الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة العشرون
من حكمِ الزكاة والأموالُ التي تجب فيها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، والركن الثالث من أركانه الخمسة العظام، قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، وقال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ
(1)
. صحيح البخاري برقم 8، وصحيح مسلم برقم 16 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أَنّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»
(1)
.
الأموال التي تجب فيها الزكاة:
1 -
بهيمة الأنعام: وهي الإبل، والبقر، والغنم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنْمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ، وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ»
(2)
.
2 -
النقدان: وهما الذهب والفضة، وكذلك ما يقوم مقامهما من العملات الورقية المتداولة اليوم، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]. وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا
(1)
. صحيح البخاري برقم 1395، وصحيح مسلم برقم 19 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
. صحيح البخاري برقم 1402، وصحيح مسلم برقم 987 من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
إِلَى النَّارِ»
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا
(2)
أَقْرَعَ
(3)
لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتِهِ،- يَعْنِي بِشِدْقِهِ -، يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَِ» ثم تلا:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} [آل عمران: 180]»
(4)
.
3 -
عروض التجارة: وهي كل ما أُعد للبيع والشراء لأجل الربح، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] فقد ذكر عامة أهل العلم على أن المراد بهذه الآية زكاة عروض التجارة، وقد تقدم الكلام على ذلك.
4 -
الحبوب والثمار: فالحبوب ما يخرج من الأرض، كالشعير، والقمح، وغيره، والثمار مثل التمر، والزبيب - على تفصيل
(1)
. صحيح مسلم برقم 987 من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
(2)
. الشجاع: الحية الذكر.
(3)
. الأقرع: الذي تمعط شعره لكثرة سمه، وقيل الشجاع: الذي يواتب الراجل والفارس، ويقوم على ذنبه، وربما بلغ رأس الفارس، ويكون في الصحاري، يتبع صاحبه الذي منع الزكاة.
(4)
. صحيح البخاري برقم 1403، وأخرجه مسلم برقم 987 بقطعة لم ترد في هذا الطريق «الأقرع» من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
في ذلك سيأتي ذكره - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267]، وقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا
(1)
العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ
(2)
».
5 -
المعادن والركاز: المعادن هي كل ما خرج من الأرض مما يُخلف فيها من غير وضع واضع، مما له قيمة كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك.
والركاز: هو ما يوجد في الأرض من دفائن الجاهلية، ودليل وجوب الزكاة في المعادن والركاز عموم قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} . قال القرطبي رحمه الله: «يعني النبات، والمعادن، والركاز»
(3)
، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»
(4)
. وأجمعت
(1)
. عثريًّا: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي.
(2)
. صحيح البخاري برقم 1483 من حديث سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما.
(3)
. تفسير القرطبي (4/ 344).
(4)
. صحيح البخاري برقم 1499، وصحيح مسلم برقم 1710 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الأمة على وجوب الزكاة في المعادن.
من حِكَم الزكاة:
شرعت الزكاة لحِكَم سامية، وأهداف نبيلة لا تُحصى كثرة، منها:
1 -
تطهير المال وتنميته، وإحلال البركة فيه، وذهاب شره ووبائه، ووقايته من الآفات والفساد، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وقال تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]. وفي الحديث: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»
(1)
.
2 -
تطهير المزكي من الشح والبخل، وأرجاس الذنوب والخطايا، وتدريبه على البذل والإنفاق في سبيل الله.
3 -
مواساة الفقير وسد حاجة أصحاب الحاجات والمحرومين.
4 -
تحقيق التكافل والتعاون والمحبة بين أفراد المجتمع، فحينما يعطي الغني أخاه الفقير زكاة ماله يستل بها ما عسى أن يكون في قلبه من حقد وتمن لزوال ما هو فيه من نعمة الغنى، وبذلك تزول الأحقاد ويعم الأمن، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
(1)
. صحيح مسلم برقم 2588 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
5 -
أن في أدائها شكرًا لله تعالى على ما أسبغ على المسلم من نعمه.
6 -
أنها تدل على صدق المزكي؛ لأن المال المحبوب لا يخرج إلا لمحبوب أكثر محبة، ولهذا سميت صدقة لصدق طلب صاحبها لمحبة الله ورضاه.
7 -
أنها سبب لرضا الرب، ونزول الخيرات، وتكفير الخطايا والسيئات
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لمجموعة من العلماء ص 123 - 125 بتصرف.