الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إفَاتَةُ الرُّوحِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَطْعُ الْأَوْدَاجِ دُونَ إفَاتَةِ الرُّوحِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْقَاضِي رَجُلًا مُشَاهَرَةً عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَرَةٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَالْمُدَّةُ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الضَّرْبِ فَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ.
[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ، أَوْ مِمَّا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ، أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، وَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْإِجَارَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ وَطَرَأَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ لَا تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ، ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ جَائِزًا.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَالْقِيَامُ بِهِ -، وَاللَّبَنُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ، وَالْخِدْمَةُ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ ابْنَهَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اسْتِئْجَارِهَا أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ يَقَعُ لِلصَّغِيرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ، أَوْ الْخَبْزِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي هَذَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ سَمَّى الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا) مَخَافَةَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غِشْيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهَا الْعَمَلَ وَلَمْ يَسْتَحِقُّوهُ فِي مَكَان
مَخْصُوصٍ وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى كِسْوَتِهِ وَحُلِيِّهِ فَإِنْ سُرِقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهَا ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ) إذَا خَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَلَهَا أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الرَّضَاعِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَسَلَّمَ الْأُجْرَةَ وَقَدْ قَالُوا فِي الظِّئْرِ: إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَشِينُهَا الْإِرْضَاعُ فَلِأَهْلِهَا أَنْ يَفْسَخُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: تَمُوتُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ يَشِينُهَا الرَّضَاعُ فَإِنْ كَانَتْ الظِّئْرُ سَارِقَةً وَخَافُوا عَلَى مَتَاعِ الصَّبِيِّ مِنْهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا، وَإِنْ كَانُوا يُؤْذُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ أُمِرُوا بِالْكَفِّ عَنْهَا فَإِنْ فَعَلُوا، وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفَسْخُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ) بِأَنْ تَمْضُغَ لَهُ الطَّعَامَ وَلَا تَأْكُلَ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَعَلَيْهَا طَبْخُ طَعَامِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَمَا يُعَالَجُ بِهِ الْأَطْفَالُ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا طَعَامُهُ فَعَلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ أَنَّهُ عَلَى الظِّئْرِ فَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالْإِرْضَاعِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ الظِّئْرُ لَهُ ظِئْرًا أُخْرَى فَأَرْضَعَتْهُ فَلَهَا الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الثَّانِيَةِ يَقَعُ لِلْأُولَى فَكَأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ بِنَفْسِهَا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى عَمَلِهَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَرْضَعُ لَبَنَهَا، أَوْ يَتَقَيَّأُ مِنْهُ، أَوْ تَكُونُ سَارِقَةً، أَوْ زَانِيَةً تَتَشَاغَلُ بِالزِّنَا عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ فَلِأَهْلِهِ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ، وَإِنْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ بَيْتِهَا، أَوْ سَقَطَ فَمَاتَ، أَوْ سُرِقَ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَتْهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ) وَكَذَا الْخَيَّاطُ فَلَوْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْحَبْسِ فَإِذَا حَبَسَهُ أَوْلَى أَنْ يُضْمَنَ لَكِنَّهُ عِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَصَّارُ يَقْصُرُ بِالنَّشَا، وَالْبَيْضِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَإِنْ كَانَ يُبَيِّضُ الثَّوْبَ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ كَالْحَمَّالِ، وَالْمَلَّاحِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فَهُوَ غَاصِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ، وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَإِذَا حَبَسَهَا بِدَيْنِهِ صَارَ غَاصِبًا كَالْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، ثُمَّ إذَا حَبَسَ الْعَيْنَ ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغَصْبِ وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَحْمُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ بِلَا أَجْرٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي الْحَمَّالِ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ فَطَلَبَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الشَّيْءَ مِنْ رَقَبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ.
. (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك، أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَخِيطَهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ
بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا، أَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَمْ آذَنْ لَك فِي الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا؛ لَكِنَّهُ يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) يَعْنِي إنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَوْ جَاءَ إلَى خَيَّاطٍ بِثَوْبٍ فَقَالَ لَهُ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ وَخِطْهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ: نَعَمْ يَكْفِيك، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهُ: لَا يَكْفِيك ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَرْفَ شَرْطٍ وَهِيَ " إنْ " فَقَدْ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مَوْصُوفٍ بِشَرْطِ الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَكْفِ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ الْمَشْرُوطَةُ فَضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ: اُنْظُرْ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اقْطَعْهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مُطْلَقٍ عَارٍ عَنْ الْوَصْفِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا وَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيَقْصُرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي جَاءَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ يَطْلُبُهُ مِنْهُ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مَقْصُورًا وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ قَصَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْحَدَهُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لَهُ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ وَجَحَدَهُ مَقْصُورًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْدَمَا جَحَدَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأُجْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ حَرِيفًا لَهُ) أَيْ مُعَامِلًا لَهُ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرِيفًا فَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يَخِيطُ لَهُ بِأُجْرَةٍ فَصَارَ الْمُعْتَادُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا عَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الصَّانِعُ مُبْتَذِلًا لِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَمِلَهُ بِأُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَنَصَبَ نَفْسَهُ لِلْخِيَاطَةِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى) .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجْرًا يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنَّمَا تَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ حَيْثُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالتَّخْلِيَةِ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ إذَا خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ اسْتِقْرَارَ الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) هَذَا إذَا غَصَبَهَا
قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَهَا أَمَّا إذَا غَصَبَهَا بَعْدَمَا سَكَنَ فِيهَا مُدَّةً سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ وَلَا يُحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا، أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ حَدَثَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ يَنْقُصُ السُّكْنَى فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا فَهَذَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ، أَوْ الدَّابَّةِ إذَا دَبِرَتْ، أَوْ الدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُ بِنَائِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ بَنَى الْمُؤَجِّرُ مَا سَقَطَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ وَتَطْيِينُ الدَّارِ، وَإِصْلَاحُ مَيَازِيبِهَا وَمَا وَهَنَ مِنْ بِنَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ إذَا لَمْ يُصْلِحْ الْمُؤَجِّرُ ذَلِكَ وَكَذَا إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ، وَالْبَالُوعَةِ وَبِئْرِ الْمَخْرَجِ عَلَى الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ امْتَلَأَ مِنْ فِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الدَّارِ تُرَابٌ مِنْ كَنْسِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ رَمَادٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَمَتَاعٍ وَضَعَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَصْلَحَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا مِنْ خَلَلِ الدَّارِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ، أَوْ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) يَعْنِي لَهُ فَسْخُهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْفَسِخْ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ انْفَسَخَتْ أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ حَتَّى إنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْآخِذِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ) أَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ الَّذِي مَاتَ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُوْفِيَتْ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) مِثْلُ الْوَكِيلِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْأَبِ إذَا آجَرَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ إذَا عَقَدَ ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مِلْكِ الِاسْتِبَاحَةِ وَذَلِكَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَدَعُوا ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَيَكُونَ عَلَيْهِمْ مَا سُمِّيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ فَإِنَّ الزَّرْعَ يُتْرَكُ وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمَّا وَجَبَ وَلَا تَسْمِيَةَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُجْرَةَ الْمِثْلِ.
(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ