المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَيَوْمُهُمَا وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري - جـ ١

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[سُنَنُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]

- ‌[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[دَمُ النِّفَاسِ]

- ‌[بَابُ الْأَنْجَاسِ]

- ‌[حُكْمُ الِاسْتِنْجَاء]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

- ‌[بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ]

- ‌[بَابُ النَّوَافِلِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ الشَّهِيدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ]

- ‌[بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْقِرَانِ]

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ]

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[بَابُ الْإِقَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الصَّرْفِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصّ]

- ‌[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]

- ‌[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ]

- ‌ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ

- ‌[شَرِكَةُ الْعِنَانِ]

- ‌[شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ]

- ‌[التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[أَرْكَانُ الصُّلْحِ]

- ‌[الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ مَازِحًا هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَقَالَ وَهَبْته لَك فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ]

- ‌[وَقْفُ الْمُشَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي]

- ‌[وَقْفُ الْعَقَارِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْوَدِيعَةَ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[مَسَائِلُ فِي الْعَارِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْخُنْثَى]

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِبَاقِ]

- ‌[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌[إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ]

- ‌[مَسَائِلُ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ]

- ‌[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ]

الفصل: لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَيَوْمُهُمَا وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ

لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَيَوْمُهُمَا وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ.

(قَوْلُهُ وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ فِيهَا) لِأَنَّ مَبْنَى الِاعْتِكَافِ عَلَى التَّتَابُعِ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا قَابِلَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفْرِيقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفْرِيقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً فِي الِاعْتِكَافِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِصَوْمٍ مُتَتَابِعٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِي إيجَابِهِ أَوْ لَا وَتَعْيِينُ ذَلِكَ الشَّهْرِ إلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ نَذْرَهُ دَخَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَيَخْرُجُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَا نَوَاهُ فَإِنَّهُ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَلَوْ نَوَى عِنْدَ النَّذْرِ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ شَهْرٌ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ النَّذْرِ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ خَاصَّةً إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ نَوَيْت النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صُدِّقَ وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَقَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ خَاصَّةً صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْحَجِّ]

(كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الدِّينِ عَظِيمٍ وَالْعِبَادَاتُ ثَلَاثٌ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَمَالِيٌّ مَحْضٌ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ شَرَعَ فِي الْمُرَكَّبِ قَالَ رحمه الله (الْحَجُّ وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضٌ مُحْكَمٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَعَمُّ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ وَاجِبٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ فَرْضًا.

وَالْمَشْرُوعَاتُ أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَنَافِلَةٌ فَالْفَرِيضَةُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالسُّنَّةُ هِيَ طَرِيقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِإِحْيَائِهَا وَالنَّافِلَةُ هِيَ مَا شُرِعَتْ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَلَا يَلْحَقُ تَارِكَهَا مَأْثَمٌ وَلَا عِقَابٌ فَالْحَجُّ فَرْضٌ مُحْكَمٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَهَلْ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ السَّلَامَةَ أَمَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ الْمَوْتَ إمَّا بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَوْ الْهَرَمِ فَإِنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ إجْمَاعًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّأْخِيرُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَهُ كَانَ آثِمًا وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَحَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ عَشْرٍ وَلَوْ كَانَ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُؤَخِّرْهُ وَالْجَوَابُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَلِمَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَكَانَ آمِنًا مِنْ فَوَاتِهِ.

(قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْرَارِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى بِمُنْفَرِدٍ بَلْ يُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ «قَالَ عليه الصلاة والسلام أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ» فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى وَجَبَا عَلَيْهِ دُونَ الْحَجِّ قِيلَ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْحَجِّ يَفُوتُ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَقُدِّمَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِافْتِقَارِ الْعَبْدِ وَغِنَى اللَّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ

ص: 148

وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يَتَأَدَّيَانِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَا يَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى بِهِمَا (قَوْلُهُ الْبَالِغِينَ) احْتِرَازًا عَنْ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَوْضُوعَةٌ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ (قَوْلُهُ الْعُقَلَاءِ) يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَجَانِينِ قَالَ عليه السلام «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» .

(قَوْلُهُ الْأَصِحَّاءِ) أَيْ أَصِحَّاءِ الْبَدَنِ وَالْجَوَارِحِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالزَّمِنِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْعِبَادَةِ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا مَا دَامَ الْعَجْزُ بَاقِيًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَعْمَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَيَجِبُ فِي مَالِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَزَادًا وَرَاحِلَةً وَمَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْعَجْزُ بِالْمَرَضِ إنْ كَانَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ (قَوْلُهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الرَّاحِلَةُ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا فِيمَا دُونَهَا لَا تُشْتَرَطُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ وَعِيَالَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إلَى عَوْدِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ مَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا قِيلَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُسِيءُ خُلُقَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْوَاحِدَةُ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما كَانَ يَمْشِي فِي حَجِّهِ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ إلَى جَنْبِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.

وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَفِي الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَزِمَتْهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ (قَوْلُهُ فَاضِلًا) انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ عَنْ مَسْكَنِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَالْخَادِمِ وَالْأَثَاثِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَقِيلَ فَاضِلًا عَنْ أَصْدِقَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ) يَعْنِي نَفَقَةَ وَسَطٍ لَا نَفَقَةَ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَكَذَا عَنْ نَفَقَةِ خَدَمِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِاعْتِبَارِ الضَّعْفِ فِي السَّفَرِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا) يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ وَقِيلَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ يَحُجُّ بِهَا أَوْ زَوْجٌ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ بِالرَّحِمِ أَوْ بِالصُّهُورِيَّةِ أَوْ بِالرَّضَاعِ وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى التَّأْبِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا إذَا أَعْتَقَتْهُ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي تُشْتَهَى كَالْبَالِغَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ يَجُوزُ لَهُنَّ السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَالْمَحْرَمُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَجِّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً فَلَا تَخْرُجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا اكْتِسَابُ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ لِحَجَّةِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ فَلَهُ مَنْعُهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ

ص: 149

إلَى الْحَجِّ إلَّا بِهِ كَمَا يَلْزَمُهَا شِرَاءُ الرَّاحِلَةِ الَّتِي لَا تَتَوَصَّلُ إلَّا بِهَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا قَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا بِالنَّفَقَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحُجَّ بِغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَلِأَنَّهَا بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَيَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً لِرَجُلٍ أَوْ مَحْرَمًا أُخْرَى لَهُ فَصَاعِدًا فَإِنْ حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ جَازَ حَجُّهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَلْ الْمَحْرَمُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَمْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ. .

(قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ فَمَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ فَإِنْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَ وَالْعَبْدُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَالْعَبْدُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ فَإِذَا جَدَّدَ الصَّبِيُّ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَالْعَبْدُ إذَا جَدَّدَ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ فَلَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَلِأَنَّ إحْرَامَ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ وَإِذَا حَجَّ الْفَقِيرُ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّهِ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِإِثْبَاتِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَكَانَ سُقُوطُ الْحَجِّ عَنْهُ نَظِيرُ سُقُوطِ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ بِمَكَّةَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا) يَعْنِي لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى مَكَّةَ أَمَّا إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (قَوْلُهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَمْسِ الْعُلُومِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَقَدْ نَظَمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَيْتَيْنِ فَقَالَ

عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيِّ

وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيّ

لِلشَّامِ جُحْفَةُ إنْ مَرَرْت بِهَا

وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنِ

وَمَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ فَوَقْتُهُ إذَا حَاذَى مَوْضِعًا مِنْ الْبَرِّ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَّا مُحْرِمًا وَكَذَا إذَا سَافَرَ فِي الْبَرِّ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَلِأَهْلِ مِصْرَ مُحَاذَاةُ الْجُحْفَةِ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَتَى مِيقَاتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ مِيقَاتِهِ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ جَازَ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ إذَا أَمِنَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِلَّا فَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) يَعْنِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ حَرَجٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادُوا النُّسُكَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ دُخُولُهَا إلَّا بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَتَّفِقُ أَحْيَانًا فَلَا حَرَجَ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ وَعَرَفَةُ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَهُوَ مِنْ

ص: 150

الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ لَهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَالْأَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمُ لِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلًا يُسَمَّى نُعَيْمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ جَبَلٌ يُسَمَّى نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ وَلَوْ تَرَكَ الْمَكِّيُّ مِيقَاتَهُ وَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ فِي الْحِلِّ وَلِلْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) سَوَاءٌ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا وَالْغُسْلُ هُنَا لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ حَتَّى أَنَّهُ تُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَسُمِّيَ الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الْمُبَاحَاتِ قَبْلَهُ مِنْ الطِّيبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْآثَامِ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ عَلَى الْغَسِيلِ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَخِيطِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ (قَوْلُهُ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ وَلَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْهَدْيِ وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا ابْتِدَاءُ الطِّيبِ حَصَلَ مِنْ وَجْهٍ مُبَاحٍ فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ كَالْحَلْقِ وَلِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَمْ يَخْلَعْهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45] وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الْحَجَّ يُؤَدَّى فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ التَّيْسِيرَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ) فَإِنْ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. .

(قَوْلُهُ وَالتَّلْبِيَةُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) وَهَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّلْبِيَةِ تَسْبِيحٌ أَوْ تَهْلِيلٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَنَوَى بِهِ الْإِحْرَامَ صَارَ مُحْرِمًا (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ) لِأَنَّهَا تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ فِيهَا جَازَ) يَعْنِي بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَمَّا فِي خِلَالِهَا فَلَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا لَبَّيْكَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا (قَوْلُهُ فَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) يَعْنِي لَبَّى وَنَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الذِّكْرِ.

(قَوْلُهُ فَلْيَتَّقِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ) الرَّفَثُ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ هُوَ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَأَصْلُ الرَّفَثِ الْفُحْشُ وَالْقَوْلُ الْقَبِيحُ وَالْفُسُوقُ جَمِيعُ الْمَعَاصِي وَهِيَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً وَالْجِدَالُ أَنْ تُجَادِلَ رَفِيقَك حَتَّى تُغْضِبَهُ أَوْ يُغْضِبَك (قَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] أَيْ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ وَحُرُمٌ جَمْعُ حَرَامٍ وَالصَّيْدُ هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ

ص: 151

بِيَدِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ بِلِسَانِهِ لَا يَقُولُ فِي مَوْضِعِ فُلَانٍ صَيْدٌ فَالْإِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ وَلَوْ قَالَ مُحْرِمٌ لِحَلَالٍ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ صَيْدٌ فَإِذَا هِيَ صُيُودٌ كَثِيرَةٌ فَأَخَذَهَا وَقَتَلَهَا فَعَلَى الدَّالِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى مِنْ الصَّيْدِ وَاحِدًا فَدَلَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ صُيُودٌ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَى الدَّالِّ إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي دَلَالَتِهِ وَيَتَّبِعَهُ فِي أَثَرِهِ أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَلَمْ يَتَّبِعْ أَثَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ آخَرُ فَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ الْأَوَّلِ وَلَوْ رَأَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ بِشَيْءٍ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى قَوْسٍ وَنُشَّابٍ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ. وَلَوْ اسْتَعَارَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ سِكِّينًا لِيَذْبَحَ بِهَا صَيْدًا مَعَهُ فَأَعَارَهُ فَذَبَحَ الصَّيْدَ فَلَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ) يَعْنِي اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ أَمَّا إذَا اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ أَوْ ارْتَدَى بِالسَّرَاوِيلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ مَا شَاءَتْ مِنْ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَلِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ يَتَعَذَّرُ فَلِذَلِكَ جُوِّزَ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ.

(قَوْلُهُ وَلَا عِمَامَةً وَلَا قَلَنْسُوَةً وَلَا قَبَاءً وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ) لُبْسُ الْقَبَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهُمَا جَازَ وَالْكَعْبُ هُنَا هُوَ النَّاتِئُ فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ (قَوْلُهُ وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ) يَعْنِي التَّغْطِيَةَ الْمَعْهُودَةَ أَمَّا لَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ عَدْلُ بُرٍّ وَشِبْهُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الِارْتِفَاقِ (قَوْلُهُ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) وَكَذَا لَا يَدْهُنُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ الْمُبَخَّرَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ تَطَيُّبًا وَيُكْرَهُ لَهُ شَمُّ الرَّيْحَانِ وَالطِّيبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكُحْلُ مُطَيَّبًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَفْتَصِدَ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُضَاجِعَهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بَدَنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ الْحَرَمَ وَيَعْلَمَ أَنَّ هَدْيَهُ قَدْ ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى وَالنُّورَةِ وَالنَّتْفُ وَالْقَلْعُ بِالْأَسْنَانِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَضَاءُ التَّفَثِ هُوَ قَصُّ الشَّعْرِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَقِيلَ التَّفَثُ الْوَسَخُ مِنْ طُولِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ وَقَضَاؤُهُ إزَالَتُهُ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا بِعُصْفُرٍ) وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ وَلَا يَنَامَ عَلَيْهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ نَعَمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «ابْنَ عُمَرَ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحُمْرَةِ وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ» وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) أَيْ لَا تَفُوحُ رَائِحَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ صَبْغُهُ.

(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ) وَلِأَنَّ الْغُسْلَ طَهَارَةٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَيَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ) لِأَنَّ الْمَحْمَلَ لَا يَمَسُّ بَدَنَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ (قَوْلُهُ وَيَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ شَيْءٌ يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَشُدَّ الْمِنْطَقَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهَا إذَا شَدَّهَا

ص: 152

بِإِبْزِيمٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ كَمَنْ لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ وَزِرُّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) فَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْخِطْمِيَّ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَهُوَ كَالْحِنَّاءِ وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ التَّفَثَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْوَسَخَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا غَسَلَهُ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالصَّابُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي اجْتِنَابِ الطِّيبِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَفْعَلُهُمَا دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ.

(قَوْلُهُ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ هُوَ ثَجُّ الدِّمَاءِ بِالذَّبْحِ أَيْ إسَالَتُهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ يُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ فَرْضًا.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَاتِ دُونَ الْفَائِتَاتِ وَالنَّوَافِلِ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (قَوْلُهُ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (قَوْلُهُ أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رُكْبَانًا) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَوَاتِ لِلِانْتِقَالِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَكَذَا عِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَبِالْأَسْحَارِ) خَصَّهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) سُمِّيَتْ مَكَّةُ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تُذْهِبُهَا وَتُسَمَّى أَيْضًا بَكَّةُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا أَيْ يَزْدَحِمُونَ فِي الطَّوَافِ وَقِيلَ بَكَّةُ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَمَكَّةُ اسْم لِلْبَلَدِ وَالْمُسْتَحَبُّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك وَالْبَلَدُ بَلَدُك جِئْتُك هَارِبًا مِنْك إلَيْك لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضْوَانَك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْخَائِفِينَ عُقُوبَتَك أَسْأَلُك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتُدْخِلَنِي فِي رَحْمَتِك وَتَتَجَاوَزَ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينَنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْ عَذَابِك وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَوْلُهُ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَعْنِي بَعْدَ مَا حَطَّ أَثْقَالَهُ لِيَكُونَ قَلْبُهُ فَارِغًا وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ نَهَارًا فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ الْمُسْتَجِيرِ بِك مِنْ النَّارِ فَوَفِّقْنِي لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.

(قَوْلُهُ فَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ هَلَّلَ وَكَبَّرَ) أَيْ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام وَالدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ مُسْتَجَابٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) وَيَقُولُ عِنْدَ مَشْيِهِ مِنْ الْبَابِ إلَى الْحَجَرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَفِيهِ أَدْعِيَةٌ غَيْرُ هَذِهِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) الرَّفْعُ هُنَا مِنْ السَّبْعِ الْمَوَاطِنِ وَيَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ إلَى الْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) صُورَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ جَعَلَ كَفَّيْهِ نَحْوَهُ وَقَبَّلَ كَفَّيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ لِلطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ لِلصَّلَاةِ يَبْتَدِئُ فِيهِ الرَّجُلُ طَوَافَهُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لَيُبْعَثَنَّ هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ بِالْحَقِّ» .

(قَوْلُهُ إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا) لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقْبِيلَهُ وَلَا مَسَّهُ بِيَدِهِ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ مِنْ عُرْجُونٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَهَذَا الِاسْتِقْبَالُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنْ اسْتَطَاعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الطَّائِفِ لَا عَنْ يَمِينِ الْحَجَرِ فَإِنْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ الطَّوَافُ الْمَنْكُوسُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ اضْطَبَعَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَطِّيَ الْأَيْسَرَ

ص: 153

وَهُوَ سُنَّةٌ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا لِإِبْدَاءِ ضَبْعِهِ وَهُوَ عَضُدُهُ (قَوْلُهُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) يَبْدَأُ بِالشَّوْطِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ مَوْضِعٌ يَصُبُّ فِيهِ الْمِيزَابُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ وَسُمِّيَ الْحِجْرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مُنِعَ وَيُسَمَّى حَظِيرَةُ إسْمَاعِيلَ وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ» (قَوْلُهُ وَيَرْمُلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) الرَّمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ سُرْعَةُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ الْكَتِفَيْنِ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَهُوَ السُّنَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا أَضْعَفَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ كَالْإِخْفَاءِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَانَ لِتَشْوِيشِ الْكَفَرَةِ وَأَذَاهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِمْ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِمْ.

(قَوْلُهُ وَيَمْشِي فِيمَا بَقِيَ عَلَى هَيْنَتِهِ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ عَلَى رَسْلِهِ وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ رَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ تَزَاحَمَتْ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ وَلَا يَطُوفُ بِدُونِ الرَّمَلِ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلُهُ (قَوْلُهُ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فَكَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ يَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ سُنَّةٌ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا رُكْنُ الْيَمَانِيِّ وَرُكْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وَالْقَوَاعِدُ هُنَّ أَسَاسُ الْبَيْتِ وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام اسْتَلَمَهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهُ (قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ) يَعْنِي مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ حِينَ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ حِينَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهِ إسْمَاعِيلَ وَالْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُ الْقِيَامِ وَبِضَمِّهَا مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ.

(قَوْلُهُ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ عِنْدَ الْمَقَامِ (أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهُمَا وَاجِبَتَانِ عِنْدَنَا فَإِنْ تَرَكَهُمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَإِنْ صَلَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِ مَكَّةَ جَازَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه نَسِيَهُمَا وَصَلَّاهُمَا بِذِي طُوًى ذَكَرَهُ فِي الْكَرْخِيِّ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى فِي الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] » وَقَالَ عليه السلام «مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْآمَنِينَ» كَذَا فِي الشِّفَاءِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَإِذَا فَرَغَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلِّيهِمَا إلَّا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَلِكَ السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الطَّوَافِ سَعْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ مِنْهُمْ وَكَذَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ بَابُ بَنِي مَخْزُومٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةً عِنْدَنَا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَسُمِّيَ الصَّفَا لِأَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا أَتَاهُ قَالَ ارْحَبْ يَا صَفِيَّ اللَّهِ (قَوْلُهُ فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا) أَيْ يَصْعَدُ بِحَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ (قَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ)

ص: 154

وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَوْلُهُ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ إنَّمَا ذَكَرَ الدُّعَاءَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حَالَةَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا حَالَةَ خَتْمِهَا فَإِنَّ خَتْمَ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ وَالدُّعَاءِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ فَمَحْرُومٌ مَنْ لَا يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَتْمَةً فِي الطَّوَافِ.

(قَوْلُهُ وَيَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَيَقُولُ فِي سَعْيِهِ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَاهْدِنِي لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّك تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ وَهُمَا شَيْئَانِ مَنْحُوتَانِ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا أَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْ الْجِدَارِ وَسَمَّاهُمَا أَخْضَرَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَالْآخَرُ أَحْمَرُ وَلَمْ يَكُنْ الْيَوْمُ بَطْنَ وَادِي لِأَنَّهُ قَدْ كَبَسَتْهُ السُّيُولُ فَجُعِلَ هُنَاكَ مِيلَانِ عَلَامَةً لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَطْنُ الْوَادِي (قَوْلُهُ حَتَّى يَأْتِي الْمَرْوَةَ) بِإِسْكَانِ الْيَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ نُصِبَ لَأَفْهَمَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) يَعْنِي مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدُّعَاءِ وَالرَّفْعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا شَوْطٌ) وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالصَّفَا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَرَّةً وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ «قَالَ عليه الصلاة والسلام الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَإِنَّمَا قَالَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ لِيُنَبِّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ يَفُوتُهُمْ الطَّوَافُ إذَا رَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ وَلَا تَفُوتُهُمْ الصَّلَاةُ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَفُوتُهُمْ الْأَمْرَانِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ) وَهُمَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ انْصَرَفَ عَنْ وَتْرٍ أَوْ شَفْعٍ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مَرْتَبَتَانِ عَلَى الطَّوَافِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وَتْرٍ نَحْوَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَمَّا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الْإِمَامُ النَّاسَ خُطْبَةً) يَعْنِي يَوْمَ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ.

وَفِي النِّهَايَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ (قَوْلُهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ وَالْإِفَاضَةَ) وَإِنَّمَا جَمَعَ عَرَفَاتٍ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَسُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثَةُ سِكَكٍ بَيْنهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ وَفِي الْحَجِّ ثَلَاثُ خُطَبٍ أَوَّلُهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ خُطْبَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى يَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ.

وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَكُلُّ هَذِهِ الْخَطْبُ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْخُطْبَتَيْنِ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ وَيُكْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِيهَا أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ خَرَجَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام خَرَجَ إلَى مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ

ص: 155

الشَّمْسِ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِذَا بَلَغَ إلَى عَرَفَاتٍ أَقَامَ بِهَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَلَا يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ (قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا الصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ) قَائِمًا وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ.

وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْلِيمُ النَّاسِ وَتَبْلِيغُهُمْ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ لَهَا إقَامَةً إعْلَامًا لِلنَّاسِ بِهَا وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِغَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُعِيدُهُ وَتُجْزِئُهُ الْإِقَامَةُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ أَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ الرَّاتِبَةُ إذَا صَلَّاهَا لَا تُفْصَلُ وَلَا يُعَادُ الْأَذَانُ إذَا اشْتَغَلَ بِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةٌ الْوَقْتُ وَالْمَكَانُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ وَعِنْدَهُمَا الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَا بِشَرْطٍ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ تَقْدِيمًا لِلْإِحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ.

وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ الْعَصْرِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يَقِفُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى شَرَائِطِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِمَامَ عِنْدَهُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ إجْمَاعًا وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَعْنِي الْإِمَامَ الْأَكْبَرَ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ لَكِنْ لَا مَعَ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُنْفَرِدِ (قَوْلُهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ) لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا يَخْتَلُّ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَقَعَ الْوُقُوفُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ لِيَكُونَ أَفْضَلَ قُلْنَا تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهِ إنَّمَا هُوَ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ لَا لِأَجْلِ رِعَايَةِ امْتِدَادِ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ وَاقِفٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَوْقِفِ) يَعْنِي الْإِمَامَ وَالْقَوْمَ مَعَهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) وَهُوَ يُسَمَّى جَبَلُ الرَّحْمَةِ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْمَوْقِفِ وَعَلَيْهِ وَقَفَ آدَم عليه السلام وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ انْتَشَرُوا وَوَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَيْثُ شَاءَ وَيُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيُسَبِّحُونَ بِخُشُوعٍ وَتَذَلُّلٍ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَيَدْعُونَ بِحَوَائِجِهِمْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) وَهُوَ وَادٍ بِأَسْفَلِ عَرَفَةَ وَقَفَ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَعُرَنَةُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيَدْعُو النَّاسُ بِدُعَائِهِ فَإِذَا كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي

ص: 156

مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ وَالْوُقُوفُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ قَاعِدًا (قَوْلُهُ وَيَدْعُو وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ فَيَقِفُونَ إلَى الْغُرُوبِ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَدْعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ حَوَائِجَهُمْ فَإِنَّهُ وَقْتٌ مَرْجُوٌّ فِيهِ الْإِجَابَةُ وَيُكْثِرُ الْوَاقِفُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالدُّعَاءِ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ فَهَذَا الْيَوْمُ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَقْصُودُهُ وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ ذَلِكَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ قَالَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ وَلَنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الِاغْتِسَالُ سُنَّةٌ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ جُنُبًا جَازَ وَكَذَا لَوْ وَقَفَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَجْزَأَهُمَا (قَوْلُهُ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَلَوْ الْتَبَسَ عَلَى النَّاسِ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لَمْ يُجْزِهِمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الْوُقُوفُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ كَمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ وَحَجُّهُمْ تَامٌّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حَجُّكُمْ يَوْمَ تَحُجُّونَ» .

(قَوْلُهُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَيْنَتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ) وَلَا يَدْفَعُ أَحَدٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ إنْ جَاوَزَ حَدَّ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاوَزَهَا قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ الدَّمُ إذَا عَادَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ مَعَ الْإِمَامِ.

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ وَلَوْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبْطَأَ بِالدَّفْعِ وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ اللَّيْلُ دَفَعُوا قَبْلَهُ لِأَنَّ وَقْتَ الدَّفْعِ قَدْ حَصَلَ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهَا وَقَوْلُهُ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ فَيَنْزِلُونَ بِهَا وَسُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةُ لِأَنَّ آدَمَ عليه السلام اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهِ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا مِنْهَا (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلُوا بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَقِيدَةُ) أَيْ يُوقِدُ عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ النَّارَ (قَوْلُهُ يُقَالُ لَهُ قُزَحُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَزَحَ إذَا ارْتَفَعَ وَيُحْتَرَزُ عَنْ النُّزُولِ فِي الطَّرِيقِ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] إلَى أَنْ قَالَ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199](قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُفْرَدُ لَهُ إقَامَةٌ بِخِلَافِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَأُفْرِدَ بِالْإِقَامَةِ لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ هُنَا أَدَاءً لَا قَضَاءً وَصِفَتُهُ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَقَامَ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُتْبِعُهَا الْعِشَاءَ بِذَلِكَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَشَاغَلُ بِشَيْءٍ فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ أَعَادَ الْإِقَامَةَ وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ خَشِيَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِأَنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَاتَ وَقْتُ الْجَمْعِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَقَوْلُهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ أَعَادَهَا بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ الْمُعَادَةُ هِيَ الْفَرْضُ وَانْقَلَبَتْ الْمَغْرِبُ الْأُولَى نَافِلَةً وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ انْقَلَبَتْ إلَى الْجَوَازِ فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) إنَّمَا قَدَّمَ صَلَاةَ

ص: 157

الْفَجْرَ هُنَا لِأَجْلِ الِاشْتِغَالِ بِالْوُقُوفِ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ النَّاسُ مَعَهُ) فَدَعَا إلَى أَنْ يُسْفِرُوا جِدًّا وَيَتَضَرَّعُونَ فِي الدُّعَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي عَرَفَةَ وَهَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ.

(قَوْلُهُ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) وَهُوَ وَادٍ بِأَسْفَلِ مُزْدَلِفَةَ عَنْ يَسَارِهَا وَقَفَ فِيهِ إبْلِيسُ مُتَحَسِّرًا (قَوْلُهُ ثُمَّ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَأْتُوا مِنًى) الْإِفَاضَةُ مَعَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ وَلَوْ أَفَاضَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك رَغِبْت وَمِنْك رَهِبْت فَاقْبَلْ نُسُكِي وَعَظِّمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي وَيُلَبِّي فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ (قَوْلُهُ فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَى كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَرْمِيَ مِنْ أَسْفَلَ إلَى أَعْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يَرْمِي بِحَصَاةٍ أَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَا قُبِلَ مِنْ الْحَصَى يُرْفَعُ وَلِأَنَّهَا حَصَاةُ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ وَلَوْ رَمَى بِهَا جَازَ وَقَدْ أَسَاءَ وَوَقْتُ الرَّمْيِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءً وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ رَمَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْغَدِ رَمَى وَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَ عِنْدَنَا وَالْأَفْضَلُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ وُجُودِ الِاسْتِهَانَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَى بِهِ مَكَانَ حَصَاةٍ جَازَ عِنْدَنَا وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِالطِّينِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْحَجَرِ وَقَوْلُهُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يَعْنِي مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْحَصَى عِنْدَ الْجَمْرَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَعِيدًا لَمْ يَجُزْ وَحَدُّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فِي حَدِّ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ.

وَفِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ وَفِيهِ أَدْنَى رَمْيٍ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَلَوْ رَمَى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْبَعْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ) الْخَذْفُ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ إنَّهُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ رَمَى فَوَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ ثُمَّ وَقَعَتْ هِيَ بِنَفْسِهَا عَلَى الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخَذَهَا الرَّجُلُ وَوَضَعَهَا لَمْ يَجُزْ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَاةَ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَمُسَبِّحَتِهِ وَيَرْمِيَ بِهَا.

وَفِي الْهِدَايَةِ يَضَعُ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ.

(قَوْلُهُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الذِّكْرِ وَيُرْوَى عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَعَمَلًا مَشْكُورًا وَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ مِثْلَ مَا قُلْت» (قَوْلُهُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ عِنْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يَرْمِي مِنْ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ) فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ التَّحَلُّلِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُحْصَرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَإِنْ زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ يُؤْتَى بِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَبْقَ الْإِحْرَامُ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَمِرِ وَالْمُعْتَمِرُ يَقْطَعُهَا إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُولَ

ص: 158

الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِحَالِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ إبَاحَةِ النِّسَاءِ وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالذَّبْحِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ) هَذَا دَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ قَدَّمَ الذَّبْحَ عَلَى الْحَلْقِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَلِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْمُحَلِّقِينَ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ الْمُقَصِّرِينَ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ كَمَا فِي قَضَاءِ التَّفَثِ وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ تَقْصِيرٍ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ وَيَكْفِي فِي الْحَلْقِ رُبُعُ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَفْضَلُ وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ فَإِنْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ أَوْ عِلَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى وَلَا يَصِلَ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرًا مَرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ قَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاجِبٌ وَلَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) وَكَذَا تَوَابِعُ الْوَطْءِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الطَّوَافِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَفْضَلُهَا كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ وَلَا يَنْوِي الطَّوَافَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَالطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّ جِهَةَ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِهِ حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ طَوَافًا كَانَ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ شِئْت قُلْت لِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ يَقَعُ فِي نَفْسِ الْإِحْرَامِ فَنِيَّةُ الْحَجِّ تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهَا لَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ تُفْعَلُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَضَابِطُهُ (ر ذ ح ط) فَالرَّاءُ: الرَّمْيُ، وَالذَّالُ: الذَّبْحُ، وَالْحَاءُ: الْحَلْقُ، وَالطَّاءُ: الطَّوَافُ تُفْعَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَيَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ» .

فَإِنْ أَخَلَّ بِالطَّهَارَةِ كَانَ طَوَافُهُ جَائِزًا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَنَّ الطَّهَارَةَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ سُنَّةٌ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاجِبَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ كَالْوُقُوفِ وَإِنْ طَافَ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَافَ وَقَدْ انْكَشَفَ مِنْ عَوْرَتِهِ قَدْرُ مَا لَا تَجُوزُ مَعَهُ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَلْوِيثٌ لِلْمَسْجِدِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَشْفُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانٌ» وَإِذَا اخْتَصَّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِالطَّوَافِ أَوْجَبَ نُقْصَانَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ جُبْرَانُهُ وَلَوْ طَافَ زَحْفًا عَلَى دُبُرِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْمَشْيِ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ وَهَلْ يُجْزِئُ الْحَامِلُ عَنْ طَوَافِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الطَّوَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا فَإِنْ طَافَ زَحْفًا كَمَا أَوْجَبَهُ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَطُوفُ أَوْ يَسْعَى يَتْرُكُهُ وَيُصَلِّي ثُمَّ

ص: 159

يَبْنِي عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَرْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا سَعْيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّمَ السَّعْيَ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَذَا الرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَلَوْ طَافَ تَطَوُّعًا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّعْيَ هُوَ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ يَتَرَتَّبُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا يَوْمٌ فِيهِ جَمْعٌ مِنْ الْمَنَاسِكِ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ تَيْسِيرًا وَمَنْ شَرْطِ تَقْدِيمِهِ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ) إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَالرُّكْنُ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ لِتَتِمَّةِ الرُّكْنِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشَّوْطَ الْوَاحِدَ مَفْرُوضٌ بِالْكِتَابِ، وَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ اُحْتُمِلَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام فَعَلَهَا بَيَانًا لِلْكِتَابِ وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ فَعَلَهَا ابْتِدَاءً فَجَعَلْنَاهُ فِي النِّصْفِ بَيَانًا لِلْكِتَابِ وَجَعَلْنَا النِّصْفَ وَاجِبًا عَمَلًا بِالِاحْتِمَالَيْنِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ.

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) يَعْنِي أَيَّامَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَتُؤَخِّرَ الطَّوَافَ حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ تَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ)(أَخَّرَ الْحَلْقَ) يَعْنِي إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ فَإِنْ فُقِدَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لَزِمَهُ دَمٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَعِنْدَ زُفَرَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ أَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ أَيْنَمَا كَانَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا) يَعْنِي بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا فَرَغَ مِنْهُ يَرْجِعُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى مِنًى وَيَبِيتُ بِهَا فَإِنْ بَاتَ بِمَكَّةَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ) وَلَوْ رَمَاهُنَّ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ بِاَلَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ) يَعْنِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَوْلُهُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ أَيْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عَقِيبَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وَيَبْلُغُ بِهِمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْجَمْرَةِ (فَيَدْعُو) لِأَنَّهُ رَمْيٌ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ الْوُقُوفُ بَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَ هَذِهِ الْجَمْرَةَ وَالثَّانِيَةَ مَاشِيًا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِأَنَّهُ رَمْيٌ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَلِكَ) أَيْ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ فَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْقَاتَ الرَّمْيِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ فَفِي الْأَوَّلِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَسْنُونٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَمُبَاحٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الْغُرُوبِ مَسْنُونٌ وَمِنْ بَعْدِ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ رَمَى بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ وَعِنْدَهُمَا وَقْتُهُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْيَوْمِ الثَّانِي

ص: 160

وَالثَّالِثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَاسَهُ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ فَسَقَطَ فِعْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلسُّقُوطِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ.

(قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ نَفَرَ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) النَّفْرُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ الرُّجُوعُ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ يُسَمَّى يَوْمُ النَّحْرِ وَالثَّانِي يَوْمُ الْقَرِّ بِالْقَافِ لِأَنَّ النَّاسَ يُقِرُّونَ فِيهِ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ النَّفْرُ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الرَّابِعِ أَمَّا إذَا طَلَعَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَيَوْمُ الرَّابِعِ يُسَمَّى يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي وَيَوْمُ الرَّابِعِ هُوَ يَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ فَمَتَى طَلَعَ الْفَجْرُ فِيهِ وَهُوَ بِمِنًى لَزِمَهُ الْوُقُوفُ لِلرَّمْيِ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ بِمِنًى لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام وَقَفَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَهُمَا الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] أَيْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) يَعْنِي يَوْمَ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ لَيَالِي مِنًى إلَّا بِمِنًى وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمُقَامِ بِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَبْرَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ) ثَقَلَهُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ مَتَاعُهُ وَخَدَمُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ سُنَّةِ الرَّمْيِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ وَيُصَلِّيَ مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ قَلْبَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِأَنَّ قَلْبَهُ حَيْثُ رَحْلُهُ وَمَتَاعُهُ (قَوْلُهُ فَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ الْأَبْطُحُ يَعْنِي إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَمَضَى إلَى مَكَّةَ أَتَى وَادِيَ الْأَبْطَحِ وَوَقَفَ فِيهِ سَاعَةً عَلَى رَاحِلَتِهِ يَدْعُو وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَالنُّزُولُ بِهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَزَلَ بِهِ قَصْدًا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَرْمُلُ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِهِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَتَكَرَّرُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الصَّدَرِ) وَيُسَمَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ وَيُصْدَرُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ إذَا حَلَّ لَهُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ يَجِبُ لِمُفَارَقَةِ الْبَيْتِ وَتَوْدِيعِهِ وَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ جَوَازِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَإِنَّمَا كَانَ طَوَافُ الصَّدَرِ وَاجِبًا لِقَوْلِهِ عليه السلام مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِهِ الطَّوَافُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ تَشَاغَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بَعْدَهُ إلَى الْعِشَاءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِيَكُونَ مُوَدِّعًا لِلْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ وَمَنْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لَمْ يَرْجِعْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ طَافَ لِلصَّدَرِ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى فَقَالَ تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِخَوْفِ الْمَلَلِ وَقِلَّةِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْهَيْبَةِ وَخَوْفِ الْوُقُوعِ فِي

ص: 161