المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرِهِ، وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري - جـ ١

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[سُنَنُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[دَمُ النِّفَاسِ]

- ‌[بَابُ الْأَنْجَاسِ]

- ‌[حُكْمُ الِاسْتِنْجَاء]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

- ‌[بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ]

- ‌[بَابُ النَّوَافِلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ الشَّهِيدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ]

- ‌[بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْقِرَانِ]

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَابُ الْإِقَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الصَّرْفِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصّ]

- ‌[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ]

- ‌ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ

- ‌[شَرِكَةُ الْعِنَانِ]

- ‌[شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[أَرْكَانُ الصُّلْحِ]

- ‌[الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ مَازِحًا هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَقَالَ وَهَبْته لَك فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ]

- ‌[وَقْفُ الْمُشَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي]

- ‌[وَقْفُ الْعَقَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْوَدِيعَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْخُنْثَى]

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِبَاقِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ]

- ‌[مَسَائِلُ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ]

الفصل: الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرِهِ، وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ

الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرِهِ، وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ حَالٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ صَحَّ التَّأْجِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ، أَوْ دَيْنٌ سِوَاهُ إلَى أَجَلٍ حَلَّ مَا عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَوْتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِ وَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ، وَمَوْتُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَا يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ حَيٌّ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَوْلُهُ:

(وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ اصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ، وَفِي جَوَازِ تَأْجِيلِهِ جَبْرٌ عَلَى اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى تَصِحَّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكَهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ، وَالْوَصِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ أَيْ لِمَنْ أَجَّلَهُ إبْطَالُهُ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ؛ إذْ لَا إجْبَارَ فِي التَّبَرُّعِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الرِّبَا]

الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ، أَوْ لَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالرِّبَا حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «أَكْلُ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَكَاتِبُهُ وَشَاهِدُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

قَالَ رحمه الله: (الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ. قَوْلُهُ:(فَالْعِلَّةُ فِيهِ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ) وَيُقَالُ: الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَالْوَزْنَ مَعًا بِخِلَافِ لَفْظِ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَزْنَ وَلَفْظُ الْوَزْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَأَمَّا لَفْظُ الْقَدْرِ فَيَشْمَلُهُمَا مَعًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَقَالَ مَالِكٌ الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ بَاعَ قَفِيزَ نَوْرَةٍ بِقَفِيزَيْ نَوْرَةٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْكَيْلِ مَعَ الْجِنْسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَبَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الطَّعْمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ خَمْسَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِسِتِّ حَفَنَاتٍ مِنْهَا وَهُمَا لَا يَبْلُغَانِ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ حَفْنَةً بِقَفِيزٍ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ لَا يَبْلُغُ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ، وَالْآخَرُ يَبْلُغُهُ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فَإِنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ وَالْجِنْسُ وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ بَيَانُهُ إذَا بَاعَ هَرَوِيًّا بِهَرَوِيٍّ، أَوْ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيٍّ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَهِيَ بِانْفِرَادِهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحِلُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا بِيعَ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ رِبًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفَضْلُ رِبًا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» وَيُرْوَى مِثْلٌ بِمِثْلٍ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى بِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَوْ تَبَايَعَا صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ مُجَازَفَةً، ثُمَّ كِيلَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ.

وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ

ص: 212

وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ التَّسَاوِي مَعْدُومًا، أَوْ مَوْهُومًا فِيمَا بُنِيَ أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ، وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْمَضْمُومِ إلَيْهِ هُوَ الْكَيْلُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالْوَزْنُ فِي الْفِضَّةِ يَعْنِي الْقَدْرَ إمَّا الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ وَهَذَا كَالْهَرَوِيِّ بِالْمَرْوِيِّ، وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ لِعَدَمِ الْعِلَّتَيْنِ، وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ:(وَإِذَا وُجِدَا حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِوُجُودِ الْعِلَّةِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ:(وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ) مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً» وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ مَالِكٌ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَثِمَارُ النَّخِيلِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَلْوَانُهَا وَأَسْمَاؤُهَا كَالْبَرْنِيِّ، وَالْمَعْقِلِيِّ وَالدَّقَلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَهُوَ عَامٌّ وَثِمَارُ الْكُرُومِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهُ وَبُلْدَانُهُ، وَالْحِنْطَةُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا، وَإِذَا بِيعَ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَوْ الزَّبِيبُ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ التَّمْرُ بِالذُّرَةِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ جَمَعَهُمَا وَلُحُومُ الْغَنَمِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ضَأْنُهَا وَمَعَزُهَا وَالنَّعْجَةُ وَالتَّيْسُ فَلَوْ بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِشَحْمِهَا، أَوْ بِأَلْيَتِهَا، أَوْ بِصُوفِهَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ إذَا غُزِلَ فَهُوَ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ، وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً وَزْنًا، أَوْ الْفِضَّةَ بِجِنْسِهَا مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوهَا وَزْنًا لِوُجُودِ السَّلَمِ فِي مَعْلُومٍ وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْكَيْلِ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ بِأَمْثَالِهِمَا كَيْلًا لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ)

ص: 213

لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ.

. قَوْلُهُ: (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ وَقَبْضُ عِوَضِهِ فِي الْمَجْلِسِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ» وَمَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ أَيْ خُذْ، وَالْقَصْرُ فِيهِ خَطَأٌ. قَوْلُهُ:(وَمَا سِوَاهُ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ) وَهَذَا كَمَنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ بِأَعْيَانِهِمَا، أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَلَا يَضُرُّهُمَا الِافْتِرَاقُ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيَقْبِضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَهَذَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا، وَالْآخَرُ عَيْنًا إنْ كَانَ الْعَيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ الدَّيْنِ، وَالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ دَيْنًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَوْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا جَازَ سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَيْنَ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ مَبِيعًا فَصَارَ بَائِعًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَمَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ) يَعْنِي لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا وَسَوِيقَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالدَّقِيقِ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ دَقِيقًا بِدَقِيقٍ وَزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ مُجْتَمِعٌ فَإِذَا فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهُ بِالطَّحْنِ زَادَ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ يُقَالُ مَقْلُوَّةٌ وَمَقْلِيَّةٌ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا تَسَاوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِالْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَثَبَتَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِالدَّقِيقِ اتِّخَاذُ الْخُبْزِ، وَالْعَصَائِدِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُلَتُّ بِالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ فَيُؤْكَلُ كَذَلِكَ قُلْنَا: مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ - وَهُوَ التَّغَذِّي - يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلُوَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ، وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْعِلْكَةُ الْجَيِّدَةُ يُقَالُ حِنْطَةٌ عِلْكَةٌ أَيْ جَيِّدَةٌ تَتَمَدَّدُ كَالْعِلْكِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ مِنْ جَوْدَتِهَا وَلِينِهَا وَالْمُسَوِّسَةُ الَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فَكَذَا الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الثَّقِيلَةِ بِالْحِنْطَةِ الْخَفِيفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الدَّقِيقِ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِمَا وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْكَيْلِ فَلِهَذَا جَازَ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ) وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّحْمُ، وَالْحَيَوَانُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ أَمَّا إذَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَيْفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَمَعْنَى الِاعْتِبَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمِثْلِهِ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ، وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ الرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، وَالْأَكَارِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ الْأَكَارِعِ وَالرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ وَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ شَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمَفْصُولُ أَكْثَرَ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْمَسْلُوخَةِ غَيْرَ مَفْصُولَةٍ عَنْ السَّقَطِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِلَحْمٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةِ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ سَقَطِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ مِنْ خَيْبَرَ

ص: 214

أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» سَمَّاهُ تَمْرًا وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ قَالَ فَلَا إذًا» قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ السَّائِلَ كَانَ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَلَمْ يَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةً لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ فَمَنَعَ الْوَصِيَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الرُّطَبُ تَمْرًا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا قُلْنَا مَبْنَى الْإِيمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَفِي الْعُرْفِ الرُّطَبُ غَيْرُ التَّمْرِ وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ مُتَمَاثِلًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي شَرْحِهِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا بَيْعُ الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ.

. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى الْخِلَافِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» وَلَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّبِيبِ عَلَى الْعِنَبِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ فَيَكُونُ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرَةِ) وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ نَسِيئَةً الشَّيْرَجُ السَّلِيطُ وَالثَّجِيرَةُ الْعُصَارَةُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَا الْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ، وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ فَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ بِالْغَزْلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْحِنْطَةِ مَعَ الدَّقِيقِ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَزْلِ بِالْقُطْنِ إلَّا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبَيْعُ الْغَزْلِ بِالثَّوْبِ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ.

. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْع اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) يَعْنِي لَحْمَ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الْإِبِلِ، أَوْ بِلَحْمِ الْغَنَمِ أَمَّا لَحْمُ الْبَقَرِ، وَالْجَوَامِيسِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْمَعَزُ مَعَ الضَّأْنِ، وَالْبُخْتُ مَعَ الْعِرَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهَا. قَوْلُهُ:(وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعٌ مِنْ أُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا، وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ جِنْسَانِ وَشَحْمُ الْبَطْنِ، وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ. قَوْلُهُ:(وَخَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمَا قَدْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَدِّ، وَالْوَزْنِ، وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ، أَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخَبْزِ، وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ يَعْنِي فِي أَوَّلِ التَّنُّورِ وَآخِرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ اقْتِرَاضُ الْخُبْزِ وَزْنًا، وَالْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ.

. قَوْلُهُ: (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا وَلَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا

ص: 215