الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدُهَا جَوَازُ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ الْخَرَابِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ سُبَاطَةُ قَوْمٍ وَالسُّبَاطَةُ قِيلَ هِيَ الدَّارُ الْخَرَابُ، وَقِيلَ هِيَ الْكُنَاسَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهِيَ الْقُمَامَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَوْضِعُ إلْقَائِهَا، وَأَمَّا الْكُنَاسَةُ بِالْكَسْرِ فَهِيَ الْمِكْنَسَةُ وَالثَّانِيَةُ جَوَازُ الْبَوْلِ فِي دَارِ غَيْرِهِ الْخَرَابِ دُونَ الْغَائِطِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ تُنَشِّفُهُ الْأَرْضُ فَلَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْبَوْلَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْخَامِسَةُ تَقْدِيرُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالنَّاصِيَةِ، وَالسَّادِسَةُ ثُبُوتُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ هَكَذَا مُطَوَّلًا وَالْحَاجَةُ إنَّمَا هِيَ إلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى صِدْقِ الرَّاوِي وَإِتْقَانِهِ لِلْحَدِيثِ.
[سُنَنُ الطَّهَارَةِ]
(قَوْلُهُ: وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ) السُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الطَّرِيقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُرْضِيَةً أَوْ غَيْرَ مُرْضِيَةٍ «قَالَ عليه الصلاة والسلام مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ ثَوَابُهَا وَثَوَابُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُؤْجَرُ الْعَبْدُ عَلَى إتْيَانِهَا وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهَا وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْقَوْلِيَّ وَالْفِعْلِيَّ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السُّنَّةُ مَا يَكُونُ تَارِكُهَا فَاسِقًا وَجَاحِدُهَا مُبْتَدِعًا وَالنَّفَلُ مَا لَا يَكُونُ تَارِكُهُ فَاسِقًا وَلَا جَاحِدُهُ مُبْتَدِعًا.
(قَوْلُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا) يَعْنِي إلَى الرُّسْغِ وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ وَيَغْسِلُهُمَا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ كَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) أَيْ إدْخَالِ أَحَدِهِمَا وَيُسَنُّ هَذَا الْغَسْلُ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ) هَذَا شَرْطُ وِفَاقٍ لَا قَصْدٍ حَتَّى إنَّهُ سَنَّهُ لِلْمُسْتَيْقِظِ وَغَيْرِهِ وَسُمِّيَ مُتَوَضِّئًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ بِاسْمِهِ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» سَمَّاهُمْ مَوْتَى لِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ، وَسَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَوَاجِبٌ.
(قَوْلُهُ: وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) الْكَلَامُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَيْفِيَّتِهَا وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا أَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَبِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّسْمِيَةِ هُنَا مُجَرَّدُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا التَّسْمِيَةُ عَلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَقَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَ لِلِاسْتِنْجَاءِ سَمَّى قَبْلَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَشَفَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ سَمَّى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهَا لِسَانَهُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَالَ الِانْكِشَافِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَتَى بِهَا مَتَى ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنْهَا
(قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَوَقْتُهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ
وَأَسَافِلَهَا وَيَسْتَاكُ عَرْضَ أَسْنَانِهِ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا اسْتَعْمَلَ خِرْقَةً خَشِنَةً أَوْ أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ مِنْ يَمِينِهِ ثُمَّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ بِسِوَاكٍ وَبَقِيَ عَلَى وُضُوئِهِ إلَى الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ كَانَ السِّوَاكُ الْأَوَّلُ سُنَّةً لِلْكُلِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ السِّوَاكَ لِلظُّهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَاكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَضِيلَتَهُ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بِسِوَاكٍ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) هُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضَانِ وَكَيْفِيَّتُهُمَا أَنْ يُمَضْمِضَ فَاهُ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ كَذَلِكَ فَلَوْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ.
وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ يَصِيرُ آتِيًا بِهَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا يَعُودُ بَعْضُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَى الْكَفِّ وَفِي الْمَضْمَضَةِ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا سُنَّةٌ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ الْغَرْغَرَةُ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى مَا اسْتَدَّ مِنْ أَنْفِهِ وَلَوْ تَمَضْمَضَ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَلَمْ يَمُجَّهُ أَجْزَأَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُلْقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَة وَيَمْسَحُ بَاطِنَهُمَا وَظَاهِرَهُمَا وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَهُمَا ثُقْبَا الْأُذُنَيْنِ وَيُدِيرَهُمَا فِي زَوَايَا أُذُنَيْهِ وَيُدِيرَ إبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ قِيلَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَيَمْسَحُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ.
وَفِي النِّهَايَةِ يَمْسَحُهُمَا بِظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ وَمَسْحُ الْحُلْقُومِ بِدْعَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَكَيْفِيَّةُ تَخْلِيلِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقِ اللِّحْيَةِ مَكْسُورَةُ اللَّامِ وَجَمْعُهَا لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَاللَّحْيُ بِفَتْحِ اللَّامِ عَظْمُ الْفَكِّ وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ وَجَمْعُهُ لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا وَتَخْلِيلُهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَلِّلَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخْلِيلُ سُنَّةً بَعْدَ وُصُولِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ فَهُوَ وَاجِبٌ وَكَيْفِيَّةُ التَّخْلِيلِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَهُ بِإِبْهَامِهَا وَيَبْدَأَ بِإِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمَهُ بِخِنْصَرِهَا، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّخْلِيلِ اسْتِيفَاءُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَصَابِعِ، وَأَمَّا اللِّحْيَةُ فَدَاخِلُ الشَّعْرِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْفَرْضِ بَلْ الْفَرْضُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الْغَدِيرِ وَغَمَسَ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
(قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) الْمُسْتَحَبُّ مَا كَانَ مَدْعُوًّا إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ وَفِي إتْيَانِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ وَالْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ فِي أَرْبَعَةِ
مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَوَقْتِهَا وَمَحَلِّهَا أَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ نَوَيْتُ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ نَوَيْت الطَّهَارَةَ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَأَمَّا مَحَلُّهَا فَالْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ ثُمَّ النِّيَّةُ إنَّمَا هِيَ فَرْضٌ لِلْعِبَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ هُوَ النِّيَّةُ وَالْوُضُوءُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ فَرْضًا فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا فَلَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْحَدَثِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَمِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَمُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلَّا فِي حَالَةِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ وَقَعَ التُّرَابُ عَلَى أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَلِمَ نِسْيَانًا التَّيَمُّمُ لَمْ يَكُنْ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) الِاسْتِيعَابُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ اسْتَوْعَبَ كَذَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا وَالِاسْتِيعَابُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَضَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَ أَصَابِعَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَلَا يَضَعُ الْإِبْهَامَ وَلَا السَّبَّابَةَ وَيُجَافِي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى الْقَفَا ثُمَّ يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ بِإِبْهَامَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمُسَبِّحَتَيْهِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ) التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُسِيءُ بِتَرْكِهِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ فِي كَوْنِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا سُنَّةً.
(قَوْلُهُ: فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ) وَهُوَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضٌ وَالْمُوَالَاةُ هِيَ التَّتَابُعُ وَحَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ فِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالرِّيَاحِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُسْرِعُ فِيهِمَا لَا بِشِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُبْطِئُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اسْتِوَاءُ حَالَةِ الْمُتَوَضِّئِ فَإِنَّ الْمَحْمُومَ يُسَارِعُ الْجَفَافُ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْحُمَّى وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِعُذْرِ فَرْغِ مَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ انْقَلَبَ الْإِنَاءُ فَذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَكَذَا إذَا فَرَّقَ فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ.
(قَوْلُهُ: وَبِالْمَيَامِنِ) أَيْ يَبْدَأُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَبِالرِّجْلِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَهُوَ فَضِيلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَيَامِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي لُبْسِ نَعْلَيْهِ صلى الله عليه وسلم» وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ مَسْحَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لَكِنَّا نَقُولُ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ يُغْسَلَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالْمَيَامِينِ، وَأَمَّا الْأُذُنَانِ فَيُمْسَحَانِ مَعًا بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِ ذَلِكَ أَسْهَلَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْخَدَّيْنِ بِالْأُذُنَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ شَرَعَ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ وَالنَّقْضُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْأَجْسَامِ يُرَادُ بِهِ إبْطَالُ تَأْلِيفِهِمَا وَمَتَى أُضِيفَ إلَى غَيْرِهَا يُرَادُ بِهِ إخْرَاجُهُ عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَالْمُتَوَضِّئُ هَا هُنَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ بِالْحَدَثِ انْتَقَضَتْ صِفَتُهُ وَخَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) وَهُمَا الْفَرْجَانِ وَمِنْ دَأْبِ الشَّيْخِ رحمه الله أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُتَّفَقِ فِيهِ ثُمَّ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُتَّفَقٌ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَقَدَّمَهُ لِذَلِكَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ وُضِعَتْ لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَ الْمُعْتَادِ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالدُّرَدِ وَالْحَصَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ الذَّكَرِ
وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْفَضَاةُ وَهِيَ الَّتِي مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدٌ فَيَخْرُجُ مِنْهَا رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ فَتَنْقُضُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ فَلَا تَنْقُضُ، وَالْأَصْلُ تَيَقُّنُ الطَّهَارَةِ وَالنَّاقِضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا بِالشَّكِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ فَنَاقِضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ) وَكَذَلِكَ الصَّدِيدُ وَهُوَ مَاءُ الْجُرْحِ الْمُخْتَلِطِ بِالدَّمِ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ الْمُدَّةُ فَتَكُونُ فِيهِ صَفْوَةٌ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبَلَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّجَاوُزُ.
وَقَالَ زُفَرُ الدَّمُ وَالْقَيْحُ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَا يَنْقُضَانِ، وَإِنْ تَجَاوَزَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ خَرَجَا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَا بِالْمُعَالَجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَاخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ النَّقْضُ وَقَيَّدَ بِالدَّمِ وَالْقَيْحِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ خَيْطٌ لَا مَائِعٌ وَأَمَّا الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَنْقُضُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْمَاءُ الصَّافِي إذَا خَرَجَ مِنْ النَّفْلَةِ لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أَنْفِهِ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ إنْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ قَصَبَةِ الْأَنْفِ نُقِضَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا لَمْ يُنْقَضْ وَلَوْ عَضَّ شَيْئًا فَوَجَدَ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ أَوْ اسْتَاكَ فَوَجَدَ فِي السِّوَاكِ أَثَرَ الدَّمِ لَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّيَلَانُ وَلَوْ تَخَلَّلَ بِعُودٍ فَخَرَجَ الدَّمُ عَلَى الْعُودِ لَا يُنْقَضُ إلَّا أَنْ يَسِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الرِّيقِ وَلَوْ اسْتَنْثَرَ فَسَقَطَ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ قَطَرَتْ قَطْرَةُ دَمٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ.
(قَوْلُهُ: فَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ) حَدُّ التَّجَاوُزِ أَنْ يَنْحَدِرَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ وَأَمَّا إذَا عَلَا وَلَمْ يَنْحَدِرْ لَا يَنْقُضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمَادًا فَتَشَرَّبَ مِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ فَجَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا وَلَوْلَاهُ لَتَجَاوَزَ نَقَضَ وَكَذَا لَوْ كَانَ كُلَّمَا خَرَجَ مَسَحَهُ أَوْ أَخَذَهُ بِقُطْنَةٍ مِرَارًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ لَسَالَ نَقَضَ وَلَوْ سَالَ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَالْأَنْفُ مَسْدُودَةٌ نَقَضَ وَلَوْ رَبَطَ الْجُرْحَ فَابْتَلَّ الرِّبَاطُ إنْ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى الْخَارِجِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ ذَا طَاقَيْنِ فَنَفَذَ الْبَعْضُ إلَى الْبَعْضِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أُذُنَيْهِ قَيْحٌ أَوْ صَدِيدٌ إنْ تَوَجَّعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ وَاخْتَلَطَ بِالرِّيقِ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ أَوْ كَانَا سَوَاءً نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ الرِّيقُ غَالِبًا لَا يَنْقُضُ وَعَلَى هَذَا إذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ الرِّيقَ وَفِيهِ الدَّمُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَصَّ الْقُرَادُ عُضْوَ إنْسَانٍ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ جُرْحِهِ دُودَةٌ لَا يَنْقُضُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ سَقَطَتْ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ الْجُرْحِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ لَا يَنْقُضُ وَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْجَامِدَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَالْحَصِيرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ: يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) يَعْنِي يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ نَقَضَ الْوُضُوءَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ حُكْمُ التَّطْهِيرِ عَنْ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَبَاطِنِ الْجُرْحِ وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ دَخَلَ تَحْتَهُ بَاطِنُ الْعَيْنِ وَبَاطِنُ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ تَطْهِيرُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّطْهِيرِ فِيهِ مُمْكِنَةٌ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَدْ رَفَعَهُ الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَيْءُ إذَا مَلَأ الْفَمَ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ مَلَأَ الْفَمَ.
وَقَالَ زُفَرُ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
وَالْقَيْءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مَاءٌ وَطَعَامٌ وَدَمٌ وَمِرَّةٌ وَبَلْغَمٌ فَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَلَا يَنْقُضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَغَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ مَلَأَ الْفَمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَالْخِلَافُ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ أَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطٌ وَأَمَّا الدَّمُ إذَا كَانَ غَلِيظًا جَامِدًا غَيْرَ سَائِلٍ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ فَإِنْ كَانَ ذَائِبًا نَقَضَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ، وَأَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَنَاقِضٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ شَرِبَ مَاءً فَقَاءَهُ صَافِيًا نُقِضَ وُضُوءُهُ. كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَإِنْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ لَمَلَأَ الْفَمَ فَالْمُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِ السَّبَبِ إذَا قَاءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ فَهُوَ مُتَّحِدٌ، وَإِنْ قَاءَ ثَانِيًا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ فَهُوَ مُخْتَلِفٌ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مَسْأَلَةٌ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهِيَ إذَا نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ النَّائِمِ ثُمَّ أَعَادَهُ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ النَّوْمَةَ الْأُولَى حَتَّى إنَّهُ لَوْ اسْتَيْقَظَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي أُصْبُعِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهُ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَبَهَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَامَ لَمْ يَبْرَأْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى النَّائِمِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا لَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مُسْتَيْقِظٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى نَائِمٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظَتُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرَدَّهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَالسَّبَبِ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا) الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ النَّاقِضُ الْحَقِيقِيُّ وَهَذَا النَّاقِضُ الْحُكْمِيُّ وَهَلْ النَّوْمُ حَدَثٌ أَمْ لَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدَثًا اسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ، وَقَوْلُهُ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ أَيْضًا وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْقُضُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى أَحَدِ وِرْكَيْهِ فَهُوَ كَالْمُضْطَجِعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ) الِاسْتِنَادُ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَوْ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَامَ لَمْ يُنْقَض وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُثْبِتًا مَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يُنْقَضُ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَغْلِبُهُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَسْلُبُهُ، وَيُقَالُ الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا تُزِيلُ الْحِجَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تُزِيلُ الْحِجَا وَلَا تُزِيلُ الْقُوَى وَهُمَا حَدَثَانِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
وَكَذَا السُّكْرُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَالسَّكْرَانُ هُوَ الَّذِي تَخْتَلُّ مِشْيَتُهُ وَلَا يَعْرِفُ الْمَرْأَةَ مِنْ الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ وَالْجُنُونُ بِالرَّفْعِ وَلَا يَجُوزُ خَفْضُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُهُ وَيَجُوزُ خَفْضُهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) سَوَاءٌ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَمْ تَبْدُ وَسَوَاءٌ قَهْقَهَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَلَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ الْغُسْلِ وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجَارِهِ وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جَارِهِ وَهُوَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَهُوَ لَا يُفْسِدُهُمَا جَمِيعًا وَقَهْقَهَةُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ وَقَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ إجْمَاعًا وَتُفْسِدُ صَلَاتَهُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْبَاقِي فِي الْحَدَثِ إذَا جَاءَ مُتَوَضِّئًا وَقَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَصَلَّى وَقَهْقَهَ لَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ، وَقَوْلُهُ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ إذَا قَهْقَهَ فِيهِمَا لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ
وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَسَجْدَتُهُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يَحْنَثُ.
(قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) يَعْنِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه سُنَّتَانِ.
(قَوْلُهُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) السَّائِرُ الْبَاقِي وَمِنْهُ السُّؤْرُ الَّذِي يُبْقِيهِ الشَّارِبُ وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ أَوْ الْمَاءِ الْجَارِي انْغِمَاسَةً وَاحِدَةً وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْأَقْلَفُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا خِلْقَةٌ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ وَتَحْتَ أَظْفَارِهَا عَجِينٌ قَدْ يَبِسَ وَجَفَّ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى تَحْتُ وَجَبَ عَلَيْهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهَا وَسَخٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهَا مِنْ غَيْرِ إزَالَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ قِشْرُ سَمَكٍ أَوْ خُبْزٍ مَمْضُوغٍ مُتَلَبِّدٍ وَجَبَ إزَالَتُهُ، وَكَذَا الْخِضَابُ الْمُتَجَسِّدُ وَالْحِنَّاءُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْغُسْلَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَهُوَ الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَالثَّانِي الْغُسْلُ مِنْ الْإِنْزَالِ عَنْ شَهْوَةٍ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ إتْيَانِ بَهِيمَةٍ أَوْ مُعَالَجَةِ الذَّكَرِ بِالْيَدِ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالثَّالِثُ الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالرَّابِعُ الْغُسْلُ مِنْ النِّفَاسِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُ سُنَّةٌ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَغُسْلُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ وَغُسْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَغُسْلَانِ وَاجِبَانِ غُسْلُ الْمَوْتَى وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي الْمُغَلَّظَةِ وَرُبُعِ الثَّوْبِ فِي الْمُخَفَّفَةِ وَغُسْلٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ إذَا أَسْلَمَا وَالصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ إذَا أَدْرَكَا بِالسِّنِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّةُ الْغُسْلِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ) سَمَّاهُ مُغْتَسِلًا؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الِاغْتِسَالِ كَمَا قُلْنَا إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّيَّةِ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ نَوَيْتُ الْغُسْلَ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ يَسْتَنْجِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ
(قَوْلُهُ: وَيُزِيلُ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ مُعَرَّفًا بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ إلَّا أَنَّ النَّكِرَةَ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا قَالَ إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ إنْ تَدْخُلُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَإِذَا تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ وَالنَّجَاسَةُ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِسَالَةَ تُعْدِمُ الْمَسْحَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْسَحُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا رِجْلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ قَبْقَابٍ أَوْ حَجَرٍ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَهُمَا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ أَنْ يُوصِلَ الْمَاءَ إلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَمَعَاطِفِ بَدَنِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَهُوَ عَلَى جَنَابَتِهِ حَتَّى يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ ضَيِّقٌ حَرَّكَهُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ فَالتَّخْلِيلُ فَرْضٌ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ غَسَلَهُمَا عَقِيبَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا. وَلَوْ تَقَاطَرَ الْمَاءُ فِي وَقْتِ الْغَسْلِ فِي الْإِنَاءِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْسَدَهُ، وَحَدُّ الْقَلِيلِ مَا لَا يَنْفَرِجُ مَاءُ الْإِنَاءِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَسْتَبِينُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَهُوَ قَلِيلٌ وَإِلَّا فَهُوَ