الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهذا الحمل الثقيل لتعاون الزوجين. وذلك بعكس ما لو تخلى أحدهما فإن الآخر سيقوم بحمله وحمل غيره، فيثقل عليه ذلك وربما عجز عنه فيقع الضرر ويحدث الفساد الذي نشاهد آثاره تزداد يومًا بعد يوم. وهذه الحقيقة هي التي فهمتها الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها لما ظاهر منها زوجها وجاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي مِنْهُ أَوْلَادًا؛ إِنْ ضُمَمْتُهُم إِلَيَّ جَاعُوا، وِإِنْ ضَمَّهُم إِلَيْهِ ضَاعُوا
…
(1)
.
ففهمت رضي الله عنها أن تربية الأولاد والقيام عليهم لا يتم إلا بتعاون الزوجين، وأنها بدون ذلك - لفراق أو شقاق - يقع الضرر على الأولاد بالجوع والضياع. فإذا كان هذا في الزمن الأول الصالح، فكيف بنا اليوم؟! وقد أنزل الله تعالى في خولة وشكواها قرآنًا يُتلى، قال تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)} [سورة المجادلة، آية رقم: 1].
المقصد الثاني: (الخدمة):
من مقاصد الرجل بالنكاح أن يتزوج امرأة تخدمه - والكلام
(1)
. هذه الرواية ذكرها البغوي في تفسيره الوسيط (8/ 47)، وأصل الحديث ثابت، أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها (40/ 228) برقم (24195)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
على الغالب والحالات الخاصة لها أحكامها- سواء داخل المنزل أو خارجه مثل صنع الطعام، وترتيب المنزل، وغسل الثياب، والاحتطاب، وسقي الماء، والعناية بالبهائم، وغير ذلك مما يختلف فيه مجتمع عن آخر.
- في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عندما سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بريرة مولاة لعائشة فقال: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟» قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ
(1)
عَلَيْهَا، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ
(2)
فَتَأْكُلُهُ
(3)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه قال: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدٍ:«فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي
(4)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ
(1)
. أي أعيبه، النهاية (3/ 347).
(2)
. الداجن: هي الشاة التي تألف ولا تخرج إلى المرعى، وقيل: هي كل ما يألف البيوت مطلقًا شاة أو طيرًا.
(3)
. صحيح البخاري برقم (4750)، وصحيح مسلم برقم (2770).
(4)
. برقم (1428).
وَلَا شَيْءٍ، غَيْرَ فَرَسِهِ، قَالَتْ: فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَكْفِيهِ مَئُونَتَهُ وَأَسُوسُهُ وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعْلِفُهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرُِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ لِي جَارَاتٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. قَالَتْ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَانِي، ثُمَّ قَالَ:«إِخْ إِخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، قَالَتْ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: واللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ، قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَتْنِي
(1)
.
وفي صحيح البخاري من حديث علي رضي الله عنه: أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بسبي فأتته تسأله خادمًا فلم توافقه، فذكرت لعائشة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال:«عَلَى مَكَانِكُمُا» حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال:«أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ»
(2)
.
(1)
برقم (2182).
(2)
. برقم (3113).
فإن قيل: فما يقابل ذلك من الزوج، فالجواب: أن الزوج عليه النفقة فهو يكد ويكدح من أجل تحصيلها، قال تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [سورة الطلاق، آية رقم: 7]، وقال تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [سورة الطلاق، آية رقم: 6]، وقال صلى الله عليه وسلم:«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»
(1)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ .. » الحديث
(2)
.
وروى البخاري ومسلم من حديث سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «
…
ولَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بها وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ»
(3)
.
ويلحق بذلك توفير الأمن للزوجة بجميع أنواعه؛ الأمن المنزلي، الأمن المعيشي، الأمن النفسي وغير ذلك. فهي مسئوليته
(1)
. مسند الإمام أحمد (11/ 432) برقم (6495)، وقال محققوه: حديث صحيح من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما.
(2)
. مسند الإمام أحمد (33/ 226) رقم (20022)، وقال محققوه: إسناده حسن، وسنن أبي داود برقم (2142).
(3)
. صحيح البخاري برقم (56)، وصحيح مسلم برقم (1628) واللفظ له.