المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري - جـ ١

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[سُنَنُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[دَمُ النِّفَاسِ]

- ‌[بَابُ الْأَنْجَاسِ]

- ‌[حُكْمُ الِاسْتِنْجَاء]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

- ‌[بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ]

- ‌[بَابُ النَّوَافِلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ الشَّهِيدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ]

- ‌[بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْقِرَانِ]

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَابُ الْإِقَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الصَّرْفِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصّ]

- ‌[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ]

- ‌ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ

- ‌[شَرِكَةُ الْعِنَانِ]

- ‌[شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[أَرْكَانُ الصُّلْحِ]

- ‌[الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ مَازِحًا هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَقَالَ وَهَبْته لَك فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ]

- ‌[وَقْفُ الْمُشَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي]

- ‌[وَقْفُ الْعَقَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْوَدِيعَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْخُنْثَى]

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِبَاقِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ]

- ‌[مَسَائِلُ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ]

الفصل: قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى

قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الَّذِي قَتَلَ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ فَضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ فَلَا يُضْمَنُ جِنَايَتُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ مِنْ دَابَّةٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ ضَمِنَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ قَفَصٍ فَطَارَ مِنْهُ طَائِرٌ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا نَفَّرَهُ، وَكَذَا إذَا فَتَحَ بَابَ دَارٍ فَهَرَبَ مِنْهُ الْعَبْدُ أَوْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَهَرَبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ فِي مَرْبِطٍ فَحَلَّهَا رَجُلٌ أَوْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ فَفَتَحَ الْبَابَ فَذَهَبَتْ الدَّابَّةُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ حَلَّ رِبَاطَهَا رَجُلٌ وَفَتَحَ الْبَابَ آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ.

وَقَالَ فِي الْعَبْدِ إذَا حَلَّ قَيْدَهُ أَوْ فَتَحَ الْبَابَ عَلَيْهِ فَهَرَبَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ طَارَ الطَّائِرُ مِنْ فَوْرِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ طَارَ بَعْدَ مُهْلَةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ حَلَّ رِبَاطَ الزِّقِّ فَإِنْ كَانَ السَّمْنُ الَّذِي فِيهِ ذَائِبًا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَذَابَ بِالشَّمْسِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ سَالَ بِفِعْلِ الشَّمْسِ لَا بِفِعْلِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَجَاءَ إلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، فَقَالَ لَا آخُذُهَا وَلَا أَجْعَلُك فِي حِلٍّ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَجْبُرَهُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقَّ الْمُسْتَهْلِكِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَكِنْ وَضَعَهُ فِي حِجْرِ صَاحِبِهِ بَرِئَ، وَإِنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَبْرَأُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ يَبْرَأُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ لِتَحَقُّقِ الْمُعَاوَضَةِ وَفِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ يَتَحَقَّقُ الرَّدُّ بِالتَّخْلِيَةِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا كَانُوا فِي مَجْلِسٍ وَمَعَهُمْ مَحَابِرُ فَكَتَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ دَلَالَةً إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى.

(مَسْأَلَةٌ) رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ وَدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ اخْتَلَطُوا فَضَاعَ دِرْهَمَانِ وَبَقِيَ دِرْهَمٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيُّهَا هُوَ، فَقَالَ الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَلَقِيت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلْته عَنْهَا، فَقَالَ أَسَأَلْت عَنْهَا أَحَدًا؟ قُلْت نَعَمْ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ إنَّهُ قَالَ لَك الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا قُلْت نَعَمْ قَالَ أَخْطَأَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ دِرْهَمٌ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ الضَّائِعَيْنِ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَالدِّرْهَمُ الثَّانِي مِنْ الضَّائِعَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الثَّانِي مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ فَالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَاسْتَحْسَنْت جَوَابَهُ جِدًّا وَعُدْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقُلْت لَهُ خُولِفْت فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ أَلَقِيَك ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَقَالَ لَك كَذَا، وَكَذَا وَذَكَرَ جَوَابَهُ بِعَيْنِهِ قُلْت نَعَمْ قَالَ إنَّ الثَّلَاثَةَ لَمَّا اخْتَلَطَتْ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ فَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ ثُلُثَا كُلِّ دِرْهَمٍ وَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمِ ثُلُثُ كُلِّ دِرْهَمٍ فَأَيُّ دِرْهَمٍ ذَهَبَ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ فَالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ الشَّاعِرُ

سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ

عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَّعَهُ

أَيْ تَرَكَهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْأَعْيَانِ مَعَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْحِفْظِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بَائِنٍ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَى صَاحِبِهَا قَالَ رحمه الله (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ فَإِذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا)

؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا

فَلَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِهَا فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحِفْظِ إلَّا بِهِمْ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ

ص: 346

مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ وَاَلَّذِي فِي عِيَالِهِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ مَعَهُ وَيُجْرِي عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ وَعَبْدِهِ وَفِي الْفَتَاوَى هُوَ مَنْ يُسَاكِنُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا مُشَاهَرَةً وَطَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَجِيرًا مُيَاوَمَةً وَيُعْطِيهِ نَفَقَتَهُ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ هُوَ فِي عِيَالِهِ فَيَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى شَرِيكِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ أَوْ إلَى عَبْدٍ لَهُ مَأْذُونٍ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَحْفَظُونَ أَمْوَالَهُ فَيَدُهُمْ كَيَدِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ يَعْنِي بِأُجْرَةٍ.

وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْدَعَهَا يَعْنِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَضَاعَتْ فِي يَدِ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ لَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَبْضَ الثَّانِي قَبْضُ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْقَبْضِ لَمْ يَجِبْ بِهِ ضَمَانٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الثَّانِي ضَمِنَ إجْمَاعًا وَيَكُونُ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُودِعَ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ مَضْمُونَيْنِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ آخَرُ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ حَاصِلُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي.

وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَعَارَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرَ يَقْبِضَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَبْضِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إنْ قَبَضَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَإِنْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَوْدَعَهُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ عَادَتِهِ تَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذِهِ الْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِإِتْلَافِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الصِّبْيَانِ فَيَضْمَنُهُ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَى بَعْدِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْهَا فِي الْحَالِ وَيَضْمَنُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُهَا فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهَا قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ تَكُونَ فِي سَفِينَةِ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيَنْقُلُهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةَ مُسْقِطِهِ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا وَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى بَعْضِ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ وَشَرَطَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي الْحَرِيقِ الْغَالِبِ أَنْ يُحِيطَ الْوَدِيعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.

قَوْلُهُ (فَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى صَارَتْ

ص: 347

لَا تَتَمَيَّزُ ضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا صَارَتْ شَرِكَةً إنْ شَاءَ، مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ أَوْ السُّودَ بِالسُّودِ أَوْ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى غَيْرِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ سَقَطَ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ سَقَطَ خِيرَةُ الضَّمَانِ فَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَخَلْطُ الْخَلِّ بِالزَّيْتِ وَكُلُّ مَانِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ وَالْقِسْمَةُ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَسَعُ الْخَالِطَ أَكْلُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهُ إلَى صَاحِبِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا عَنْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَهَا فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَإِذَا مَسَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ غَاصِبًا مَانِعًا لَهُ فَيَضْمَنُهَا لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ نَاءٍ أَيْ بَعِيدٍ لَا يَقْدِرُ فِي الْحَالِ عَلَى رَدِّهَا لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّدِّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا) كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ بَعْضَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُتْلِفًا لَهَا بِإِنْفَاقِ بَعْضِهَا وَخَلْطِ بَاقِيهَا بِمَالِهِ لِأَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ مَالُهُ وَالْخَلْطُ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهَا لِنَفَقَتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَدَّهُ وَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَقَوْلُهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي إنَّمَا ذُكِرَ الْخَلْطُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَ الْبَاقِي قَبْلَ الْخَلْطِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً أَمَّا إذَا خَلَطَهُ بِالْبَاقِي صَارَ مُتَعَدِّيًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ وَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَنَا أَنَّ أَمْرَهُ بِالْحِفْظِ عَامٌ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْرُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي بِدَلَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَشَجَّهُ الْوَكِيلُ شَجَّةً أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً ثُمَّ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْأَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَاللُّبْسُ لَمْ يَنْقُصْهَا أَمَّا إذَا نَقَصَهَا ضَمِنَهَا. وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهُ إيَّاهَا ضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبٌ مَانِعٌ فَيَضْمَنُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ جَحَدَهَا بِحَضْرَةِ الْمُودِعِ أَوْ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ ضَمِنَهَا وَإِنْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِهَا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُخْفِي وَدِيعَتَهُ فَجُحُودُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعٍ لَفَقِيرَيْنِ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَ إلَى الِاعْتِرَافِ لَمْ يَبْرَأْ

ص: 348

مِنْ الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَهَا حُكِمَ لَهُ فِيهَا بِالْمِلْكِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ لَزِمَهُ ضَمَانٌ، وَإِنْ طَلَبَ الْوَدِيعَةَ صَاحِبُهَا، فَقَالَ الْمُودَعُ قُمْت فَنَسِيتهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ سَقَطَتْ مِنِّي لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قَالَ أَسْقَطْتهَا ضَمِنَ.

قَوْلُهُ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا أَمَّا إذَا كَانَ مَخُوفًا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَنَهَاهُ صَاحِبُهَا عَنْ السَّفَرِ بِهَا فَسَافَرَ بِهَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ السُّلْطَانُ أَخْذَهَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا فَإِنْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أُجْرَةُ النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ بِالْحِفْظِ لِلْفَقِيرَيْنِ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْوَدِيعَةَ لِيَتْرُكَ أَشْغَالَهُ وَالسَّفَرُ مِنْ أَشْغَالِهِ فَلَا تَمْنَعُهُ الْوَدِيعَةُ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ

لَا يَضْمَنُ الْمُودَعَ بِالْمُسَافَرَهْ

عِنْدَ انْعِدَامَ النَّهْيِ وَالْمُخَاطَرَهْ

وَيَجْعَلَانِ هَذِهِ مَضْمُونَهْ

فِي كُلِّ مَا لِحَمْلِهِ مُؤَنَهْ

قَيَّدَ بِانْعِدَامِ النَّهْيِ وَالْمُخَاطَرَةِ لِأَنَّهُ إذَا نَهَاهُ فَخَرَجَ بِهَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ لَا يَضْمَنُ بِالْمُسَافَرَةِ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ هُوَ مَا كَانَ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ أَوْ أُجْرَةِ حَمَّالٍ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً ثُمَّ حَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ) وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَهُمَا أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْمُفْرَزِ وَحَقِّهِ فِي الْمُشَاعِ، وَالْمُفْرَزُ الْمُعَيَّنُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَلَا يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ وَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ كَمَا فِي مَا لَا يُقْسَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا فَوَقَعَ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لَا تُسَلِّمْهَا إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَنَهْيُهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا إذَا قَالَ لَا تَحْفَظْهَا بِنَفْسِك وَلَا فِي صُنْدُوقِك، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَى الَّتِي نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهَا الْوَدِيعَةُ مِمَّا تُحْفَظُ عَلَى أَيْدِي

ص: 349