الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلِاغْتِسَالِ، وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا أَنْ يَدْخُلَهُ، وَإِنْ جُعِلَ جَامِعًا لَا يُجْمَعُ فِيهِ وَإِنْ جَعَلَهَا طَرِيقًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بِهَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصَلِّي فِيهِ الْمَارَّةُ وَالْمُسَافِرُونَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعُودُ مِلْكُ الْبَانِي فِيهِ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَخَشَبِهِ وَحَنَفِيَّتِهِ نُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ نَقْضِهِ إلَى عِمَارَةِ بِئْرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَسْجِدِ.
وَكَذَا الْبِئْرُ لَا يُصْرَفُ نَقْضُهَا إلَى مَسْجِدٍ بَلْ يُصْرَفُ إلَى بِئْرٍ أُخْرَى، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى دُهْنِ السِّرَاجِ لِلْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ بَلْ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُصَلِّينَ وَيَجُوزُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْرَسَ الْكِتَابُ عَلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ وُضِعَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الرِّبَاطَ وَالْخَانَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ) لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيَدْفِنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فَكَانَ كَالْعِتْقِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْبِئْرُ وَلِأَنَّهُمْ إذَا دَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا فَصَارَ كَالْمَسْجِدِ إذَا صُلِّيَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا أَحَدٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا قَبْضٌ فَبَقِيَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَيَشْتَرِكُ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ فِي الدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَمَا كَانَ إبَاحَةً لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ بِخِلَافِ غَلَّةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّمْلِيكُ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ، وَلَوْ تَلِفَتْ الْكِيزَانُ الْمُسَبَّلَةُ عَلَى السِّقَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَصِفَةُ التَّعَدِّي أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي غَيْرِ مَا وُقِفَتْ لَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
هُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ وَالْبِسَاطِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِخْدَامُ غَصْبًا إذَا اسْتَخْدَمَهُ الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ كَمَا إذَا غَصَبَهُ لِيَرْكَبَ لَهُ نَخْلًا وَيَجْنِيَ لَهُ ثَمَرَتَهُ أَمَّا إذَا قَالَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ فَفَعَلَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ الْغَصْبُ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَتُهُ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَنَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى
الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَالْغَصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ فَحُكْمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ وَمَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» قَالَ رحمه الله (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ) ، وَهَذَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَإِنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ آخِرَ مَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ فَلَمَّا انْقَطَعَ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ وَصَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ أَصْلُهُ إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِثْلَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ حَتَّى وُجِدَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمِثْلِ إلَى الْقِيمَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَحْضَرَ الْغَاصِبُ الْمِثْلَ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَتَكَلَّفَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهِ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إجْمَاعًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) يَعْنِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الظُّلَامَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَإِذَا دَفَعَ بَدَلَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ ظُلَامَةٌ أُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي السِّعْرِ وَلَا إلَى نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ) يَعْنِي مَا دَامَتْ قَائِمَةً وَهُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصُ خَلَفًا وَقِيلَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْبَرَاءَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِالْمَغْصُوبِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ يَعْنِي إذَا أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ مَنْ قَالَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَيْنِ، وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا فِيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفٌ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ، وَإِنَّمَا حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى هَلَاكِهَا أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فِي بَدَنِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا فَرَدَّهَا نَاقِصَةً ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ غَصَبَهَا زَائِدَةً فِي السِّعْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا مِائَتَيْنِ فَرَدَّهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْعَيْنِ وَالنُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ فَيَزْهَدُونَ فِي شِرَاءِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ فَإِنْ غَصَبَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَزَادَتْ فِي بَدَنِهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَقَصَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْقَبْضُ فَلَا
تَكُونُ مَضْمُونَةً كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهَلَكَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَالزِّيَادَةُ بَاقِيَةٌ فَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا حَتَّى نَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ صَارَ ضَامِنًا كَالْمُودَعِ إذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ.
قَوْلُهُ (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَالَ بَيْنَ رَجُلٍ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ أَوْ غَصَبَ مَالِكَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ حِفْظِ مَالِهِ حَتَّى تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ حَوَّلَ الْمَتَاعَ وَنَقَلَهُ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَاحِدٌ وَقِيلَ التَّحْوِيلُ النَّقْلُ مِنْ مَكَان وَإِثْبَاتُهُ فِي مَكَان آخَرَ وَالنَّقْلُ يُسْتَعْمَلُ بِدُونِ الْإِثْبَاتِ فِي مَكَان آخَرَ قَوْلُهُ (وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُهُ) وَهَلَاكُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِانْهِدَامِ الْبِنَاءِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِذَهَابِ تُرَابِهِ أَوْ بِغَلَبَةِ السَّيْلِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَذْهَبُ بِأَشْجَارِهِ وَتُرَابِهِ فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ فَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُتْلِفِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُتْلِفَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ مِنْ سُكْنَاهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِتَحَقُّقِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْغَاصِبَةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْعَقَارَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ يَدُ صَاحِبِهِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ قَوْلُهُ (وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ وَسُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ) هَذَا إذَا كَانَ مَنْقُولًا فَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (فَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ) يَعْنِي النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْجُزْءِ لَا مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ أَمَّا فِي الرِّبَوِيِّ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ قُوِّمَتْ الْعَيْنُ صَحِيحَةً يَوْمَ غَصْبِهَا ثُمَّ تُقَوَّمُ نَاقِصَةً فَيَغْرَمُ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَنَتْ فِي يَدِهِ وَلَمْ تَكُنْ زَنَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ سَرَقَتْ فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالزِّنَا، وَإِنْ أَصَابَهَا حُمَّى فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ مَا نَقَصَتْهَا الْحُمَّى دُونَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ مِنْ الْحُمَّى الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحُمَّى الَّتِي حَدَثَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْحُمَّى يَحْصُلُ مِنْهَا الْأَلَمُ جُزْءًا فَجُزْءًا ثُمَّ تَتَكَامَلُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحُمَّى مِنْ بَعْدِهِ فَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ غَصَبَهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَحْمُومَةً يَوْمَ غَصَبَهَا فَإِنْ كَانَتْ زَنَتْ فِي يَدِ الْمَوْلَى أَوْ سَرَقَتْ ثُمَّ غَصَبَهَا فَأُخِذَتْ بِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَحْبَلَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ الْحَبَلِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا الْمَوْلَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ غَصَبَهَا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ غَيْرِ إحْبَالٍ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى وَلَا
بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنْ زَنَتْ أَوْ سَرَقَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى فَأُخِذَتْ بِذَلِكَ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا) ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ سَلَخَهَا وَقَطَّعَ لَحْمَهَا وَلَمْ يَشْوِهِ وَفِي رِوَايَةٍ يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَهَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ طَرَفَهَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَأْكُولَةِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُ الْعَيْبَ قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَقَهُ خَرْقًا كَثِيرًا يُبْطِلُ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ فَلِمَالِكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا مَلَكَ الْقِيمَةَ مَلَكَ الْغَاصِبُ بَدَلَهَا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَدَلَانِ، وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ اسْتِهْلَاكًا تَامًّا وَلَا اتَّصَلَ بِزِيَادَةٍ وَالْمُمَاثَلَةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَيَأْخُذَهُ كَذَا فِي شَرْحِهِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ اسْتِهْلَاكًا تَامًّا يُحْتَرَزُ مِمَّا لَوْ أَحْرَقَهُ وَقَوْلُهُ وَلَا اتَّصَلَ بِزِيَادَةٍ يُحْتَرَزُ مِمَّا لَوْ صَبَغَهُ وَقَوْلُهُ وَالْمُمَاثَلَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَوْلُهُ خَرَقَ هُوَ بِالتَّخْفِيفِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ خَرْقًا وَلَمْ يَقُلْ تَخْرِيقًا وَقَوْلُهُ كَثِيرًا هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ يَسِيرًا، وَلَوْ كَانَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لَقَالَ فِي الْأَوَّلِ خَرْقًا صَغِيرًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي بَعْدَهُ لِثَوْبٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةُ الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَنْكِفُ أَوْسَاطُ النَّاسِ مِنْ لُبْسِهِ مَعَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اخْرِقْ ثَوْبِي هَذَا فَفَعَلَ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ خَرَقَ صَكَّ غَيْرِهِ يَضْمَنُ قِسْمَتَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَادَفَ الصَّكَّ وَلَمْ يُصَادِفْ الْمَالَ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعُظْمَ مَنَافِعِهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا إلَى آخِرِهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَوْ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ أَوْ بِتَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ عَلَى الضَّمَانِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَإِلَّا فَلَا وَبَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَا يَحِلُّ لِلْغَاصِبِ تَنَاوُلُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الضَّمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ ثُمَّ إذَا أَدَّى الْبَدَلَ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْبَدَلِ فَجُعِلَ
مُبَادَلَةً بِالتَّرَاضِي، وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا ضَمَّنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي الْحَاكِمُ إلَّا بِطَلَبِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَيَأْخُذَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَلَا يُعْطِيهِ لِعَمَلِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا، وَكَذَا جَرَيَانُ الرِّبَا فِيهِ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا سَبِيلَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْفِضَّةِ الَّتِي غَصَبَهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً. وَأَمَّا إذَا سَبَكَ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ وَلَمْ يَصُغْهُمَا وَلَمْ يَضْرِبْهُمَا دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ بَلْ جَعَلَهُمَا صَفَائِحَ مَطْلُوَّةً لَمْ تَنْقَطِعْ يَدُ صَاحِبِهَا عَنْهَا إجْمَاعًا، وَلَوْ غَصَبَهُ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ حَتَّى صَارَتْ لَا تَتَمَيَّزُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهَا، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ بِقَدْرِهَا يَعْنِي إذَا صَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا غَصَبَهُ طَعَامًا فَزَرَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَهَذَا إذَا ضَمِنَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَبِّ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ أَمَّا لَوْ ضَمِنَ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا كُلُّ نَوًى غَرَسَهُ فَنَبَتَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَعْنِي إذَا غَصَبَهُ فَغَرَسَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَبَتَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ كَالْحَبِّ إذَا نَبَتَ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فَرُّوخًا مَلَكَهُ لِزَوَالِ اسْمِهِ أَوْ تُرَابًا فَجَعَلَهُ لَبِنًا أَوْ آنِيَةً أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ أَوْ خَشَبًا فَعَمِلَهُ سَفِينَةً فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنَّمَا لَا يَنْقُضُ الْبِنَاءَ عِنْدَنَا إذَا بَنَى حَوَالَيْهَا أَمَّا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِهَا يَنْقُضُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ سَوَاءٌ بَنَى عَلَيْهَا أَوْ حَوَالَيْهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَفِي قَلْعِ الْبِنَاءِ ضَرَرٌ وَيُمْكِنُنَا تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِأَنْ يُلْزَمَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا إذْ هِيَ تَقُومُ مَقَامَهَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى فِيهَا قِيلَ لَهُ اقْلَعْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا فَيُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِتَفْرِيغِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَهُوَ الَّذِي يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ غَصْبًا وَوُصِفَ الْعِرْقُ بِالظُّلْمِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ عَلَى الْإِضَافَةِ إلَى الْعِرْقِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ الْمَقْلُوعُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا رَدُّهَا فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَتُقَوَّمُ وَهُمَا بِهَا وَلَكِنْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْمُرَ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَكَبِرَ حَتَّى صَارَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ وَقَلْعِ الْبَابِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْفَصِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْمُ الْبِنَاءِ وَرَدُّ الْفَصِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ أَكْثَرَ غَرِمَ قِيمَةَ الْفَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَكَذَا إذَا ابْتَلَعَتْ
الدَّجَاجَةُ لُؤْلُؤَةً لِغَيْرِ صَاحِبِهَا لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُهَا عَلَى ذَبْحِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ حَصَلَ مِنْهُ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ اللُّؤْلُؤَةِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْقِيمَةَ.
وَإِنْ شِئْت فَاصْبِرْ حَتَّى تَزْرِقَهَا الدَّجَاجَةُ أَوْ يَذْبَحَهَا مَالِكُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ اللُّؤْلُؤَةِ أَعْطِ صَاحِبَ الدَّجَاجَةِ قِيمَةَ الدَّجَاجَةِ وَخُذْ الدَّجَاجَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ كَذَا فِي الْعُيُونِ، وَلَوْ وَقَعَ دِرْهَمٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ فِي مِحْبَرَةٍ وَكَانَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِ صَاحِبِ الْمِحْبَرَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمِحْبَرَةِ كُسِرَتْ وَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِ الشَّيْءِ الْوَاقِعِ فِيهَا، وَإِنْ وَقَعَ بِفِعْلِ صَاحِبِ الشَّيْءِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كُسِرَتْ أَيْضًا وَعَلَى صَاحِبِ الشَّيْءِ قِيمَةُ الْمِحْبَرَةِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا صَبَرَ حَتَّى تَنْكَسِرَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ أَوْ بُرْمَةٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ، وَلَوْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ ثَوْبًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُنْزَعُ وَمَنْ رَكِبَ دَارَ غَيْرِهِ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْبَلَدِ فَانْهَدَمَ جِدَارٌ مِنْ الدَّارِ بِرُكُوبِهِ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْحَرِيقِ عَامٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَفْعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ كَمَا إذَا حَمَلَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَدَفَعَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ذَلِكَ الْعَدُوَّ بِآلَةِ غَيْرِهِ حَتَّى تَلِفَتْ الْآلَةُ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا كَذَلِكَ هَذَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَتْبُوعٌ وَمَالُ الْغَاصِبِ تَبَعٌ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِزِيَادَةِ عَيْنٍ فِي الثَّوْبِ وَمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ مِنْ الصَّابُونِ وَغَيْرِهِ يَتْلَفُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَيْنٌ، وَكَذَا إذَا غَسَلَهُ بِالصَّابُونِ وَالْمَاءِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَبَغَهُ إذْ لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي صَبْغِ إنْسَانٍ فَانْصَبَغَ بِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ قِيمَةِ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ أَوْ يَكُونُ الثَّوْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الثَّوْبِ الْقِيمَةَ وَفِي السَّوِيقِ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ مِثْلِيٌّ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّبْغُ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ فِي الْعَادَةِ كَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ أَمَّا إذَا كَانَ يُنْقِصُهُ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَسَلَّمَهُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَالصُّفْرَةُ فِي الصَّبْغِ كَالْحُمْرَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ فَإِذَا صَبَغَهُ أَسْوَدَ كَانَ صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَتَرَكَهُ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ أَسْوَدَ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ نَقْصًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَالْعُصْفُرِ فَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَكَانَ نُقْصَانًا عِنْدَهُمْ وَهُمَا أَجَابَا عَلَى مَا فِي زَمَانِهِمَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَكَانَ زِيَادَةً عِنْدَهُمْ فَعَلَى هَذَا هُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ الْعُصْفُرَ فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبَهُ كَانَ الثَّوْبُ لَهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِ الْعُصْفُرِ، إنْ كَانَ يُكَالُ فَمِثْلُ كَيْلِهِ، وَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَمِثْلُ وَزْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ أَخَذَهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُصْفُرِ أَنْ يَحْبِسَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَتْبُوعٌ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا الْغَاصِبُ بِالْقِيمَةِ وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ الْيَمِينِ قَوْلُهُ (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَقَامَهَا أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) وَهِيَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِرِضَا الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ
وَرَدَّ الْعِوَضَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ مَا ضَمِنَ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْآخَرِ فَكَذَا الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِرِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطَ مَا يَدَّعِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يَطْلُبَهَا مَالِكُهَا فَيَمْنَعَهُ إيَّاهَا) ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله زَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْغَصْبَ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا وَعِنْدَهُ الْغَصْبُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَيَدُ الْمَالِكِ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ حُدُوثُ الْوَلَدِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَدَثَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْغَصْبِ فَهُوَ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهِ أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْصِبَهَا حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فِي أَنَّ الْوَلَدَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَغْصِبَهَا وَالْوَلَدُ مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ.
قَوْلُهُ (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فَمِنْ ضَمَانِ الْغَاصِبِ) وَصُورَتُهُ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ زَنَتْ بِعَبْدِ الْغَاصِبِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَنْجَبِرُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَلَا يَصِحُّ جَابِرًا لِمِلْكِهِ وَلَنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ فَوَّتَتْ جُزْءًا وَأَفَادَتْ مَالًا فَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ الْفَائِتُ بِالْفَائِدَةِ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ الْمَغْصُوبَةِ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ أَرْشَهَا وَفِيهِ وَفَاءٌ وَكَمَنْ قَلَعَ سِنَّهَا فَنَبَتَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَا بِإِزَائِهِ وَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ فَضْلَ النُّقْصَانِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَارَ كَتَلَفِ الْأَرْشِ فِي يَدِهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْأَرْشُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ فَكَذَا إذَا تَلِفَ الْوَلَدُ وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَحَبِلَتْ وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ عَلِقَتْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَلَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ أَوْ زَنَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَهُ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ فَيَغْرَمَ النُّقْصَانَ) صُورَتُهُ إذَا غَصَبَ عَبْدًا خَبَّازًا فَأَمْسَكَهُ شَهْرًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَالِكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَنَافِعِ الشَّهْرِ عِنْدَنَا وَصُورَةُ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ أَيَّامًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَعِنْدَنَا لَا يَضْمَنُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي اسْتِخْدَامِهِ عَبْدِ الْغَصْبِ وَلَا فِي سُكْنَى دَارٍ غَصَبَهَا وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا آجَرَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ فَالْأُجْرَةُ لِلْغَاصِبِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَالِكُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَأَلْبَسهُ إيَّاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهُ بِالْأَكْلِ وَاللُّبْسِ فَلَوْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَسَلَّمَ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا وَأَطْعَمَهَا الْمَغْصُوبَ مِنْهُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
مَلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَبَانَ أَنَّهُ أُطْعِمَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ مَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ الْمَالِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ بَرِئَ مِنْهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ عَيْنَ مَالِهِ وَصَلَ إلَيْهِ فَجَهْلُهُ بِهِ لَا يُبْطِلُ قَبْضَهُ لَهُ أَيْ جَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُبْطِلُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَيُجْعَلُ قَبْضًا وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ وَجَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ كَذَا هَذَا،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ وَالشَّرْعُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغُرُورِ فَبَطَلَ الْأَدَاءُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ لَنَا وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَتَدَيَّنُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَتَعَذَّرَ الْإِلْزَامُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ) ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُمَا ذِمِّيٌّ لِمُسْلِمٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ الْمُسْلِمِ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ أَوْ خَلَّلَهَا الْغَاصِبُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَإِنْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَمَا صَارَتْ خَلًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ مِثْلَهَا خَلًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةُ وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ وَالْغَصْبُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَأَمَّا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَهَلَكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا وَهُوَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ هَلَاكِ الْجِلْدِ أَمَّا حَالُ وُجُودِهِ فَنَقُولُ إذَا غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ مَالًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَالَ بِالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ وَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَغْرَمَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا بِمَالِ الْغَاصِبِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَخَذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا أَمَّا إذَا أَلْقَاهَا الْمَالِكُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ فَدَبَغَهُ فَقَدْ قِيلَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْمَيْتَةِ فِي الطَّرِيقِ إبَاحَةٌ لِأَخْذِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ.
(مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُودَعُ عَلَى هَذَا وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا فَهُوَ ضَامِنٌ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقْوِيمُهَا كَالْخَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلُحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَلِلْوَرَثَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الْمَنَافِعَ لَا غَيْرُ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَالٍ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمَنَافِعُ إذَا تَلِفَتْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا فَمَرِضَ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عَقَرَهُ سَبُعٌ فَقَتَلَهُ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَإِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ وَكُلُّ هَذَا الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا