الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَظَهَرَ الْحَمْلُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ حَمْلِهَا بِانْتِفَاخِ جَوْفِهَا، أَوْ بِنُزُولِ لَبَنِهَا فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهَا حَمْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَتَانِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ فَقَبَضَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَاضَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ، أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي حُكْمِ بَيْعٍ ثَانٍ كَالْإِقَالَةِ وَلَوْ أَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ هَذَا وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا؛ إذَا قَرِبَهَا، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَتَزَوَّجُهَا وَيَدْخُلُ بِهَا، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ يَقْبِضَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَبِيعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا.
[بَابُ السَّلَمِ]
لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ مِنْهَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ السَّلَمُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ الصَّرْفُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا، ثُمَّ قَدَّمَ الْعَقْدَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَقِّي إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ.
قَالَ رحمه الله: (السَّلَمُ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ) الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُثَمَّنًا وَالْمَكِيلَاتُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا عُلِمَ قَدْرُهُ بِالْوَزْنِ جَازَ، وَالْمَوْزُونَاتُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عِنْدَنَا وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهَا سَوَاءٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ بِكَذَا وَهَذِهِ بِكَذَا، وَكَذَا الْجَوْزُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ. قَوْلُهُ:(وَالْمَذْرُوعَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذِّرَاعِ وَهِيَ الثِّيَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الثَّوْبِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَذَرْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ وَزْنًا كَالْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا فِي أَطْرَافِهِ) يَعْنِي الرُّءُوسَ، وَالْأَكَارِعَ لِلتَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَالْهَمْلَجَةِ وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَقَدْ يَجِدُ فَرَسَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي السِّنِّ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ يَشْتَرِي أَحَدَهُمَا بِأَضْعَافِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآخَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي بَنِي آدَمَ لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ، وَالْأَمَتَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ سِنًّا وَصِفَةً وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْعَقْلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْمُرُوءَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَلَا تُوزَنُ عَادَةً وَلَكِنَّهَا تُبَاعُ عَدَدًا وَهِيَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ فَإِنْ سَمَّى مِنْهَا شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْمُصْحَفِ مَعْلُومًا وَذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَجَوْدَتَهُ.
جَازَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْوَرَقِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ضَرْبًا مِنْهُ مَعْلُومَ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَالْجَوْدَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا) ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ مَجْهُولٌ إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنَّ بَيَّنَ طُولَ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ ذِرَاعٌ، أَوْ ذِرَاعَانِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. قَوْلُهُ:(وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا) هُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ جُرْزَةٍ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُون الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) الْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحُلُولِ وَحَدُّ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ مِنْ السُّوقِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ وَلَنَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْمُدَّةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ فَحَلَّ السَّلَمُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ إلَى حَالِ وُجُودِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالرُّطَبِ إنْ أَسْلَمَ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَجَعَلَ الْمَحِلَّ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ جَازَ.
وَإِنْ جَعَلَ الْمَحِلَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ، وَالْمَالِحُ هُوَ الَّذِي شُقَّ بَطْنُهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْمِلْحُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تَنْقَطِعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا طَرِيِّهِ وَلَا مَالِحِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ فَهُوَ كَاللَّحْمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ إذَا سَمَّى وَزْنًا مَعْلُومًا، وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ سَمَكٌ مِلْحٌ، أَوْ مَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ احْتَجُّوا لَهَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ مِصْرِيًّا
…
أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا
، وَالْحُجَّةُ لِلُّغَةِ الْفَصِيحَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] أَيْ شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ وَلَمْ يَقُلْ مَالِحٌ، وَأَمَّا السَّمَكُ الصِّغَارُ إذَا كَانَ يُكَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَقِلَّةِ الْعِظَامِ وَكَثْرَتِهَا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا سَمَّى مَكَانًا مَعْلُومًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الطُّيُورِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًّا، ثُمَّ أَدْخَلَا الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ. قَوْلُهُ:(وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَاهُ فَقِيلَ شَهْرٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهُ قَدْ يَنْعَدِمُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ فِي ذُرَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْهَا شَيْءٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ:
(وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ جِنْسٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ تَمْرٍ.
(قَوْلُهُ:
وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ تَمْرٍ بَرْنِيِّ، أَوْ مَعْقِلِيٍّ، أَوْ ذُرَةٍ بَيْضَاءَ، أَوْ حَمْرَاءَ قَوْلُهُ (وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) مِثْلُ جَيِّدٍ، أَوْ وَسَطٍ.
(قَوْلُهُ: وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِهِ قَفِيزٌ، أَوْ مُدٌّ أَوْ رِطْلٌ، أَوْ مَنٌّ (وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ. قَوْلُهُ:(وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ) وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ، وَالْأُجْرَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جَهَالَةَ ذَلِكَ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمَقْبُوضِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِي بَعْضِهَا زُيُوفًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(وَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا مَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حَيْثُ لَقِيَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَهَذَا كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ:(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَيُسَلِّمُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ) فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ، وَإِنْ كَانَ كَدِرًا بَطَلَ، وَإِنْ نَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا، أَوْ قَامَا يَمْشِيَانِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ افْتَرَقَا فِي السَّلَمِ بَعْدَ الْقَبْضِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ زُيُوفًا، أَوْ نَبَهْرَجَةً فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا صَحَّ السَّلَمُ، وَإِنْ اسْتَبْدَلَهَا بَطَلَ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ اسْتَبْدَلَهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَا يَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَاسْتَبْدَلَهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَبْطُلُ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَإِنْ كَانَتْ الزُّيُوفُ النِّصْفَ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فِيهَا، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَقَضَ الْعَقْدُ فِيهَا فَإِنْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ سُتُّوقًا، أَوْ رَصَاصًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ.
. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ فَإِنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ يَسْقُطُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُبْرِئَ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهُ سَقَطَ الْقَبْضُ وَبَطَلَ الْعَقْدُ وَهَذَا إذَا قَبِلَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ رَأْسِ الْمَالِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الْقَبْضُ، وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَ عليه السلام «لَيْسَ لَك إلَّا سَلَمُكَ، أَوْ رَأْسُ مَالِكَ» أَرَادَ بِالسَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ لَا تَأْخُذْ إلَّا الْمُسْلَمَ فِيهِ حَالَ بَقَاءِ السَّلَمِ أَوْ رَأْسِ الْمَالِ حِينَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا سَمَّى طُولًا وَعَرْضًا
وَرُقْعَةً) بِالْقَافِ أَيْ غِلْظَةً وَثَخَانَةً؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ فِي مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَوَزْنِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا فِي الْخَرَزِ) لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السَّلَمُ فِيهِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالنُّضْجِ وَعَدَمِهِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَاخْتَارَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ
لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي يُبَاع وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الرُّمَّانِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ لِاخْتِلَافِ الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ، وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مُلَبِّنًا مَعْلُومًا) ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إذَا ذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَلَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ) الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَسَدِ وَلَا الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَبِعَظْمِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ: الْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَطْهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ، وَأَمَّا الْقِرْدُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ كَالسِّبَاعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُبْتَاعُ لِلْمَلَاهِي، وَأَمَّا لُحُومُ السِّبَاعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ مُذَكَّاةً وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِطْعَامِهِ لِلْكِلَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ مُذَكَّاةً؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَلَوْ كَانَ مَدْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا بَيْعَ السِّرْجِينِ، وَالْبَعْرِ وَشِرَاءَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ لِلْوُقُودِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَزِّ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْقَزُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا النَّحْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكُوَّارَاتِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ، وَإِنْ انْفَرَدَ إذَا كَانَ مُجْتَمِعًا مُحْرَزًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ كَالْأَحْنَاشِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ، وَالْبُومِ وَالضِّفْدَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ وَعَقْدَهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الشَّاةِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَإِذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ