الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ عَنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ عُرُوضًا جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثِيرًا) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا وَفِيهِ أَثَرُ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ صَالَحَ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا أَوْ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً فَهُوَ جَائِزٌ) وَيُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّرْفِ وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمِيرَاثِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَ بَدَلُ الصَّرْفِ عَرْضًا جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا وَقَوْلُهُ (فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ) إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهِ أَوْ أَقَلَّ حَالَ التَّصَادُقِ أَمَّا إذَا كَانُوا جَاحِدِينَ أَنَّهَا امْرَأَةُ الْمَيِّتِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْطَى إنَّمَا هُوَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ لَا لِلْمُعَاوَضَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَهَبًا فَصَالَحُوا عَنْهُ بِذَهَبٍ أَقَلَّ مِنْهُ جَازَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالِحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) الْمُصَالِحُ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَالضَّمِيرُ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ إلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ وَقَوْلُهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ أَيْ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ أَوْ هُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِهِمْ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالِحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوهُ عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
[كِتَابُ الْهِبَةِ]
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ التَّبَرُّعُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] أَيْ هَنِيئًا لَا إثْمَ فِيهِ مَرِيئًا لَا مَلَامَةَ فِيهِ وَقِيلَ الْهَنِيءُ الطَّيِّبُ الْمَسَاغِ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ وَالْمَرِيءُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَلَا يُؤْذِي وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» قَالَ رحمه الله (الْهِبَةُ تَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) إنَّمَا قَالَ تَصِحُّ وَفِي الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَنِثَ أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا
يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ لَا يَحْنَثُ فَلِهَذَا اسْتَعْمَلَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ فِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْقَبْضُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ حَتَّى إنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ وَهَبْت لَك عَبْدِي هَذَا وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ فَقَبَضَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا، فَقَالَ وَهَبْته مِنْك فَاذْهَبْ فَاقْبِضْهُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت فَذَهَبَ وَقَبَضَهُ جَازَ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.
وَقَالَ زُفَرُ يَقِفُ عَلَى الْقَبُولِ فَإِنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ دَيْنًا عَلَى آخَرَ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْهُ فَقَبَضَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ إسْقَاطٌ لَهُ وَبَرَاءَةٌ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عَيْنٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُجِيبًا لَهُ لَا أَقْبَلُهَا فَالدَّيْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ غَائِبًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ جَازَتْ الْهِبَةُ وَبَرِئَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَنْفَرِدُ بِالْوَاحِدِ فَتَتِمُّ بِالْإِيجَابِ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَقَدْ فَاتَ الرَّدُّ فَبَقِيَتْ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ قَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ كَمَا أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمُوجِبِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فَكَذَا الْهِبَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا قَبَضَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فَالْإِذْنُ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيطُ يَبْقَى بَعْدَ الْمَجْلِسِ كَالتَّوْكِيلِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مَوْجُودًا فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لَهُ قَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهُ فَاقْبِضْ وَانْصَرَفَ الْوَاهِبُ وَقَبَضَهُ بَعْدَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ لَا يَبْطُلُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى عَزَلَهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَلِأَنَّ بِمَوْتِهِ زَالَ مِلْكُهُ وَفَاتَ تَسْلِيطُهُ كَالْمُوَكِّلِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَوْرُوثًا عَنْهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ الْهِبَةَ مَا لَمْ تُقْبَضْ فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ رَجَعَ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا صَحَّ رُجُوعُهُ، وَلَوْ وَهَبَ لِلْعَبْدِ هِبَةً فَالْقَبُولُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ الْمَوْلَى لَهُ وَلَا قَبْضُهُ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَكُونُ هَذَا كَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْعَبْدِ لَا يَسْتَقِرُّ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ، وَلَوْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْلَى صَحَّتْ، وَلَوْ رَدَّهَا الْعَبْدُ وَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ تَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الْمَوْلَى وَلَا قَبُولُهُ لِمَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
قَوْلُهُ (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ وَهَبْتُك وَنَحَلْتُك وَأَعْطَيْتُك وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَجَعَلَتْ هَذَا الشَّيْءَ لَك) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْإِطْعَامُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ قَوْلُهُ (وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ) ، وَإِنْ نَوَى الْعَارِيَّةَ كَانَتْ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا، وَإِنْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كَانَ هِبَةً؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] ، وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا مَنَحَهُ بَعِيرًا أَوْ شَاةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَارًا فَهِيَ عَارِيَّةٌ، وَإِنْ مَنَحَهُ طَعَامًا أَوْ لَبَنًا أَوْ دَرَاهِمَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا هِبَةٌ وَالْأُخْرَى قَرْضٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلُّبْسِ أَوْ لِلرُّكُوبِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ وَكُلُّ مَا لَا يُنْتَفَعُ إلَّا بِأَكْلِهِ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً) ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي إذَا وُهِبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا وَقَعَتْ جَائِزَةً لَكِنْ غَيْرَ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا مَحُوزَةً فَإِنَّهُ لَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا مَقْسُومَةً صَحَّتْ قَوْلُهُ (وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِي مَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَوْ رَهَنَ مُشَاعًا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ وُهِبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى أُصُولٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَبَيْنَ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَالثَّانِي الشُّيُوعُ الْمُفْسِدُ هَلْ هُوَ الْمُقَارِنُ أَوْ الطَّارِئُ وَالثَّالِثُ بَيَانُ الْعِبْرَةِ فِي الشُّيُوعِ هَلْ هُوَ لِوَقْتِ الْقَبْضِ أَوْ لِوَقْتِ الْهِبَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا وُهِبَ لَهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ أَوْ نِصْفَ مِثْقَالٍ صَحِيحٍ يَجُوزُ هُوَ الصَّحِيحُ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مُشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهُ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ دُونَ الطَّارِئِ حَتَّى إنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً ثُمَّ رَجَعَ فِي بَعْضِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَذَا فِي شَاهَانْ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا وَهَبَ لَهُ دَارًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الشُّيُوعِ لِوَقْتِ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لَهُ نِصْفَ دَارٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ جَازَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْقَبْضِ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ.
وَقَوْلُهُ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَلَوْ أَنَّهُ وَهَبَ مُشَاعًا فِيمَا يُقْسَمُ وَسَلَّمَهُ عَلَى الْفَسَادِ هَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَقَعُ مَضْمُونًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمْ لَا؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَالْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ حِينَئِذٍ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا مِثْلُ أَنْ يَهَبَ ثَمَرًا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ مَيَّزَهُ وَفَصَلَهُ وَأَقْبَضَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فَإِنْ فَصَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ كَانَ الْفَصْلُ وَالْقَبْضُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْأَشْجَارَ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهِ أَوْ سَلَّمَهَا مَعَ الْمَتَاعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَشْغُولَةٌ بِالْمَتَاعِ وَالْفَرَاغُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّسْلِيمِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُودِعَ الْمَتَاعَ أَوَّلًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَيْهِ فَيَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعٍ هُوَ فِي يَدِهِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ دُونَ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ جَمِيعًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا صَحَّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ وَهَبَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ إنْ قَدَّمَ هِبَةَ الدَّارِ فَالْهِبَةُ فِيهَا لَا تَصِحُّ وَفِي الْمَتَاعِ تَصِحُّ، وَإِنْ قَدَّمَ هِبَةَ الْمَتَاعِ صَحَّ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَقْتَ تَسْلِيمِهَا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَمْنَعُ الْقَبْضَ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بَاطِلًا فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ بِخِلَافِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ وَبَيْعُ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَا هِبَتُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهِبَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّمَرِ فِي النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ كَالشَّائِعِ فَإِنْ أَذِنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْقَطْعِ وَالْقَبْضِ جَازَ وَجَعَلَ فِي الْكَرْخِيِّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ الدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ قَالَ فِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهِ أَوْ مَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِبَةُ الْمُشَاعِ إذَا قُسِّمَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجُوزُ بَيْعُهُ.
قَوْلُهُ (، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا) ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضِهِ وَالْقَبْضُ
هُوَ الشَّرْطُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْمَضْمُونُ عَنْ غَيْرِ الْمَضْمُونِ وَلَا يَنُوبُ غَيْرُ الْمَضْمُونِ عَنْ الْمَضْمُونِ بَيَانُهُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مَغْصُوبًا فِي يَدِهِ أَوْ مَقْبُوضًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ بَيْعًا صَحِيحًا جَازَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ آخَرَ لِاتِّفَاقِ الْقَبْضَيْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً فَوَهَبَهُ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ آخَرَ لِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا أَمَانَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَغْصُوبًا فِي يَدِهِ أَوْ مَقْبُوضًا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَوَهَبَهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً فَبَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ وَقَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا يَعْنِي إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ مَغْصُوبَةً أَوْ مَقْبُوضَةً بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رَهْنًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ هِبَةً مَلَكَهَا الِابْنُ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودَعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَبِيعًا بَيْعًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ وَيَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يُعْلِمَ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَجْحَدَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ زَوَالُ مِلْكِهِ إلَّا بِذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ هِبَةً تَمَّتْ بِقَبْضِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَيًّا فَقَبَضَهُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ إنْ كَانَ يَعُولُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْقَابِضُ لَهُ أَخًا أَوْ عَمًّا أَوْ خَالًا فَالْقَبْضُ لِمَنْ يَعُولُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ دَفَعَهَا الْوَاهِبُ إلَى الصَّبِيِّ إنْ كَانَ يَعْقِلُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرَةِ هِبَةً وَلَهَا زَوْجٌ إنْ كَانَتْ قَدْ زُفَّتْ إلَيْهِ جَازَ قَبْضُهُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُزَفَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا نَقَلَهَا مَعَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَدْ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَحِفْظِ مَالِهَا وَقَبْضُ الْهِبَةِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَكِنْ بِهَذَا لَا تَنْعَدِمُ وِلَايَةُ الْأَبِ حَتَّى إذَا قَبَضَ لَهَا الْأَبُ صَحَّ.
وَإِنْ قَبَضَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا صَحَّ إذَا كَانَتْ تَعْقِلُ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الْقَبْضَ لَهَا مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَمَعَ حُضُورِ الْأَبِ لَا ضَرُورَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَتْ لَمْ يَجُزْ قَبْضُ الْأَبِ وَلَا الزَّوْجِ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَلِيَّةَ نَفْسِهَا قَوْلُهُ (وَإِذَا وُهِبَ لِلْيَتِيمِ هِبَةٌ فَقَبَضَهَا لَهُ وَلِيّه جَازَ) وَهُوَ وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ جَدُّهُ أَوْ وَصِيُّ جَدِّهِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ أَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ يَعُولُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي حِجْرِ أُمِّهِ فَقَبْضُهَا لَهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ لَهَا الْوِلَايَةَ فِيمَا تَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَالِهِ، وَهَذَا مِنْ بَابِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ يَدًا مُعْتَبَرَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا مَعَ عَدَمِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ الْوَاهِبُ فَأَعْلَمَهَا وَأَبَانَهَا جَازَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ الصَّبِيُّ الْهِبَةَ لِنَفْسِهِ جَازَ) يَعْنِي إذَا كَانَ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ فِي حَقِّهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ
اثْنَانِ لِوَاحِدٍ دَارًا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهُوَ قَبَضَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا شُيُوعَ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَهَا وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ وَهُوَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ لَا تَجُوزُ لَوْ قَسَّمَ وَسَلَّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ جَازَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الِابْتِدَاءِ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا لَكُمَا لِأَحَدِكُمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا مِنْكُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا إذَا وَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا لَا يَنْقَسِمُ كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْهِبَةِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِلْغَنِيَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ كِلَاهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، فَقَالَ الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغَنِيِّ وَهُمَا اثْنَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ وَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا وَهَبَ مِنْ اثْنَيْنِ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَالصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ تَقَعُ لِوَاحِدٍ وَهُوَ اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا) فَإِذَا عَوَّضَهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ عَنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ بَدَلَهَا فَلَا يَرْجِعُ كَالْبَيْعِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعِوَضِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَعَدَمِ الْإِشَاعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِنْ جِنْسِ الْهِبَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعِوَضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضُ هِبَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ مُكَافَأَةً عَنْهَا أَوْ بَدَلَهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا أَوْ مُجَازَاةً عَلَيْهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِوَضٌ فِي هَذَا كُلِّهِ إذَا سَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ أَمَّا لَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ هِبَتِهِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمَوْهُوبِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ لِلْمُعَوِّضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ سُقُوطُ الرُّجُوعِ، وَإِنْ عَوَّضَهُ عَنْ نِصْفِ الْهِبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ فِي الَّذِي عَوَّضَهُ عَنْهُ، وَإِنْ عَوَّضَهُ بَعْضَ مَا وَهَبَ لَهُ عَنْ بَاقِيهَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا كَمَا إذَا وَهَبَ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَوَّضَهُ دِرْهَمًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا وَكَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي الْمِائَةِ.
وَكَذَا إذَا وَهَبَهُ دَارًا وَعَوَّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا، وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَدْ تَمَّ فِي الْهِبَةِ وَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَسَائِرُ أَمْوَالِهِ تَصِحُّ عِوَضًا فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنَّا نَقُولُ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ بِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَهَبْ مِائَةً فِي تَحْصِيلِ دِرْهَمٍ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي يَدِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَوَّضَهُ الْوَلَدَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ فَصَارَ ذَلِكَ عِوَضًا فَمُنِعَ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ (أَوْ يَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) بِأَنْ كَانَتْ جَارِيَةً هَزِيلَةً
فَسَمِنَتْ أَوْ دَارًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ أَوْ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا فَإِنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا فَرَجَعَ فِيهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْ كَانَ رُجُوعُهُ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُعْلَمُ فِيهَا زِيَادَةُ الْحَمْلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنْ وَهَبَ لَهُ بَيْضًا فَصَارَ فَرُّوخًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ تَحْبَلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِوَطْئِهِ حُكْمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ كَانَ أَبًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْتَقَصَتْ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَرْشُ النُّقْصَانِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُنْفَصِلَةِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَمَا إذَا وَهَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْأُمِّ لَا يَسْتَتْبِعُ الْوَلَدَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ الْوَلَدِ وَلِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّمَارِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ إذَا اسْتَغْنَى الْوَلَدُ عَنْهَا.
وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدًا فَاكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْكَسْبِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَقُطِعَتْ يَدُهَا وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْهِبَةِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً عَجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ وَالْكِتَابَةَ وَالْقُرْآنَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ لَا يَرْجِعُ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ زِيَادَةٌ فِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ وَصِيفًا فَشَبَّ وَكَبِرَ ثُمَّ صَارَ شَيْخًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ زَادَ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ زَادَ الْمَوْهُوبُ زِيَادَةً فِي نَفْسِهِ تُورِثُ نُقْصَانًا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا إذَا طَالَ طُولًا فَاحِشًا يُنْقِصُهُ فِي ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِالْمَاءِ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذَا نُقْصَانٌ كَمَا إذَا وَهَبَ لَهُ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ لَهُ تُرَابًا فَبَلَّهُ بِالْمَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبَلِّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طِينًا بِخِلَافِ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي سِعْرٍ لَمْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّهَا فَكَذَا فِي نِصْفِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَهُ قَوْلُهُ (أَوْ تُخْرَجَ الْهِبَةُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَسَوَاءٌ أُخْرِجَتْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ دُونَ الزَّائِلِ، وَلَوْ وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ حُرًّا أَمَّا إذَا وَهَبَ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ فَقَبَضَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَحْصُلْ صِلَةً لِلرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا، وَإِنْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ وَقَبَضَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ وَعِنْدَهُمَا لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَصَارَ بِالرُّجُوعِ يَفْسَخُ مِلْكَ أَخِيهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهِبَةَ حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهَا بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا ثُمَّ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى مِنْ جِهَتِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَبِلَهَا وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْلَى صَحَّتْ، وَلَوْ رَدَّهَا الْعَبْدُ وَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ بِيعَتْ فِي دَيْنِهِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْقَرَابَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْإِرْثُ فِي
جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى هَذَا وَقْتَ الْهِبَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ لَهُ الرُّجُوعَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَإِنْ أَبَانَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلرُّجُوعِ، وَإِنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ أَوْ مُحَرَّمٍ غَيْرِ رَحِمٍ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا مِنْهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعِوَضِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَوَّضَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُتَبَرِّعًا فَقَبَضَ الْعِوَضَ سَقَطَ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَلَيْسَ لِلْمُتَبَرِّعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ الْعِوَضِ إذَا قَبَضَهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْوَاهِبِ مِنْ الرُّجُوعِ فَصَارَ كَالْهِبَةِ بِعِوَضٍ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ مُتَبَرِّعًا وَالْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ يُبْطِلُ الرُّجُوعَ بِأَنْ أَمَرَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالتَّعْوِيضِ فَعَوَّضَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قُلْنَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ لَمَّا بَطَلَ بِتَعْوِيضِ الْمُتَبَرِّعِ فَأَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ بِتَعْوِيضِ غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا عَوَّضَ الْوَاهِبَ عَنْ هِبَتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لَهُ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ عَوِّضْهُ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ ضَمَانِ الْآمِرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَا التَّعْوِيضَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَالِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ.
وَأَمَّا الدَّيْنُ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةَ بِمَالٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ الْعِوَضِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ. وَأَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ بَطَلَ فِي الْبَاقِي وَيَرْجِعُ بِالْعِوَضِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ) إلَّا أَنْ يَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْعِوَضِ الْآخَرِ وَلَنَا أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا رَجَعَ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهُ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْمَوَانِعَ فِي قَوْلِهِ
وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ
…
يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خَزَقَهُ
فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ وَالْمِيمُ مَوْتُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ وَالْخَاءُ الْخُرُوجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ وَالْهَاءُ هَلَاكُ الْمَوْهُوبِ.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ تَمْرًا بِبَغْدَادَ فَحَمَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى بَلْخِي فَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ تُرَدُّ الْهِبَةُ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَقْرُ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِ الرَّاجِعِ فِي الْهِبَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ مَا طَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَلَكَتْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لِلْهِبَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ فَإِذَا انْفَسَخَ عَقْدُهَا بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ وَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْأَمَانَاتُ مِنْ التَّعَدِّي، وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ نَقَصَ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَأَخَذَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَرْشَهُ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ وَلَا أَنْ يُضَمِّنَهُ شَيْئًا مِنْ النُّقْصَانِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَبْدِ خَاصَّةً نَاقِصًا؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ زِيَادَةٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ