الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية الطبراني أنه قال: «يَا عَائِشَةُ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، إِلَّا أَنَّ أَبَا زَرْعٍ طَلَّقَ، وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ»
(1)
.
وفي رواية أخرى: فقلت: «يَا رَسُولَ اللهِ أَنْتَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ»
(2)
.
19 -
مما يؤثر قولهم: وراء كل رجل عظيم امرأة، فهل هذا القول صحيح؟ وكيف يكون ذلك؟
الجواب: انظر إلى هذه القصة.
أعقل نساء العرب:
قال الحارث بن عوف يومًا لخارجة بن سنان المري: أتراني أخطب إلى أحد فيردني؟ فقال له: نعم! قال: من ذاك؟ قال: أوس بن حارثة بن لام الطائي، فقال الحارث لغلامه: ارحل بنا، ففعل، وركبا حتى أتيا أوس بن حارثة بن لام الطائي فوجداه في فناء منزله، فلما أن رأى الحارث بن عوف قال: مرحبًا بك يا حارث.
قال: وبك، قال: ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطبًا، قال: لست
(1)
. معجم الطبراني الكبير (23/ 173) برقم (270)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح الجامع الصغير برقم (141).
(2)
. سنن النسائي الكبرى (9138).
هناك. فانصرف ولم يكلمه ودخل أوس على امرأته مغضبًا، وكانت من عبس، فقالت: من رجل واقف عليك فلم يطل، ولم تكلمه؟ قال: ذاك سيد العرب الحارث بن عوف. قالت: فما بالك لم تستنزله؟ قال: إنه استحمق! قالت: وكيف؟ قال: أتاني خاطبًا! قالت: أفتريد أن تزوج بناتك؟ قال: نعم، قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك، قالت: فتدارك ما كان منك. قال: بماذا؟ قالت: تلحقه فترده. قال: كيف وقد فرط مني؟ قالت: قل له: لقيتني مغضبًا بأمر لم تقدم فيه قولًا، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ما سمعت، عد ولك عندي كل ما أحببت، فإنه سيفعل .. فركب في إثرهما. قال خارجة بن سنان: فواللَّه إني لأسير مع الحارث إذ حانت مني التفاته فرأيت أوسًا، فأقبلت على الحارث - وما يكلمني غمًّا - فقلت له: أوس بن حارثة في إثرنا. قال: وما نصنع به؟ امض. فلما رآنا لا نقف عليه، صاح: حارث، أربع علي ساعة، فكلمته بذلك الكلام، فرجع مسرورًا، ودخل أوس منزله، وقال لزوجته: ادعي لي فلانة - يقصد أكبر بناته -. فأتته. فقال: يا بنية، هذا الحارث ابن عوف سيد من سادات العرب، قد جاءني خاطبًا وقد أردت أن أزوجك منه، فما تقولين؟ قالت: لا تفعل؟ فإني امرأة في وجهي ردة - قبح -، وفي خُلقي بعض الحدة - العيب -، ولست بابنة عمه فيرعى رحمي، وليس بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني.
وقال مثل ذلك للوسطى فأجابت مثل الكبرى
…
فنادى الصغرى فعرض عليها الأمر، فقالت: أنت وذاك. فقال: قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه، فقالت - ولم يذكر لها مقالتيهما-: لكني واللَّه الجميلة وجهًا، الصناع يدًا، الرفيعة خلقًا، الحسيبة أبًا، فإن طلقني فلا أخلف اللَّه عليه بخير. فقال: بارك اللَّه عليك. ثم خرج إلى الحارث فقال: زوجتك يا حارث ابنتي بهيسة بنت أوس. قال: قبلت.
فأمر أمها أن تهيئها، وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب لهما. ثم بعث بها إليه .. قال الراوي خارجة بن سنان: فلما أدخلت عليه بهيسة لبث هنيهة ثم خرج فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا واللَّه. قال خارجة بن سنان: كيف؟ قال: لما دخلت عليها قالت: مه، أعند أبي وإخوتي؟ هذا واللَّه ما لا يكون .. فأمر بالرواحل وارتحلوا .. ولما ساروا ما شاء اللَّه، قال الحارث لخارجة: تقدم، قال خارجة: فتقدمت ثم عدل الحارث بزوجته عن الطريق .. وما لبث أن لحق بي، فقلت: أفرغت؟ قال: لا واللَّه، قلت: ولم؟ قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة، لا واللَّه! حتى تنحر الجزر وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي. فقلت: واللَّه إني أرى همةً وعقلًا وأرجو أن تكون منجبة. وسكت الحارث، قال خارجة: فرحلنا حتى وصلنا ديارنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها. وسرعان ما خرج علي، فقلت: أفرغت؟ قال: لا. قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها فقالت: والله لقد
ذكر لي من الشرف ما لا أراه فيك؟ قلت: وكيف؟ قالت: أتفرغ للنساء، والعرب تقتل بعضها بعضًا!! (المقصد: كانت الحرب في بدايتها بين عبس وذبيان). قلت: فيكون ماذا؟ قالت: اخرج إلى القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فإنه لن يفوتك ما تريد. فقال الحارث: اخرج بنا يا خارجة، فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا بينهم بالصلح فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى، عن كل رجل دية، فحملنا ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين، وانصرفنا بأجمل الذكر، فمدح زهير بن أبي سُلمى الحارث بالقصيدة المشهورة:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
…
بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
(1)
روى القاضي المعافى بن زكريا بسنده إلى الشعبي قال: قال لي شريح: يا شعبي عليكم بنساء بني تميم فإنهن النساء! قلت: وكيف ذاك؟ فقال: رجعت يومًا من جنازة متطهرًا فمررت بخباء، فإذا بعجوز معها جارية رؤود
(2)
فاستسقيت، فقالت: اللبن أعجب إليك أم الماء؟ فقلت: اللبن أعجب إلي، فقالت: يا بنية اسقيه لبنًا فإني أظنه غريبًا، فسقتني فلما شربت قلت: من هذه الجارية؟ فقالت: هذه زينب بنت حدير إحدى نساء بني تميم، ثم من بني
(1)
. التذكرة الحمدونية (2/ 38).
(2)
. في مقتبل شبابها.
حنظلة، ثم من بني طهية. قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم إن كنت كفؤًا، فانصرفت إلى منزلي، فامتنعت من القائلة، فلما صليت الظهر وجهت إلى إخواني الثقات مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، فصليت العصر ثم رحت إلى عمها وهو في مسجده، فلما رآني تنحى لي عن مجلسه فقلت: أنت أحق بمجلسك ونحن طالبو حاجة، فقال: مرحبًا بك يا أبا أمية ما حاجتك؟ فقلت: إني ذكرت زينب بنت أخيك، فقال: والله ما بها عنك رغبة، ولا تك عنها مقصر، قال: وتكلمت فزوجني، ثم انصرفت، فما وصلت إلى منزلي حتى ندمت فقلت في نفسي: ماذا صنعت؟ فهممت أن أرسل إليها بطلاقها، ثم قلت: لا أجمع حمقتين ولكني أضمها إلي فإن رأيت ما أحب حمدت الله، وإن تكن الأخرى طلقتها، فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها، فلما أُهديت إلي وقام النساء عنها قلت: يا هذه إن من السنة إذا أُهديت امرأة لزوجها أن تصلي ركعتين خلفه ويسألا الله تعالى البركة، فقمت أصلي فإذا هي خلفي، فلما فرغت رجعت إلى مكانها، ومددت يدي فقالت: على رسلك، فقلت: إحداهن ورب الكعبة، فقالت: الحمد للَّه وصلى الله على سيدنا محمد وآله، أما بعد فإني امرأة غريبة، ولا والله ما ركبت مركبًا هو أصعب علي من هذا، وأنت رجل لا
أعرف أخلاقك فخبرني بما تحب أنت وبما تكره أزدجر عنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال: فقلت: الحمد للَّه وصلى الله على محمد وآله، أما بعد فقد قدمت على أهل دار زوجك سيد رجالهم، وأنت إن شاء الله سيدة نسائهم أحبوا هذا أو كرهوه، قالت: فحدثني عن أختانك أتحب أن يزوروك؟ فقلت: إني رجل قاض فأكره أن يملوني وأكره أن ينقطعوا عني، قال: فأقمت معها سنة وأنا كل يوم أشد سرورًا مني باليوم الذي مضى، فرجعت يومًا من مجلس القضاء فإذا عجوز تأمر وتنهى في منزلي، فقلت: من هذه يا زينب؟ قالت: هذه ختنك هذه أمي، قلت: كيف حالك يا هذه؟ قالت: كيف حالك يا أبا أمية، وكيف رأيت أهلك؟ فقلت: كل الخير، فقالت: إن المرأة لا تكون أسوأ خلقًا منها في حالتين: إذا ولدت غلامًا، وإذا حظيت عند زوجها، فإن رابك من أهلك ريبًا فالسوط، فقلت: أشهد أنها ابنتك قد كفتني الرياضة وأحسنت الأدب، فكانت تجيئني في كل حول مرة فتوصيني بهذه الوصية ثم تنصرف، فأقمت معها عشرين سنة ما غضبت عليها يومًا ولا ليلة إلا يومًا وكنت لها ظالمًا، وذلك أني ركعت ركعتي الفجر وأبصرت عقربًا وعجلت عن قتلها فكفأت عليها الإناء وقلت: يا زينب إياك والإناء، وخرجت إلى الصلاة، فعجلت إلى الإناء فحركته
فضربتها العقرب. ولو رأيتني يا شعبي وأنا أمص أُصبعها وأقرأ عليها المعوذتين. وكان لي جار يقال له قيس بن جرير، لا يزال يضرب زوجته، فكنت عند ذلك أقول:
رَأَيْتُ رِجَالًا يَضْرِبُونَ نِسَاءَهُمْ
…
فَشُلَّتْ يَمِينِي حِينَ أَضْرِبُ زَيْنَبَا
وَزَيْنَبُ شَمْسٌ وَالنِّسَاءُ كَوَاكِبٌ
…
إِذَا طَلَعَتْ لَمْ تُبْقِ مِنْهُنَّ كَوْكَبَا
وأنا الذي أقول:
إِذَا زَيْنَبُ زَارَهَا أَهْلُهَا
…
حَشَدْتُ وَأَكْرَمْتُ زُوَّارَهَا
وَإِنْ هِيَ زَارَتْهُم زُرْتُهَا
…
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِي هَوَى دَارِهَا
(1)
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. تهذيب تاريخ ابن عساكر (6/ 315 - 316).