الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الواحدة والأربعون:
السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (6)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..
ركائز العشرة الزوجية، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة النساء، آية رقم: 19]، ترتكز العشرة الزوجية على أمور ثلاثة وهي المودة، والرحمة، وإقامة حدود الله، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم، آية رقم: 21]، وقال تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [سورة البقرة، آية رقم: 230]، وقال تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [سورة البقرة، آية رقم: 229] فإذا اجتمعت هذه الثلاث للزوجين فقد نالا سعادة الدنيا، ويُرجى لهما سعادة الآخرة.
وعقد الزوجية من أعظم العقود التي يُجب الوفاء بها، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة، آية رقم: 1]، وسماه الله ميثاقًا غليظًا، قال تعالى:{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [سورة النساء، آية رقم: 21].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَحَقَّ مَا وَفَّيْتُمْ بِهِ مِنَ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»
(1)
.
وعقد الزواج في الإسلام عقد اختيار لا إجبار، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم:«لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ:«أَنْ تَسْكُتَ»
(2)
.
ولذلك سهل الله أمر الفراق بين الزوجين عند تعذر الحياة الزوجية، فإن قام بذلك الزوج وإلا حلَّ للمرأة أن تفتدي نفسها ولا جناح عليها في ذلك، قال تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة، آية: 229]. أو يحكم القاضي الشرعي بالتفريق بينهما، لكن يجب أن يعلم أن هذا العقد الغليظ لا يجوز حله إلا بانعدام هذه الأمور الثلاثة التي
(1)
. صحيح البخاري برقم (5151)، وصحيح مسلم برقم (1418).
(2)
. صحيح البخاري برقم (5136)، وصحيح مسلم برقم (1419).
هي ركائز العشرة الزوجية، فإذا عدمت المودة بينهما فإنه يبقى بينهما رابط الرحمة وإقامة حدود الله، فإن عدمت الرحمة أيضًا فإنه يبقى بينهما رابط أن يطيع كل واحد منهما الله في الآخر. روي أن رجلًا قال في عهد عمر رضي الله عنه لامرأته: نشدتك بالله هل تحبيني؟ فقالت: أما إذ نشدتني بالله فلا. فخرج حتى أتى عمر، فأرسل إليها، فقال: أنت التي تقولين لزوجك: لا أحبك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين نشدني بالله، أفأكذب؟ قال: نعم فأكذبيه، ليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب
(1)
.
ولعلهما حين يطيع كل واحد منهما الله في الآخر يؤلِّف الله بين قلبيهما وتعود المودة والرحمة، فإن من أحب الأعمال إلى الشيطان التفريق بين الزوجين لما ينتج عنه من مفاسد وأضرار. وأعداء الإسلام عندما يريدون إفساد بلد وهدم أمة يزرعون فيه الأسباب التي ينتج عنها تفرق الأزواج ومن ثم تشتت الأسر، وهدم البيوت.
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ:
(1)
. شرح السنة للبغوي (13/ 120).
فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ»، قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ»
(1)
.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا»
(2)
، فإذا عدمت هذه الركائز فإنه والحالة هذه لم يبق بينهما رابط يجمعهما وتعيَّن الفراق، قال تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)} [سورة النساء، آية رقم: 130].
وإن مما يجب التنبه له أن كثيرًا من حالات الفراق تقع بناء على تقييم أحد الزوجين للآخر تقييمًا جائرًا لا يلتزم فيه صاحبه العدل والإنصاف، ولذلك عندما تنقشع غمامة الهوى يندم حين لا ينفع الندم.
الميزان والعدل في تقييم الزوجة:
تقدم في مقاصد النكاح التعريف بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وأن استصحاب ذلك حين تقييم أحد
(1)
. برقم (2812).
(2)
. قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (9/ 259) برقم (5357)، وقال محققوه: حديث صحيح.
الزوجين للآخر يجعل المرء عادلًا في حكمه منصفًا من نفسه. ونزيد هنا بيانًا بذكر بعض الأمور التي تجعل تقييم الرجل للزوجة عدلًا صوابًا، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [سورة النساء، آية رقم: 19].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»
(1)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»
(2)
.
من هذه الآيات والأحاديث وغيرها يتبين أنه يجب العدل في تقييم الزوجة، وهذا معلوم لدى كل مسلم ولكن الذي قد يخفى هو تطبيق ذلك، فإن الرجل إذا تزوج المرأة وهو يريد منها مقاصد النكاح السابق ذكرها جميعًا: الذرية، والخدمة،
(1)
. صحيح البخاري برقم (5186)، وصحيح مسلم برقم (1466).
(2)
. برقم 1467.
والمتعة، فإنه عند إرادة تقييمها يجب عليه النظر إلى هذه الثلاث مجتمعة لا إلى كل واحد على حدة، فإذا نظر إليها مجتمعة وكانت الزوجة تستحق الثلث 33 % على أقل تقدير لكل واحد منها فإن مجموع ذلك ينتج عنه الدرجة الكاملة، بينما إذا نظر إلى كل واحد على حدة احتقر ذلك التقدير وحكم عليها بالفشل قطعًا وسبب ذلك النظر الخاطئ ..
ولو استصحب ما دلت عليه الآيات والأحاديث السابقة لم يقع في ذلك الخطأ. ويزيد ذلك إيضاحًا أن الرجل إذا لم يرد من المرأة سوى اثنين من ثلاثة مثلًا فإن ثلث الدرجة لا تكفي في رفع مستوى الزوجة، كذلك إذا لم يرد منها إلا واحدًا من تلك المقاصد، وبذلك يتضح الفرق بين أن تقوم المرأة بهذه المقاصد الثلاثة وبين أن يطلب منها القيام ببعضها فقط، ولذلك لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة اعتذرت بادي الأمر بأن لديها صبية، وقد أرادت بتقديم هذا العذر - والله أعلم- أنها ستنشغل بهم عن القيام بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملًا، وقد وقع ذلك فعلًا فروى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور، فقال:«أمَّا ابْنَتُها فَنَدْعُو اللَّهَ أنْ يُغْنِيَها عَنْها، وأَدْعُو اللَّهَ أنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ» . ويشهد لذلك ما رواه
(1)
الإمام
(1)
. برقم (918).
أحمد في مسنده من حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عقد عليها كان يأتيها، فإذا جاء أخذت زينب، فوضعتها في حجرها لترضعها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييًّا كريمًا، يستحي فيرجع، ففعل ذلك مرارًا ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، فأقبل ذات يوم وجاء عمار وكان أخاها لأمها فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل، فجعل يقلب بصره في البيت ويقول:«أَيْنَ زُنَابُ؟ مَا فَعَلَتْ زُنَابُ؟» قالت: جاء عمار فذهب بها، قال: فبنى بأهله، ثم قال:«إِنْ شِئْتِ أَنْ أُسَبِّعَ لَكِ، وَأُسَبِّعَ لِلنِّسَاءَ»
(1)
.
وإن من رحمة الله وحكمته أن خفف على المرأة التكاليف الشرعية في العبادات، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم:«إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»
(2)
.
وما ذلك إلا لتفريغها للقيام بهذه المقاصد الثلاثة على أكمل الوجوه، فإن المرأة إن فعلت ذلك ووجدت رجلًا يقدر ما تقوم به كان ذلك دافعًا له أن يقوم بما أوجب الله عليه،
(1)
. مسند الإمام أحمد (44/ 268) برقم (26669).
(2)
. مسند الإمام أحمد (32/ 145) برقم (19403)، وقال محققوه: حديث جيد.
ليس تجاه أسرته فقط بل تجاه دينه ومجتمعه والناس جميعًا، ولذلك قالوا: وراء كل رجل عظيم امرأة.
تنبيه:
لو أن رجلًا يريد أن تكتمل له هذه المقاصد الثلاثة بأعلى درجاتها فهل يحصل له ذلك، الجواب: نعم، وذلك أن الله تعالى وهو الحكيم في شرعه العليم بخلقه شرع للرجل التعدد، قال تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء، آية رقم: 3].
فإن كان الرجل أهلًا لذلك فإنه سيكمل له من مجموعهن ما يريد.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.