الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُولَى نِفَاسٌ وَمَا بَعْدَ الثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهَا وَمَا بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ، وَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي عِشْرِينَ وَعَادَتُهَا عِشْرُونَ فَاَلَّذِي بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ نِفَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ الْأَنْجَاسِ]
(بَابُ الْأَنْجَاسِ) الْأَنْجَاسُ جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا اسْتَقْذَرْتَهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَطْهِيرِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْحُكْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِأَنَّ قَلِيلَهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَسْقُطُ أَبَدًا بِالْأَعْذَارِ إمَّا أَصْلًا أَوْ خَلَفًا قَالَ رحمه الله (تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ) اعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ لَا تَطْهُرُ لَكِنَّ مَعْنَاهُ تَطْهِيرُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَطْهِيرِهَا إزَالَتَهَا وَإِنَّمَا قَالَ وَاجِبٌ وَلَمْ يَقُلْ فَرْضٌ كَمَا قَالَ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ثَبَتَتْ الطَّهَارَةُ بِنَصِّ الْكِتَابِ حَتَّى إنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رحمه الله يَقُولُ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ
(قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ) يَعْنِي مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَحْتَ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ مَوْضِعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ طَاهِرًا وَالْأُخْرَى نَجِسًا فَوَضَعَ قَدَمَيْهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ رَفَعَ الْقَدَمَ الَّتِي مَوْضِعُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى جَازَ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمٍ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلَوْ جَمْعًا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مَعْنًى تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالْمَاءِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْحَدَثُ قُلْنَا النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَيْسَ فِيهَا عَيْنٌ تُزَالُ فَكَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا عِبَادَةً مَحْضَةً وَالْحَقِيقِيَّةُ لَهَا عَيْنٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا إزَالَةَ الْعَيْنِ بِأَيِّ طَاهِرٍ كَانَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِالسِّكِّينِ جَازَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، فَقَالَ لَا تَزُولُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ اعْتِبَارًا بِالْحَدَثِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهَا تَزُولُ عَنْهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ
(قَوْلُهُ: يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ) أَيْ يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْأَدْهَانِ وَالْعَسَلِ وَهَلْ يَجُوزُ بِاللَّبَنِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَا يَجُوزُ
(قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ) أَيْ لَوْنٌ وَأَثَرٌ بَعْدَ الْجَفَافِ كَالرَّوْثِ وَالسِّرْقِينَ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ
(قَوْلُهُ: فَجَفَّتْ وَدُلِّكَتْ بِالْأَرْضِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهَا) وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ كَالنَّعْلِ وَشَبَهِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ فِيمَا سِوَى الْمَنِيِّ إلَّا الْغُسْلُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِالرَّيِّ لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ السِّرْقِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَإِنَّمَا خَصَّ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْغَسْلُ، وَكَذَا الثَّوْبُ أَيْضًا لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَتَدَاخَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا بِالْغَسْلِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَإِنَّهُ جِلْدٌ لَا تَتَدَاخَلُ فِيهِ النَّجَاسَةُ
(قَوْلُهُ: وَجَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ
خِلَافًا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَطْهُرُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَزُولُ عَنْهُ مُعْظَمُ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا لَوْ عَاوَدَهُ الْمَاءُ يَعُودُ نَجِسًا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ نَجَّسَهُ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَاهِرٌ «لِقَوْلِهِ عليه السلام لِابْنِ عَبَّاسٍ الْمَنِيُّ كَالْمُخَاطِ فَأَمِطْهُ عَنْك، وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ» وَلِأَنَّهُ أَصْلُ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ طَاهِرًا كَالتُّرَابِ، وَلَنَا «قَوْلُهُ عليه السلام لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ رَآهُ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ نُخَامَةٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَالْقَيْءِ» فَقَرَنَ الْمَنِيَّ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ نَجِسَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا قُرِنَ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِمَاطَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِ نَقْضُ الطَّهَارَةِ كَالْبَوْلِ ثُمَّ نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ عِنْدَنَا مُغَلَّظَةٌ
(قَوْلُهُ: يَجِبُ غَسْلُ رَطْبِهِ فَإِذَا جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ) قَيَّدَ بِالثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ عَلَى الْبَدَنِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ كَمَا فِي الثَّوْبِ وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِهِ رَأْسُ الذَّكَرِ طَاهِرًا بِأَنْ بَالَ وَاسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَقِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا إذَا أَمْذَى قَبْلَ خُرُوجِهِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ أَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَلَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ، وَلَوْ نَفَذَ الْمَنِيُّ إلَى الْبِطَانَةِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ الْبَلَلُ وَالْبَلَلُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، ثُمَّ إذَا أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ وَعَاوَدَهُ الْمَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجِسًا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا.
(قَوْلُهُ: وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ أَوْ السَّيْفَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا) لِعَدَمِ تَدَاخُلِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا يَزُولُ بِالْمَسْحِ وَالْمَسْحُ يُخَفِّفُ وَلَا يُطَهِّرُ وَلِهَذَا قَالَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يَقُلْ طَهُرَا بِالْمَسْحِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمَسْحُ مُطَهِّرٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ ثُمَّ نَزَلَ الْبِئْرَ عُرْيَانًا فَعِنْدَهُمَا يَنْجُسُ مَاءُ الْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْجُسُ.
وَفِي الْمُحِيطِ السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ إذَا أَصَابَهُمَا بَوْلٌ أَوْ دَمٌ لَا يَطْهُرَانِ إلَّا بِالْغَسْلِ وَإِنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةٌ إنْ كَانَ رَطْبًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا طَهُرَا بِالْحَكِّ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَطْهُرَانِ إلَّا بِالْغَسْلِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً ثُمَّ مَسَحَ السِّكِّينَ عَلَى صُوفِهَا أَوْ مَا يَذْهَبُ بِهِ أَثَرُ الدَّمِ قَالَ يَطْهُرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ إذَا عَاوَدَهُمَا الْمَاءُ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَعُودُ وَاخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهَا لَا تَعُودُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَصَابَتْ الْأَرْضُ نَجَاسَةً فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا) .
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ: عليه السلام «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَقَيَّدَ بِالْأَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّوْبِ وَالْحَصِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَيُشَارِكُ الْأَرْضَ فِي حُكْمِهَا كُلُّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهَا كَالْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْكَلَأِ وَالْقَصَبِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ فَإِذَا قُطِعَ الْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ وَالْقَصَبُ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ.
وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ إذَا كَانَ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ، وَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ كَالْأَرْضِ وَالْحَصَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ
(قَوْلُهُ: فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ) التَّقْيِيدُ بِالشَّمْسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ لَوْ جَفَّتْ بِالظِّلِّ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَذَهَبَ أَثَرُهَا) الْأَثَرُ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ وَالطَّعْمُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَعَاوَدَهَا الْمَاءُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا تَعُودُ نَجِسَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ مِنْ تُرَابِهَا شَيْءٌ فِي الْمَاءِ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ يَنْجُسُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْجُسُ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا) لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَ شَرْطُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ مَعَ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ فِيهِ يَسِير النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الطُّهُورَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الْخَلَّ طَاهِرٌ وَلَيْسَ بِطَهُورٍ فَكَذَا هَذِهِ الْأَرْضُ طَاهِرَةٌ غَيْرُ طَهُورٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ
الْمُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالْغَائِطِ إلَى آخِرِهِ) الْمُغَلَّظَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَلَمْ يَرِدْ بِطَهَارَتِهَا نَصٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ أَمْ لَا وَعِنْدَهُمَا مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْأَرْوَاثِ فَإِنَّ «قَوْلَهُ عليه السلام فِي الرَّوْثِ إنَّهُ رِجْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ فَيَكُونُ عِنْدَهُ مُغَلَّظًا وَقَالَا هُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ خَفَّ حُكْمُهُ
(قَوْلُهُ: كَالدَّمِ) يَعْنِي الْمَسْفُوحَ أَمَّا الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّكَاةِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْأَكْلِ، وَلَوْ احْمَرَّتْ مِنْهُ الْقِدْرُ، وَلَيْسَ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْأَكْلِ وَيُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ دَمُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ طَاهِرٌ حَتَّى لَوْ طُلِيَ بِهِ الْخُفُّ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَثُرَ وَكَذَا دَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُمَّلِ وَالْبَقِّ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ أَكْلُهُ بِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدَمِهِ لَا يُذَكَّى، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أُبِيحَ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَفْحِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدِّمَاءُ تَسْوَدُّ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ نَجِسٌ، وَأَمَّا دَمُ الْحَلَمِ وَالْأَوْزَاغِ فَهُوَ نَجِسٌ إجْمَاعًا وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يُغْسَلُ عَنْهُ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ كَانَ نَجِسًا حَتَّى إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ نَجَّسَهُ وَالدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ طَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَالْغَائِطُ وَالْبَوْلُ) قَالَ الْحَسَنُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ فَهُوَ نَجِسٌ فَعَلَى هَذَا الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَالْمَنِيُّ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ نَجِسٌ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ نَجِسٌ، وَأَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَعِنْدَهُمَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ الْمُغَلَّظَةِ أَيْضًا خَرْءُ الْكَلْبِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ جَمِيعِ السِّبَاعِ وَأَبْوَالُهَا وَخَرْءُ السِّنَّوْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الْفَأْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَاخْتَلَفُوا فِي خَرْءِ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْغُرَابِ وَالْحَدَأَةِ وَالْبَازِي وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُغَلَّظٌ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ فَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا خَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَطَاهِرٌ عِنْدَنَا كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَجَنَّبُونَ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَجَنَّبُوهُ الْمَسَاجِدَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ
(قَوْلُهُ: مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ) يَعْنِي الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا ثُمَّ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ، وَقِيلَ وَزْنُهُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَسْطَ فِي الرَّقِيقِ وَالْوَزْنَ فِي الثَّخِينِ
(قَوْلُهُ: جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ) وَهَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَتْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَغْسِلَ ثَوْبَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يَجِدُ جَمَاعَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) الْمُخَفَّفَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَبِطَهَارَتِهَا نَصٌّ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَدَ بِنَجَاسَتِهِ قَوْلُهُ عليه السلام «اسْتَنْزِهُوا الْأَبْوَالَ» وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَفِيمَا لَا يُؤْكَلُ وَالِاسْتِنْزَاهُ هُوَ التَّبَاعُدُ عَنْ الشَّيْءِ، وَوَرَدَ أَيْضًا فِي طَهَارَتِهِ نَصٌّ وَهُوَ «أَنَّهُ عليه السلام رَخَّصَ لِلْعُرَنِيِّينَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ حَرَامٌ، قَالَ عليه السلام «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ الْيَوْمَ وَالْمُحَرَّمُ يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ إذَا عُلِمَ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ يَقِينًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ بِقَدْرِ سَدِّ الرَّمَقِ لِعِلْمِهِ يَقِينًا بِحُصُولِ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُبُعَ الثَّوْبِ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ
وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مَمْلُوءًا مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي رُبُعِ الثَّوْبِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَيَّ ثَوْبٍ أَصَابَهُ وَكَذَا الْبَدَنُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ رُبُعُ جَمِيعِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ رُبُعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ كَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ وَالْفَخِذِ أَوْ الظَّهْرِ إنْ كَانَ فِي الْبَدَنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ، وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يَمْنَعْ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ لَمْ أُحَرِّمْ لَحْمَهُ لِنَجَاسَتِهِ بَلْ إبْقَاءٍ لِظَهْرِهِ تَحَامِيًا عَنْ تَقْلِيلِ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ فِي تَقْلِيلِهَا قَطْعَ مَادَّةِ الْجِهَادِ فَكَانَ طَاهِرَ اللَّحْمِ حَتَّى إنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَخُفِّفَ حُكْمُ بَوْلِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَاهِرٌ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ فَحُشَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَأْكُولِ، وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ السُّؤْرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَشْكُوكِ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ فَحُشَ، وَإِنْ أَصَابَ مِنْ السُّؤْرِ النَّجَسِ يَمْنَعُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فَلَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ الْأَرْوَاثِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهَا مُغَلَّظَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ رَوْثَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ رَوْثَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَعِنْدَهُمَا كُلُّهَا مُخَفَّفَةٌ رَوْثُ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَعِنْدَ زُفَرَ رَوْثُ الْمَأْكُولِ مُخَفَّفٌ وَرَوْثُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُغَلَّظٌ.
(قَوْلُهُ: وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَجِبُ غَسْلُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فَمَا كَانَ لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَلَوْ زَالَتْ بِمَرَّةٍ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ لَا تَطْهُرُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الزَّوَالِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَعَنْ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا إذَا زَالَتْ بِمَرَّةٍ تُغْسَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ مَرَّتَيْنِ إلْحَاقًا لَهَا بِغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَمَا أَشَارَ الشَّيْخُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَا زَالَتْ الْعَيْنُ تُغْسَلُ ثَلَاثًا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ الْعَيْنُ وَالرَّائِحَةُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ طَهُرَتْ، وَإِنْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَتْ الرَّائِحَةُ يُغْسَلُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا يَضُرُّ الْأَثَرُ الَّذِي يَشُقُّ إزَالَتُهُ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا وَلَمْ يَقُلْ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُهَا، قِيلَ فِي قَوْلِهِ زَوَالُ عَيْنِهَا فَوَائِدُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ وَذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْغَسْلِ وَكَذَلِكَ الْمِرْآةُ وَالسَّيْفُ يُكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ وَكَذَلِكَ النَّجَاسَةُ إذَا أَحْرَقَتْهَا النَّارُ وَصَارَتْ رَمَادًا، وَكَذَا الْأَرْضُ إذَا جَفَّتْ بِالشَّمْسِ فَفِي هَذَا كُلِّهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ زَوَالُ الْعَيْنِ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا جَفَّتْ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا فَقَدْ زَالَتْ عَيْنُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَطْهُرُ قِيلَ قَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُطَهِّرِ بِقَوْلِهِ فَطَهَارَتُهَا فَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَهِّرٍ
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا يَشُقُّ إزَالَتُهُ) تَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ بِالنَّارِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ غُسِلَتْ الْمُغَلَّظَةُ بِالْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ يَزُولُ حُكْمُ الْمُغَلَّظَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الْمُخَفَّفَةِ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ الْمُخْتَارَ لَا يَزُولُ حُكْمُهَا.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَفِي شَرْحِهِ يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى الْمُخَفَّفَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَإِنْ غَسَلَهَا مَرَّةً وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا قَدْ زَالَتْ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَرْئِيَّةً فَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَاسَةٌ وَخَفِيَ مَكَانُهَا فَإِنَّهُ يَغْسِلُ جَمِيعَ الثَّوْبِ وَكَذَا إذَا أَصَابَ أَحَدَ