الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَجْدَةٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ يَسْمَعُهَا ثُمَّ قَامَ التَّالِي وَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ ثَانِيًا ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ هَكَذَا مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي بِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا السَّامِعُ فَتَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَجْلِسُ السَّامِعِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ التَّالِي مَكَانَهُ وَالسَّامِعُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَسْمَعُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى السَّامِعِ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ نَامَ مُضْطَجِعًا انْقَطَعَ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَجَدَهَا عَلَيْهَا جَازَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا فِي رَاكِبٍ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ رَاكِبًا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إيمَاءٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى رَكِبَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ سَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ كَذَا فِي هَذَا وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَتْ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَرَأَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَدَّاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً لِاخْتِلَافِ الْآيَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِيهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَقُولَ فِيهَا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108] أَيْ قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ أَنَّ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ نَبِيًّا مِنْ الْعَرَبِ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِ - قُرْآنًا فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَجَدُوا لِلَّهِ وَحَمِدُوهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ وَقَالُوا قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي يَحْرُمُ بِهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا تَجُوزُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الشَّرَائِطِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِنْ سَجَدَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ مُقْتَدِيَةً بِهِ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى إمَامَتَهَا
(قَوْلُهُ: وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ التَّحْرِيمَةُ مُنْعَدِمَةً وَقَدْ قَالَ وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ، وَالتَّكْبِيرُ لِلتَّحْرِيمَةِ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ لِلتَّحْرِيمَةِ بَلْ لِمُشَابَهَتِهَا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ فَكَذَا هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ التِّلَاوَةِ إلَى السُّجُودِ، مَسْأَلَةٌ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَصُورَتُهَا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ أَوْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ أَوْ قَدِمَ لَهُ غَائِبٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِيهَا وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أُخْرَى فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا نَامَ فِيهَا وَفِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لَهَا هَلْ يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا.
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْء إلَى شَرْطِهِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلسُّجُودِ وَالسَّفَرَ سَبَبٌ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التِّلَاوَةُ وَهِيَ عِبَادَةٌ وَسَبَبَ قَصْرِ الصَّلَاةِ السَّفَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِعِبَادَةٍ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَالْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُبَاحَاتِ قَالَ رحمه الله (السَّفَرُ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ وَتَغَيُّرُهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ
مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِصْرِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) الْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْقَصْدَ فَقَالَ أَنْ يَقْصِدَ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَسِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ جَمِيعَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَقْصِدْ مَكَانًا بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَكَذَا الْقَصْدُ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ سَيْرٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّيْرِ وَلَا بِالسَّيْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَصْدِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَوْلُهُ:(مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) يَعْنِي بِهَا رَادُّونَ لَيَالِيَهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَيَعْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَقْصَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ وَذَلِكَ إذَا حَلَّتْ الشَّمْسُ الْبَلْدَةَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ وَبَلَغَ الْمَرْحَلَةَ وَنَزَلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا، كَذَا فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ السَّفَرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ، وَكَذَا الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْفِقْهُ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ مَشَقَّةِ الْوَحْدَةِ وَكَمَالُ الْمَشَقَّةِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ وَالنُّزُولُ فِي غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الِارْتِحَالَ مِنْ الْأَهْلِ وَالنُّزُولَ فِي غَيْرِهِمْ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالنُّزُولُ فِيهِمْ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدَهُ.
(قَوْلُهُ: بِسَيْرِ الْإِبِلِ) يَعْنِي الْقَافِلَةَ دُونَ الْبَرِيدِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْرِ فِي الْمَاءِ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ بِالسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَلَا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ بِالسَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْضِعٌ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً وَالثَّانِي فِي الْبَرِّ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي طَرِيقِ الْمَاءِ يَقْصُرُ، وَفِي الْبَرِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ كَانَ إذَا سَارَ فِي الْبَرِّ وَصَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِذَا سَارَ فِي الْبَحْرِ وَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ فِي الْبَرِّ وَلَا يَقْصُرُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي رِيحٍ مُسْتَوِيَةٍ أَيْ غَيْرِ عَالِيَةٍ وَلَا سَاكِنَةٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ فِي السَّهْلِ يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثًا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْفَرَسِ أَوْ الْبَرِيدِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ قَصَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِصْرَ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأُخْرَى فِي يَوْمَيْنِ إنْ اخْتَارَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ وَإِنْ اخْتَارَ الْأَقْرَبَ لَا يَقْصُرُ.
(قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ عِنْدَنَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ) قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا قَصْرَ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ عَاصِيًا عِنْدَنَا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتَانِ عَنْ فَرْضِهِ وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ) وَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ، وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَنْوِي الظُّهْرَ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ خَاصَّةً وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأُخْرَى فَهَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَلَا
تَكُونُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْقَلِبُ كُلُّهَا نَفْلًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا كَمَا فِي الْفَجْرِ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْقَعْدَةَ هُنَا وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ وَأَتَمَّهَا أَرْبَعًا فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ) يَعْنِي مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لَا جَوَانِبِ كُلِّ الْبَلَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ خَلَفَ الْأَبْنِيَةَ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ أَبْنِيَةٌ أُخْرَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُتِمَّ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ كَالطُّهْرِ وَالسَّفَرُ عَارِضٌ كَالْحَيْضِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَا الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ أَيْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ تُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَمُدَّةُ الطُّهْرِ تُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ) اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ وَكَذَا الْجُنْدِيُّ مَعَ السُّلْطَانِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ التَّبَعُ نِيَّةَ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا كَذَا فِي الْوَجِيزِ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُدْرِكًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي بَلَدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا نَزَلُوا مَوْضِعًا كَثِيرَ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَنَوَوْا إقَامَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ صَارُوا مُقِيمِينَ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعُمْرَانِ وَالْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْخَشَبِ لَا الْخِيَامِ وَالْأَخْبِيَةِ وَالْوَبَرِ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ السَّفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا، وَكَذَا لَوْ صَلَّاهُمَا وَهُوَ مُقِيمٌ وَسَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَلَوْ سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَقْصُرُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مِقْدَارُ التَّحْرِيمَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَقَامَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي حَالِ السَّفَرِ جَازَ وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ قَلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَثُرَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْرُجُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَان سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَقَامَ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً يَقْصُرُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمُّوا) ظَاهِرُ هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبُوا فَيَقِرُّوا وَبَيْنَ أَنْ يُغْلَبُوا فَيَفِرُّوا فَلَمْ يَكُنْ دَارُ إقَامَةٍ كَالْمَفَازَةِ، وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا فَالْعَبْدُ مُقِيمٌ بِإِقَامَةِ مَوْلَاهُ وَالْمَرْأَةُ مُقِيمَةٌ بِإِقَامَةِ زَوْجِهَا وَمُسَافِرَيْنِ بِسَفَرِهِمَا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمَا لَا تَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا وَالْعَبْدَيْنِ الْمَوْلَيَيْنِ فِي السَّفَرِ إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ دُونَ الْآخَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّ إقَامَةَ أَحَدِهِمَا إنْ أَوْجَبَتْ إقَامَتَهُ فَمُسَافَرَةُ الْآخَرِ تَمْنَعُهُ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ فَتَرَجَّحَ الْإِقَامَةُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَإِذَا نَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ حَتَّى صَلَّى أَيَّامًا صَلَاةَ مُسَافِرٍ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَخْبَرَهَا زَوْجُهَا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ يَلْزَمُهَا الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَمَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ وَنَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ بِنِيَّتِهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ
فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) سَوَاءٌ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ تَعُودُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أَرْبَعًا فِي ضِمْنِ الِاقْتِدَاءِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَعُودُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ بَقَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى مُسَافِرُونَ بِمُسَافِرٍ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ وَإِيَّاهُمْ جَمِيعًا الْإِتْمَامُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ) يَعْنِي فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ، أَمَّا إذَا كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُؤَدَّاهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْإِمَامُ يَرَى قَوْلَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ مَعَهُ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ هَذَا إذَا دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ فَأُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ كَمَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا، وَلَوْ صَلَّى مُقِيمٌ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ مُسَافِرٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ) يَعْنِي وُحْدَانًا وَلَا يَقْرَءُونَ فِيمَا يَقْضُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) أَيْ مُسَافِرُونَ وَسَفْرٌ جَمْعُ مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ وَصَحْبٌ جَمْعُ صَاحِبٍ، وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ يَعْنِي التَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ) سَوَاءٌ دَخَلَهُ بِنِيَّةِ الِاجْتِيَازِ أَوْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ مِصْرَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ فَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) وَإِنْ اسْتَحْدَثَ وَطَنًا أَهْلِيًّا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ فِي الْوَطَنِ الْأَوَّلِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطَنٌ أَهْلِيٌّ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَهْلِيٌّ وَوَطَنُ إقَامَةٍ وَوَطَنٌ سَكَنِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ مَا كَانَ مُتَأَهِّلُهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَبْطُلُ بِالْأَهْلِيِّ وَبِمِثْلِهِ بِإِنْشَاءِ سَفَرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَطَنُ السُّكْنَى مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِالْكُلِّ، وَهَلْ مِنْ شَرْطِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ تَقَدُّمُ سَفَرٍ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ بَعْدَ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالثَّانِي يَكُونُ وَطَنًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سَفَرٌ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمِنْ حُكْمِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَهْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ بَيَانُ هَذَا زُبَيْدِيٌّ خَرَجَ إلَى الْمَهْجَمِ فَاسْتَوْطَنَهَا، وَنَقَلَ أَهْلَهُ إلَيْهَا ثُمَّ سَافَرَ مِنْهَا إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ بِاسْتِحْدَاثِ هَذَا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَحْدَثَ بِالْمَهْجَمِ أَهْلًا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ بِزُبَيْدٍ فَسَافَرَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا وَطَنٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ وَطَنُهُ ابْتِدَاءً بِزُبَيْدٍ فَخَرَجَ إلَى مَكَّةَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِالْمَهْجَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا دَامَ بِهَا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ إلَى زُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ إلَى مَكَّةَ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى حُرُضَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى زُبَيْدٍ صَلَّى بِالْمَهْجَمِ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِوَطَنٍ إقَامَةُ مِثْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ بَعْدَ إقَامَتِهِ بِهَا إلَى مَوْرٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ صَحِيحٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ