الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
الأولى: المروءة مع الحق - سُبْحَانَهُ -، ويكون ذلك بالاستحياء من نظره إليك واطلاعه عليك في كل لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان، فإنه قد اشتراها منك وأنت ساع في تسليم المبيع، وليس من المروءة تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثمن كاملًا.
2 -
الثانية: مروءة المرء مع نفسه، وهي أن يحملها قسرًا على فعل ما يجمل ويزين، وترك ما يقبح ويشين، ليصير لها ملكة في العلانية، ولا يفعل خاليًا ما يَستحْيِي من فعله في الملأ.
3 -
الثالثة: مروءة المرء مع الخلق بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه.
وليتخذ الناس مرآة لنفسه، فكل ما كرهه ونفر عنه، من قول أو فعل أو خُلق فليجتنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله»
(1)
.
حقوق المروءة وشروطها:
قال بعض البلغاء: من شرائط المروءة:
1 -
أن يتعفف المرء عن الحرام.
2 -
أن ينصف في الحكم.
(1)
مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله - بتصرف (2/ 366 - 368).
3 -
أن يكف عن الظلم.
4 -
ألا يطمع فيما لا يستحق.
5 -
ألا يعين قويًّا على ضعيف.
6 -
ألا يؤثر دنيء الأفعال على شريفها.
7 -
ألا يفعل ما يقبّح الاسم والذكر.
قال الماوردي: إذا كانت مراعاة النفس على أفضل أحوالها هي المروءة، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلا من تسهلت عليه المشاق، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذ حذرًا من الذم، ولذا قيل: سيد القوم أشقاهم. وقد لحظ المتنبي ذلك فقال:
لَوْلَا المَشَقَةُ سَاَد النَّاسُ كُلُّهُمُ
الجُودُ يُفقِرُ والإقْدَامُ قَتَّالُ
وله أيضًا:
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبارًا
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ
(1)
وقد وردت النصوص الكثيرة التي تحث على المروءة، روى البيهقي في السنن الكبرى من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَأَصْلُهُ عَقْلُهُ»
(2)
.
(1)
أدب الدنيا والدين (ص 515).
(2)
(21/ 42) برقم (20848)، وقال البيهقي رحمه الله: هذا الموقوف إسناده صحيح.
وروى الطبراني في الكبير من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمُورِ، وَأَشْرَافَهَا، وَيَكرَهُ سَفْسَافَهَا»
(1)
.
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [سورة الحشر، آية رقم: 9].
(2)
.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مروءة، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ،
(1)
. (3/ 131) برقم (2894)، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة (4/ 168) برقم (1627).
(2)
صحيح البخاري برقم (3798)، وصحيح مسلم برقم (2054) بلفظ مختلف.
فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ
(1)
.
ومن أقوال السلف في المروءة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ. وَدِينُهُ حَسَبُهُ. وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ. وَالْجُرْأَةُ، وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ، فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ. وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّنْ لَا يَؤُوبُ
(2)
بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ
(3)
، وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَااللَّهِ
(4)
.
وقال أيضًا: لَا تَصْغُرُنَّ هِمَّتَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عَنْ الْمَكْرُمَاتِ مِنْ صِغَرِ الْهِمَمِ
(5)
.
وقال علي رضي الله عنه لابنه الحسن في وصيته له: يَا بُنَيَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، وَلَا تَكُنْ
(1)
صحيح البخاري برقم (1277).
(2)
آب من يئوب أوبًا ومآبًا رجع.
(3)
الحتوف: جمع حتف وهو الموت.
(4)
موطأ مالك (ص 292) برقم (1389)، وقال محققه: صحيح لغيره موقوف.
(5)
أدب الدنيا والدين (ص 516).
عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرًّا فَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْرَمُ وَأَعْظَمُ مَنَ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ كَثيِرًا
(1)
.
وقال أبو حاتم البستي: «الواجب على العاقل تفقد الأسباب المستحقرة عند العوام من نفسه حتى لا يثلم
(2)
مروءته، فإن المحقرات من ضد المروءات، تؤذي الكامل في الحال بالرجوع في القهقرى إلى مراتب العوام وأوباش
(3)
الناس»
(4)
.
(5)
.
قال الشاعر:
وَكُنْتُ إِذَا عَقَدْتُ حِبَالَ قَوْمٍ
…
صَحِبْتُهُمُ وَشِيمَتِي الوَفَاءُ
(1)
أدب الدنيا والدين (ص 330).
(2)
الثلم: هو الخلل.
(3)
أوباش الناس: أخلاطهم وسفلهم.
(4)
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص 234).
(5)
أدب الدنيا والدين (ص 516).