الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْنِي بَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ صَوْمُ السَّبْعَةِ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهَا مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ كَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ وَالْوُصُولِ إلَى الْوَطَنِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى رَجَعْتُمْ أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْفَرَاغَ سَبَبُ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَجَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ) هَذَا إذَا تَوَجَّهَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَمَّا إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ طَافَ لَهَا وَلَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا وَيَكُونُ قَارِنًا وَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى حَالِهِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى ثُمَّ إنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَبَيْنَ هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوْجِيهُ هُنَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَبَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَضَتْ الْعُمْرَةُ صَارَ كَالْمُفْرِدِ وَالْمُفْرِدُ لَا دَمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا) يَعْنِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ بِشُرُوعِهِ فِيهَا أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ التَّمَتُّعِ]
(بَابُ التَّمَتُّعِ) قَدَّمَ الْقِرَانَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَالتَّمَتُّعُ فِي اللُّغَةِ التَّرَفُّهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهَا أَوْ أَكْثَرِ أَفْعَالِهَا وَإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ بِأَهْلِهِ قَالَ رحمه الله (التَّمَتُّعُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا فِي حَقِّ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا ثُمَّ يُحْرِمُ لِلْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُفْرِدُ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَالسَّفَرُ الْوَاقِعُ لِلْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ السَّفَرِ الْوَاقِعِ لِلسُّنَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا.
(قَوْلُهُ وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٍ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ) وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِلْمَامِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِلْمَامُ هُوَ النُّزُولُ بِأَهْلِهِ وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ فَاسِدٌ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ) وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ قُلْتُ لِمَ لَا يَكُونُ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَلَا طَوَافُ
الصَّدَرِ قُلْت أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الْبَيْتِ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ قُدُومِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَأَتَى بِالطَّوَافِ الْمَسْنُونِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ وَمَا هُوَ مُعْظَمُ رُكْنٍ فِي النُّسُكِ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الصَّدَرِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ فِي النُّسُكِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) يَعْنِي عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا) إلَى وَقْتِ إحْرَامِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهَا شَيْءٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) هَذَا الْوَقْتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَمَا تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْمُسَارَعَةِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْعِبَادَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ (قَوْلُهُ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَلِكَ هَذَا وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا جَازَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ) وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ زَائِدٌ وَتَقْدِيمُ الذَّاتِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الصِّفَاتِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فَفِيهِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرُ مَعَهُ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ) أَيْ قِطْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة: 2] فَثَبَتَتْ شَرْعِيَّةُ التَّقْلِيدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّجْلِيلُ مَا ثَبَتَ إلَّا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً بَلْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَعَانٍ أُخَرُ وَهِيَ دَفْعُ الذُّبَابِ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالتَّقْلِيدُ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ وَصُورَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةً مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ وَالْمَعْنَى بِهِ أَنَّ هَذَا أُعِدَّ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَيَصِيرُ جِلْدَةً عَنْ قَرِيبٍ مِثْلَ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْجِلْدِ حَتَّى لَا يُمْنَعَ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ هَدْيٌ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهُ يَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَلِهَذَا لَا يُقَلَّدُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُلَبِّيَ ثُمَّ يُقَلِّدَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ التَّلْبِيَةِ أَوْلَى لِيَكُونَ شُرُوعُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِهَا لَا بِالتَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ وَيُشْعِرُ الْبَدَنَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَلَا يُسَنُّ الْإِشْعَارُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي أَسْفَلِ السَّنَامَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بِإِبْرَةٍ أَوْ سِنَانٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ السَّنَامَ بِذَلِكَ إعْلَامًا لِلنَّاسِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْبَهُ الْأَيْسَرُ أَيْ الْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ مُقْبِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يُدْخِلُ بَيْنَ كُلِّ بَعِيرَيْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ وَكَانَ
الرُّمْحُ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ يَقَعُ طَعْنُهُ أَوَّلًا عَلَى يَسَارِ الْبَعِيرِ فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ صَعْبَةً جَازَ أَنْ يَشُقَّ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ عَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْعِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُمَا قَبْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشْعَارَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ وَلَا يُؤْذِيَ إذَا وَرَدَ مَاءً أَوْ كَلَأً أَوْ يُرَدَّ إذَا ضَلَّ فَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ قَدْ تَحِلُّ أَوْ تَسْقُطُ وَالْإِشْعَارُ لَا يُفَارِقُهَا فَكَانَ أَلْزَمَ لَهَا مِنْ التَّقْلِيدِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ مُبَايِنٌ لَهَا يَحْتَمِلُ الْمُزَايَلَةَ وَالْإِشْعَارُ مُتَّصِلٌ بِهَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِصَالَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقَالَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَالْمُثْلَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بِكَوْنِهِ مُثْلَةً وَكَوْنِهِ سُنَّةً فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» وَهَذَا إيلَامٌ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ مَا كَانَ مُبَاحًا فَأَمَّا أَنْ يُبِيحَ مَا كَانَ مَحْظُورًا فَلَا وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَكَذَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى) أَوَّلًا وَطَوَافُهُ وَسَعْيُهُ هَذَا لِلْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَازَ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ جَازَ) وَكُلَّمَا عَجَّلَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَقَدْ فَعَلَهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ (قَوْلُهُ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا) أَيْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ جَمِيعًا.
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ) وَكَذَا أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِأَجْلِ إسَاءَتِهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ ثَمَنَ الْهَدْيِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً) وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ قِرَانُهُ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ وَالْإِلْمَامُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ يُبْطِلُ تَمَتُّعَهُ فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفَرَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وُجُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْعَوْدُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقِيلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ
مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْ بَعْدَمَا حَلَقَ أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِنَّ تَمَتُّعَهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَتَمَّمَهَا وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءَ الْأَفْعَالِ فِيهَا وَقَدْ وَجَدَ الْأَكْثَرَ فِيهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا) لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالْأَقَلَّ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فَإِذَا حَصَلَ الْأَكْثَرُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهَا حَصَلَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الَّذِي يُتَمِّمُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فِي الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قِيلَ إقَامَةً لِأَكْثَرِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَهَلْ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ الْأَشْهُرِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَعَمْ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ فَائِتَةً مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَرُكْنُ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَلَّمَهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ) وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا.
(قَوْلُهُ وَانْعَقَدَ حَجًّا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَنَا تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْأَشْهُرِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ وَعِنْدَنَا شَرْطٌ كَالطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَأَلَمَّ بِهِمْ حَلَالًا ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ خَرَجَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ لُحُوقُهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَإِنْ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْهَا عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ خَارِجَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ وَالْغُسْلُ هُنَا لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ النَّظَافَةُ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ) فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهَا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.