المجد، وقرارة ماء السعد.

كعبة الأفاضل إلا أنهم يحجون إليها كل آن، وسوق عكاظهم إلا أنها تنصب فيها مصاقع الروم لا مصاقع عدنان.

فلما ألقتني فيها أرجوحة المقادير، فإذا هي فلك العز ومطلع التدبير.

إلا أن حالي تقسمت فيها بين الاغتراب والاضطراب والاكتاساب أثلاثا، فما نزلت منها منازل إلا حسبتها علىَّ أجداثا.

وسقتني الدردى من أول دنها، وسوء العشرة باكورة فنها.

كل هذا وأنا أستلين مس خشونتها، وأسيغها على كدرتها.

وأقول: إذا لم تتمَّ الصدور فستتم العواقب.

وإن لم ترش القوادم فستريش الخاوفي والجوانب.

وكتب إلى حلب لبعض أودائه: وأيم الله لقد طال حديث الفراق واستطال على سلطانه، وقد قرأت كتابه فما سرني خاتمته، بقدر ماساءني عنوانه.

وكلما محت أنامل وشك الملتقى من أسطره سطرا، خطت أقلام ممليه عوضه عشرا.

وكلما استنهضت عزيمتي أقعدتها كلا كل التَّواني، وحالت بينها وبين مخدارت الأماني.

فإلى الهل عز وجل أرفع يد التضرع، وأذرى في ساحة الدعاء دموع التفجع والتوجع.

أن ينظم ذات البين، ويجدع بحد الاجدتماع مارن البين.

وكتب من تعزية بنقيب أشراف حلب: ما أيقنت أن قسطنطينية هي الجزيرة السودا حتى وقع لدىَّ طير هذا النعى الذي ما زال حامله يلطم خدود الأرض بأيدي المطى.

فياله من خبر حينٍ زاد في مرض القلوب، وشقَّ الأكباد قبل الجيوب.

وقرأت ما كتبته أقلام التفجع بأفواه الجفون، ونثرت عندها عقد شملي المصون.

حيث لم أدخر لسفر هذه الفرقة من زاد، ولا بلَّيت غليلها ببراد.

وأيم الله ما ذكرت لطائم أخلاقه الغر، وحلاوة منطقه الحر.

وقطفه نور الفضائل، وإهداءه باكورة المسائل.

وإحرازه قصب السبق، وثبوت قدمه على جادة الصدق.

وإيواءه لي في حواشي وده الخصيب، وإلباسي كل يوم رداءً لفقده القشيب.

إلا اتقدت عليه حراً، وتأبطت على الحمام شرا.

وأسأل الله تعالى أن يجعل وفاته خاتمة كتاب الرَّزايا، وقافية بيت البلايا.

وأن يقلم ظفر مصابه بأنامل الصبر، ويذيقكم عن مرارة صابه حلاوة الأجر.

ومن شعره في أيام اغترابه، يشتكى من كثرة اضطرابه:

أمَا لأسيرِ الروم فَكٌّ من الأسْرِ

فقد ملكتْ آرامُها القلبَ بالأسْرِ

بها نثرُ شَمْلِي من ثغورٍٍ تنظَّمتْ

فيالكَ من نَظْمٍ غدا داعيَ النَّثْرِ

ولا بِدْعَ في أرضِ الثغُورِ شتَاتُنا

ومَن لي بَلثْمٍ سَدَّ ذَيَّالك الثَّغرِ

يُذكِّرنا رَوْعَ العذارَى بمنْزلٍ

أجادَ المنازِي وَصْفَه غابرَ الدَّهرِ

إذا همستْ في شُكْرِ غيرِك ألْسُنٌ

فأنت لك الأسفارُ تُعلِن بالشُّكْرِ

بقيتَ لك العلياءُ تُعْطِى قِيادَها

بتلك اليدِ البيضاءِ والبِيضِ والسُّمْرِ

وله يتشوق إلى أحبابه، ويحن إلى معاهد صبوته وشبابه:

يا بريدَ الأشواق أوْجِفْ لدارٍ

هي مُصْطاف لَوْعتي وشبابِي

ص: 282

واختبرْ أُسرةً أراهم بكاسِي

ما تذكَّرتُهم بطافي الحَبابِ

هل هواهم بنا كما قد عهدْنا

أم قضى شخصُه بحُبِّ اغْترابِي

فمن اللهِ أسْتعيدُ لِقاهُم

وله إن جفا الحميمُ احْتسابِي

فهْو عَوْنُ النَّائِي الغريبِ إذا ما

عَضَّه حادثُ الزمان بنَابِ

وقال:

أحِنُّ إلى شَهْبائنا وقُوَيْقِها

إذا انْساب منه بالنَّيارِب سَلْسالُ

وأظْمأُ حتى أرْتوِي منه بالَّلمَى

وألْثَم أرْضاً دونها خَفَقَ الْآلُ

ولم تسْتِمْلني الرومُ شمسُ مُدامِها

تُدار بكَفِّ البدرِ والمرءُ مَيَّالُ

فماءُ بلادي كان أنْجعَ مشرباً

ولوأن ماءَ الرومِ صَهْباءُ جِرْيالُ

قويق نهر حلب، أكثر الشعراء من وصفه، فمن وصفه الخطيب أبو عبد الله محمد بن حرب، في قوله:

لقد طُفْتُ في الآفاقِ شرقاً ومغرِبا

وقلَّبتُ طَرْفي بينها مُتقلّبا

فلم أرَ كالشَّهْباءِ في الأرض منزلاً

ولا كقُوَيقٍ في المَشارب مَشْربا

وللصنوبري فيه:

قُوَيقٌ إذا شمَّ ريحَ الشِّتا

ءِ أظهرَ تيهاً وكِبْراً عجيبَا

وناسَب دجْلةَ والنِّيلَ وال

فُراتَ بهاءً وحسناً وطِيبَا

وإن أقبَل الصيفُ أبصرْتَه

ذليلاً حقيراً حزينا كئيبَا

إذا ما الضفادعُ ناديْنَه

قُوَيْقُ قُوَيْقُ أبَى أن يُجِيبَا

وتمْشِي الجرادةُ فيه فلا

تكادُ قوائمها أن تغيبَا

وله فيه:

قُوَيْقٌ على الصفراء رُكِّب طبعُه

رَباه بهذا شُهدُه وحدائقُهْ

فإن جَدَّ جِدُّ الصيفِ غادر جسمَه

ضئيلاً ولكنَّ الشتاءَ يوافقُهْ

وله فيه، من قصيدة:

هو الماءُ إن يوصَفْ بكُنهِ صفاتِه

فللْماء إغْضاءٌ لديه وإطْراقُ

ففي اللون بَلُّورٌ وفي اللَّمْعِ لُؤْلُؤٌ

وفي الطِّيبِ قنْديدٌ وفي النَّفع دِرْياقُ

إذا عبثتْ أيْدي النسيم بوجْهِه

وقد لاح وجهٌ منه أبيضُ بَرَّاقُ

فطوراً عليه منه دَرَق خفيفةٌ

وطوراً عليه جَوْشَنٌ منه رَقْراقُ

وقد عابه قومٌ وكلهمُ له

لى ما تعاطَوْه من العيْب عُشَّاقُ

وقالوا ألبس الصيفُ يُبْلى لِباسَه

فقلتُ الفتى في الصيفِ يُقْنعه طَاقُ

وما الصبْح إلاّ آيِبٌ ثم غائبٌ

تُوارِيه آفاقٌ وتُبديه آفاقُ

ولا البدرُ إلا زائدٌ ثم ناقِصٌ

له في تَمام الشهرِ حَبْسٌ وإطلاقُ

ولو لم تَطاولْ غَيْبةُ الوردِ لم تَتُقْ

إليه قلوبٌ تأئقاتٌ وأحداقُ

ولو دام في الحبِّ الوصالُ ولم يكنْ

فِراقٌ ولا هجرٌ لما اشْتاق مشتاقُ

وفضْل الغنى لا يسْتبينُ لدَى الغِنَى

إذا لم يكنْ في ذلك الفضلِ إمْلاقُ

قُوَيْقٌ رَسِيلُ الغيثِ بأتي وينْقضي

ويأتي انْسياقاً تارةً ثم ينْساقُ

وللعرضي من مكاتبة:

هل من خليلٍ بشَهْبانَا نُخَالِلُهُ

وهل غزالٌ إذا عُدْنا نُغازِلُهُ

عهدْتُها وشموسُ الرَّاحِ جاء بها

بدرُ التَّمام وغصنُ الْبان حاملُهُ

إن ماسَ من وَلَهٍ وَاذُلَّ عاشقِه

حتى م يفْنَى إذا ما اهْتزَّ عاملُهُ

تُرَى إذا ما قرعْنا باب ساحتِه

يُولِي الجميلَ وإلَاّ خاب آملُهُ

وهل نَوَدُّ فتى شطَّتْ منازلُه

ورَبْعُه قد خلا والبَيْن منازلُهُ

ما حِيلتي وطُروق البَيْن أقْلقني

كأنَّ عيْشا مضى ما زال زائلُهُ

طال الفِراقُ فلا وافٍ يُراسِلنا

على البِعاد ولا آتٍ نُسائلُهُ

وله:

هم القومُ إن بانُوا عن العينِ أوبانُوا

بهم رَبْعُ قلبي آهلٌ حيث ما كانُوا

ص: 283

أنقِّلهُم من منزلٍ بعد منزلٍ

ولولا انْتضاءُ السيفِ أصْداه أجْفانُ

فطوْراً جعلتُ العينَ وادِي عقِيقهمْ

إذا سال منها بالمَدامع طُوفانُ

وطوراً لهم قلبي الغَضَا ما تضرَّمت

بتَذْكار عيشٍ لمْ يدُم ليَ نِيرانُ

لئن فات عيني منهمُ اليوم بَهْجةٌ

فقد ملأتْ دارَ الأحاديث آذانُ

وكم من مُحِبٍّ لم يشاهدْحبيبَه

كما تُعْشَق الجنَّاتُ روضٌ وأفْنانُ

أُؤَجِّج في الأحْشاء نارَ القِرَى عسى

على ضوئِها تعْشُو من الطَّيْفِ ضِيفانُ

فرشْتُ له جَفْناً بطائفة الكرَى

وأين الكرَى هيهات قَوْليَ بُهتانُ

فما الطيفُ إلا البدر والنومُ فكرتي

فها أنا يقظانٌ وها أنا وَسْنانُ

أمولايَ يا هذا الصَّلاحي الذي به

صَلاحُ وِدادٍ قد وهَى عنه ثَهْلانُ

لئن ظمئتْ عيين إلى مَنْهَلِ اللِّقا

فقلبي برَيّاً ذكرِك اليومَ رَيَّانُ

ومن غرر قصادءئه في إبداء التشوق، قوله:

على أثَلات الوادِيَيْن سلامُ

وبعضُ تَحايا الزائرين غَرامُ

تذكَّرتُ أيامي بها وأحبَّتي

إذا العيشُ غَضٌّ والزمان غلامُ

وإلْمامتي بالحيِّ حيثُ تواجهَتْ

قصورٌ وأكْنافُ الحمَى وخيامُ

أُلامُ على هِجْرانهم وهمُ المنَى

وكيف يُقيمُ الحرُّ وهْو يُضامُ

همُ شرَعوا أنَّ الجفاءَ مُحلَّلٌ

وهم حكموا أن الوفاءَ حرامُ

بقلبيَ رَوْحٌ منهمُ وضَمانةٌ

وعنديَ بُرْءٌ منهم وسَقامُ

وأبْلحَ أمَّا وجهُه حين يُجْتَلي

فشمسٌ واما كفُّه فغَمامُ

جرى طائري منه سَنِيحاً فعلَّني

بدَرِّ أيادٍ مالهُنَّ فِطامُ

شَرَدْتُ عليه غيرَ جاحدِ نعمةٍ

أُكلَّفُ خَسْفا بعده وأُسامُ

وقد يُسلَب الرأيُ الفتى وهْو حازمٌ

وينْبُو غَرارُ السيفِ وهْو حسامُ

فقد وجد الواشون سُوقا ونفَّقوا

بضائع زودى مالهُنَّ دَوامُ

وبعضُ كلام القائلين تزيُّدٌ

وبعضُ قبول السامعين أَثامُ

فأصبح شَمْلُ الأُنْس وهْو مُبدَّدٌ

لديه وحبلُ القُرْب وهْو زِمامُ

يُقَرِّب دوني من شَهِدتُ وغيَّبوا

ويُوصِل قبلي من سهِرتُ ونامُوا

تزاوَر حتى ما يُرجَّى الْتفاتَهً

وأعْرَض حتتى ما يَرُدُّ سلامُ

فلا عَطْفَ إلَاّ لَحْظَةٌ وتنكُّرٌ

ولا رّدَّ إلا ضَجرةٌ وسَآمُ

فإن يكٌ رأيٌ زَلَّ أو قدَرٌ جرى

بنازِلةٍ فيها عليَّ سلامُ

فواللهِ ما فرَّقتُ فيك جنايةً

أُعابُ بها في جَحْفَلٍ وأُذامُ

ولا قَرَّ لي بعد التفرُّق مَضْجَعٌ

ولا طابَ لي بعد الرَّحيلِ مُقامُ

ولا ليَ إلَّا في ولائك مَسْرَحٌ

ولا ليَ إلَّا في هواك مَسَامُ

وإن أكُ قد فارقتُ دارَك طائعاً

فللدهرِ في شَتِّ الجميع غَرامُ

فقَبْلِيَ ما خلَّى عليّاً شقيقُه

وقرَّ بِه بعد العِراق شآمُ

حياءً فإن الصفحَ فيه مَغَبَّةٌ

ومَعْذرةٌ إن الكرامَ كِرامُ

أَلِمْنا وأعْذرْتم فإن تبْلُغِ المَدَى

من العَتْب نُعْذَر دونكم ونُلامُ

وأحسنتُم بَدْءًا فهلَّا أعدتمُ

ففي العَوْد للفضلِ الجميل تَمامُ

ص: 284

أُجِلُّك أن ألْقاك بالعُذْر صادقاً

وبعض اعْتذار المُذْنبين خِصامُ

أتبْعُد حتى ليس في البُعد مَطْمَعُ

وتُعْرِض حتى ما تكاد تُرامُ

وتنْسى حقوقي عند أوَّل زَلَّةٍ

وأنت لأهل المَكْرُمات إمامُ

ألم ألْقَ فيك الأسْرَ وهْو مُبَرِّحٌ

وألْتذُّ طعمَ الموت وهْو زُؤَامُ

وأخْطو سوادَ الليل وهْو جَحافلٌ

وأرْعَى نجومَ الأُفْق وهْيَ سِهامُ

هو الذنبُ بين العفو والسيفِ فاحْتكمْ

بما شئتَ لا يعلو بفضْلك ذَامُ

ولا تَبْلُني بالبُعد عنك فإنما

حياتيَ إلَّا في ذَراك حِمامُ

إذا ما جَزْيتَ السُّوءَ بالسُّوءِ لم يكنْ

لفضلِك بين الأكْرمين مَقامُ

أعِدْ نظراً في حالتِي تَلْقَ باطنا

سَلِيماً وسِرِّى ما عليه قَتَامُ

فمثلُك لم تْغِلب عوائدُ سُخْطِه

رِضاه ولم يْبعُد عليه مَرامُ

فلا تُنْكرَنْ فيما تسَخَّطتَ ساعةً

فقد مَرَّ عامٌ في رِضاك وعامُ

وإن عَزَّ ما أرْجوه منك فإنني

لينفعني تسْليمةٌ ولَمامُ

فلا تُشِعرَنِّي غِرَّة اليأْسِ إنما

أمامي وراءٌ والوراءُ أمامُ

أترْضى لفضْلِي أن يضيعَ ذِمامُه

ومثلُك لم يُحْقَر لديه ذِمامُ

ومن بدائعه قوله في قسطنطينية:

تأوَّب مُخْتبِطاً للكرَمْ

خيالٌ ألَمَّ شكا من ألَمْ

ديارٌ يخِرُّ لديها الخليجُ

وتنْسَى المحاسنَ فيها إرَمْ

تعَدَّى العواصمَ ثم الدُّروبَ

وكم ضَال في ضَالِها والعَلْم

يؤُمُّ الجزيرةَ دارَ العلوم

ودَسْتَ المُلوك ومَرْعَى الهِمَمْ

أُسائِلُه لِمْ قرعْتَ الثغورَ

وقَرْعُ الثغورِ دليلُ النَّدَمْ

وأُنْموذَج من جِنان النعيمِ

لقد عجَّل الله فيها النِّعَمْ

وعلق بها فتى من بني زرقا العمامة، بصير بأسباب التبريح بصر زرقاء اليمامة.

عقد على أدق من الوهم الزنار، وألقى قلب هذا الموحد من شغفه بالنار.

فملأ من خمرة وجده كؤوسا لم يدن منهاعكر اللوم، ولم يبق قدحٌ في عهده إلا تطفح سوى هلال شهر رمضان.

واستمر يعاني ولوعة، ويطوى على يدي الصبابة ضلوعه.

إلى أن هلك الغلام، فقرأه بعده على العشق السلام.

فمما قاله فيه، من قصيدة:

وعصرٍ بقُسطَنْطينيَّةٍ قد قطعتُه

على وَفْق ما قد كان في النفس والصدرِ

يميني بها كراسةٌ أجْتَلى بها

علوماً لقد زاوَلْتُها غابِرَ الدهرِ

أُحرِّر منها في الطُّروسِ بدائعاً

فأملا صدورَ القوم في الوِرْد والصَّدرِ

وطَوْراً أُحَلِّى من زمانيَ عاطلاً

بِعِقْد نِظامٍ صاغَه صائغُ الفِكْرِ

مَعانٍ إذا ما صُرَّ دُرَّ وَعَى لها

تراه بِصُرَّ راح وهْو بلا دُرّ

أُضمِّنها سَلْوى الحزين ورُقْيةَ السَّ

ليمِ ومأخوذٌ من اللِّحظ بالسِّحْرِ

وكفُّ شِمالي للشَّمُول يَنابِعٌ

إذا احْتشَّها الساقي أذاعتْ له سِرِّى

من العبْقرييِّن الذين تحمَّلوا

نَقَا كَلْكَلِ الزُّنَّارِ فوق وَهَي الخَصْرِ

إذا اعْتمَّ زرقاءَ اليمامةِ خِلْتَها

سماءً بها قد لاح نُورسَنا البدرِ

وإن قام بين الشَّرْب خلْتَ قَوامَه

قَنَا ألفٍ قامت على وسَط السَّطْرِ

وإن أَتْرَع الكاساتِ خلْتَ يمينَه

لُجَيْنا تُحلِّيها مَقامعُ من تِبْرِ

وإن نظرتْه العينُ نظرةَ ذي الهوى

سقاني بكأسِ العين خمراً على خمرِ

ص: 285

وأدْجُو بليلٍ من ذوائبِ شعرِه

فيا رَبِّ هل في لَثْمتي الثَّغْرَ من فُجْرِ

أفكِّر في يوم النوى ليلةَ اللِّقا

فأذْرِى دماءَ العين من حيث لا أدْرِى

فأمْسَحُ في كافورةِ الجيد مُقْلتي

عسى أنّ بالكافور دمعِيَ لا يجرِي

فما زال في ثَوْبِ الخلاعِة ظاهرِي

وقلبي بذكْرِ الله يفتَرُّ عن دُرِّ

إلى أن قذفْتُ الشِّرْك عن صَفْو خاطرِي

كما تُقذَف الأدْناسُ عن لُجُّةِ البحرِ

وقال فيه، بعد ما هلك:

ألا قُل لقُسْطْنطينيَّة الرُّوم إنني

أُعادِي لقُسْطنطين اسْمَك والرَّسْمَا

لقد غيَّبْته في الثرى غير واجدٍ

مُحِبًّا يُفاديه الحُشاشة والجِسْما

وقد تركتْني ساهرَ الطَّرْف بعده

مُشتَّتَ شَمْلِ البالِ أرْتِقب النَّجْمَا

سأهجُر فيه خُلة الكأْسِ والهوى

وأجْتنبُ اللَّذَاتِ أن عُدْن لي خَصْما

ولما خلص من هواه، وقفل من الروم إلى أرض مثواه.

محض أشعاره إلى التوسل والتشفع، وسمت همته إلى التنصل عن المدح والترفع.

فمما قاله في غضون ذلك، من نبوية:

ما زلتُ حَسَّاناً له ولبيْته

ولصَخْرِ ذاك البيتِ كالخنْساءِ

أبْكي العقيقَ وساكنِيه وليْتني

كنتُ المُخضَّب دونهم بدماءِ

وله، من مقصورة:

ومُذ نشرتْ صفحةُ البيد سُرَى

رسمَتْ بالمنَسْمِ واواً للنَّوَى

وله:

قد ألِفْتُ لهموم لمَّا تجافتْ

عن وِصالي الأفراحُ وازدَدْتُ كُرْبَهْ

فديارُ الهمومِ أوطانِيَ الغُرُّ

ودارُ الأفراح لي دارُ غُرْبَهْ

وله:

لئن سلَبوني لُؤْلؤاً كنتُ صُنْتُه

بأصْدافِ فكري لم يثقِّبْه ثاقبُهْ

وإن غلبتْني الأغنياء وطيَّشَتْ

سِهامي وعيشى كان صَفْواً مشارِبُهْ

فللهِ قوسٌ لا يَطيشُ سهامُها

ولله سيفٌ ليس تنْبُو مَضارِبُهْ

وله:

وجَنَّةٍ كالشقيق مِرآتُها اليومْ

مَ صفَتْ من قَذاةِ عين الرَّقيبِ

خُضِّبتْ من دَم القلوب فما تُبْ

صَرُ إلَاّ تعلَّقتْ بالقلوبِ

وله:

الصخرُ رقَّ لحالتي ياذا الفتى

مذ صرتُ خنساءَ وقلبي قد عَتَا

يا أيها الرِّيمُ الذي ألْحاظُه

سلَّتْ على العُشّاقِ سيفا مُصْلَتَا

كم ذا أُعانِي فيك أهْواءً وكمْ

أصْلَى بنيرانِ الهوى وإلى متَى

الله أعلمُ لم أبُحْ بهواكمُ

لكنما العينانِ فيما نَمَّتَا

أتُرَى زماناً مَرَّ حُلْواً بالحمى

هو عائدٌ والعيشُ غضٌّ ثَمَّتَا

ما كان في ظنِّي الفِراقُ وإِنما

قاضي الغرام عليَّ ذلك أثْبتَا

كم ليلةٍ للوصلِ قرَّبتِ الكرَى

عطَس الصَّباحُ ولم أُجِبْه مُشِّمتَا

وعلى الذي نطَق الكتابُ بمدْحِه

وأتى الخطابُ له بسُورةِ هل أتَى

منِّى صلاةٌ أجْتني نُوَّارَها

من جَنَّةٍ عينايَ فيها نَمَّتَا

وله:

إنِ يغِب كلُّ صاحبٍ وصديقٍ

والرَّزايا بساحتيك أنابَتْ

فاسْتمِدَّنَّ رَوْحَ رُوحِ نَبيٍّ

إنَّ رُوح النبيِّ ما قطُّ غَابَتْ

وله، في موشم:

أفْدِى غزالاً تعرَّى من ملابسِه

والجسمُ من ترَفٍ أضْحى كفَا لُوذَجْ

كأنَّه وطِرازُ الوشمِ دارَ به

جسمٌ من الدُّرِّ فيه نَقْشُ فَيْرُوزَجْ

وله، في صائغ:

وشادِنٍ صائغ هام الفؤادُ به

وحبُّه في سُوَيْدا القلب قد رسَخَا

ياليْتني كنتُ مِنْفاخاً على فَمِه

حتى أُقِّبل فَاهُ كلما نفخَا

وله:

رَيْحانُ خدِّك ناسخٌ

ما خَطَّ ياقوتُ الخدُودْ

وقَع الغبارُ بها كما

وقَع الغبارُ على الورُودْ

وله في الدخان:

ص: 286

كأن قُضْباننا وأرْؤُسَها

تُشَبُّ نيرانُها من الوَقْدِ

سُمْرُ القَنا بالدِّما مُعَّممةً

أو أنَّها مثلُ أغْصُنْ الوَرْدِ

وله في حامل قنديل:

وشادنٍ جاء والقِنْديلُ في يدِه

ما بْيننا وظلامُ الليلِ مُعتكِرُ

كأنه فلَكٌ والماءُ فيه سمَا

والنارُ شمسٌ به والحاملُ القمرُ

وله:

وقالوا تركْتَ الشعرَ فيمن تُحِبُّه

ولم تخْترعْ معنىً قديماً ولا بِكْراَ

فقلت تجلَّى بعضُ أنْوارِ حُسْنِه

على طُوِر أحْشائي فأحْرقتِ الفِكْرَا

وله:

طويتُ رُقْعة حالي عن شِكايتِها

وقد سكنتُ زوايا الفَقْرِ والباسِ

وقد قطعتُ حِبالى عن رجَا بَشرٍ

مُعوِّضاً بسهام الموتِ والياسِ

حِيناً يجود وأحْياناً تُبخِّلُه

خلائقٌ أوْحشتْه غِبَّ إيناسِ

وقد لَجأْتُ إلى مَوْلًى أرَى ثقتي

بفضْله نسخَتْ أحكامْ وَسْواسِي

هو النَّصِير لعبدٍ لا نَصِيَر له

ترْميه بالهُون ظُلْما أعُينُ الناسِ

وله:

أسْتوْدعُ اللهَ بدراً لا أُودِّعُه

كيْلا يَنمَّ إلى واشِيه أدَمُعُهُ

ولو بكى لم يكنْ ذاك البُكا أسَفاً

إذ لم تدعْ بيَد التَّفريق أضلعُهُ

وإنَّما هو يسْقِى سيفَ ناظرِه

كيْما يُعجِّل للمشتاقِ مَصْرعُهُ

أفْدِيه من راحلٍ أتْبعْتُه نفسا

ومُقْلةً لم تزلْ دوني تُشيِّعُهُ

وامتدح بعض الأدباء بقوله:

أبداً أناضِلُ فيك أفْراسَ المُنى

وأصونُ أوقاتي عن التَّفْريقِ

وأظنُّ أن الدهرَ ليس بمُوحشِى

وبأنه ببنِيه خيرُ رَفُوقِ

لكنَّ للأيام حكماً جائراً

أمْضَى شَباً من صارِم مطروقِ

يا صَيقْلَ الفكرِ الكليلِ ورَوْنَقْ الْ

عمرِ القصيرِ وزَوْرةَ المعشوقِ

انْتَشْتنى من بعد عَوْمِى في الرَّدَى

وتقُّلبِي والنارُ دون حريقِيِ

أُمْسِى كما يُمسِى السليمُ مُسهَّداً

لا بالطَّليق أُرَى ولا المْوثُوقِ

شَوقى إليك وإن تقارب عهدُنا

شوقىِ إلى عهدِ الشَّبابِ الرُّوقِ

وله أيضاً:

روضةٌ كالشباب شوقٌ ورُوقُ

كم بها للنسيم ذيلٌ رقيقُ

ما سقاها السحابُ إلَّا وبَثَّ الشُّ

كرَ عنها بَنَفْسَجٌ وشَقِيقُ

كلَّما انْحَلَّ للسحائب خيْطٌ

عاد للروض منه نسجٌ أنِيقُ

نثرتْ عَسْجَد الأصيلِ عليها

راحةُ الشمسِ يْعتريها خُفوقُ

كم ركَضْنا فيها بخَيل الملاهِي

يوم ماشَتَّ للفريق فريقُ

وخطيبُ الأطْيار قام بسُوق الْ

أُنْسِ يشْدو وعيشُنا مَرموقُ

ورياض الحِياضِ طاب وقد دَبَّ

عِذارٌ من الظِّلال يَرُوقُ

ومن رباعيَّاته:

يا بدرَ مَلامةٍ له البدرُ شقيقْ

القلبُ وحرمِة الهوى منك شقِيقْ

عهدي بجَنَى خَدِّك ورداً فلما

قد عاد بلحْظِي ذلك الوردُ شقِيقْ

ومن بدائعه قوله:

تلك الثَّنايا وَاشقائي بها

باتتْ تُريني عند لَثْمِي الطَّرِيقْ

تبدَّدتْ من غَيْرةٍ عندها

سبُحْةُ دُرٍّ نُظِّمتْ من عَقِيقْ

من هذا قول العز البغدادي:

أشِّبه الثغرَ على خالِه

تشْبيهَ من لا عنده شَكُّ

بسُبْحةٍ من جوهر أُودعتْ

حُقَّ عقيقٍ خَتْمُه المِسْكُ

وله:

للهِ يا عصرَ الهوى والصِّبا

ما كان أهْناكَ وأحْلاكَا

إذ فيك ليلَ الخَيْف رَيْحانهٌ

أشَتمُّها في ظلِّ مَمْساكَا

تمسَّك الليلُ بأذْيالنا

حتى حسبتُ الليلَ لَيْلاكَا

ص: 287

وله في السيد أحمد بن النقيب:

من مبلِغٍ عني الشِّهابِي أحمدَا

نجلَ النقيب الشامخ المتعالِي

لا تفخَرنَّ عليك بعدُ بقَّيةً

من لم تنلْها لستَ بالمِفْضالِ

المرءُ يكرَع عن مَناهلِ خالِه

وشرابُ آلَا كالسَّرابِ الْآلِ

للهِ قاضي عصرِك العَدْلِ الذي

أعطاك خالاً ثم صاحبَ خالِ

فبقدْر ما تهْواه من ذِي الخال قد

أُعْطيت عكسَ هَواك عند الخالِ

وله:

وحقِّك للا أن جُودَك ماطرٌ

لما أخْصَبتْ بالبِشْرِ روضةُ آمالِي

وإنِّيَ عبدٌ وابنُ عبدٍ لديك في

عُبوديَّتي قد فُزْت بالنَّسَب العالِي

وقد أقبَلَتْ نحوى الصروفُ بجيْشها

فقابَلها شُجعانُ صبري وإقْلالِي

صروفٌ أمانيها المَنايا فلم تُرَعْ

بصبرِي ولم ترجِعْ بعجْزي وإذْلالِي

فأدْرك بألْطافٍ بقيَّةَ مُهجةٍ

أليفةِ بَلْبالٍ حليفةِ أهوالِ

فلى فيك ما يُحيْى ظنُونَ خُطورُها

على البالِ يُحيى مَيْتَ عِزِّى وإقْبالِي

عسى عَطْفةٌ أنِّي أفوزُ بسَعْدِها

ومِن فوق هام الفخرِ أسحبُ أذْيالِي

وله:

إن خالَ الحبيب ممَّا شَجانِي

وعَنانِي به الأسَى والمَلالُ

قلتُ إذْ طاب نَكْهةً وسَواداً

قُمْ أرحْنا بقُبلةٍ يا بِلالُ

وله:

خُلِقتُ مَلُولا لو يطول بيَ الصِّبا

تلقَّيتُ شْيْبي ضاحكَ السِّنِّ باسمَا

ولو لم أُرَجِّ الموتَ في كل ساعةٍ

لقضَّيتُ هذا العمرَ ثَكْلانَ واجِما

ولولا انْحطاطِي تارةً وترفُّعي

لما طلبتْ نفْسي العلى والمَكارمَا

فمالي صديقٌ ترْتضيه صداقتي

ولا لي عدوٌّ أتَّقيه المَظالمَا

فطوْراً جعلتُ الأصدقاءَ أعادِياً

وطوراً عدوِّي أرْتضِيه مُسالمَا

ولا لي على حالٍ قَرارٌ ولا بَقَا

وكيف وبي التَّبْديلُ أصبح قائمَا

منها:

أُشاهد هذا الخلقَ مثلَ سفينةٍ

وسَفَّانُها المولى تبارَك دائمَا

فمن شاء يُنْجيه إلى ساحلِ البَقَا

ومن شاء يُلْقيه فيصبحُ عائمَا

كذا قُرْعةُ الأقدار قد حكَمتْ به ج

فلا تقترحْ شيئاً فما أنتَ قاسمَا

فمُتْ مَوْتةً بالإخْتيار وَجَرِّدَنْ

ثيابَ السِّوى إن كنت بالله عالمَا

وكُن للقَضا كالمَيْتِ في يدِ غاسلٍ

عساك من الأدْناسِ تظهر سالمَا

ولا تَقْفُ قُطَّاع الطريق إلى الهدى

فتصبحَ في تِيِه الضلالةِ هائمَا

وله في أرمد:

ذاك الذي طَلَّتْ دمي عينُه

وراح يُسَّمى أرمدَ الإسْمِ

لمَّا رآني لدَمِي ثائراً

عَصَّبها بالمِطرَفِ المُعْلَمِ

قولُوا له يكشفُ عن عيْنه

فإنَّ فيها نُقَطاً من دمِي

وله:

وجهُه كعبةُ حُسْنٍ

ولَماه ماءُ زمزمْ

خِلْتُ ذاك الخالَ منه

حجرَ الأسْود ِيُلْثَمْ

ورأيت بخطه: ومما نسجته في حلية من نسج عليه العنكبوت، من حليته الشريفة، وهو مثبوت:

اسمعْ حِلْية النبيِّ المُكنَّى

من لَآلٍ فرائدٍ ذاتِ معنَى

أبيضُ اللون أنُفه كان أقْنَى

ذو جبينٍ طَلْقٍ وأفْرَقُ سِنَّا

خافضُ الطَّرْفِ هيبةً وحياءً

وله حاجبٌ أزَجُّ مُثنَّى

وكثيفُ الِّلحَى مُجمَّع شَعْرٍ

أسودُ العين كاسِرٌ لك جَفْنَا

هُدْبُ عيْنيْه مثلُ أقْدام نَسْرٍ

وله راحةٌ غدتْ وهْي تُثْنَى

مثل ما رَقَّ أُنْمُلا رَقَّ قلباً

مثل ما طال أيْدِياً طال مَنَّا

يالَسطرٍ من فوق مُهْرَقِ صَدْرٍ

من شُعورٍ كالخَزِّ لِيناً وحُسْنَا

ص: 288