المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشَّرِكَةُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.   . (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري - جـ ١

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[سُنَنُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[دَمُ النِّفَاسِ]

- ‌[بَابُ الْأَنْجَاسِ]

- ‌[حُكْمُ الِاسْتِنْجَاء]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

- ‌[بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ]

- ‌[بَابُ النَّوَافِلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ الشَّهِيدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ]

- ‌[بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْقِرَانِ]

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَابُ الْإِقَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الصَّرْفِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصّ]

- ‌[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ]

- ‌ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ

- ‌[شَرِكَةُ الْعِنَانِ]

- ‌[شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[أَرْكَانُ الصُّلْحِ]

- ‌[الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ مَازِحًا هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَقَالَ وَهَبْته لَك فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ]

- ‌[وَقْفُ الْمُشَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي]

- ‌[وَقْفُ الْعَقَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْوَدِيعَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْخُنْثَى]

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِبَاقِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ]

- ‌[مَسَائِلُ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ]

الفصل: الشَّرِكَةُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.   . (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ

الشَّرِكَةُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.

. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالٍ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَأَدَّاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالثَّانِي ضَامِنٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ وَعُرِّيَ أَدَاءُ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ.

[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) الْمُضَارَبَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] أَيْ يُسَافِرُونَ لِطَلَبِ رِزْقِ اللَّهِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَالُ وَمِنْ الْآخَرِ التِّجَارَةُ فِيهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: دَفَعْتُ إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً، أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ فِيهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَيَقُولَ الْمُضَارِبُ: قَبِلْتُ أَوْ أَخَذْتُ، أَوْ رَضِيتُ قَالَ رحمه الله:(الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ) مُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، ثُمَّ الْمُضَارَبَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا دَفَعَ الْمَالَ فَهُوَ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ إلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ فَهُوَ وَكَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ فَإِذَا رَبِحَ صَارَ شَرِيكًا فَإِذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ وَلَكِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ، فَإِذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُضَارِبَ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْعَمَلِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَالْقَرْضُ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَبِحَ وَلَمْ يَهْلِكْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ فَصَارَ لِلْمُضَارِبِ خَمْسُ مَرَاتِبَ: هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ أَمِينٌ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَهُوَ وَكِيلٌ، فَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ، فَإِذَا فَسَدَتْ فَهُوَ أَجِيرٌ، فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَاصِبٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصِحُّ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَأَمَّا الْفُلُوسُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرِكَةِ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ

ص: 291

وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ إذَا قَبَضَهُ وَعَمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْمَقْبُوضِ وَذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ قَالَ اعْمَلْ بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ مُضَارَبَةً لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِذَلِكَ يَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا بِقَبْضِ الطَّالِبِ، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ بِإِبْرَائِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَالدَّيْنُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ وَيَبْرَأُ الْمُضَارِبُ مِنْ الدَّيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُون الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا مِنْهُ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا تِلْكَ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ عَمِلَ فِي هَذَا فَرَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِبَدَلٍ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الْبَدَلَ رَجَعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُضَارِبَ فِي الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ؛ لِأَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً، وَالْإِجَارَةُ يَجِبُ فِيهَا الْأَجْرُ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ قَدْ صَارَتْ إجَارَةً بِدَلَالَةِ وُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ فِيهَا، وَالْمُضَارِبُ فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ لَا يَدَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ خُلُوصَ يَدِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَشُرِطَ عَمَلُهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالِكَيْنِ لِلْمَالِ فَصَارَا كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلْمَالِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ مُكَاتَبِهِ فَهُوَ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِالزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَالسِّلْعَةِ (جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ وَيُوَكِّلَ) لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ فَيَنْتَظِمُ مَا هُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَالتَّوْكِيلُ، وَالْإِبْضَاعُ، وَالْإِيدَاعُ مِنْ صُنْعِهِمْ وَعَادَتِهِمْ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ فَإِذَا أَبْضَعَ حَصَلَ الْمَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَوْلَى وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ مِنْ الْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بَيْتًا يَحْفَظُ فِيهِ الْمَتَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى حِفْظِهِ إلَّا بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّوَابَّ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِنَقْلِ الْمَتَاعِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، وَأَمَّا الْمُسَافَرَةُ بِالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْهُ إلَى أَهْلِهِ فِي لَيْلَتِهِ فَيَبِيتُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بِالْمَالِ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ.

وَقَوْلُهُ: وَيُسَافِرَ بِالْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ الْمَالِ فِي الْحَضَرِ ضَمِنَ وَنَفَقَةُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسْوَتُهُ وَرُكُوبُهُ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ الَّتِي يَرْكَبُهَا فِي سَفَرِهِ وَيَتَصَرَّفُ عَلَيْهَا فِي حَوَائِجِهِ، وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ، وَفِرَاشٌ يَنَامُ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ دَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ وَاسْتِئْجَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَأَمَّا الدَّوَاءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْفَصْدُ وَالِادِّهَانُ وَالِاخْتِضَابُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ الْبَدَنِ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ الدُّهْنُ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي مَالِ

ص: 292

الْمُضَارَبَةِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَأَمَّا الْفَاكِهَةُ فَالْمُعْتَادُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْإِدَامِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَمَا كَانَ يَأْكُلُ فِي الْعَادَةِ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُسَافِرُ إلَى مِصْرِهِ وَمَعَهُ مِنْ الثِّيَابِ الَّذِي اكْتَسَاهَا وَمِنْ الطَّعَامِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلنَّفَقَةِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ) ، أَوْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك بِخِلَافٍ فِي الْإِيدَاعِ، وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فِي قَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيُتَخَصَّصُ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا، وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِعَيْنِهَا جَازَ وَبَطَلَ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ فَتَوَقَّتَ بِمَا وَقَّتَهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْعُمُومَ وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِهِ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا جَازَ، وَإِنْ قَالَ: لَا تَعْمَلْ إلَّا فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي غَيْرِ سُوقِهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ تَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ فَائِدَةً وَهُوَ الثِّقَةُ بِفُلَانٍ فِي الْمُعَامَلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَبَا رَبِّ الْمَالِ وَلَا ابْنَهُ وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِقَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِدُخُولِهِمْ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ يَعْتِقُونَ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِمْ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ قَدْ وَلَدَتْ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا وَلَا جُلُودَ الْمَيْتَةِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُمْ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا مِمَّا يُمْلَكُ إذَا قَبَضَ فَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الشِّرَاءِ عَامٌّ فِي الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ وَذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ، فَيُمْنَعُ التَّصَرُّفَ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِمْ بِحُكْمِ الْمُضَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمْ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ

ص: 293

الْمَالِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي تَمَلُّكِهِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُضَارِبِ وَيَسْعَى فِي رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا، وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ظَهَرَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ وَذَلِكَ نِصْفُ الرِّبْحِ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رُبُعِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ عَتَقَ وَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ.

وَإِنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، أَوْ مُتَفَرِّقًا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ نَظَرْتَ: إنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا جَمِيعًا وَيَضْمَنُ لِلْمُضَارِبِ خَمْسَمِائَةٍ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَوَلَاؤُهُمَا جَمِيعًا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى الْمُضَارِبِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَيَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُتَفَرِّقًا فَإِنَّ الْعَبْدَ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَبْدُ الْآخَرُ لِلرِّبْحِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا)(دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ) فِي ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك (لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، أَوْ الثَّانِيَ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مُودَعِ الْمُودَعِ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُنَا يَعْمَلُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَوَّلَ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً فَدَفَعَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ) ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا السُّدُسُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَك اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبِ

ص: 294

الْأَوَّلِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْأَوَّلَ وَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ: فَمَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إلَّا النِّصْفَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ وَدَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مُطْلَقَ الْفَضْلِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي النِّصْفُ بِالشَّرْطِ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسَ الرِّبْحِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى صَحِيحًا فِي عَقْدٍ يَمْلِكُهُ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ لِلْعَبْدِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَوْلَى كَسْبَهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا شَرَطَ لَهُ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِك ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَالثُّلُثَانِ لِلْمُضَارِبِ وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ مَشْرُوطٌ لِلْمُضَارِبِ.

وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِرَأْسِ مَالِهِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ، وَإِنْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَمَا شَرَطَ لَهُمَا فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُضَارِبِ وَزَوْجَتَهُ لَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ فَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُمَا كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ مِنْ الرِّبْحِ اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ رِبْحُهُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ رِبْحَهُ لِي فَهُوَ بِضَاعَةٌ، وَإِنْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَلِلْمُضَارِبِ مَا شَرَطَ لَهُ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لِي وَلَك ثُلُثُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْنَ كَلِمَةُ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّنَا شَرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ جَازَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] ، وَإِنْ قَالَ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّ لَك شِرْكًا فِي الرِّبْحِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

(مَسْأَلَةٌ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ وَوَطْءُ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْمُضَارِبِ حَقٌّ يُشْبِهُ الْمِلْكَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ مَاتَ كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَهَا فَأَشْبَهَتْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ الْمُضَارِبُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ) أَمَّا مَوْتُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ

ص: 295

فَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تُصْرَفُ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْتَ يُزِيلُ الْإِذْنَ، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ، وَمَوْتَ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ فَإِنْ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ مِنْ يَوْمِ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ وَتَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ وَلَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ قَدْ اشْتَرَى بِالْمَالِ عَرَضًا فَارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَبَيْعُ الْمُضَارِبِ لِذَلِكَ الْعَرَضِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ فَلَا يَنْعَزِلُ بِرِدَّتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَصَرُّفُهُ كَذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا الرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حُكْمِ الْأَمْلَاكِ فَتَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ فِي حَالِ رِدَّةِ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ أَيْضًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تُزِيلُ الْأَمْلَاكَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَارْتِدَادُهَا وَغَيْرُ ارْتِدَادِهَا سَوَاءٌ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ صَاحِبَةَ الْمَالِ، أَوْ الْمُضَارِبَةَ إلَّا أَنْ تَمُوتَ، أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي أَمْلَاكِهَا فَكَذَا لَا تُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفِهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ فَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالشِّرَاءِ وَصَحَّتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تُبْتَنَى عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَنِضُّ بِالْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ) يَعْنِي الْعُرُوضَ إذَا بَاعَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ نَقْدًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ، أَوْ دَنَانِيرُ قَدْ نَضَّتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ وَاَلَّذِي نَضَّ لَهُ دَرَاهِمُ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا افْتَرَقَا، وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَهُ كَالْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُ حَصَلَ بِعِوَضٍ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِهِ كَالْأَجِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِضَاءُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَلِأَنَّ الدُّيُونَ مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهَا فَلَا يُجْبَرُ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ وَكِّلْ رَبَّ الْمَالِ فِي الِاقْتِضَاءِ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إلَى الْعَاقِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ.

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ: أَحِلْ، مَكَانَ قَوْلِهِ " وَكِّلْ "، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْحَوَالَةِ: نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَمَعْنَى الْوَكَالَةِ: نَقْلُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فَاسْتَعَارَ لَفْظَ الْحَوَالَةِ لِلْوَكَالَةِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ بِالْأَجْرِ كَالسِّمْسَارِ، وَالْبَيِّعِ بِالْأَجْرِ يُجْبَرَانِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْأُجْرَةِ فَكَانَ الْأَجْرُ لَهُمَا بَدَلَ عَمَلِهِمَا.

. (قَوْلُهُ: وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَصَرْفُ الْهَلَاكِ إلَى مَا هُوَ التَّبَعُ أَوْلَى كَمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ فِي الْوَدِيعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً، أَوْ فَاسِدَةً فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً

ص: 296