الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ وَصُورَتُهُ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، أَوْ بَعْدَمَا دَفَعَ طَائِفَةً مِنْهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأُنَاسٍ شَتَّى فَالْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي الثَّمَنِ أُسْوَةٌ وَلَيْسَ بَائِعُهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِهِ وَرَضِيَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ كَالْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ حَلَّتْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرِبَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ فَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ وَمُقْتَضَاهَا الْحُلُولُ.
(مَسْأَلَةٌ) فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ:
رَجُلٌ مَاتَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ عَشَرَةٌ فَخَلَّفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَنَقُولُ: مَجْمُوعُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَصِحُّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ - لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ: كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَضْرُوبٌ فِي التَّرِكَةِ مَقْسُومٌ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ -، وَتَضْرِبُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَخْرُجُ الْقَسْمُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ، وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ الْمِائَةَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدْهَا خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا، فَيُعْطَى صَاحِبُ الْمِائَةِ خَمْسَةَ أَثْمَانِ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَنْسُبُ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدُهُ ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ فَيُعْطَى صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفَ ثُمُنِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ ثُمُنُهُ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ فَيُعْطَى نِصْفَ ثُمُنِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.
[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ، وَإِظْهَارٍ لِمَا وَجَبَ بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ لَا إيجَابٍ وَتَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ كَاذِبًا، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إذَا سَلَّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَالَ فِي شَاهَانْ: إذَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو صَحَّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ سَابِقٍ لَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِقْرَارِ الرِّضَا وَالطَّوْعُ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: جَمِيعُ مَالِي، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْهِبَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ) وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَشَرَطَ الْبُلُوغَ، وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ أَقْوَالُهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ مَعْلُومًا) جَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ، أَوْ
يَجْرَحُ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا، أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ: لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ: لَك عَلَى أَحَدِنَا مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ: بَيِّنْ الْمَجْهُولَ) ؛ لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ.
. (قَوْلُهُ: فَإِنْ)(قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْفَلْسِ فَمَا زَادَ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فَإِنْ عَادَ بَعْدُ إلَى التَّصْدِيقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ إنْكَارِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا بَلْ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أُضَمِّنُهُ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَأَقْطَعُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا بَلْ " رُجُوعٌ، وَرُجُوعُهُ مَقْبُولٌ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْمَالِ فَيَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِقْرَارَ بِالسَّرِقَةِ لِلثَّانِي وَذَلِكَ مَقْبُولٌ فَيُقْطَعُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ)(قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ إلَيْهِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ مَجْهُولٍ. (قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ) لِأَنَّ الْقَلِيلَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَالِيَّةِ كَمَا يَدْخُلُ الْكَثِيرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ حَقِيرٌ، أَوْ قَلِيلٌ، أَوْ خَسِيسٌ، أَوْ تَافِهٌ، أَوْ نَزْرٌ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ وَهَذَا إذَا قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ، وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُقَدَّرُ بِقِيمَةِ النِّصَابِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَالٌ كَثِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ عَظِيمٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَدَّقُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ، وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَكَمَا أَنَّ الْمِائَتَيْنِ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَالْعَشَرَةُ عَظِيمٌ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ فَيَتَعَارَضُ وَيَكُونُ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى حَالِ الرَّجُلِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ مَالٌ نَفِيسٌ، أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَزِمَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَوْ قَالَ: غَصَبْته إبِلًا عَظِيمَةً، أَوْ بَقَرًا عَظِيمَةً أَوْ شَاةً عَظِيمَةً لَزِمَهُ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ وَمِنْ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ فَأَمَّا الْخَمْسُ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ نِصَابًا فَإِنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ مِنْ الْغَنَمِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِنُقْصَانِهَا وَقِلَّتِهَا، وَإِنْ قَالَ: حِنْطَةٌ كَثِيرَةٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي النِّصَابِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا نِصَابَ لَهَا فَيُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ زِيَادَةً عَلَى مَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ فِيهِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حِنْطَةٌ حَتَّى لَا تُلْغَى الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةً أَوْ سِتِّينَ مِثْقَالًا إنْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْوَالٌ جَمْعُ مَالٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ فِي الْعَادَةِ هُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى حَدِّ الْغِنَى وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هَذَا الْأَكْثَرَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) فَإِنْ بَيَّنَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ مَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ
يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَزْنِ لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ كَانُوا فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ عَلَى أَقَلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ دُخُولُهُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ وَسَمَّى دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَإِنْ قَالَ دُرَيْهِمٌ، أَوْ دُنَيْنِيرٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَدِينَارٌ تَامٌّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَزِمَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَرَاهِمُ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَقَوْلُهُ: أَضْعَافًا جَمْعٌ آخَرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ كَانَتْ تِسْعَةً وَقَوْلُهُ: مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ وَضِعْفُ التِّسْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا فَهِيَ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ أَضْعَافًا جَمْعُ ضِعْفٍ فَإِذَا ضُوعِفَتْ الثَّلَاثَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ تِسْعَةً.
وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً فَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ أَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَتَكُونُ ثَمَانِينَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ أَضْعَافًا فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُضَاعَفَةَ سِتَّةٌ فَإِذَا أَوْجَبَهَا أَضْعَافًا اقْتَضَى ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ غَيْرُ دِرْهَمٍ فَلَهُ دِرْهَمَانِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ الْأَلْفِ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ أَلْفَيْنِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ مَا قَابَلَ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدَيْنِ الْمُفَسَّرَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٌ بِالرَّفْعِ، أَوْ بِالسُّكُونِ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ ثَلَّثَ " كَذَا " بِغَيْرِ وَاوٍ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ - بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا - فَسَّرَ الْأَلْفَ بِمَا لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ قَالَ: أَلْفٌ قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ وَعَطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِالْوَاوِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ دِرْهَمًا مَنْصُوبًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ مِائَةٌ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا، أَوْ دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ " فَوْقَ " تُسْتَعْمَلُ لِلزِّيَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِك مَالُ فُلَانٍ فَوْقَ مِائَةٍ، وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ " تَحْتَ " تُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ النُّقْصَانِ فَلَزِمَهُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ كَذَا فِي الْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ، أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ) ؛ لِأَنَّ عَلَيَّ صِيغَةُ إيجَابٍ وَكَذَا قِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَبَالَةَ اسْمٌ لِلضَّمَانِ كَالْكَفَالَةِ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ هِيَ وَدِيعَةٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ عَلَيَّ يُفِيدُ الدَّيْنَ وَلِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ فَالْكَلَامُ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَكَأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ اسْتِثْنَاءً فَيُقْبَلُ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ: عَلَيَّ أَيْ عَلَيَّ حِفْظُهَا وَتَسْلِيمُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ)(قَالَ: لَهُ عِنْدِي، أَوْ مَعِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْتِي، أَوْ فِي صُنْدُوقِي، أَوْ فِي كِيسِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَدِيعَةُ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ هِيَ قَرْضٌ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ إنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ جَازَتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ، وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ هِبَةٌ وَمِنْ شَرْطِ الْهِبَةِ الْقَبْضُ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا فَهَذَا إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ بِالْهِبَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا لَا بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةً فَهِيَ قَرْضٌ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: أَخَذْت مِنْك أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ: هِيَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ
بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا كَانَتْ غَصْبًا، وَالْآخِذُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ هَدَمَ دَارَ غَيْرِهِ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَخَذْت لَك أَلْفَيْنِ أَحَدَهُمَا وَدِيعَةً، وَالْآخَرَ غَصْبًا فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ وَهَذِهِ الْغَصْبُ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ بَلْ الْغَصْبُ هُوَ الَّذِي ضَاعَ، وَهَذِهِ الْوَدِيعَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ: اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا، أَوْ أَجِّلْنِيهَا، أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ) كَذَا إذَا قَالَ خُذْهَا، أَوْ تَنَاوَلْهَا أَوْ اسْتَوْفِهَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: خُذْ أَوْ اتَّزِنْ، أَوْ اُنْقُدْ، أَوْ اسْتَوْفِ أَوْ تَنَاوَلْ، أَوْ افْتَحْ كِيسَك، أَوْ هَاتِ مِيزَانَك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ، وَإِنْ قَالَ: هَلْ هِيَ جِيَادٌ، أَوْ زُيُوفٌ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إقْرَارٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ، أَوْ صَدَقْتَ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ لَسْتُ بِمُنْكِرٍ فَهَذَا إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مُنْكِرًا وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا، أَوْ قَدْ قَبَضْتَهَا مِنِّي فَهُوَ إقْرَارٌ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْقَضَاءِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَإِنْ قَالَ: عَبِّ لَهَا صُرَّةً قَالَ فِي شَرْحِهِ: هُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَلْفِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَهَبْتَهَا لِي، أَوْ قَدْ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ، أَوْ لَسْت أَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا الْيَوْمَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اقْضِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: غَدًا، أَوْ ابْعَثْ لَهَا مَنْ يَقْبِضُهَا، أَوْ أَمْهِلْنِي أَيَّامًا أَوْ أَنْتَ كَثِيرُ الْمُطَالَبَةِ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا بَقِيتُ أَسْتَقْرِضُ مِنْك غَيْرَهَا، أَوْ كَمْ تَمُنُّ عَلَيَّ بِهَا فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ بَلَى فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ هَذَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْأَجَلَ بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَهُ صُدِّقَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: اسْتِثْنَاءِ تَعْطِيلٍ، وَاسْتِثْنَاءِ تَحْصِيلٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَيَصِحُّ مَوْصُولًا فَالتَّعْطِيلُ تَعْطِيلُ جَمِيعِ الْكَلَامِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ التَّحْصِيلِ فَأَلْفَاظُهُ ثَلَاثَةٌ: إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَصَّلَ بِإِقْرَارِهِ شَيْءٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسَمَّى، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: نِسَاءٍ طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقْنَ كُلُّهُنَّ وَكَذَا إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعَتَقُوا جَمِيعًا وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ الْأَقَلُّ، أَوْ الْأَكْثَرُ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ رُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ نَفْيٌ وَالثَّانِي إيجَابٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةَ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ نَفْيٌ فَكَأَنَّهُ نَفَى بِهِ الْإِقْرَارَ بِتِسْعَةٍ يَبْقَى وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي إيجَابٌ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ الثَّمَانِيَةَ مَعَ الدِّرْهَمِ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ قَالَ: عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِيَمِينِك وَالِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بِيَسَارِكَ وَالِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ بِيَمِينِك وَعَلَى هَذَا إلَى آخِرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِك أَسْقِطْهُ مِمَّا فِي يَمِينِك فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ مِائَةِ
دِرْهَمٍ قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الْمِائَةُ الدِّرْهَمِ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ، أَوْ الْقَفِيزِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالثَّوْبِ وَالشَّاةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالْكَيْلِيِّ، وَالْوَزْنِيِّ، وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَقَوْلُهُ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ اسْتِثْنَاءُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ فَصَحَّ فَيُطْرَحُ عَنْهُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْجُمْلَةَ فَصَارَ لَغْوًا فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ فَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَ الْكُرِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيْنَ الْقَفِيزِ الشَّعِيرِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَانْقَطَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الشَّعِيرِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَتِسْعٌ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا مِنْ الشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ يَا فُلَانُ إلَّا تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُنَادَى بِهِ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ إلَّا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ) (قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَالْمِائَةُ دَرَاهِمُ) يَعْنِي تَلْزَمُهُ كُلُّهَا دَرَاهِمَ وَكَذَا الدَّنَانِيرُ، وَالْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَدِرْهَمٌ كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ وَدِرْهَمَانِ كَانَ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ، وَفِي الثَّانِي دِرْهَمَانِ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ وَدِينَارٌ وَعَشَرَةٌ وَدِينَارَانِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ)(قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ) وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَوْبَانِ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْجَمِيعُ أَثْوَابٌ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: مِائَةٌ وَشَاتَانِ يَلْزَمُهُ شَاتَانِ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ فَالْكُلُّ شِيَاهٌ، وَإِنْ قَالَ عَشَرَةٌ وَعَبْدٌ لَزِمَهُ الْعَبْدُ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ: دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فُلُوسًا أَوْ جَوْزًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ: كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَيِّفًا، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْقَوْلُ فِي النَّيِّفِ مَا قَالَ إمَّا دِرْهَمٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ مَا زَادَ وَأَنَافَ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ قَالَ بِضْعٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَالْبِضْعُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفٍ، أَوْ جُلُّ أَلْفٍ، أَوْ زُهَاءُ أَلْفٍ، أَوْ عُظْمُ أَلْفٍ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَشَيْءٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي الزِّيَادَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ الْكَلَامَ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ، أَوْ تَعْلِيقٌ فَإِنْ كَانَ إبْطَالًا فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا مِتّ، أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمُدَّةِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا لَا تَعْلِيقًا حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ قَالَ فُلَانٌ شِئْت؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُعَلَّقٌ بِخَطَرٍ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، أَوْ بِهُبُوبِ الرِّيحِ، وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتّ فَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ عَاشَ، أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ وَذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيَبْطُلُ
الْأَجَلُ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ) وَصُورَتُهُ إذَا أَقَرَّ بِفَرْضٍ، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ، أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ، وَالْإِقْرَارَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ، وَالْبِنَاءُ) لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَفَ بِالدَّارِ دَخَلَ الْبِنَاءُ تَبَعًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ إفْرَازُهُ مِنْ الدَّارِ، وَإِنْ قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارًا بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ.
. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ، وَالْقَوْصَرَّةُ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ، وَالْقَوْصَرَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ بَلْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ، وَالْقَوْلَ يَتَمَيَّزُ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ: غَصَبْته طَعَامًا فِي جَوْلَقٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْته تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ، وَالْقَوْصَرَّةُ تُرْوَى بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَهِيَ وِعَاءٌ لِتَمْرٍ مُتَّخَذٌ مِنْ قَصَبٍ بَرِّيٍّ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى قَوْصَرَّةً مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ قَالَ الشَّاعِرُ
أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ
…
يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْغَصْبُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا قَالَ غَصَبْته مِائَةَ كُرٍّ حِنْطَةً فِي بَيْتٍ لَزِمَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْبَيْتِ فِي قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْبَيْتُ، وَالْحِنْطَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ غَصَبْته ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمِنْدِيلَ ظَرْفًا لَهُ وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ الثَّوْبِ إلَّا بِالْإِيقَاعِ فِي الْمِنْدِيلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ وَهَذَا إذَا قَالَ: غَصَبْته أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَصْبَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي الْعَادَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: غَصَبْته ثَوْبًا فِي دِرْهَمٍ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا) لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُلَفَّ الثَّوْبُ النَّفِيسُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ حَرْفَ " فِي " قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ، وَالْوَسْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ وَقَالَ: هِيَ زُيُوفٌ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهَا غَصْبٌ وَلَمْ يَنْسُبْ ذَلِكَ إلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيلَ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ أَمَّا إذَا نَسَبَ ذَلِكَ إلَى بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ
وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الثَّمَنِ وَكَوْنَهَا زُيُوفًا عَيْبٌ فِيهَا فَقَدْ ادَّعَى رِضَا الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ)(قَالَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ - يُرِيدُ الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ - لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْأَعْيَانَ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا لَهُ مِسَاحَةٌ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا) فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ، وَالْغَايَةُ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَالْحَائِطَانِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُرَتَّبَةً وَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ هَذَا الدِّرْهَمِ إلَى هَذَا الدِّرْهَمِ وَأَشَارَ إلَى الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَمَانِيَةٌ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ، أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَقَعُ طَلْقَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ مِنْ دِينَارٍ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْحَدَّ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنْ أَفْضَلِهِمَا وَيَقُولُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَرْبَعَةُ وَلَوْ قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ فَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُرٌّ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِذَا جَعَلَ الْغَايَةَ جُمْلَةً أَسْقَطَ مِنْهَا الْعَدَدَ الَّذِي يَكْمُلُ بِهِ الْجُمْلَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمِائَةَ تَتَرَكَّبُ مِنْ الْعَشَرَاتِ فَسَقَطَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي تَكْمُلُ بِهَا الْمِائَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْمِائَتَانِ.
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ)(قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْأَلْفِ فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ، وَإِنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُقَرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ)(قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ لَا يَلْزَمُهُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَصَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ عَلَيَّ هَذَا الْحَائِطُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّكِّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُهُ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْحَائِطِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِيَّ حَصَلَ فِي
مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ لِلْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ وَلَوْ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَلَا أَقَلُّ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَوْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا صَبِيٌّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بَلْ أَقْرَرْت لِي وَأَنْتَ بَالِغٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا نَائِمٌ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ جُنُونٍ، أَوْ بِرْسَامٍ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَصَابَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا يَصِحُّ.
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَهِيَ زُيُوفٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَهُ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: أَقْرَضَنِي أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَتَاعَ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَبِيعَ، وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْته أَلْفًا، أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضِيَ لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ فَيَصِحَّ، وَإِنْ فَصَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ، أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ، الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَلْفًا إلَّا أَنَّهَا تَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا إذَا وَصَلَ، وَأَمَّا إذَا فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ الْآخَرُ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ غَصَبْتهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ فَلَهُ الْحَلْقَةُ، وَالْفَصُّ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى الْفَصَّ فَقَالَ الْخَاتَمُ لَهُ، وَالْفَصُّ لِي كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُقَرِّ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ، وَالْجِفْنُ، وَالْحَمَائِلُ) الْجِفْنُ الْغِمْدُ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ، وَالْكِسْوَةُ) الْحَجَلَةُ خَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَالَ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ، أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ يَصْلُحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ: عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ جِهَةِ مِيرَاثٍ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ اسْتَهْلَكْتُهَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ يَقُولُ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ غَيْرُ أَبِيهِ فَاسْتَهْلَكْتُهَا وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِأَبِيهِ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَيْهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّةِ ذُكُورُهُمْ، وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي، أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ، ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَمْلِ الدَّابَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي حَمْلِ الْجَارِيَةِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ.
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصِحَّ) وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ رَجُلٌ، أَوْ مَاتَ
مُوَرِّثُهُ، وَالْإِبْهَامُ أَنْ يَقُولَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ، أَوْ بِحَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَلَزِمَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَهَالَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ وَهَذَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ بَعْدَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَذَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَوْلَى وَكَذَا بِمَا فِي بَطْنِ دَابَّتِهِ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الدَّوَابِّ سِوَى الشَّاةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.
. (قَوْلُهُ:، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَسْبَابِ؛ إذْ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ يَمْلِكُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْرِدَ بَعْضَهُمْ بِالْقَضَاءِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِأَنَّ فِي إيثَارِ الْبَعْضِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ وَقَوْلُهُ: وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلُ ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ فَهَذِهِ الدُّيُونُ وَدُيُونُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا قُضِيَتْ) يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ وَفَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الصِّحَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَرَضِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ إنْسَانٌ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَهَذَا أَحَبُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هُوَ أَنْ لَا يُطِيقَ الْقِيَامَ إلَى حَاجَتِهِ، وَيَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي تَكُونُ تَبَرُّعَاتُ صَاحِبِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ كَالطَّاعُونِ، وَالْقُولَنْجِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ، وَالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيَامِ الدَّمِ وَالسُّلِّ فِي انْتِهَائِهِ، وَغَيْرُ الْمَخُوفِ كَالْجَرَبِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالرَّمَدِ، وَالْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَمَا فَعَلَتْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ سَلِمَتْ مِنْهُ جَازَ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَكَذَا هِبَتُهُ لَهُ وَوَصِيَّتُهُ لَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا عِنْدَ
الْمَوْتِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ عَكْسُهُ وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ أَقَلَّ صُدِّقَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ جَازَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِثِ فَاسْتَهْلَكْتهَا وَلَوْ وَهَبَ لِوَارِثِهِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ ضَمِنَ الْوَارِثُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ حَابَا فِيهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُحَابَاةُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ قَدْ كُنْت أَبْرَأْت فُلَانًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي صِحَّتِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَسْنَدَهَا إلَى زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ حَكَمْنَا بِوُجُودِهَا فِي الْحَالِ وَكَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْمُحَابَاةِ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ لَهَا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزْوِيجِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّ التَّزْوِيجَ إنَّمَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا تَوَصَّلَا بِالطَّلَاقِ إلَى تَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَتُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا مِثْلُ أَنْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالْإِقْرَارُ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَرِثُ بِأَنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً صَحَّ إقْرَارُهُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَوَصِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْبُنُوَّةِ مَعْنًى أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ وَقَوْلُهُ: صَدَّقَهُ الْغُلَامُ هَذَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَاقِلًا أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ الْمُقِرُّ إنْ كَانَ امْرَأَةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا أَكْبَرَ مِنْهُ بِتِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَنِصْفٍ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ عَنْهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ وَلَوْ أَنَّ الْغُلَامَ إنَّمَا صَدَّقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ، ثُمَّ مَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزَّوْجِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْمَوْتِ وَزَالَتْ أَحْكَامُهُ فَلَمْ يَجُزْ التَّصْدِيقُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ ثَابِتٌ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ صَغِيرٌ لَهُ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْضًا مِنْ الْمَوْلَى وَيَعْتِقُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُ الْعَبْدِ فَقَالَ هَذَا أَبِي وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّ هُنَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ إنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ ابْنُهُ فَقَدْ ادَّعَى مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فَيُصَدَّقُ، وَأَمَّا فِي دَعْوَاهُ الْأُبُوَّةَ فَإِنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُقْبَلْ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إقْرَارُ
الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ، وَالْمَوْلَى) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، أَوْ لَمْ يُقِمْ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى تُلْزِمُهُ نَفْسَهَا وَلَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ، أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً، أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا فَلَا تُصَدَّقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ إقْرَارِهَا وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوِلَادَةُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِثَلَاثَةٍ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى، وَالْأَبِ لَا غَيْرُ فَيَظْهَرُ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ بِالْوَالِدَيْنِ وَقَعَ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْأُمِّ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهَا فَيَكُونُ تَصْدِيقُهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ إقْرَارَ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ لَا يُقْبَلُ وَيَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّهَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَيَكُونُ كَوَلَدِ الزِّنَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ اثْنَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ كَانَ ابْنَهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يَرِثُ الْأَبَوَانِ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السُّدُسُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ خَلَفَ أَوْلَادًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَرِثَ الْأَبُ الْبَاقِي السُّدُسَ كَامِلًا، وَإِنْ ادَّعَى ثَلَاثَةٌ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ ابْنُهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُقْضَى بِهِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ ابْنًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ وَلَا يُقْضَى بِهِ لِلْمَرْأَتَيْنِ، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِذَا زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْهَا بِالْوِلَادَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ مِثْلُ الْأَخِ، وَالْعَمِّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ، أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ، ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ خَالٍ، أَوْ عَمٍّ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك قَرَابَةٌ صَحَّ رُجُوعُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ؛ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ: وَالِاشْتِرَاكَ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ " وَيُشَارِكُهُ " إذَا أَقَرَّ الِابْنُ