المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٢

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىشرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»

- ‌الكلمة الثانيةقصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الثالثةبعض الفوائد من قصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الرابعةقصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة الخامسةفوائد من قصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة السادسةقصة سحرة فرعون لعنه الله

- ‌الكلمة السابعةفوائد من قصة إسلام سحرة فرعون

- ‌الكلمة الثامنةشروط الزكاة

- ‌الكلمة التاسعةزكاة عروض التجارة

- ‌الكلمة العاشرةشرح حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات»

- ‌الكلمة الحادية عشرةالمساحة في أخلاق الناس

- ‌الوقفة الأولى:

- ‌الوقفة الثانية: هل يمكن الوصول إلى أعلى المراتب

- ‌الوقفة الثالثة: بعض الفوائد المراد الحصول عليها من هذه الكلمة:

- ‌الوقفة الرابعة:

- ‌الكلمة الثانية عشرةبعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

- ‌الكلمة الثالثة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (1))

- ‌الكلمة الرابعة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (2))

- ‌الكلمة الخامسة عشرةالتولة والتمائم

- ‌الكلمة السادسة عشرةالرقى

- ‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن محاسن الدين الإسلامي

- ‌الكلمة التاسعة عشرةأهل الزكاة

- ‌الكلمة العشرونمن حكمِ الزكاة والأموالُ التي تجب فيها

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صغار المسلمين

- ‌الكلمة الثانية والعشرونتأملات في قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} [الإسراء: 74]

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونشرح حديث: «حفت الجنة بالمكاره»

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونوصايا لرجال الأمن

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}

- ‌الكلمة السادسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: 28]

- ‌الكلمة السابعة والعشرونشرح اسم الله: «العليم»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونتأملات في سورة القدر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالنذر وأحكامه

- ‌شروط صحة النذر ولزومه:

- ‌أنواع النذر وحكم كل نوع:

- ‌الكلمة الثلاثونالأيمان وأقسامها

- ‌شروط وجوب كفارة اليمين:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌نقض اليمين والحنث فيها:

- ‌صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:

- ‌ومن الأيمان الممنوعة:

- ‌مسائل في الأيمان:

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونحقوق العمال والتحذير من ظلمهم

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالقتل الخطأ وأحكامه

- ‌يترتب على قتل الخطأ حكمان:

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونمقتطفات من سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونمقتطفات من سيرة فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونشرح حديث سيد الاستغفار

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (1)

- ‌المقصد الأول (الذرية):

- ‌المقصد الثاني: (الخدمة):

- ‌المقصد الثالث: (المتعة)

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (2)

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح رقم (3)

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (4)

- ‌أعقل نساء العرب:

- ‌الكلمة الأربعون:أسباب السعادةوالنجاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (5)

- ‌الكلمة الواحدة والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (6)

- ‌الكلمة الثانية والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (7)

- ‌مقدار ما تستحقه المرأة من النفقة:

- ‌آداب سؤال المرأة لزوجها النفقة:

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون:وقفات مع سورة التكوير (1)

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون:سورة التكوير رقم (2)

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون:سورة الغاشية

- ‌الكلمة السادسة والأربعون:فوائد من سورة الغاشية

- ‌الكلمة السابعة والأربعون:تأملات في سورة الأعلى

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون:فوائد من سورة الأعلى

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك)

- ‌وصايا لقمان الحكيم عليه السلام

- ‌‌‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

- ‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الصبر على الأذى في سبيل الله)

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتواضع والنهي عن التكبر)

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه:(التوسط في الأمور)

- ‌الكلمة السادسة والخمسون:(ولاية الله)

- ‌والناس في الولاية على درجات ثلاثة:

- ‌الكلمة السابعة والخمسون:(المروءة)

- ‌«درجات المروءة:

- ‌حقوق المروءة وشروطها:

- ‌من فوائد المروءة:

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون:من فضائل الحمد

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون:المواضع التي يشرع فيها الحمد

- ‌الكلمة الستون:شرح اسم الله: «العظيم»

- ‌ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:

- ‌الكلمة الواحدة والستون:شرح اسم الله: «الجبار»

- ‌الكلمة الثانية والستون:شرح اسم الله: «الستير»

- ‌من آثار الإيمان بهذا الاسم (الستير):

- ‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

- ‌الكلمة الرابعة والستون:شرح اسم الله: «القوي المتين»

- ‌الكلمة الخامسة والستون:وقفات مع قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

- ‌(أ) امتثال الأمر:

- ‌(ب) التفويض إلى الله:

- ‌(ج) تفريغ القلب من الشواغل:

- ‌الكلمة السادسة والستون:غزوة تبوك أو العسرة

- ‌الكلمة السابعة والستون:دروس وعبر من غزوة تبوك

- ‌الكلمة الثامنة والستون:مقتطفات من سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌الكلمة التاسعة والستون:مقتطفات من سيرة سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌الكلمة السبعون:شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة» الحديث

الفصل: ‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

‌الكلمة الثانية والخمسون:

وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..

الوصية الخامسة والسادسة: من وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قال لقمان عليه السلام لابنه - فيما حكاه الله عنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ، وفي هذا من الفوائد:

1 -

أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروع في الأمم السابقة وهذا يدل على أن المجتمعات لا تصلح بدونه، وقد فضل اللَّه أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم السابقة لقيامهم بهذا الأمر فقال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران، الآية: 110].

قال عمر رضي الله عنه: «من سره أن يكون من هذه الأمة، فليؤد

ص: 403

شرط الله فيها»

(1)

.

وقال القرطبي رحمه الله: «إنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى»

(2)

.

وقال أيضًا رحمه الله: «في هذه الآية مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك، واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر زال عنهم المدح، ولحقهم اسم الذم وكان ذلك سببًا في هلاكهم»

(3)

.

2 -

أن العبد قد يستقيم في نفسه، ولا يكون ذلك كافيًا بل عليه أن يقيم على الحق غيره، بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فهذا لقمان عليه السلام لما أوصى ابنه بالاستقامة في نفسه أمره بذلك، فإن شخصية المسلم مبنية على أربعة أركان:

الأول: العلم والإيمان.

الثاني: العمل الصالح.

الثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الرابع: الصبر.

(1)

. تفسير ابن كثير رحمه الله (3/ 159).

(2)

. الجامع لأحكام القرآن (5/ 261).

(3)

. الجامع لأحكام القرآن (5/ 264).

ص: 404

قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [سورة العصر، الآيات: 1 - 3].

3 -

الحياة كلها أمر ونهي، فمن كان أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فذاك المؤمن، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [سورة التوبة، آية رقم: 71].

فمن عكس ذلك فهو المنافق، قال تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [سورة التوبة، آية رقم: 67].

4 -

من فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجنب سخط الله ولعنته، قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [سورة المائدة، آيتان: 78 - 79].

5 -

ومن فوائده أيضًا أنه إذا وقع الهلاك على العاصين نجا أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} [سورة

_________

ص: 405

هود، آية: 117].

6 -

ومنها أن من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو قادر على ذلك فإنه يهلك مع أهل المنكر وإن لم يعمل عملهم، قال تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} [سورة الأعراف، الآيات: 163 - 166].

وقصة اعتدائهم في السبت أنهم نهوا عن الصيد في يوم السبت فاحتالوا على ارتكاب المحرم بأن جعلوا الشباك يوم السبت وجمعوا السمك يوم الأحد، وظنوا أنهم يسلمون من الإثم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كانوا أثلاثًا، ثلث نهوا، وثلث قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ}، وثلث أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم»

(1)

.

(1)

. تفسير ابن كثير (6/ 428)، وقال ابن كثير رحمه الله: إسناده جيد، ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا، لأنه تبين حالهم بعد ذلك، واللَّه أعلم.

ص: 406

7 -

في زمن الفتن يكون المؤمنون على صنفين؛ الصنف الأول الذين يُؤذَون في سبيل الله لقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالطة الناس، والصبر على أذاهم. والصنف الثاني: المعتزلون، والأول أفضل من الثاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»

(1)

.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالرحمن الحضرمي رضي الله عنه قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي قَومًا يُعطَوْنَ مِثل أُجُورِ أَوَّلِهِم يُنكِرُونَ المُنكَرَ»

(2)

.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أي الناس خير؟ قال: «رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ»

(3)

.

(1)

. سنن الترمذي برقم (2507)، وابن ماجه (4032) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، واللفظ له، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2/ 306) برقم (2035).

(2)

. مسند الإمام أحمد (38/ 241) برقم (23181)، وقال محققوه: حسن لغيره.

(3)

. صحيح البخاري برقم (6494)، وصحيح مسلم برقم (1888) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 407

8 -

ومنها رحمة الله بهذه الأمة حيث جعل النهي عن المنكر على مراتب حسب قدرة المرء واستطاعته، قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»

(1)

.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: لما وضعت قريش سلى الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة لو كانت لي منعة طرحته

(2)

، فلم ينقص ذلك من قدره ولا مكانته؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ضحك الصحابة من دقة ساقيه قال:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ»

(3)

.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

. صحيح مسلم برقم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

صحيح البخاري برقم (2439)، وصحيح مسلم برقم (1794).

(3)

. مسند الإمام أحمد (7/ 99) برقم (3991) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقال محققوه: صحيح لغيره.

ص: 408

سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ ابْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» - وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ نَحْفَظْهُ -، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى، فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ

(1)

.

9 -

أن المرء يهلك برضاه عن المنكر وإن كان بعيدًا عنه، والعكس بالعكس، قال صلى الله عليه وسلم:«إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا، - وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا - كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا»

(2)

.

10 -

أن من أشد أنواع النفاق ما يكون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ

(3)

فِي النَّارِ،

(1)

. صحيح البخاري برقم (240)، وصحيح مسلم برقم (1794).

(2)

. سنن أبي داود برقم (4345) من حديث العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن أبي داود برقم (3651).

(3)

. يعني أمعاءه.

ص: 409

فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ»

(1)

.

قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} [سورة البقرة، آية:44].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [سورة الصف، الآيتات:2 - 3].

قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: قوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به، وأنتم لا تفعلونه؟ وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون متصفون به؟! ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه، والناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس عنه

(2)

.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ

(1)

. صحيح البخاري برقم (3267)، وصحيح مسلم برقم (2989).

(2)

تفسير ابن سعدي (ص 821).

ص: 410

شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قال: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ»

(1)

.

وروى الطبراني في معجمه الكبير من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الَّذِيْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ مَثَلُ مِصْبَاحٍ يُضِيْءُ لِلنَّاسِ ويُحْرِقُ نَفْسَهُ»

(2)

.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، فذنبه من جنس ذنب اليهود»

(3)

.

وكان الحسن إذا نهى عن شيء لا يأتيه أصلًا، وإذا أمر بشيء كان شديد الأخذ به، وهكذا تكون الحكمة، قال أبو الأسود الدؤلي:

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ

عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا

فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

(1)

. (19/ 244) برقم (12211)، وقال محققوه: حديث صحيح.

(2)

. المعجم الكبير للطبراني (2/ 166) برقم (1681)، وقال المنذري في كتابه الترغيب والترهيب (1/ 173): إسناده حسن، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (7/ 1133).

(3)

. الفتاوى الكبرى (5/ 342).

ص: 411

فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى

بَالعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

(1)

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

. الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص 99 - 100).

ص: 412