الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى الْمُصَلَّى.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْإِنْسَانِ تُضَافُ إلَى مَوْضِعِ مَبِيتِهِ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّ السَّفَرِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ إقَامَةً.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ سَافَرَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا.
(قَوْلُهُ: وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ كَمَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ وَعِنْدَنَا يَتَرَخَّصُ هَؤُلَاءِ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا خَافُوا وَاسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْمَسْحِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] عَلَّقَ رُخْصَةَ الْإِفْطَارِ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَكَذَا قَوْلُهُ عليه السلام فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ «فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» كُلُّ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَكَذَا مَنْ غَصَبَ خُفًّا وَلَبِسَهُ تَرَخَّصَ بِالْمَسْحِ، وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ السُّنَنِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا قَصْرَ فِيهَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا أَوْ تَرْكُهَا، فَالْجَوَابُ إنْ كَانَتْ الْقَافِلَةُ نَازِلَةً فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَضُرَّ بِنَفْسِهِ وَبِرُفْقَتِهِ.
[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) مُنَاسَبَتُهَا لِلسَّفَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنَصِّفٌ لِلصَّلَاةِ بِوَاسِطَةٍ فَالسَّفَرُ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَهَذَا بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ فِي كُلِّ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَهَذَا فِي الظُّهْرِ خَاصَّةً وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالْجُمُعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا قَالَ رحمه الله (لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» .
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ) لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمِصْرِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَقَدَّرُوهُ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ وَالْآذَانِ ثُمَّ شَرَائِطُ لُزُومِ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ سَبْعَةٌ فِي نَفْسِ الْمُصَلِّي وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ وَسَلَامَةُ الرِّجْلَيْنِ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَخَمْسَةٌ فِي غَيْرِ الْمُصَلِّي الْمِصْرُ وَالسُّلْطَانُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْخُطْبَةُ وَالْوَقْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمِصْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كُلُّ بَلَدٍ فِيهَا أَسْوَاقٌ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ حَوَائِجُ الدِّينِ وَعَامَّةُ حَوَائِجِ الدُّنْيَا فَحَوَائِجُ الدِّينِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَحَوَائِجُ الدُّنْيَا أَنْ يَعِيشَ فِيهَا كُلُّ صَانِعٍ بِصِنَاعَتِهِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ،.
وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمِصْرِ لِلْجُمُعَةِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْمِصْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَصَرَ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الْمِصْرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ، وَالْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ يَوْمَهُ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ
الْجُمُعَةُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعَيْنِ نَهْرٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِنْ صَلَّوْا مَعًا وَلَا يُدْرَى مَنْ سَبَقَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى) فَإِنْ قُلْت قَدْ عُرِفَ هَذَا بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ قِيلَ هَذَا تَأْكِيدٌ وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9] ثُمَّ قَالَ {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] وَقَدْ عُلِمَ هَذَا بِقَوْلِهِ {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9] .
(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانٍ) لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ وَالْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ وَفِي نَصْبِ الْخَطِيبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى الْجَامِعِ فَيُقِيمُونَهَا لِغَرَضٍ لَهُمْ وَتَفُوتُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَجُعِلَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) يَعْنِي الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ وَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِي الظُّهْرَ عَلَى الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَبْنِي لَنَا أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ يَجْهَرُ فِي إحْدَاهُمَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ) ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ.
(قَوْلُهُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) وَمِقْدَارُهُمَا مِقْدَارُ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَمِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثٌ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبَةٌ وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى لَا يُكْتَفَى عِنْدَهُ بِالْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ طَالَتْ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ السُّنَّةُ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَكُونَ الْجَهْرُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى.
(قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ) لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ أَلَسْت تَتْلُو قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَلَمْ يُفَصِّلْ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ أَمَّا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ مُتَعَجِّبًا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) وَأَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالتَّسْبِيحُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا لَيْسَتْ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَلَا يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَكَذَا لَوْ خَطَبَ مُضْطَجِعًا أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ يَعْقِلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ جَازَ، وَلَوْ تَغَدَّى فِي بَيْتِهِ وَجَاءَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ مَا لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ، وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ شَهِدَ
الْخُطْبَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَدْ انْعَقَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْخُطْبَةِ فِي حَالِ بَقَائِهَا وَهُنَا لَمْ تَنْعَقِدْ فَصَارَ كَالْإِمَامِ نَفْسِهِ يُصَلِّي بِغَيْرِ خُطْبَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ) وَهِيَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُبْتَدَأِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُؤَكَّدِ وَذَلِكَ بِالرَّكْعَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ شَرْطُ الدَّوَامِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ فَعِنْدَهُمَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ، وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ السُّجُودِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَتَغَافَلَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَبِّرُوا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الثَّنَاءِ وَأَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِقْدَارَ آيَةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ كَبَّرُوا فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا، أَمَّا لَوْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةً طَوِيلَةً صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ شَرَعُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ خَطَبَ وَنَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الصِّبْيَانُ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً فِيهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ أَوْ مَرْضَى صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ فَذَهَبُوا كُلُّهُمْ وَجَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) وَالشَّرْطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ أَمَّا إذَا كَانُوا لَا يَصْلُحُونَ لَهَا كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ) لِأَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمَاعَةِ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَهَذَا يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَذَاكِرًا وَهُوَ الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ فَاسْعَوْا خِطَابُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام جَهَرَ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ) لِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْتِظَارِ الْإِمَامِ عَنْ سَفَرِهِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالصَّوْمِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا امْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَمَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مَرِيضٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُمَرِّضُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٍ) لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُخَيَّرُ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِي حَالِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
(قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى أَعْمَى) وَلَوْ وَجَدَ قَائِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنَّمَا لَا يَهْتَدِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ السَّعْيُ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ، وَكَذَا الْأَجِيرُ لَا يَذْهَبُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْتَفِي مِنْ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ وَتَسْقُطُ أَيْضًا بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَضَرُوا وَصَلَّوْا مَعَ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمُّوا فِي الْجُمُعَةِ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِمْ فَأَشْبَهُوا الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَلَنَا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ عُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ فَرْضُ الْوَقْتِ بِأَدَائِهِمْ الْجُمُعَةَ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَقَعُ فِعْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ وَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ بِائْتِمَامِهِمْ اُعْتُدَّ بِهِمْ فِي عَدَدِ الْمُؤْتَمِّينَ كَالْحُرِّ الْمُقِيمِ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ.
(قَوْلُهُ: مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصْلًا وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ
وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الدَّلِيلِ قَالَ عليه السلام «أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ هَذَا الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى التَّكْلِيفِ عَلَى التَّمَكُّنِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمَكُّنِ بِدُونِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَضَى الظُّهْرَ دُونَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ أَجْزَأَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الظُّهْرُ وَقَدْ أُمِرَ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَدْرِي مَا أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَفَائِدَتِهِ إذَا أَحْرَمَ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ وَلَا تَتَأَدَّى الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ وَقَدْ نَوَاهَا.
وَقَوْلُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قُيِّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرَ بِهِ فَلَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ شَهِدَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضَهُ عِنْدَنَا وَانْقَلَبَ ظُهْرُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَهَا فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ.
وَقَالَ زُفَرُ فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ الظُّهْرُ مَوْقِعَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ أَوْ الْعَبْدُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ ظُهْرَهُ الْأَوَّلَ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَفِي سَائِرِهَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَانَ فَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ فِي بَيْتِهِ كَذَا هَذَا لَكِنَّا نَقُولُ الْجُمُعَةُ أَقْوَى مِنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلظُّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ) فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا أَعَادَ الظُّهْرَ، وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَّا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَقَدْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلْ عِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ وَفَرَاغُ الْإِمَامِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ وَلَمْ تَبْطُلْ فِي حَقِّهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِارْتِفَاضِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمَا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُرْتَفَضُ ظُهْرُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُولَا حَتَّى يُكْمِلَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الرُّسْتَاقِيِّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمِصْرِ يُرِيدُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِهِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ قَصْدِهِ إقَامَةَ حَوَائِجِهِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ مَرِيضٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حَسَنٌ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْمَرْضَى بِخِلَافِ أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْضَى عَاجِزُونَ بِخِلَافِ الْمَسْجُونِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) فَإِذَا قَامَ هَذَا الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَائِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ