المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك» - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٢

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىشرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»

- ‌الكلمة الثانيةقصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الثالثةبعض الفوائد من قصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الرابعةقصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة الخامسةفوائد من قصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة السادسةقصة سحرة فرعون لعنه الله

- ‌الكلمة السابعةفوائد من قصة إسلام سحرة فرعون

- ‌الكلمة الثامنةشروط الزكاة

- ‌الكلمة التاسعةزكاة عروض التجارة

- ‌الكلمة العاشرةشرح حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات»

- ‌الكلمة الحادية عشرةالمساحة في أخلاق الناس

- ‌الوقفة الأولى:

- ‌الوقفة الثانية: هل يمكن الوصول إلى أعلى المراتب

- ‌الوقفة الثالثة: بعض الفوائد المراد الحصول عليها من هذه الكلمة:

- ‌الوقفة الرابعة:

- ‌الكلمة الثانية عشرةبعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

- ‌الكلمة الثالثة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (1))

- ‌الكلمة الرابعة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (2))

- ‌الكلمة الخامسة عشرةالتولة والتمائم

- ‌الكلمة السادسة عشرةالرقى

- ‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن محاسن الدين الإسلامي

- ‌الكلمة التاسعة عشرةأهل الزكاة

- ‌الكلمة العشرونمن حكمِ الزكاة والأموالُ التي تجب فيها

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صغار المسلمين

- ‌الكلمة الثانية والعشرونتأملات في قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} [الإسراء: 74]

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونشرح حديث: «حفت الجنة بالمكاره»

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونوصايا لرجال الأمن

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}

- ‌الكلمة السادسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: 28]

- ‌الكلمة السابعة والعشرونشرح اسم الله: «العليم»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونتأملات في سورة القدر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالنذر وأحكامه

- ‌شروط صحة النذر ولزومه:

- ‌أنواع النذر وحكم كل نوع:

- ‌الكلمة الثلاثونالأيمان وأقسامها

- ‌شروط وجوب كفارة اليمين:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌نقض اليمين والحنث فيها:

- ‌صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:

- ‌ومن الأيمان الممنوعة:

- ‌مسائل في الأيمان:

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونحقوق العمال والتحذير من ظلمهم

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالقتل الخطأ وأحكامه

- ‌يترتب على قتل الخطأ حكمان:

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونمقتطفات من سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونمقتطفات من سيرة فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونشرح حديث سيد الاستغفار

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (1)

- ‌المقصد الأول (الذرية):

- ‌المقصد الثاني: (الخدمة):

- ‌المقصد الثالث: (المتعة)

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (2)

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح رقم (3)

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (4)

- ‌أعقل نساء العرب:

- ‌الكلمة الأربعون:أسباب السعادةوالنجاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (5)

- ‌الكلمة الواحدة والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (6)

- ‌الكلمة الثانية والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (7)

- ‌مقدار ما تستحقه المرأة من النفقة:

- ‌آداب سؤال المرأة لزوجها النفقة:

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون:وقفات مع سورة التكوير (1)

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون:سورة التكوير رقم (2)

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون:سورة الغاشية

- ‌الكلمة السادسة والأربعون:فوائد من سورة الغاشية

- ‌الكلمة السابعة والأربعون:تأملات في سورة الأعلى

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون:فوائد من سورة الأعلى

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك)

- ‌وصايا لقمان الحكيم عليه السلام

- ‌‌‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

- ‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الصبر على الأذى في سبيل الله)

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتواضع والنهي عن التكبر)

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه:(التوسط في الأمور)

- ‌الكلمة السادسة والخمسون:(ولاية الله)

- ‌والناس في الولاية على درجات ثلاثة:

- ‌الكلمة السابعة والخمسون:(المروءة)

- ‌«درجات المروءة:

- ‌حقوق المروءة وشروطها:

- ‌من فوائد المروءة:

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون:من فضائل الحمد

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون:المواضع التي يشرع فيها الحمد

- ‌الكلمة الستون:شرح اسم الله: «العظيم»

- ‌ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:

- ‌الكلمة الواحدة والستون:شرح اسم الله: «الجبار»

- ‌الكلمة الثانية والستون:شرح اسم الله: «الستير»

- ‌من آثار الإيمان بهذا الاسم (الستير):

- ‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

- ‌الكلمة الرابعة والستون:شرح اسم الله: «القوي المتين»

- ‌الكلمة الخامسة والستون:وقفات مع قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

- ‌(أ) امتثال الأمر:

- ‌(ب) التفويض إلى الله:

- ‌(ج) تفريغ القلب من الشواغل:

- ‌الكلمة السادسة والستون:غزوة تبوك أو العسرة

- ‌الكلمة السابعة والستون:دروس وعبر من غزوة تبوك

- ‌الكلمة الثامنة والستون:مقتطفات من سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌الكلمة التاسعة والستون:مقتطفات من سيرة سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌الكلمة السبعون:شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة» الحديث

الفصل: ‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

‌الكلمة الثالثة والستون:

شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..

فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»

(1)

.

ومن أسماء الله الحسنى التي وردت في الكتاب والسنة الملك، والمالك، والمليك، وقد ورد ذكر الملك في عدة مواضع، قال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [سورة طه، آية رقم: 114]، وقال تعالى:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)} [سورة الجمعة، آية رقم: 1]، وقال تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2)} [سورة الناس، آيتان رقم: 1 - 2]،

(1)

صحيح البخاري برقم (2736)، وصحيح مسلم برقم (2677).

ص: 501

وقال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [سورة غافر، آية رقم: 16]، وقد ورد ذكر المليك مرة واحدة، وقال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [سورة القمر، آيتان رقم: 54 - 55]، وقد ورد ذكر اسم المالك مرتين في قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [سورة الفاتحة، آية رقم 4]، وفي قوله:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [سورة آل عمران، آية رقم: 26].

قال الزجاج: وقال أصحاب المعاني: «الملك؛ النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره أو تصرفه فيما يملكه، فالملك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كلهم، والملاك إنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى»

(1)

.

وقال الخطابي رحمه الله: «الملك هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات»

(2)

.

«فأما المالك فهو الخاص الملك»

(3)

.

(1)

تفسير أسماء اللَّه الحسنى للزجاج (ص 30).

(2)

شأن الدعاء (ص 39 - 40).

(3)

المصدر السابق (39 - 40).

ص: 502

أما المليك الذي ورد ذكره في قوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [سورة القمر، آية رقم: 55]، قال ابن كثير رحمه الله:«أي: عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون»

(1)

.

وقال ابن القيم رحمه الله: «إن حقيقة الملك إنما تتم بالعطاء والمنع والإكرام والإهانة والإثابة والعقوبة والغضب والرضا والتولية والعزل، وإعزاز من يليق به العز وإذلال من يليق به الذل، قال تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [سورة آل عمران، آيتان رقم: 26 - 27]، وقال تعالى:{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)} [سورة الرحمن، آية رقم: 29]، يغفر ذنبًا ويفرج كربًا، ويكشف غمًا وينصر مظلومًا، ويأخذ ظالمًا، ويفك عانيًا، ويغني فقيرًا، ويجبر كسيرًا، ويشفي مريضًا، ويقيل عثرة ويستر عورة، ويعز ذليلًا، ويذل عزيزًا، ويعطي سائلًا، ويذهب بدولة، ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الناس، ويرفع أقوامًا، ويضع آخرين، يسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها

(1)

تفسير ابن كثير رحمه الله (13/ 310).

ص: 503

ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصاه كتابه وجرى به قلمه، ونفذ حكمه، وسبق به علمه، فهو المتصرف في الممالك كلها وحده، تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم تام الملك، لا ينازعه في ملكه منازع ولا يعارضه فيه معارض، فتصرفه في المملكة دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة والرحمة، فلا يخرج تصرفه عن ذلك»

(1)

.

من آثار الإيمان بهذا الأسماء:

1 -

تفرد الله تعالى بالملك لا شريك له دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة، قال تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)} [سورة الزمر، آية رقم: 6]، وقال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [سورة المؤمنون، آية رقم: 116]»

(2)

.

وأن عبادة من سواه ممن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا أعظم الضلال، قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [سورة الزمر، آية رقم: 67].

(1)

طريق الهجرتين لابن القيم رحمه الله (ص 115 - 116).

(2)

تفسير ابن كثير رحمه الله (13/ 310).

ص: 504

2 -

اختصاصه بالملك - سُبْحَانَهُ - يوم القيامة، قال تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [سورة الفاتحة، آية رقم: 4]، إنما اختص الله نفسه بأنه مالك يوم الدين مع أنه مالك الدنيا والآخرة لأمرين اثنين:

(أ) أن الله يبدل الأرض في ذلك اليوم غير الأرض والسموات غير السموات، كما قال تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [سورة إبراهيم، آية رقم: 48].

(ب) أن البشر لهم شبهة ملك في الحياة الدنيا، فهم يملكون الضياع والقصور والبساتين والذهب والفضة، ولكنهم بين خيارين، إما أن يزول عنهم ما يملكونه في الدنيا، وإما أن يزولوا عنه ويخلفوه وراءهم، فهو ملك زائل وعارية مسترجعة. وفي يوم الحساب والجزاء لا يملكون شيئًا، فالناس في ذلك اليوم يحشرون حفاة عراة غرلًا بهمًا، كما قال - سُبْحَانَهُ -:{قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [سورة الأنعام، آية رقم: 73]، وقال تعالى:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)} [سورة الفرقان، آية رقم: 26].

3 -

أن الله تعالى الملك له القدرة العظيمة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء قدير، قال تعالى:

ص: 505

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)} [سورة فاطر، آية رقم: 44].

روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال: يَا أبَا الْقَاسِمِ! أَبَلَغَكَ أَنَّ اللهَ يَحْمِلُ الخَلَائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالسَّمَاوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، والأرَضِينَ عَلَى إصْبَعٍ، والشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، والثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ؟! فَضَحِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فأنزلَ الله عز وجل:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

(1)

. وفي رواية: يقول الله تبارك وتعالى: «أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟»

(2)

.

وروى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [سورة الزمر، آية رقم: 67]، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ وَيُحَرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ:«يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ أَنَا الْجَبَّارُ أَنَا الْمُتَكَبِّرُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْعَزِيزُ أَنَا الْكَرِيمُ» ، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا: ليخرَّن به

(3)

.

(1)

صحيح البخاري (4811)، وصحيح مسلم (2787).

(2)

صحيح البخاري (4812)، وصحيح مسلم (2787).

(3)

مسند الإمام أحمد واللفظ له (9/ 304) برقم (5414)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصحيح مسلم برقم (2788).

ص: 506

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في قصة الرجل - الذي هو آخر من يدخل الجنة - وجاء فيه أن الله يقول له: «اذْهَب فَادْخِلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهَا، فيَ قُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي - أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ المَلِكُ» ، فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ

(1)

، وفي رواية:«إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»

(2)

.

4 -

تحريم التسمِّي بملك الملوك، وأن الله يبغض من تسمَّى بذلك، أو حاكم الحكام أو سلطان السلاطين، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَخْنَى الْأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ»

(3)

.

زاد ابن أبي شيبة في روايته: «لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ عز وجل»

(4)

.

قال الأشعتي: قال سفيان: مثل شاهان شاه.

وقال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمرو عن أخنع؟ فقال: أوضع.

(1)

صحيح البخاري (6571)، وصحيح مسلم برقم (186).

(2)

صحيح مسلم برقم (186).

(3)

صحيح البخاري برقم (6205)، وصحيح مسلم برقم (2143).

(4)

ذكرها مسلم في صحيحه، ولم أجدها في مؤلفات ابن أبي شيبة.

ص: 507

وفي رواية مسلم: «أغْيَظُ رَجُلٌ علَى اللَّهِ يَومَ القِيامَةِ، وأَخْبَثُهُ وأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ، رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ، لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ»

(1)

.

قال ابن حجر رحمه الله: واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه مثل: خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء

(2)

.

وقال ابن القيم رحمه الله: وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا «قاضي القضاة» ، وقال: ليس قاضي القضاة إلا من يقضي بالحق وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون

(3)

.

5 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمجد ربه ويُثني عليه بهذا الاسم: الملك، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،

(1)

. برقم (2143).

(2)

الفتح (10/ 590).

(3)

زاد المعاد (2/ 340 - 341).

ص: 508

وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

»

(1)

الحديث.

وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: «أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» ، قال الحسن: فحدثني الزبيد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا: «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» ، وإذا أصبح قال ذلك أيضًا:«أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ»

(2)

(3)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

صحيح البخاري برقم (1120)، وصحيح مسلم برقم (769).

(2)

صحيح مسلم برقم (2723).

(3)

النهج الأسمى في شرح أسماء اللَّه الحسنى للشيخ محمد النجدي (1/ 95 - 107)، فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر (ص 118 - 122)، أسماء اللَّه الحسنى للدكتور عمر الأشقر، (ص 46 - 50).

ص: 509