الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِينِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ فِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك.
(قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُسَطَّحُ) أَيْ وَلَا يُرَبَّعُ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَاهَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ وَهِيَ مُسَنَّمَةٌ عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ وَيُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَالْكَتْبُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا تُجَصِّصُوا الْقُبُورَ وَلَا تَبْنُوا عَلَيْهَا وَلَا تَقْعُدُوا عَلَيْهَا وَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهَا» وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَسْوِيَةِ التُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ الرَّشَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَلَكِنَّهُ بِالنَّهَارِ أَمْكَنُ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه السلام دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ» وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ رضي الله عنه دُفِنَ لَيْلًا وَدُفِنَتْ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ رضي الله عنهما لَيْلًا وَالْأَفْضَلُ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي فِيهَا قُبُورُ الصَّالِحِينَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَنْ يَجْلِسُوا سَاعَةً عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا يَتْلُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ.
قَالَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ إذَا أَنَا مِتّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي قَوْلُهُ فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صُبُّوهُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَمَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا مِنْ الْجَنَّةِ وَمَنْ عَزَّى مُصَابًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَدِّدُ الْحُزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ مَشْغُولُونَ قَبْلَ الدَّفْنِ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ الدَّفْنِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُرَ مِنْهُ جَزَعٌ شَدِيدٌ فَإِنْ رَأَوْا ذَلِكَ قُدِّمَتْ التَّعْزِيَةُ لِتَسْكِينِهِمْ وَلَفْظُ التَّعْزِيَةِ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَأَلْهَمَك صَبْرًا وَأَجْزَلَ لَنَا وَلَك بِالصَّبْرِ أَجْرًا وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ «تَعْزِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْدَى بَنَاتِهِ كَانَ قَدْ مَاتَ لَهَا وَلَدٌ فَقَالَ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى» .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ أَيْ الْعَالَمُ كُلُّهُ مِلْكُ اللَّهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ أَخَذَ مِلْكَهُ وَهُوَ عِنْدَكُمْ عَارِيَّةٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَهُ مَا أَعْطَى أَيْ مَا وَهَبَهُ لَكُمْ لَيْسَ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ مَنْ قَدْ قَبَضَهُ فَقَدْ انْقَضَى أَجَلُهُ الْمُسَمَّى فَلَا تَجْزَعُوا وَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا.
(قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتَهَلَّ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ صُرَاخٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِفَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ وَتُشْتَرَطُ الْحَيَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الِانْفِصَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ ثُمَّ صَاحَ وَخَرَجَ بَاقِيه مَيِّتًا لَا يُحْكَمُ بِحَيَاتِهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَالُ إذَا صَاحَ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) وَفِي الْغُسْلِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُغَسَّلُ وَفِي الْهِدَايَةِ يُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِاسْتِهْلَالِهِ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الْأُمُّ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ وَأَمَّا الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عِدْلَةً كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الشَّهِيدِ]
(بَابُ الشَّهِيدِ) سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ
وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ قَالَ رحمه الله (الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْمُشْرِكِينَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ وَكَذَا إذَا أَوْطَأَتْهُ دَوَابُّ الْعَدُوِّ وَهُمْ رَاكِبُوهَا أَوْ سَائِقُوهَا أَوْ قَائِدُوهَا وَأَمَّا إذَا نَفَرَ فَرَسُ الْمُسْلِمِ مِنْ دَوَابِّ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ رَايَاتِ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ سَوَادِهِمْ حَتَّى أَلْقَى رَاكِبَهُ فَمَاتَ لَا يَكُونُ شَهِيدًا وَكَذَا الْمُسْلِمُونَ إذَا انْهَزَمُوا فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَوْ مِنْ السُّورِ فَمَاتُوا لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ هُمْ الَّذِينَ أَلْقَوْهُمْ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ أَوْ الْكَرِّ عَلَيْهِمْ.
(قَوْلُهُ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ) الْمَعْرَكَةُ مَوْضِعُ الْقِتَالِ وَالْأَثَرُ الْجِرَاحَةُ وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ غُسِّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْعُفُ وَيَبُولُ دَمًا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ غُسِّلَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْجَوْفِ لَمْ يُغَسَّلْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِلَوْنِ الدَّمِ فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ صَافٍ وَالْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ عَلَقٌ وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ الْمُشْرِكِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَلَا لَهَا سَائِقٌ وَلَا قَائِدٌ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا فِي الْقِتَالِ فَقَتَلَتْهُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَلْ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ وَفِعْلُهَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالظُّلْمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ صَارَ قَتِيلًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
(قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا) قَيَّدَ بِالظُّلْمِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَالْقِصَاصِ وَالْهَدْمِ وَالْغَرْقِ وَافْتِرَاسِ السَّبُعِ وَالتَّرَدِّي مِنْ الْجَبَلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ)
يَعْنِي مُبْتَدَأَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ شَهِيدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبْتَدَأَةً بَلْ الْوَاجِبُ أَوَّلًا الْقِصَاصُ ثُمَّ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَحَرَّزَ أَيْضًا مِمَّا إذَا قُتِلَ ظُلْمًا وَوَجَبَتْ بِقَتْلِهِ الدِّيَةُ كَالْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ قُتِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فِي الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَتَلُوهُ بِالْمُثْقَلِ فَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ شَهِيدٌ (قَوْلُهُ فَيُكَفَّنُ) أَيْ يُلَفُّ فِي ثِيَابِهِ (قَوْلُهُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الشُّهَدَاءَ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْتَى وَلِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ لَهُ وَالصَّلَاةُ هِيَ شَفَاعَةٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِهَا وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ قُلْنَا هُوَ حَيٌّ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 169] وَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى أَنَّهُ يُورَثُ مَالُهُ وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ جُنُبًا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بِقَوْلِ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ثَوْبِ الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ تُغْسَلُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ وَلَا يُغْسَلُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ دَمَهُ مِنْ كَوْنِهِ نَجِسًا وَلَمْ تَرْفَعْ النَّجَاسَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الدَّمِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا الصَّبِيُّ) يَعْنِي إذَا اُسْتُشْهِدَ الصَّبِيُّ غُسِّلَ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا ذُنُوبٌ فَكَانَ الْقَتْلُ فِيهِمَا كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِمَا.
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُغَسَّلَانِ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَيْ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الصَّلَاةُ وَقَدْ سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِسُقُوطِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالْغُسْلُ الثَّانِي الَّذِي لِلْمَوْتِ سَقَطَ بِالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ أُقِيمَ مُقَامَ الْغُسْلِ كَالذَّكَاةِ فِي الشَّاةِ أُقِيمَتْ مُقَامَ الدِّبَاغِ فِي طَهَارَةِ الْجِلْدِ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُغَسَّلَانِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الظُّلْمِ وَالظُّلْمُ فِي حَقِّهِمَا أَشَدُّ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَكُلُومِهِمْ» وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا صَلَّى حَامِلًا الشَّهِيدَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَ دَمُهُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْخُفُّ وَالْحَشْوُ وَالسِّلَاحُ) الْفَرْوُ الْمَصْنُوعُ مِنْ جُلُودِ الْفِرَاءِ وَالْحَشْوُ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ قُطْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَبِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ) اُرْتُثَّ عَلَى مَا لَمْ