الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَضْمُونٌ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ، أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَجَبَ النُّقْصَانُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ إنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِرِضَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْعُيُوبَ وَلَمْ يَعُدَّهَا) وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعٌ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَقِفْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى اعْوَرَّ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَرَاءَةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ الْبَرَاءَةَ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالْمَوْجُودِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، أَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَوْفِ مِنْ الطِّحَالِ، أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَالْغَائِلَةُ السَّرِقَةُ، وَالْإِبَاقُ، وَالْفُجُورُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]
اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: بَيْعٍ جَائِزٍ وَبَيْعٍ فَاسِدٍ وَبَيْعٍ بَاطِلٍ وَبَيْعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ. فَالْجَائِزُ يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْفَاسِدُ لَا يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ إلَّا بِإِجَازَةِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ الْبَابُ بِالْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِالْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَوْجُودٌ فِي الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدَ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُوجَدُ فِي الْأَعْلَى لَا الْعَكْسُ؛ إذْ كُلُّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلًا، وَالْفَاسِدُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي الصُّورَتَيْنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُحَرَّمًا، أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) أَيْ بَاطِلٌ (كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ، أَوْ بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ بِالْخَمْرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ) أَحَدُهُمَا (غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) هَذِهِ فُصُولٌ جَمَعَهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَنَقُولُ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ وُجِدَ
الْقَبْضُ بِالْإِذْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَا يُعْتَقُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالْخِنْزِيرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَكَذَا مَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا ذَبَحَ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةٌ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ يَعْنِي أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) مَعْنَاهُ بَاطِلٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ يَعْنِي إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ أَمَّا إذَا بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، ثُمَّ أَجَازَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ تَضَمَّنَ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ فَوُجِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَكَذَا الَّذِي أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ بَاقِيهِ وَكَذَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَكَذَا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا عَنْهَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ سَمَكًا فِي حَوْضٍ إنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ قَطُّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ أَخَذَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ جَازَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَاصْطِيَادٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا إذَا قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ بَلْخِي فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَإِنْ أُرْسِلَ مِنْ يَدِهِ فَغَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَلَوْ بَاعَ طَائِرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ رَاجِيًا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْآبِقِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِخُصُومَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ بَيْعُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى حَالِ إبَاقِهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِنْ ظَهَرَ، أَوْ سَلَّمَهُ جَازَ وَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ إمَّا الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ، أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبْضِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ وَقَالَ أَهْلُ بَلْخِي يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ) النِّتَاجُ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ، ثُمَّ بَيْعُ الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ دُونَ أُمِّهِ وَلَا الْأُمِّ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُدْرَى أَمَوْجُودٌ هُوَ، أَوْ مَعْدُومٌ فَلَوْ بَاعَهُ وَوَلَدَتْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَلَّمَهُ لَا يَجُوزُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَعَسَاهُ انْتِفَاخًا وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ عَنْهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً لَمْ تُسْلَخْ وَبَاعَ كِرْشَهَا جَازَ وَيَكُونُ إخْرَاجُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ كَذَا فِي الْعُيُونِ.
. قَوْلُهُ: (وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ، أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ
الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَالْبِزْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا أَمَّا الْجِذْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ بِخِلَافِ الصُّوفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالتَّسْلِيمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ بِالنَّتْفِ، أَوْ بِالْجَزِّ فَبِالنَّتْفِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْحَيَوَانِ وَبِالْجَزِّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُحْتَاجُ إلَى نَتْفِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ.
قَوْلُهُ: (وَضَرْبَةِ الْغَائِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ وَصُورَتُهُ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ ضَرْبَةً فِي الْمَاءِ بِالشَّبَكَةِ فَمَا خَرَجَ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ بِكَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْغَائِصُ صَيَّادُ الْبَحْرِ، وَالْقَانِصُ صَيَّادُ الْبَرِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا) الْمُزَابَنَةُ الْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ وَسُمِّيَ هَذَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالدِّفَاعِ وَقَوْلُهُ " وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ " بِثَلَاثِ نُقَطٍ مِنْ فَوْقُ، وَقَوْلُهُ " بِخَرْصِهِ تَمْرًا " بِنُقْطَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا بَلْ يُسَمَّى رُطَبًا وَبُسْرًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى تَمْرًا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا بَعْدَ الْجَفَافِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ فَلَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي التَّحْرِيمِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) هَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا أَمَّا الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْحَصَاةِ فَكَانَ الرَّجُلَانِ يَتَسَاوَمَانِ فِي السِّلْعَةِ فَإِذَا وَضَعَ الطَّالِبُ عَلَيْهَا حَجَرًا، أَوْ حَصَاةً تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ ابْتِيَاعًا لَهَا رَضِيَ مَالِكُهَا، أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهَا أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعَ نَبَذَ السِّلْعَةَ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ رَضِيَ، أَوْ لَمْ يَرْضَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ وَكَذَا بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ وَكَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخِفَافِ وَالنِّعَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يُكَاتِبَهُ، أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، ثُمَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ، وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَفِي وَجْهٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ صِفَةِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَبِيعِ فَصِفَةُ الثَّمَنِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهَا نَقْدُ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُؤَجَّلَةٌ، وَأَمَّا صِفَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ، أَوْ خَبَّازَةٌ، أَوْ بِكْرٌ، أَوْ ثَيِّبٌ، أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ ثَمَرَةً بِشَرْطِ
الْجَذَاذِ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ رَطْبَةً بِشَرْطِ الْجَذَاذِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُشْتَرِي.
وَكَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ أَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعَهَا الْبَائِعُ سَنَةً، أَوْ دَابَّةً بِشَرْطِ أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُ شَهْرًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ الِاسْتِيلَادِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَإِذَا قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَوْ شَرَطَ الْمَضَرَّةَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخْرِقَهُ، أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَهْدِمَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَائِزٌ فِيهِمَا وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْوَطْءِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَاسِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَنَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» ، أَمَّا بَيْعٌ وَشَرْطٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ، أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ يَقُولَ: عَلَى إنْ أَعْطَيْتَنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِأَلْفٍ، وَإِنْ أَخَّرْتَهُ إلَى شَهْرٍ فَبِأَلْفَيْنِ، أَوْ أَبِيعُكَ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ الثَّمَنَيْنِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَأَمَّا صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الْفَرَسَ بِأَلْفٍ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَدْ جَعَلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَدَلًا لِلْعَيْنِ وَالْعَمَلِ فَمَا حَاذَى الْعَيْنَ يَكُونُ بَيْعًا وَمَا حَاذَى الْعَمَلَ يَكُونُ إجَارَةً فَقَدْ جَمَعَ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْقَبْضِ، أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَيُوهَبَ لَهُ هِبَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ، فَقَبَضَ الْعَبْدَ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ لَا يَطِيبُ لَهُ الزَّوَائِدُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ يَعْنِي فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهَا إلَى شَهْرٍ، أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ شَرْطُ نَفْيِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا فِي الْبُطُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ: فِي وَجْهٍ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ، وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ أَمَّا الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَأَمَّا الَّذِي يَجُوزُ الْعَقْدُ فِيهِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ
وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ الْأُمُّ، وَالْوَلَدُ جَمِيعًا وَكَذَا الْمُعْتِقُ إذَا أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي أَنَّهَا تُعْتَقُ هِيَ وَحَمْلُهَا، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا جَائِزَانِ فَالْوَصِيَّةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْمُوصَى لَهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِلْوَرَثَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا، أَوْ قَبَاءً، أَوْ نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا، أَوْ يُشْرِكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) مَعْنَى يَحْذُوهَا يَقْطَعُهَا مِنْ الْجِلْدِ وَيَعْمَلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ:.
(وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ) النَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الصَّيْفِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ الشَّمْسُ فِيهِ الْحَمَلَ، وَالْمِهْرَجَانُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْمِيزَانَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ الصَّوْمَ بِالنَّصَارَى، وَالْفِطْرَ بِالْيَهُودِ قِيلَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفِطْرَهُمْ مَعْلُومٌ، وَالْيَهُودُ بِعَكْسِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ آجَالٌ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَتَصِيرُ مَجْهُولَةً وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِإِزَالَةِ جَهَالَتِهَا، ثُمَّ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ فِي وُجُودِهَا كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ كَانَتْ فَاحِشَةً وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكْفُلَ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، وَإِنْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُحْتَمَلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ) .
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ - وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ مَالٌ - مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ أَبِيعُك بِمَا تَرْعَى إبِلِي فِي أَرْضِك، أَوْ بِمَا تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِك أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى فِي مُقَابَلَتِهِ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْحَشِيشَ، أَوْ اسْتَقَى الْمَاءَ فِي إنَاءٍ جَازَ بَيْعُهُ فَاشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ وَهِيَ مَالٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَبِيعُك بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الْعِوَضِ، وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَقَوْلُهُ: مَلَكَ الْمَبِيعَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ لَكِنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي: يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ دُونَ الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِبَائِعِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَ الْعَيْنَ.
وَوَجْهُ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ طَعَامًا مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كَانَتْ دَارًا لَا تَجِبُ فِيهَا
شُفْعَةُ الشَّفِيعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ، وَالْحُرْمَةَ لَيْسَا مِنْ الْمِلْكِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَمْلُوكٌ لِمَنْ اسْتَفَادَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَلَك جَارِيَةً وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ بَيْنَهُمَا مُصَاهَرَةٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاحِدًا وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ مَلَكَ الْمَبِيعَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ قُطِعَ وَقَوْلُهُ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَعْنِي يَوْمَ الْقَبْضِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَالْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَقَوْلُهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَزْدَدْ الْمَبِيعُ أَمَّا إذَا ازْدَادَ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْفَسْخِ - مِثْلُ الصَّبْغِ، وَالْخِيَاطَةِ وَلَتِّ السَّوِيقِ بِالسَّمْنِ -، أَوْ جَارِيَةً عَلِقَتْ مِنْهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ كَالْوَلَدِ، وَالْعُقْرِ وَالْأَرْشِ وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الزَّوَائِدَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ، وَالْهِبَةِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَبِيعِ، وَالزَّوَائِدُ لَهُ لِتَقَرُّرِ ضَمَانِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ مِنْ أَرْشِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا وَبَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ بِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَجَرَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَهَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ صَارَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَالْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَبَقِيَ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَقَدَهُ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ وَمَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ وُرِثَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَكَذَا يُفْسَخُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ الثَّوْبَ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْعَيْبِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا، أَوْ قَبَضَهَا وَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ فَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ فَرَبِحَ فِيهِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا وَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا جَمِيعًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَضَمَّنَتْ صَحِيحًا وَفَاسِدًا، وَالْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا سَمَّى
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَبَطَلَ فِي الْحُرِّ، وَالْمَيِّتَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ، أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ يَفْسُدُ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ، وَإِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ اُسْتُحِقَّ، أَوْ وُجِدَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ:.
«وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» ) النَّجْشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يَحْمِلُ الرَّاغِبَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا طَلَبَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فِي السِّلْعَةِ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ فَعَارَضَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَاشْتَرَاهُ أَمَّا إذَا كَانَ قَلْبُ الْبَائِعِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَجْنَحْ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ. قَوْلُهُ:(وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) وَصُورَةُ تَلَقِّي الْجَلَبِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ إذْ سَمِعَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ مَعَهُمْ طَعَامٌ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَغَلَاءٍ فَيَخْرُجُ يَتَلَقَّاهُمْ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ جَمِيعَ طَعَامِهِمْ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمِصْرَ وَيَبِيعُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَرَكَهُمْ حَتَّى دَخَلُوا بَاعُوا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ مُتَفَرِّقًا تَوَسَّعَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صُورَتُهُ أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْمِصْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِسِعْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُمْ سَوَاءٌ تَضَرَّرَ بِهِ أَهْلُ الْمِصْرِ، أَوْ لَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْجَالِبُ بِالطَّعَامِ لَقِيَهُ الْحَاضِرُ وَقَالَ لَهُ: سَلِّمْ إلَيَّ طَعَامَك لَا تَوَثُّقَ لَك فِي بَيْعِهِ فَيَتَوَفَّرُ عَلَيْك ثَمَنُهُ وَقِيلَ مَعْنَى بَيْعِ الْحَاضِرِ مِنْ الْبَادِي وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ، أَوْ عَلَفٌ، أَوْ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَكِنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي سَعَةٍ وَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَوْلُهُ:(وَعَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) يَعْنِي الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّجْشِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ) حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ دُونَ الْقِيمَةِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا، وَالْآخَرُ صَغِيرًا)