الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجعل البُرَّ قَمْحاً في تصرُّفهِ
…
وخالف الرَّاءَ حتى احتال للشّعَرِ
ولم يُطِق مَطَراً والقولُ يُعجِلُه
…
فعاد بالغيْث إشْفاقاً من المطرِ
ومما يحكى عنه، وقد ذكر بشار بن برد: أما لهذا الأعمى المكتني بأبي معاذ من يقتله: أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية، لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلا سدوسياً أو عقيلياً.
فقال: هذا الأعمى، ولم يقل: بشاراً، ولا ابن برد، ولا الضرير.
وقال: من أخلاق الغالية، ولم يقل المغيرية، ولا المنصورية.
وقال: لبعثت، ولم يقل: لأرسلت.
وقال: على مضجعه، ولم يقل: على مرقده، ولا على فراشه.
وقال: يبعج بطنه، ولم يقل: يبقر.
وذكر بني عقيل؛ لأن بشاراً كان يتوالى إليهم.
وذكر بني سدوس؛ لأنه كان نازلاً فيهم.
وكلف تأدية هذه العبارة، وهي: أمر أمير الأمراء أن يحفر بئرٌ على قارعة الطريق؛ ليشرب منه الوارد والصادر.
فقال: حكم حاكم الحكام أن ينبش جبٌّ على الجادة؛ ليستقي منه الصادي والغادي.
واستعمل الشعراء إسقاط الراء في أشعارهم.
فمنه قول أبي محمد الخازن، من قصيدة يمدح بها الصاحب بن عباد:
نعَم تجنَّب لا يوم العطاءِ كما
…
تجنَّب ابنُ عطاءٍ لَثْغةَ الرَّاءِ
وقال آخر، في محبوب له ألثغ:
أجعَلتَ وصلِي الراءَ لم تنطِقْ بها
…
وقطَعْتني حتى كأنَّك واصلُ
وللمترجم في مليح ألثغ في الراء:
أعِدْ لَثْغةً لو أنَّ واصلَ حاضرٌ
…
فيسْمَعها لم يهجُر الراء واصلُ
عرفي الشيرازي هو في أدباء فارس، لدر الكلم في روض الطوس غارس.
وكان دخل الهند فجاس خلاله، وملأ بلاده جلالة.
وحل به محل الماء من الصديان، والروح من جسد الجبان.
فنشل ما في كنانته من المكنونات، ونثر ما في ذخائره من المخزونات.
وبها دعاه الله إليه، فلا زالت سحائب الرحمات منهلةً عليه.
ولم أقف له على شعر عربي تنقله الرواة، فعربت مفردات جعلتها حلى الأسماع والأفواه.
فمنها:
كلُّ عَزْمٍ حوَى الأنامَ هَباءٌ
…
عند عَزْم العلَاّمةِ الأستاذِ
لو يكن كفُّه وحاشَاه شَمْعاً
…
جذَب النارَ من حشَا الفُولاذِ
ومنها:
وَيْلايَ قد وُجِدتُ بعد ما انْمَحتْ
…
مراسِمُ الشَّبِيبةِ المأْهولَهْ
فصرتُ شيخاً هَرِماً من قبل أن
…
أُعاينَ الشبابَ والكُهولَهْ
من هذا:
وأرجُو أن يُعِيد رُوا شبابي
…
زمانٌ غادَر الوِلْدانَ شِيبَا
طالب الآملي شاعرٌ مراميه مصميةٌ لأغراضها، وجواهر كلماته خلصت من شائنة أعراضها.
قبلة النفوس من جميع الجهات، فكل قضاياه إلى الصواب موجهات.
وقد عربت له:
لَوَ انَّ الجاهَ مخصوصٌ
…
بأهل الجودِ والكرَمِ
لَخُصَّ المسكُ بالغزلَا
…
نِ حول البيْتِ والحَرَمِ
صائب واحدٌ معدودٌ بألف، جميع من تقدمه من شعرائهم متأخر مع الخلف.
لا يوتر إلا رشق رشق صائب، وأشعاره عندهم أكاليل على الجباه وعصائب.
رفعته ملوك أوانه، وباهت أهل داووينها بديوانه.
وأوسعته رعيا، وأحسنت فيه رأيا.
تييه الأقلام تحية كسرى، وتقف الآراء دون مداه حسرى.
وقد تلاعب بالمعاني تلاعب الصبا بالبانة، والصبا بالعاشق ذي اللبانة.
فكأنما قلمه مزمارٌ ينفخ الأهواء في يراعته، وعزيمةٌ تنطق مجنون الوجد من ساعته.
وقد أوردت من معرباته ما تطيش عند تخيله الأذهان، وتبطل فيه رقى الهند وتزاويق الكهان.
فمنه:
مَن لي بمَن ألْقاه من إعْجابه
…
بتَتابُع الأنفاسِ دَلاً يُحْدِثُ
لولا فَنائِي عند كلِّ دقيقةٍ
…
لحسِبْتني إن قلتُ آهاً ألْهَثُ
ومنها:
ما المُلْكُ بالمالِ ولا
…
بالخيلِ ولا بالدَّرَقِ
إسْكندرُ الدهر فتىً
…
يملِك سَدَّ الرَّمَقِ
فصل جعلته للمعربات
قديماً وحديثاً
فمن ذلك ما ذكره الباخرزي في دميته للكافي العماني:
وصحراءَ ردَّتْها الظِّباءُ حفائراً
…
بأظْلافِها أحْسِن بها من حفائرِ
فهبَّتْ رياحٌ للصَّبا فطَمَمْنَها
…
بمسكٍ فعادتْ نُزْهةً للنواظرِ
أبو علي العثماني:
غدرتَ يا من وجهُه
…
قد غَدَّر المَعمُودَا
يحسُدك الصَّباحُ مذْ
…
أرَيْتَه الخدودَا
تخطُر في خدودِه البي
…
ضِ خدوداً سُوُدَا
وله:
مُذ قرصْت الصُّدغَ فَوْ
…
قَ عارضٍ كالبدرِ
نقضْتُ ألفَ توبةٍ
…
هتكتُ ألفَ سِتْرِ
حسنُك باقٍ حالةَ الصّ
…
حْوِ وحالَ السُّكْرِ
في الصحوِ أبْهَى أنت أم
…
في السُّكر لستُ أدْرِي
وله:
تحجَّبُ في وقتِ الحجابِ فلا تُرَى
…
وتنُبت في وقتِ اللِّقاءِ من الأرضِ
وتُصْبي المَوالِي ثم تبغِي مُرادَهمْ
…
وذا غايةٌ في الظَّرفِ والخُلُقِ المُرضِي
أبو محمد عبد الله الحمداني:
لولا امْتِساكِي بصُدْغَيْها على عَجَلٍ
…
حُمِلتُ يوم النَّوَى في عَبْرتِي غَرَقَا
تعلُّقاً كاشْتعالِ النارِ في شمعٍ
…
فلا أفُكُّ يداً أو تضربَ العُنُقَا
قال الباخرزي: قلت، قد أخطأ حيث قال: أو تضرب العنق؛ لأن ضرب العنق ليس بعلة لانفكاك النار عن الشمع، بل يزيد ذلك في العلاقة، والصواب ما قال والدي:
علِقْتُ بها كالنارِ بالشمعِ فهْي لا
…
تكُفُّ يداً عنه ولو حُزَّ رأْسُها
ولوالدي فيما يقرب من هذا المعنى، وكلهم قصدوا نقل المعنى على سبيل الترجمة من الفارسية:
علِقتُ بها كاللَّظَى بالشموع
…
تُميَّز عنها بإطْفائِها
أبو نصر البكسارغي:
بمَن شَغَفُ الرَّاحِ مُصْفَرَّةً
…
تُراها عَراها الذي قد عَرانِي
هَبِ المِسْكَ سَوَّغها عَرْفُه
…
فأنَّى لها صِبْغةَ الزَّعْفَرانِ
مثل مترجم:
قالوا إذا جمَلٌ حانتْ منيَّتُه
…
أطاف بالبئْرِ حتى يهلِك الجملُ
وللطغرائي:
إنِّي وإيَّاكَ والأعداءَ تَنْصُرهمْ
…
وأنتَ منِّي على ما فيك من دَخَلِ
مثلُ الغُرَاب رأََى نَصْلاً تركَّب في
…
قِدْحٍ لطيفٍ قويمِ الحدِّ مُعْتدِلِ
فقال لابأسَ إن لم يأْتِه مَدَدِي
…
متى يكونُ له عَوْنٌ على العملِ
فألْبَس القِدْحَ وَحْفاً من قوادمِه
…
مَن ذا أَلُوم وحَتْفي كان من قِبَلِي
قال الشهاب، في طرازه: قلت، هذا نظمٌ لما في بعض الكتب الفارسية، ذكر بعضهم أن غصون الأشجار رأت فأساً ملقاةً في الرياض، فقالت: ما تفعل هذه هنا؟ فأجاب بعضها بأنها لا تضر ما لم يدخل في استها شيء مني.
وقد نظمه الشهاب، فقال:
كلُّ شيءٍ له زوالٌ ونَقْصُ
…
هو من جنة القريبِ يُصِيبُ
لا يضُرُّ الأشجارَ فأسٌ إذا لمْ
…
يكُ فيها من الرياضِ قضيبُ
أحمد بن محمد بن يزيد، شاعر مرو.
من معرباته:
إذا وضعتَ على الرأسِ التُّراب فضَعْ
…
من أعْظَم التَّلِّ إن التلَّ فيه نفعْ
إذا الماءُ فوق غريقٍ طَمَا
…
فقابُ قناةٍ وألْفٌ سَوَا
إذا لم تُطِق أن ترْتقِي ذِرْوَةَ الجبَلْ
…
لعَجْزٍ فقِفْ في سَفْحِه هكذا المثَلْ
في كلِّ مستحسَنٍ عيبٌ بلا رَيْبِ
…
ما يسلَم الذهبُ الإبْرِيزُ من عَيْبِ
إذا حاكمٌ بالأمرِ كان له خُبْرُ
…
فقد تَمَّ ثُلْثاه ولم يصعُبِ الأمْرُ
ما كنتُ لو أُكْرِمتُ أسْتعصِي
…
لا يهرُب الكلبُ من القُرْصِ
طلَبُ الأعْظُمِ من بيت الكلابِ
…
كطِلاب الماءِ في لَمْعِ السَّرابِ
ادَّعى الثعلبُ شيئاً وطلَبْ
…
قيل هل من شاهدٍ قال الذَّنَبْ
من مثُل الفُرْسِ سار في النَّاسِ
…
التِّين يُسْقَى بعِلَّة الآسِ
هذا مرويٌّ عن كسرى، وقد نظمه أبو نواس في قوله:
صرتُ كالتِّين يشربُ الماءَ فيما
…
قال كسرَى بعِلَّة الرَّيْحانِ
وهو كثيرٌ في العربية، يقولون: بعلة الزرع يشرب القرع، وبعلة الورد يشرب العليق.
وفي معناه: بعلة الورشان يأكل الرطب المشان.
المشان، بالفتح: بلد الحريري.
وبعلة الداية يقبل الصبي.
تكلَّف إخْفاءً لِما فيه من عرَجْ
…
وليس له فيما تكلَّفَه فَرَجْ
ولأحمد بن محمد، أبي الفضل السكري المروزي مزدوجة، ترجم فيها أمثال الفرس.
منها:
مَن رام طَمْسَ الشمسِ جَهْلاً أخْطَا
…
الشمسُ بالتَّطْيِين لا تُغطَّى
أحسنُ ما في صفةِ الليل وُجِدْ
…
الليلُ حُبْلَى ليس يُدْرَى ما تلِدْ
من مثُلِ الفُرسِ ذوِي الأبْصارِ
…
الثوبُ رَهْنٌ في يَدِ القصَّارِ
نال الحمارُ بالسُّقوطِ في الوحَلْ
…
ما كان يهْوَى ونَجا من العملْ
نحن على الشرطِ القديمِ المُشْترَطْ
…
لا الزِّقُّ مُنشَقٌّ ولا العينُ سقَطْ
في المثلِ السائرِ للحمارِ
…
قد ينْعَق الحمارُ للبَيْطارِ
العَنْزُ لا يسمَنُ إلا بالعلَفْ
…
لا يسمَن العنزُ بقولٍ ذِي طُرَفْ
البحرُ غَمْرُ الماءِ في العِيانِ
…
والكلبُ يَرْوَى منه باللِّسانِ
لا تَكُ من نُصْحِيَ في ارْتيابِ
…
ما بِعْتُك الهِرَّةَ في الجِرابِ
مَن لم يكنْ في بَيْتِه طعامُ
…
فما له في مَحْفِل مُقامُ
كان يُقال مَن أتى خُوانَا
…
من غير أن يُدْعَى إليه هَانَا
ومما يتعين إلحاقه هنا، ما ذكره أبو هلال، من أن في الفارسية أمثالاً في معنى أمثال العربية، وأمثالاً لا تخالفها.
فمن الثاني قولهم: " نه شاه أشنانه رودهم دوده "، والعرب تقول: جاور ملكاً أو بحراً. انتهى.
قال الشهاب: أقول، لا مخالفة بينهما، فإن معنى المثل الفارسي: لا تقرب من السلطان وتصاحبه، ولا تجعل دارك ملاصقةً للبحر؛ فإن الملوك لا وفاء لهم، والبحر قد يغرق ملاصقه.
ومعنى كلام العرب: لا تسكن غير بلدٍ لها سلطان يغدق على أهلها، أو عند بحرٍ تأتيه السفن بالتجارة والأرزاق.
وبينهما فرق.
ومعنى هم دوده الاتحاد في السكنى.
وقد تقدم في هذا الكتاب معربات نصيت عليها في محالها، وسيأتي منها جانبٌ في تراجم متفرقة أنص عليها إن شاء الله تعالى.
ومن أحاسنها قول الحسن البوريني، معرباً بيتاً لوحشي:
أيا قمر قد بِتُّ في ليلِ هجرِه
…
أراقبُ أسْرابَ الكواكبِ حَيْرانَا
خَبأتُك في عينِي لتخفَى عن الورَى
…
وما كنتُ أدرِي أن للعيْنِ إنْسانَا
وزاد فيه الخفاجي، فحسنه حيث قال:
خَبأتُك في العين خوفَ الوُشاةِ
…
وكم شرَّف الدارَ سُكَّانُها
ومن غَيْرةٍ خِفْتُ أن يفطُنوا
…
إذا قيل في العينِ إنْسانُها
ولمحمد بن المنلا الحبي رباعية:
في الليلِ والنهار حَرَّى كبدِي
…
مقْتولُ ضَنىً بجائرٍ ليس يدِي
تَرشُّ عينِي جواهرَ الدَّمعِ على
…
لُقْياه تظُنُّ أنها طَوْعُ يَدِي
ومثله للقاسمي:
لُقْياكَ سرورُ قلبيَ المَحْزُونِ
…
والوحشةُ من نَواك لا تعْدونِي
يا وَيْحَ عيونِي خشِيَتْ شِقْوتها
…
منِّي فأتتْ بدُرِّا ترتشينِي
ولبعضهم:
وكنتُ لدَى الصِّبا غَضّاً وقَدِّي
…
حكى ألِفَ ابنِ مُقْلَة في ال كتابِ
فصرتُ الآن مُنْحنياً كأنّي
…
أُفتِّش في التُّرابِ على شبابِي
ومن أبدع البدائع تعريبٌ وقع لجدي القاضي محب الدين، وهو:
حَكتْ قامتِي لَاماً وقامةُ مُنْيَتِي
…
حكَتْ ألِفاً للوصلِ قلتُ مُسائِلَا
إذا اجْتمعتْ لامِي مع الألفِ التي
…
حكَتْك قَواماً ما يصيرُ فقال لَا
وللشهاب الخفاجي:
للرَّوْضِ أتى حبيبُ قلبي العانِي
…
فاهْتزَّ لفَرْحةٍ قضيبُ البانِ
لو كان لِسَرْوِ رَوضِنا ساقانِ
…
ما فارق غُصْن قدِّه الفَتانِ
واستعمله ثانياً في نبوية، فأجاد حيث قال: