الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ. أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»
(1)
(2)
.
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:
1 -
أن العبد إذا علم أن الله عظيم في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأمره، ونهيه، فإنه يعظم الرب في جميع الأحوال كلها.
فالعظيم الرحيم يستحق أن يُعظم ويُحب ويُعبد ويُخاف ويُرجى
(3)
.
وعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته ولا وصفه حق صفته، قال تعالى:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)} [سورة نوح، آية رقم: 13]، أي: ما لكم لا تعظمونه حق عظمته
(4)
.
«واعلم بأن من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه، وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه»
(5)
.
(1)
. صحيح مسلم برقم (486).
(2)
مجموع الفتاوى (17/ 111).
(3)
تيسير الكريم الرحمن (ص 889) ..
(4)
تهذيب مدارج السالكين (ص 785).
(5)
فوائد الفوائد (ص 34).
ومن تعظيم الله -سُبْحَانَهُ- أن تعظم شعائر دينه كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والعمرة وغيرها.
قال - جل وعلا -: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} [سورة الحج، آية: 32].
ومن تعظيم الله -سُبْحَانَهُ- أن تجتنب نواهيه ومحارمه التي حرمها في كتابه أو حرمها رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [سورة الحج، آية رقم: 30]. ومن أعظم ما حرمه الله الشرك بأنواعه، ومقابل هذا أن يعمل المسلم بأوامره التي أُمر بها، والتي من أعظمها توحيده وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
(1)
.
(1)
. مجموع مؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي (3/ 689).
ومن تعظيم الله -سُبْحَانَهُ-، عدم النظر إلى كبر الذنب وصغره في نفس العبد، ولكن ينظر إلى قدر من عصاه وعظمته، وانتهاك حرمته بالمعصية، قال الأوزاعي رحمه الله:«لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت»
(1)
.
(2)
.
فما عظم الله حق عظمته من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقه فضيعه، وذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعته، فللَّه الفضلة من قلبه وقوله وعمله، وسواه المقدم في ذلك لأنه المهم عنده، يستخف بنظر الله إليه واطلاعه عليه وهو في قبضته، وناصيته بيده، ويُعظم نظر المخلوق إليه، واطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه، يستحيي من الناس ولا يستحيي من الله، ويخشى الناس ولا يخشى الله، ويعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام في خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والاجتهاد
(1)
. فوائد الفوائد (ص 346).
(2)
. الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (1/ 142).
وبذل النصيحة، وقد فرغ له قلبه وجوارحه، وقدمه على كثيرٍ من مصالحه، حتى إذا قام في حق ربه - إن ساعده القدر - قام قيامًا لا يرضاه مخلوقٌ من مخلوق مثله، وبذل له من ماله ما يستحيي أن يُواجه به مخلوقًا لمثله». فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه؟
(1)
.
ومن تعظيمه: أن لا يلتفت العبد إلى أعماله، فمن «عرف الله وحقه وما ينبغي لعظمته من العبودية تلاشت حسناته عنده، وصغرت جدًّا في عينه، وعلم أنها ليست مما ينجو بها من عذابه، وأن الذي يليق بعزته، ويصلح له من العبودية أمر آخر. وكلما استكثر منها استقلها واستصغرها، لأنه كلما استكثر منها فُتحت له أبواب المعرفة بالله، والقرب منه، فشاهد قلبه من عظمته سبحانه وجلاله ما يستصغر منه جميع أعماله، ولو كانت أعمال الثقلين»
(2)
.
روى أحمد في مسنده من حديث محمد بن أبي عميرة رضي الله عنه أنه قال: «لَوْ أَنَّ عَبْدًا خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ، إِلَى أَنْ يَمُوتَ هَرَمًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَوَدَّ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ»
(3)
.
(1)
الداء والدواء لابن القيم رحمه الله (ص 124 - 125).
(2)
تهذيب المدارج (ص 243).
(3)
برقم (17650)، وقال محققوه: إسناده صحيح.
2 -
أُمر النبي أن يُسبح بهذا الاسم، قال تعالى:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [سورة الواقعة، آية رقم: 74]. روى أبو داود في سننه من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه: «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ
(1)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عز وجل»
(2)
.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمجد ربه ويقدسه باسمه العظيم عندما يصيبه كرب أو يحزبه أمر، روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب فيقول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»
(3)
.
(1)
برقم (873)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (ص 1/ 247).
(2)
برقم (479).
(3)
صحيح البخاري برقم (6345)، وصحيح مسلم برقم (2730) واللفظ له.
3 -
أنه يشرع للمسلم أن يدعو ربه ويتضرع بهذا الاسم العظيم فيقول: يا عظيم اغفر لي وارحمني، وارزقني الفردوس الأعلى، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه لعبده. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ»
(1)
(2)
.
4 -
أن العظيم - سُبْحَانَهُ - لا يُبقي في النار من مات على التوحيد، كما أقسم على ذلك بعظمته، روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر حديث الشفاعة، ثم قال «يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ - أَوْ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ - وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي، لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»
(3)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
صحيح البخاري (6339)، وصحيح مسلم برقم (2679) واللفظ له.
(2)
انظر: كتاب أخينا الشيخ عبدالهادي وهبي الأسماء الحسنى والصفات العلى (ص 116 - 127)، والنهج الأسمى في شرح أسماء اللَّه الحسنى، للشيخ محمد النجدي (1/ 281 - 287).
(3)
صحيح البخاري برقم (7510)، وصحيح مسلم برقم (193) واللفظ له.