الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة
زكاة عروض التجارة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..
العروض: جمع عرض، وهو ما أعده المسلم للتجارة من أي صنف كان، وهو أعم أموال الزكاة وأشملها، وسمي بذلك لأنه لا يستقر، بل يعرض ثم يزول، فإن التاجر لا يريد هذه السلعة بعينها، وإنما يريد ربحها من النقدين
(1)
.
والدليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج: 24 - 25].
وعروض التجارة هي أغلب الأموال، فكانت أولى بدخولها في عموم الآيات، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ
(1)
. الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لمجموعة من العلماء، تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية ص 129 - 130.
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]، والكسب هنا بتفسير عدد من السلف هو التجارة.
واستدل الجمهور كذلك على وجوب زكاة عروض التجارة بما رواه البخاري في صحيحه: أن عمر رضي الله عنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا، فقال: منع العباس وخالد وابن جميل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
…
» الحديث
(1)
. فدل ذلك على أن الزكاة طلبت منه في دروعه وأعتاده وهي لا زكاة فيها، إلا أن تكون عروضًا جعلت للتجارة، وإنما احتبسها في سبيل الله.
وأما الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نُخرج الزكاة مما نعده للبيع، فهو حديث ضعيف، ولو صح لكان فيصلًا في الموضوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الأئمة الأربعة وسائر الأمة - إلا من شذَّ - متفقون على وجوبها في عروض التجارة، سواء كان التاجر مقيمًا أو مسافرًا، وسواء كان متربصًا - وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر - أو مديرًا كالتجار الذين في الحوانيت، سواء كانت التجارة بزًا من جديد أو لبيس أو طعامًا من قوت أو فاكهة، أو
(1)
. برقم 1468.
أدم .. أو غير ذلك، أو كانت آنية كالفخار ونحوه، أو حيوانًا من رقيق أو خيل أو بغال أو حمير أو غنم معلوفة .. أو غير ذلك، فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة، كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة»
(1)
.
«وتجب زكاة عروض التجارة بشروط:
1 -
أن يملكها بفعله كالشراء، وقبول الهدية، والوصية، والإجارة، وغيرها من وجوه المكاسب، فلا يدخل في ذلك الإرث ونحوه مما يدخل قهرًا.
فلو مات مورثه وخلف عقارات، أو بضائع من أقمشة أو سيارات، ونواها هذا الوارث للتجارة فأبقاها للكسب، فإنها لا تكون للتجارة؛ لأنه ملكها بغير فعله، إذ أن الملك بالإرث قهري يدخل ملك الإنسان قهرًا عليه، فإذا ملك إنسان عروض تجارة بإرث، ونواها حين ملكه للتجارة فإنها لا تكون للتجارة.
مثال: وهبه شخص سيارة فقبلها، ونوى بها التجارة فتكون للتجارة لأنه ملكها بفعله واختياره.
2 -
أن يملكها بنية التجارة بأن يقصد التكسب بها؛ لأن الأعمال
(1)
. الفتاوى (25/ 45).
بالنيات، والتجارة عمل، فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال.
مثاله: اشترى رجل سيارة يتكسب فيها، فهذه عروض تجارة إذا بلغت قيمتها نصابًا ونواها حين الشراء، فإن اشترى سيارة للاستعمال، ثم بدا له أن يبيعها فليس عليه زكاة؛ لأنه حين ملكه إياها لم يقصد التجارة، فلابد أن يكون ناويًا للتجارة من حين ملكه.
ولو اشترى شيئًا للتجارة، ولكن لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يضمه إليه فليس عليه زكاة؛ لأنه من شرط وجوب الزكاة بلوغ النصاب.
مسألة: لو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نواها فهل تصير للتجارة؟
مثاله: لو اشترى سيارة يستعملها في الركوب ثم بدا له أن يجعلها رأس مال يتجر به، فهذا تلزمه الزكاة إذا تم الحول من نيته.
فإن كان عنده سيارة يستعملها ثم بدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة، ولكن لرغبته عنها، ومثله لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها، وعرضها للبيع فإنها
لا تكون للتجارة؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب، بل لرغبته عنها.
فهناك فرق بين شخص يجعلها رأس مال يتجر بها، وشخص عدل عن هذا الشيء ورغب عنه، وأراد أن يبيعه، فالصورة الأولى فيها الزكاة على القول الراجح، والثانية لا زكاة فيها.
3 -
أن تبلغ قيمتها نصابًا: أي لا عينها، فلو كان عند إنسان عشر شياه سائمة قد أعدها للتجارة، قيمتها ألف درهم، فإن الزكاة تجب فيها، مع أنها لم تبلغ نصاب السائمة؛ لأن المعتبر القيمة، وقد بلغت نصابًا.
مثاله: إنسان عنده أربعون شاة سائمة، أعدها للتجارة قيمتها مائة درهم، فلا زكاة فيها؛ لأن القيمة لم تبلغ نصابًا.
وقوله قيمتها، أي لا عينها، فلا يجوز إخراج الزكاة من عين ما أُعد للتجارة؛ لأن العين في عروض التجارة غير ثابتة، فالمعتبر المخرج منه هو القيمة؛ لأن القيمة أحب لأهل الزكاة غالبًا.
فالشروط إذن ثلاثة بالإضافة إلى الشروط الخمسة
السابقة التي تقدمت
(1)
، فالثلاثة شروط خاصة، وما تقدم شروط عامة»
(2)
.
«وأما كيفية إخراج زكاة العروض، فإنها تقوَّم عند تمام الحول بأحد النقدين الذهب أو الفضة، ويراعى في ذلك الأحظ للفقراء
(3)
، فإذا قومت وبلغت قيمتها نصابًا بأحد النقدين، أخرج ربع العشر من قيمتها، ولا يعتبر ما اشتريت به، بل يعتبر ما تساوي عند تمام الحول؛ لأنه هو عين العدل بالنسبة للتاجر وبالنسبة لأهل الزكاة.
ويجب على المسلم الاستقصاء والتدقيق ومحاسبة نفسه في إخراج زكاة العروض، كمحاسبة الشريك الشحيح لشريكه، بأن يحصي جميع ما عنده من عُروض التجارة بأنواعها، ويقومها تقويمًا عادلًا، فصاحب البقالة مثلًا يحصي جميع ما في دكانه من أنواع المعروضات للبيع من المعلبات وأصناف البضائع، وصاحب الآليات وقطع الغيار والمكائن والسيارات المعروضة للبيع يحصيها ويقومها، وصاحب الأراضي
(1)
. راجع الكلمة السابقة لهذه.
(2)
. الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة ص (174 - 175) بتصرف، والشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (6/ 140 - 148).
(3)
. وبذلك صدرت الفتاوى من المجمع الفقهي الإسلامي وهيئة كبار العلماء، وهو اختيار اللجنة الدائمة، انظر فتاوى اللجنة الدائمة (9/ 254) برقم 1881.
والعمارات المعروضة للبيع يقومها بما تساوي.
أما العمارات والبيوت والسيارات المعدة للإيجار، فلا زكاة في ذواتها، وإنما تجب الزكاة فيما تحصل عليه صاحبها من إجارتها إذا حال عليه الحول.
والبيوت المعدة للسكنى والسيارات المعدة للركوب والحاجة لا زكاة فيها، وكذلك أثاث المنزل وأثاث الدكان وآلات التاجر: كالأذرع والمكاييل والموازين وقوارير العطار، كل هذه الأشياء لا زكاة فيها؛ لأنها لا تباع للتجارة»
(1)
.
«ذكر بعض المسائل المتعلقة بالموضوع:
المسألة الأولى: هل التقويم عند الحول يكون باعتبار الجملة أو باعتبار التفريق؛ لأن الثمن يختلف باعتبار الجملة عن التفريق؟
الجواب: إن كان ممن يبيع بالجملة فباعتبار الجملة، وإن كان يبيع بالتفريق فباعتبار التفريق، وإن كان يبيع بهما فيعتبر الأكثر بيعًا.
المسألة الثانية: إن اشترى عرضًا بنصاب من أثمان أو عروض بنى على حوله، والأثمان جمع ثمن، وسميت بذلك
(1)
. الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (1/ 347 - 348).
لأنها ثمن الأشياء وهي الذهب والفضة.
مثاله: رجل عنده ألف ريال ملكها في رمضان، وفي شعبان من السنة الثانية اشترى عرضًا، فجاء رمضان، فيزكي العروض؛ لأن العروض بنيت على زكاة الأثمان في الحول.
وكذلك أيضًا لو اشترى عرضًا بنصاب من عروض، أي عرضًا بدل عرض.
مثاله: رجل عنده سيارة
(1)
، وفي أثناء الحول أبدلها بسيارة أخرى للتجارة، فيبني على حول الأولى؛ لأن المقصود القيمة واختلاف العينين ليس مقصودًا، ولم يشتر السيارة الثانية ليستعملها، ولكن يريدها للتجارة.
المسألة الثالثة: هل إذا اشترى عرضًا سائمة مثل الإبل أو البقر أو الغنم يبني على الحول؟
مثاله: رجل عنده أربعون شاة سائمة ملكها في رمضان، وفي محرم اشترى بها عروضًا كسيارة أرادها للتجارة، فيبتدئ الحول من محرم لاختلافهما قصدًا ونصابًا وواجبًا، فلا يبني أحد النصابين على الآخر من أجل هذا الاختلاف،
(1)
. أي أعدها للتجارة.
والعكس كذلك، كما لو كان عنده عروض ملكها في رمضان ثم اشترى بها سائمة في محرم، فلا يبني على حول العروض، لما ذكرنا في المسألة الأولى.
مثال: عنده دراهم ملكها في رمضان، وفي محرم اشترى بها سائمة، فلا يبني على حول الدراهم، فإذا جاء المحرم من السنة الثانية وجبت عليه الزكاة، وذلك للاختلاف.
المسألة الرابعة: إخراج القيمة من الزكاة.
يرى أكثر العلماء أنه لا يجوز إخراج القيمة إلا فيما نص عليه الشرع وهو الحيوان في زكاة الإبل، شاتان أو عشرون درهمًا، والصحيح أنه يجوز إذا كان لمصلحة أو حاجة، سواء في بهيمة الأنعام، أو في الخارج من الأرض»
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/ 144 - 148).