الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَارِيَّةُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الْمُعِيرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي مَتْنِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ ضَمِنَ) وَكَذَا الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ الْوَدِيعَةُ لَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِرَدِّهَا إلَى الدَّارِ وَلَا إلَى يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَى ذَلِكَ لَمَا أَوْدَعَهَا بِخِلَافِ الْعَوَارِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا عُرْفًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُعَارُ إنَّك قَدْ أَطْعَمْتَنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكْتُبُ أَنَّك قَدْ أَعَرْتَنِي؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الدَّارِ وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّهَا لَا تُعَارُ إلَّا لِلسُّكْنَى.
[مَسَائِلُ فِي الْعَارِيَّةِ]
(مَسَائِلُ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَنَامَ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ فَقَطَعَ الْمِقْوَدَ وَذَهَبَ بِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَدَّ الْمِقْوَدَ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَهَا هُنَا مُضَيَّعٌ، وَهَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَمَّا إذَا نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ الْمِقْوَدُ لَيْسَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ إذَا نَامَ قَاعِدًا فَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا السَّرَخْسِيُّ.
رَجُلٌ اسْتَعَارَ كِتَابًا لِيَقْرَأَ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ يَكْرَهُ إصْلَاحَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصْلِحَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ إصْلَاحَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ دَلَالَةً وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ.
رَجُلٌ اسْتَعَارَ ثَوْرًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمَرْعَى فَضَاعَ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُعِيرَ يَرْضَى بِكَوْنِهِ هُنَاكَ يَرْعَى وَحْدَهُ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ آخَرَ ثَوْرًا عَارِيَّةً، فَقَالَ لَهُ غَدًا أُعْطِيك فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَخَذَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَمَاتَ عِنْدَ صَاحِبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
امْرَأَةٌ أَعَارَتْ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إنْ أَعَارَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِمَّا يَكُونُ عَلَى أَيْدِي النِّسَاءِ عَادَةً فَضَاعَ لَا يُضْمَنُ.
وَلَوْ زَلَقَ مُسْتَعِيرُ السَّرَاوِيلِ فَتَخَرَّقَ
لَا يَضْمَنُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَاسْتَعْمَلَ آنِيَةَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ صَاحِبُ الْفُقَّاعِ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَهُ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِهِ
، وَلَوْ أَتَى إلَى سُوقِيٍّ يَبِيعُ الْآنِيَةَ وَأَخَذَ إنَاءً بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[كِتَابُ اللَّقِيطِ]
اللَّقِيطُ اسْمٌ لِمَنْبُوذٍ مِنْ بَنِي آدَمَ نُبِذَ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ وَأَخْذُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَسُمِّيَ لَقِيطًا بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرَ وَوَاجِبٌ إذَا كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ قَالَ رحمه الله (اللَّقِيطُ حُرٌّ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى إنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ دَارُ الْإِحْرَازِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مِثْلَ أَوْلَادِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَجَاءَ بِهِ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَقَالَ هُوَ حُرٌّ قَوْلُهُ (وَنَفَقَتُهُ مِثْلُ بَيْتِ الْمَالِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا قَرَابَةٌ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه بِمَنْبُوذٍ، فَقَالَ وَجَدْته عَلَى بَابِي، فَقَالَ عُمَرُ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا نَفَقَتُهُ عَلَيْنَا وَهُوَ حُرٌّ فَقَوْلُهُ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ اتَّهَمَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَأَنَّ الْبَأْسَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَالْغُوَيْرُ بَلَدٌ وَالْبُؤْسُ الْقَحْطُ وَالْمَنْبُوذُ الطِّفْلُ الْمَرْمِيُّ بِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى اللَّقِيطِ لِعَدَمِ وَلَايَتِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْأَمْرِ مِنْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي
وَلَكِنْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ إلَى يَدِ عَدْلٍ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَقِيطٌ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْبَيِّنَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَابْنِهِ وَعَبْدِهِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَطْلُبُ رَدَّهُ إلَى يَدِهِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهُ إلَّا لِيَدٍ هِيَ أَوْلَى مِنْ يَدِهِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْرُفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ تَدُلُّ عَلَى سَبَقِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْرِفُ عَلَامَةَ وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ، وَإِنْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي زَمَانٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ أَقَامَاهَا جَمِيعًا قُضِيَ بِهِ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ إلَى خَمْسَةٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ وَلَدًا وَاحِدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَحَقِّ الْحَضَانَةِ وَوُجُوبِ الْإِرْثِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَادَّعَى ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ مُسْلِمًا) ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ نَفْعًا لَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ فَمَا يُكْسِبُهُ الضَّرَرَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ النَّفْعُ فَهُوَ جَائِزٌ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ كَانَ ذِمِّيًّا) الْبِيعَةُ لِلْيَهُودِ وَالْكَنِيسَةُ لِلنَّصَارَى، وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ اُعْتُبِرَ الْمَكَانُ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ وَفِي رِوَايَةٍ أَيَّهُمَا كَانَ الْوَاجِدُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِقُوَّةِ الْيَدِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ حُرٌّ بِالظَّاهِرِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِنَفْسِ الدَّعْوَى إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ يُنْظَرُ إنْ جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَوْ حَدِّ قَاذِفِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يَصِيرُ عَبْدًا بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي ادَّعَاهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ حُرًّا) ؛ لِأَنَّا نُرَاعِي حُصُولَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَثُبُوتُ النَّسَبِ أَنْفَعُ لَهُ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَصَحَّ مَا فِيهِ نَفْعُهُ وَبَطَلَ مَا فِيهِ ضَرَرُهُ وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ وَإِنْ ادَّعَاهُ مَمْلُوكَانِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَيَكُونُ عَبْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُهُمَا وَيَكُونُ حُرًّا، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ هُوَ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَيَكُونُ حُرًّا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ