الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: يا سعد ابن معاذ! الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]»
(1)
.
3 -
معرفة الإنسان مدى مساحته من هذه الأخلاق يعرِّفه قدر نفسه، ومن عرف قدر نفسه استطاع أن يضعها في المكان اللائق بها.
4 -
بمعرفة المساحة في أخلاق الناس يستطيع المرء أن يختار من يصاحب ومن يجالس ومن يشارك، سواء كان ذلك مع نفسه أو في حال ربط الآخرين بعضهم ببعض، كالزواج ونحوه، ويكون ما قدره في هذه الأمور أقرب إلى الصواب وأنجح للحاجة وأسلم للعافية.
الوقفة الرابعة:
معرفة المساحة في أخلاق الناس تشتد الحاجة إليها ويعظم الانتفاع بها في أحوال كثيرة، منها:
(1)
. صحيح البخاري برقم 2805، وصحيح مسلم برقم 1903.
1 -
الزواج، فمن الأمور التي يتوقع بمعرفتها تآلف الزوجين معرفة المساحة في أخلاق كل منهما، فإذا كانت المساحة في أخلاق كل منهما متقاربة فذلك أحرى أن يؤدم بينهما، بخلاف ما إذا كان التفاوت بينهما كبيرًا، ولهذا أجاز الفقهاء شروطًا تتعلق بهذه المسألة. فعلى سبيل المثال يجوز للمرأة التي تعيش في بلاد حارة أن تشترط على زوجها أن لاينقلها إلى بلاد باردة، ومن تعيش في الحاضرة أن لا ينقلها إلى البادية وكذلك العكس.
وينصح الناصحون بتحري التآلف بين الزوجين، وذلك أن يكون في طبيعة كل منهما وما نشأ عليه من عادات تقارب شديد، فذلك أدعى إلى تقليل خصال التنافر أو عدمها.
2 -
الأمير والوزير وكل من كلف بإدارة أشخاص قلوا أو كثروا فإن معرفته بقدر المساحات في أخلاقهم يجعله أقدر على حسم الإدارة، وبالتالي حصول النتائج الجيدة؛ فإنه لمعرفته ذلك يضم الشبيه إلى الشبيه ويختار لكل مهمة من تتحدد فيها وجهتهم وتتكامل فيها قدراتهم. فإذا كانت المهنة تحتاج إلى الشجاعة فإنه لايختار إلى المجموعة المكلفة بها قائدًا جبانًا، وإن كان جميع أفرادها من الشجعان، وإن كانت تحتاج إلى التأني والتروي فإنه لايحتاج لقيادتها رجلًا متهورًا وإن كان شجاعًا، وقس على ذلك.
3 -
الرفقة والصحبة والمجالسة، فإنه لايؤذن فيها بوجود من كانت له أخلاق ضيقة أو سيئة، وهو في نفسه قوي التأثير، فإنه ينتج عن ذلك فساد وضرر كبير.
4 -
التعامل مع الآخرين: ولكن على المسلم أن يتقي الله فلا يعمل إلا ما يرضيه، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن الشخص إذا عرف مقدار المساحات في أخلاق شخص ما فإنه بكلمة أو تصرف يسير يحصل منه على ما يريد، وفي صلح الحديبية لما أرسلت قريش رجلًا من كنانة قال: دعوني آتيه فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ البُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ» ، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قال: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ
(1)
.
قال بعضهم: ما مال أحد بهواه إلى شيء فكاده عدوه من قبل ذلك الشيء إلا تمكن منه.
5 -
في حدود الشخص نفسه يحصل له النجاح فتقل لديه الأخطاء
(1)
. جزء من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في صحيح البخاري برقم 2731 - 2732.
التي يأسف عليها لاسيما فيما يتعلق منها بالآخرين، فعلى سبيل المثال: لو أراد شخص أن يصطحب معه آخر إلى بلاد شديدة البرودة فإنه لاينتفع بهذا الصاحب إلا حيث تكون المساحات لديه في تحمل البرد الشديد واسعة، ولو احتاج أن يشاركه آخر في عمل شاق فإنه لن ينتفع بهذا الشريك إلا بحيث يكون مساحات الصبر وطول النفس واسعة غير ضيقة ومحدودة.
6 -
بل أن الشخص نفسه يجب عليه أن يعرف مقدار المساحات التي يملكها في أخلاقه، حتى يضع نفسه في المكان اللائق به، فإنه إن جهل ذلك أوقع نفسه في مضائق قد يصعب خروجه منها. واسمع إلى توجيه الحكيم صلى الله عليه وسلم وهو يقول لأبي ذر:«إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ»
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. رواه مسلم برقم 1826 من حديث أبي ذر رضي الله عنه.