الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَعَلَى الْكَفِيلِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى بَعْضِهِمْ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ لَهُ خَاصَّةً وَلِلْبَاقِينَ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلِوَصِيِّهِمْ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى أَحَدِ الْوَصِيِّينَ بَرِئَ فِي حَقِّهِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فِي وَقْتِ كَذَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ وَلَمْ يُبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) وَعَلَى هَذَا إذَا كَفَلَ لِامْرَأَةٍ بِنَفْسِ زَوْجِهَا فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فَإِذَا وَفَّى أَحَدَهُمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ ضَمَانُ الْأَلْفِ قُلْنَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ.
[الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ]
قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِدَرْءِ الْحُدُودِ وَتَرْكِ التَّوَثُّقِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَفِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَلِيقُ بِهِمَا الِاسْتِيثَاقُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فِي قَذْفٍ فَأَنْكَرَهُ فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ لَازِمْهُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ قِيَامِي فَإِنْ أَحْضَرَ شُهُودَهُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَاضِي وَإِلَّا خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُقِيمَ لَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْكَفِيلُ إنَّمَا يَضْمَنُ الْإِحْضَارَ. وَأَمَّا نَفْسُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ فَلَا يَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ مَعْلُومًا كَانَ الْمَالُ الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ أَوْ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك مِنْ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَيَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ وَالْقَرْضِ وَالصَّدَاقِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِخِلَافِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ إزَالَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءً وَالْكَفِيلُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ قَوْلُهُ (وَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ كَفِيلَهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الضَّمُّ.
[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ سَبَبًا لَهُ وَمُلَائِمًا لَهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ دَايَنْته أَوْ مَا ثَبَتَ لَك عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ. وَأَمَّا الْمَالُ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ حَالًّا وَإِنْ تَكَفَّلَ إلَى أَجَلٍ إنْ كَانَ أَجَلًا مُعَيَّنًا يَتَعَارَفُهُ التُّجَّارُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ تَكَفَّلَ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ أَوْ الْقِطَافِ جَازَ، وَإِنْ قَالَ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ وَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا قَوْلُهُ (مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك
عَلَيْهِ) أَيْ تَقَرَّرَ (فَعَلَيَّ) إنَّمَا قَالَ فُلَانًا لِيُعْلَمَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَا بَايَعَتْ مِنْ النَّاسِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَالْمَكْفُولِ بِهِ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي شَاهَانْ، وَإِنْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ لَمْ تَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَا ذَابَ عَلَيْك لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ لَمْ تَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ ضَمِنَهَا الْكَفِيلُ) إنَّمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ وَحِمْلُ الْبَعِيرِ مَجْهُولٌ قَدْ يَزِيدُ، وَقَدْ يَنْقُصُ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزِمُ لَهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِثُبُوتِ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ عِنْدَ أَمْرِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالدُّيُونِ وَيَمْلِكُ التَّبَرُّعَ حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَحْجُورًا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فَالْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اضْمَنْ لِفُلَانٍ عَنِّي بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيَّ أَمَّا إذَا قَالَ اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّذِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا،.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ حِرِّيفًا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حِرِّيفًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ خَلِيطًا لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا اسْتِحْسَانًا وَالْخَلِيطُ هُوَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ كَالْوَالِدِ الَّذِي هُوَ فِي عِيَالِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأُجَرَاءِ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَقِيلَ الْخَلِيطُ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ وَيُدَايِنُهُ وَيَضَعُ عِنْدَهُ الْمَالَ، وَلَوْ تَكَفَّلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ ثُمَّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَقَوْلُهُ رَجَعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَيْهِ هَذَا إذَا أَدَّى مِثْلَ الدَّيْنِ الَّذِي ضَمِنَهُ قَدْرًا وَصِفَةً أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى كَمَا إذَا تَكَفَّلَ بِصِحَاحٍ أَوْ جِيَادٍ فَأَدَّى مُكَسَّرَةً أَوْ زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ بِهَا الطَّالِبُ أَوْ أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ أَيْ بِالصِّحَاحِ وَالْجِيَادِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمْلِكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا يُؤَدِّي عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ كَفَلَ لِلرَّجُلِ بِأَلْفٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَمَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ وَمَلَكَهُ، وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَفَلَ بِأَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الطَّالِبُ الْمَالَ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ فِي حُكْمِ الْمُقْرِضِ وَمَنْ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ
يُقْرِضَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لُوزِمَ بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ) يَعْنِي مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ.
وَكَذَا إذَا حُبِسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي ذَلِكَ وَمَا لَحِقَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيُعَامِلَهُ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) سَوَاءٌ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا ضَمِنَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَإِذَا أَدَّى مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْء تَعُودُ الْكَفَالَةُ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا ارْتَدَّتْ وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَعُودُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ قَوْلُهُ (وَإِنْ بَرِئَ الْكَفِيلُ لَمْ يُبْرَأْ الْأَصِيلُ) ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ تَأْخِيرٌ عَنْ كَفِيلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلَ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ الْبَرَاءَةَ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ فَيَقُومَ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدُيِّنَ الطَّالِبُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ سَوَاءٌ قَبِلَ الْبَرَاءَةَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّيْنَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت إلَيَّ صَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ، وَإِنْ قَالَ بَرِئْت وَلَمْ يَقُلْ إلَيَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ كَقَوْلِهِ بَرِئْت إلَيَّ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ جَمِيعًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتُك يَبْرَأُ الْكَفِيلُ خَاصَّةً دُونَ الْأَصِيلِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَسَائِرِ الْبَرَاءَاتِ وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ. وَأَمَّا بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّرُوطِ.
قَوْلُهُ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ عَلَيْهِ إذْ الْعُقُوبَةُ لَا تُجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَوْلُهُ (وَإِنْ تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَيْنٌ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ إذْ هِيَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمُّ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الدَّابَّةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَا يَبْقَى ثَمَّةَ إجَازَةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ بِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلُ وَيُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) ، وَكَذَا الْحَوَالَةُ أَيْضًا، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ عِنْدَهُ وَتَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا