الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهِيَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِأَقَلَّ فَهِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَهِيَ بَيْعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَهِيَ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ فَكَذَا الْإِقَالَةُ وَيُقَالُ إنَّمَا جُعِلَتْ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَمَلًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِمَعْنَى الْإِقَالَةِ لَا بِلَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا حَدُّ الْبَيْعِ فَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَاعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ بِأَنْ يُعْتَبَرَ اللَّفْظُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَالْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَائِمٌ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ الْفَسْخِ، فَاعْتَبَرْنَا جَانِبَ اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِقِيَامِ اللَّفْظِ بِهِمَا، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا لَفْظَ الْفَسْخِ بِهِمَا تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لَا مَحَالَةَ لِلْعَمَلِ بِالشَّبَهَيْنِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ " تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ:
إحْدَاهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَمَا سَمَّيَا عِنْدَ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَتْ، وَالثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْعَقَارِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالرَّابِعَةُ إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِرْدَادِ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَصَارَ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِالْهِبَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَوَهَبَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا وَقَدْ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً فَتَقَايَلَا وَاسْتَرَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ صَحَّ قَبْضُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُمَا وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا " لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ فَلَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ صَرْفًا فَالتَّقَابُضُ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُعَوِّضْهُ حَتَّى بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ آخَرَ، ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهَا فِي حَقِّ الْوَاهِبِ.
قَوْلُهُ: (وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ: وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَقِيَ الثَّمَنُ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، وَإِذَا بَقِيَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَهَلَكَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عَقْدٌ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهِ، وَإِذَا تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى مُشْتَرِي الْهَالِكِ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا قَائِمَانِ، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ:(وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي بَاقِيهِ) لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ أَرْشَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا رَدَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]
الْبَيْعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَيْعِ مُسَاوَمَةٍ وَبَيْعِ ضَمَانٍ، فَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَبَيْعُ الضَّمَانِ
ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَبَيْعُ الْمُوَاضَعَةِ، وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَوْلِيَةِ الْكُلِّ وَتَوْلِيَةِ الْبَعْضِ، فَتَوْلِيَةُ الْكُلِّ تَوْلِيَةٌ وَتَوْلِيَةُ الْبَعْضِ اشْتِرَاكٌ.
قَالَ رحمه الله: (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ) اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلِّ قَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ اعْتِرَاضًا فَقَوْلُهُ: نَقْلُ مَا مَلَكَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً وَقَوْلُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَيْ يُقَالُ: نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِنْ السِّلَعِ بِمَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَقْدُ فِيمَا مَلَكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَقْدٌ وَقَوْلُهُ: بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ جَازَ وَهَذَا إذَا جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ هُوَ لَك بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَقَالَ أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» .
قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُون الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ، وَالْفَتَّالِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) الْفَتْلُ هُوَ مَا يَصْنَعُونَهُ فِي أَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ، أَوْ كَتَّانٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ أَيْضًا أُجْرَةَ الْخَيَّاطِ، وَالْغَسَّالِ وَالسِّمْسَارِ وَهُوَ غَيْرُ الدَّلَّالِ وَأُجْرَةَ سَائِقِ الْغَنَمِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَا يُضِيفُ أُجْرَةَ رَاعِي الْغَنَمِ وَيَضُمُّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتَهُمْ وَعَلَفَ الْحَيَوَانِ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ أَسْرَفَ فِيهِ يَضُمُّ قَدْرَ الْمَعْرُوفِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضُمُّ نَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَا مَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ فِي تَعْلِيمِ عَمَلٍ، أَوْ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا أُجْرَةَ الْبَيْطَارِ، وَالْخَتَّانِ وَالرَّابِضِ، وَجُعْلَ الْآبِقِ، وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ، وَأُجْرَةَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثِينَ بَيْضَةً فَبَاعَ الْبَيْضَ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّجَاجَةَ مُرَابَحَةً إنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِثْلَ ثَمَنِ الْبَيْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْبَيْضِ عِوَضًا عَمَّا أَنْفَقَ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا) لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَرَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الزُّيُوفِ عَنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ.
. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِحَالٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى الْخِيَانَةِ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ:(وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ فَلَوْ نَفَيْنَا الْخِيَانَةَ كَانَ عَقْدَ مُرَابَحَةٍ وَذَلِكَ ضِدُّ مَا قَصَدَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً، وَفِي الْمُرَابَحَةِ إذَا لَمْ تُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ، أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ:(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا) قِيَاسًا عَلَى
التَّوْلِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحُطُّ فِيهِمَا وَلَهُ الْخِيَارُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَصُورَةُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِتِسْعَةٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَوَلَّيْتُك بِمَا اشْتَرَيْته، أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَشَرَةً بِأَحَدَ عَشَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا: لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي التَّوْلِيَةِ بِالْخِيَانَةِ وَهِيَ دِرْهَمٌ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ بِالْخِيَانَةِ وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ وَهِيَ دِرْهَمٌ وَعُشْرُ دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ، وَإِلَّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْمُرَابَحَةِ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي التَّوْلِيَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَيَانُ الْحَطِّ فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ عَلَى رِبْحِ خَمْسَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخُمُسُ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْعَلُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ يُحَابِيهِمْ فَصَارَ كَالشِّرَاءِ مِنْ عَبْدِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مُدَبَّرِهِ، أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ - سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَا، - أَوْ مَمَالِيكُهُ اشْتَرَوْا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ مُضَارِبِهِ، أَوْ اشْتَرَى مُضَارِبُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ نَحْوُ أَنْ يَكُون مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ أَيْ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِتَقَعَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ لَا تَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ، وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْكِتَابَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ كَالْبَيْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ جَوَازًا، وَإِنْ زَوَّجَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ وَلَوْ جَعَلَ الْمَنْقُولَ أُجْرَةً فَتَصَرَّفَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اشْتَرَى مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مِنْ بَائِعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ بَطَلَتْ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْعَقَارَ فِي مَحَلِّ قَبْضِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ مَضْمُونٍ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ) اعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً، أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَا يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ، أَوْ الْوَزْنَ فِيهِ ثَانِيًا) لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ
الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا يَكِيلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ يَقَعُ بِهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ مَسَائِلَ أُخَرَ، قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَك مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُكَايَلَةً حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مُجَازَفَةً جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ: فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ أَيْ كَالَ لِنَفْسِهِ، أَوْ وَزَنَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَيْ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَيْضًا مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَيْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَالَهُ لِنَفْسِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) وَكَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الْقَرْضَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعً فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ) .
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْحَقُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً إنْ قَبَضَهَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا بَطَلَتْ لَنَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي مِلْكِهِمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَسْخِ فِيهِ فَجَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ كَحَالِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةٍ فَتَلِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَدْخُلُ وَلَدُهَا فِي الْمَبِيعِ، وَإِذَا جَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ التَّرَاضِي أَوْلَى فَإِنْ زِيدَ فِي الْمَبِيعِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهِ فَقَبِلَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْعَقْدُ بِحَالِهِ، وَإِنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَوْ تَدْبِيرِهِ، أَوْ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا عِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ - يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَفِي الْبَقَّالِيِّ يَجُوزُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) وَلَوْ حَطَّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ جَازَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ عِوَضًا لِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَعْقُودَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَرَدَ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ثَوْبًا آخَرَ، ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي إحْدَى الثِّيَابِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ هِيَ الْمَعِيبَةُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لَوْ زَادَ الْبَائِعُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّ كُلُّهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَمِنْهَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ، وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَهُ الْمُشْتَرِي رِطْلًا مِنْ خَمْرٍ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ.
. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا) لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُوَقَّتًا وَهَذَا كَثَمَنِ الْبِيَاعَاتِ وَبَدَلِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً فَجَازَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهَا الْأَجَلُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَإِنْ أَجَّلَهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ