الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرُ وَقَدْ عُلِمَ جَوَازُهُ مَعَ قَدْرِ الْمِيلِ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالْجَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَوْ كَانَ فِي ظَنِّهِ نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَقَلُّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَنِّهِ نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَكْثَرُ جَازَ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِيلٌ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ مَرِيضٌ إلَى آخِرِهِ) الْمَرِيضُ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَحَدُهُمَا إذَا كَانَ يَسْتَضِرُّ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى أَوْ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهُ الِاسْتِعْمَالُ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا، وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا الْحَرَكَةُ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي التَّأْسِيسِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا، وَالثَّالِثَةُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا عَلَى التَّيَمُّمِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَوَجَدَ التُّرَابَ الطَّاهِرَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَنَا وَأَعَادَ إذَا خَلَصَ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُصَلِّي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ الْجُنُبُ إنْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي الْمِصْرِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَقَيَّدَ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ فِي مِصْرٍ إذَا خَافَ مِنْ التَّوَضُّؤِ الْهَلَاكَ مِنْ الْبَرْدِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
[وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ]
(قَوْلُهُ: وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ) وَهَلْ الضَّرْبَتَانِ مِنْ التَّيَمُّمِ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ نَعَمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ.
وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا ضَرَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ أَوْ نَوَى بَعْدَ الضَّرْبِ فَعِنْدَ ابْنِ شُجَاعٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَيُنْتَقَضُ وَعِنْدَ الْإِسْبِيجَابِيِّ يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ كَفَّهُ مَاءً لِلْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ
(قَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ إلَى الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ مُلَوِّثٌ وَلَيْسَ بِطَهَارَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ مُطَهِّرًا شَرْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى كَثْرَةِ التَّلْوِيثِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ قَدْ حَصَلَ بِمَرَّةٍ، وَقَوْلُهُ بِإِحْدَاهُمَا إشَارَةٌ إلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ، وَقَوْلُهُ يَمْسَحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ذَرَّ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ لَمْ يَجُزْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِيعَابُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ وَلَا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الضَّرْبَ لِلْيَدِ الْأُخْرَى
(قَوْلُهُ: إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ الْمَسْحَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَعَنْ قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ يَكْتَفِي بِهِ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعَيْنِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ الْأَكْثَرَ جَازَ فَإِذَا قُلْنَا بِالِاسْتِيعَابِ وَجَبَ نَزْعُ الْخَاتَمِ وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقِيَامَةِ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَسُنَّةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ الضَّرْبِ وَيُقْبِلَ بِيَدَيْهِ وَيُدْبِرَ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا عِنْدَ الرَّفْعِ نَفْضَةً وَاحِدَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَفْضَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَلَطَّخَ بِالتُّرَابِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَسْحُ دُونَ التَّلْوِيثِ وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَيَرْفَعَهُمَا وَيَنْفُضَهُمَا حَتَّى يَتَنَاثَرَ التُّرَابُ وَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَضْرِبَ أُخْرَى وَيَنْفُضَهُمَا وَيَمْسَحَ بِبَاطِنِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ كَفِّهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ ذِرَاعِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ، وَيُمِرُّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ التَّيَمُّمُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ خَاصَّةً؟ قِيلَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ وَالرِّجْلَانِ فَرْضُهُمَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّيَمُّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِعْلًا وَنِيَّةً وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ إنْ كَانَ لِلْحَدَثِ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ لِلْجَنَابَةِ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّمْيِيزِ بَلْ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَوْ
اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا التَّيَمُّمُ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) وَهُوَ مَا إذَا طُبِعَ لَا يَنْطَبِعُ وَلَا يَلِينُ وَإِذَا أُحْرِقَ لَا يَصِيرُ رَمَادًا
(قَوْلُهُ: كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ إلَى آخِرِهِ) قَدَّمَ التُّرَابَ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحِصَارِ وَالْآجُرِّ الْمَدْقُوقِ وَالْخَزَفِ الْمَدْقُوقِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ، وَأَمَّا إذَا خَالَطَهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَكَانَ الْمُخَالِطُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ خَاصَّةً) وَلَهُ فِي الرَّمْلِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَالْخِلَافُ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ أَمَّا إذَا عُدِمَ، فَقَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا وَلَوْ تَيَمَّمَ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ عَلَى مَوْضِعٍ نَدِيٍّ مِنْ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ بِالْمِلْحِ إنْ كَانَ مَائِيًّا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ جَبَلِيًّا جَازَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْفَتَاوَى.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الطِّينَ فَإِنَّهُ يُلَطِّخُ بِهِ طَرَفَ ثَوْبِهِ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ الْيَابِسَ أَوْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّيَمُّمُ وَفِي الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ الرَّطْبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدَيْهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِالطِّينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا لَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ كَالدَّقِيقِ وَالرَّمَادِ إنْ كَانَ التُّرَابُ هُوَ الْأَكْثَرَ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ حُبِسَ فِي السِّجْنِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مَاءً وَلَا تُرَابًا طَاهِرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» وَالطَّهُورُ هُوَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالتُّرَابُ عِنْدَ عَدَمِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَبْسِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَوَجَدَ التُّرَابَ الطَّاهِرَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يُعِيدُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَنْ قَيَّدَ رَجُلًا حَتَّى صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إجْمَاعًا وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَبْسِ بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُوِّزَ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ.
(قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ وَلَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ هُوَ الْقَصْدُ وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ وَهِيَ النِّيَّةُ فَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ التَّيَمُّمِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِغَسْلٍ وَمَسْحٍ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّطْهِيرِ، وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ فَلَمْ يَكُنْ طَهَارَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ لِلنَّافِلَةِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْقِرَاءَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَلَوْ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَوْ لِلْأَذَانِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يَحْصُلْ لِلصَّلَاةِ وَلَا لِجُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ تَيَمَّمَ كَافِرٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُتَيَمِّمٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً قُلْنَا هُوَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ هَذَا الْكَافِرُ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَا يَكُونُ مُتَيَمِّمًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ فَكَانَ وُجُودُ النِّيَّةِ كَعَدَمِهَا وَالْإِسْلَامُ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْكَافِرُ لَا يُرِيدُ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فِي الْوُضُوءِ وَعِنْدَنَا الْوُضُوءُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فَصَارَ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ وَخَلَفٌ عَنْهُ
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) رُؤْيَةُ الْمَاءِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَارِجٍ
نَجِسٍ فَلَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَإِنَّمَا النَّاقِضُ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَإِنَّمَا أَضَافَ الِانْتِقَاضَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّاقِضِ السَّابِقِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا فَأُضِيفَ إلَيْهَا مَجَازًا وَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ حَدَثِهِ أَمَّا لَوْ رَأَى مَا لَا يَكْفِيهِ أَوْ يَكْفِيهِ إلَّا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ أَوْ لِلْعَجْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، وَخَائِفُ الْعَدُوِّ أَوْ السَّبُعِ عَاجِزٌ غَيْرُ قَادِرٍ حُكْمًا وَلَوْ مَرَّ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ إنْ كَانَ نَائِمًا لَمْ يُنْقَضْ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ لَمْ يُنْتَقَضْ أَيْضًا وَفِي الْفَتَاوَى إذَا مَرَّ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ مَرَّ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا وَهُوَ نَائِمٌ وَإِلَّا فَقَدْ يَنْقُضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَرَّ بِالْمَاءِ وَهُوَ نَائِمٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْتَقَضُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَالنَّائِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَادِرٌ تَقْدِيرًا وَخَائِفُ السَّبُعِ عَاجِزٌ حُكْمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْخَائِفِ أَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَلَّلُهُ الْيَقِظَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ) الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ وقَوْله تَعَالَى {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ طَاهِرًا وَلَوْ تَيَمَّمَ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَتَيَمَّمَ آخَرُ بَعْدَهُ مِنْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُكْسِبُ التُّرَابَ الِاسْتِعْمَالَ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَجِدَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ) وَهَلْ يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ أَوْ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ وَقَالَ غَيْرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يُؤَخِّرْ وَيَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَرْجُو) أَيْ يَطْمَعُ قَالَ الْإِمَامُ حَافِظُ الدِّينِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَدْ ثَبَتَ بِصَرِيحِ أَقْوَالِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ مُطْلَقًا وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ فَكَيْفَ يُتْرَكُ هَذَا الصَّرِيحُ بِالْمَفْهُومِ وَيُجَابُ لِحَافِظِ الدِّينِ أَنَّ الصَّرِيحَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» فَجَعَلَ الطَّهَارَةَ مُمْتَدَّةً إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا جَازَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلصَّحِيحِ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي) قَيَّدَ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَرِيضِ لَا يَتَقَيَّدُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَقَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْمَفَازَةِ عَدَمُ الْمَاءِ قَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِعَادَةَ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا وَكَذَا إذَا كَانَ إمَامًا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى فَوَاتَهَا فَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِعَادَةُ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّيَمُّمِ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّوَضُّؤِ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ ثُمَّ فَاتَ التَّمَكُّنُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَ صَلَاةَ الْعِيدِ فَخَشِيَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْعِيدِ) يَعْنِي جَمِيعًا أَمَّا
إذَا كَانَ يُدْرِكُ بَعْضَهَا لَمْ يَتَيَمَّمْ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَفُوتُ فِيهِ الْأَدَاءُ لَا إلَى خَلَفٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَمَا يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَالْجُمُعَةِ وَخَشْيَةِ فَوَاتِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ إذَا اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ فَاتَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّ لَهَا خَلَفًا وَهُوَ الظُّهْرُ
(قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ أَرْبَعًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا، وَإِنْ كَانَ الظُّهْرُ لَا مَحَالَةَ أَرْبَعًا لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ إذْ الْجُمُعَةُ خَلَفٌ عَنْ الظُّهْرِ عِنْدَنَا فَتَرِدُ الشُّبْهَةُ عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَأَزَالَ الشُّبْهَةَ بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا.
وَكَذَا لَا يَتَيَمَّمُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَخَافَ إنْ تَوَضَّأَ فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَلَكِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّيهَا فَائِتَةً) لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى الْخَلَفِ وَهُوَ الْقَضَاءُ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعِيدُ) قَيَّدَ بِالْمُسَافِرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ حَمْلَ الْمَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ أَوْ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى فَلَا يُعْتَبَرُ نِسْيَانُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مُؤَخَّرَةِ الدَّابَّةِ وَهُوَ سَائِقُهَا أَوْ فِي مُقَدَّمِهَا وَهُوَ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ إجْمَاعًا
(قَوْلُهُ: وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ) يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيُعِيدُ إجْمَاعًا وَسَوَاءٌ ذَكَرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَوَضَعَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَذَكَرَ بِلَفْظِ الْعِلْمِ وَهُنَا ذَكَرَ بِلَفْظِ النِّسْيَانِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فِيمَا إذَا وَضَعَ الْمَاءَ غَيْرُهُ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَعَلَى وَضْعِ الشَّيْخُ يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِسْيَانٌ وَعَلَى وَضْعِ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِنِسْيَانِ الْمَاءِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا نَسِيَ ثَوْبَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ يُعِيدُ فَفَرْضُ السَّتْرِ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَالطَّهَارَةُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ) هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ أَمَّا فِي الْعُمْرَانَاتِ يَجِبُ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَتَضَمَّنُ مَا إذَا شَكَّ وَمَا إذَا لَمْ يَشُكَّ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِيمَا إذَا شَكَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّلَبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَمِقْدَارُهَا مَا بَيْنَ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَشُكَّ يَتَيَمَّمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، وَقَوْلُهُ بِقُرْبِهِ حَدُّ الْقُرْبِ مَا دُونَ الْمِيلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَيَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِيهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يَبْعُدُ فَيَضُرُّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ وَبِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ، وَقِيلَ يَطْلُبُ مِقْدَارَ مَا يَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِهِ وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَطْلُبَهُ) وَيَكُونُ طَلَبُهُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَبْلُغُ مِيلًا وَلَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَصَلَّى ثُمَّ طَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ) أَمَّا وُجُوبُ الطَّلَبِ، فَقَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ مِلْكِ الْغَيْرِ ذُلٌّ عِنْدَ الْمَنْعِ وَتَحَمُّلٌ مِنْهُ عِنْدَ الدَّفْعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ أَيْضًا، وَإِنْ شَكَّ