المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٢

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىشرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»

- ‌الكلمة الثانيةقصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الثالثةبعض الفوائد من قصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الرابعةقصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة الخامسةفوائد من قصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة السادسةقصة سحرة فرعون لعنه الله

- ‌الكلمة السابعةفوائد من قصة إسلام سحرة فرعون

- ‌الكلمة الثامنةشروط الزكاة

- ‌الكلمة التاسعةزكاة عروض التجارة

- ‌الكلمة العاشرةشرح حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات»

- ‌الكلمة الحادية عشرةالمساحة في أخلاق الناس

- ‌الوقفة الأولى:

- ‌الوقفة الثانية: هل يمكن الوصول إلى أعلى المراتب

- ‌الوقفة الثالثة: بعض الفوائد المراد الحصول عليها من هذه الكلمة:

- ‌الوقفة الرابعة:

- ‌الكلمة الثانية عشرةبعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

- ‌الكلمة الثالثة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (1))

- ‌الكلمة الرابعة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (2))

- ‌الكلمة الخامسة عشرةالتولة والتمائم

- ‌الكلمة السادسة عشرةالرقى

- ‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن محاسن الدين الإسلامي

- ‌الكلمة التاسعة عشرةأهل الزكاة

- ‌الكلمة العشرونمن حكمِ الزكاة والأموالُ التي تجب فيها

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صغار المسلمين

- ‌الكلمة الثانية والعشرونتأملات في قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} [الإسراء: 74]

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونشرح حديث: «حفت الجنة بالمكاره»

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونوصايا لرجال الأمن

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}

- ‌الكلمة السادسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: 28]

- ‌الكلمة السابعة والعشرونشرح اسم الله: «العليم»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونتأملات في سورة القدر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالنذر وأحكامه

- ‌شروط صحة النذر ولزومه:

- ‌أنواع النذر وحكم كل نوع:

- ‌الكلمة الثلاثونالأيمان وأقسامها

- ‌شروط وجوب كفارة اليمين:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌نقض اليمين والحنث فيها:

- ‌صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:

- ‌ومن الأيمان الممنوعة:

- ‌مسائل في الأيمان:

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونحقوق العمال والتحذير من ظلمهم

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالقتل الخطأ وأحكامه

- ‌يترتب على قتل الخطأ حكمان:

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونمقتطفات من سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونمقتطفات من سيرة فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونشرح حديث سيد الاستغفار

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (1)

- ‌المقصد الأول (الذرية):

- ‌المقصد الثاني: (الخدمة):

- ‌المقصد الثالث: (المتعة)

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (2)

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح رقم (3)

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (4)

- ‌أعقل نساء العرب:

- ‌الكلمة الأربعون:أسباب السعادةوالنجاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (5)

- ‌الكلمة الواحدة والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (6)

- ‌الكلمة الثانية والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (7)

- ‌مقدار ما تستحقه المرأة من النفقة:

- ‌آداب سؤال المرأة لزوجها النفقة:

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون:وقفات مع سورة التكوير (1)

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون:سورة التكوير رقم (2)

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون:سورة الغاشية

- ‌الكلمة السادسة والأربعون:فوائد من سورة الغاشية

- ‌الكلمة السابعة والأربعون:تأملات في سورة الأعلى

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون:فوائد من سورة الأعلى

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك)

- ‌وصايا لقمان الحكيم عليه السلام

- ‌‌‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

- ‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الصبر على الأذى في سبيل الله)

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتواضع والنهي عن التكبر)

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه:(التوسط في الأمور)

- ‌الكلمة السادسة والخمسون:(ولاية الله)

- ‌والناس في الولاية على درجات ثلاثة:

- ‌الكلمة السابعة والخمسون:(المروءة)

- ‌«درجات المروءة:

- ‌حقوق المروءة وشروطها:

- ‌من فوائد المروءة:

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون:من فضائل الحمد

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون:المواضع التي يشرع فيها الحمد

- ‌الكلمة الستون:شرح اسم الله: «العظيم»

- ‌ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:

- ‌الكلمة الواحدة والستون:شرح اسم الله: «الجبار»

- ‌الكلمة الثانية والستون:شرح اسم الله: «الستير»

- ‌من آثار الإيمان بهذا الاسم (الستير):

- ‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

- ‌الكلمة الرابعة والستون:شرح اسم الله: «القوي المتين»

- ‌الكلمة الخامسة والستون:وقفات مع قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

- ‌(أ) امتثال الأمر:

- ‌(ب) التفويض إلى الله:

- ‌(ج) تفريغ القلب من الشواغل:

- ‌الكلمة السادسة والستون:غزوة تبوك أو العسرة

- ‌الكلمة السابعة والستون:دروس وعبر من غزوة تبوك

- ‌الكلمة الثامنة والستون:مقتطفات من سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌الكلمة التاسعة والستون:مقتطفات من سيرة سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌الكلمة السبعون:شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة» الحديث

الفصل: ‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

‌الكلمة السابعة عشرة

سيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..

فهذه مقتطفات من سيرة علم من أعلام هذه الأمة، وبطل من أبطالها، صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، نقتبس من سيرته العطرة الدروس والعبر.

كان رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، وكان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدرًا، واستشهد يوم أُحد، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله كلمه كفاحًا - أي من غير واسطة -.

إنه عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي، والد جابر الصحابي المشهور.

قال ابن سعد: «كان عبد الله أول من قُتل يوم أُحد، وكان أحمر، أصلع، ليس بالطويل»

(1)

.

(1)

. الطبقات الكبرى (3/ 424).

ص: 131

وقد كانت لعبد الله بن عمرو مواقف عظيمة تدل على فضله وبذله ونصرته لهذا الدين، روى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث طويل، وقال صلى الله عليه وسلم في آخره:«جَزَى اللَّهُ الأَنْصَارَ عَنَّا خَيْرًا، وَلَا سِيَّمَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ»

(1)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، جِيءَ بِأَبِي مُسَجًّى

(2)

، وَقَدْ مُثِّلَ

(3)

بِهِ، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي، فَرَفَعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ، فَقَال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ هَذِهِ؟» فَقَالُوا: ابْنَةُ عَمْرٍو- أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو فَقَالَ: «وَلِمَ تَبْكِي؟ فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ»

(4)

.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه؛ لأن هذا الجليل القدر الذي تظله الملائكة بأجنحتها لا ينبغي أن يُبكى عليه،

(1)

. صحيح ابن حبان برقم 6981، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 461.

(2)

. أي مغطى. انظر النهاية (2/ 310).

(3)

. مُثل: بضم الميم وكسر الثاء، ومثل بالقتيل إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه .. ونحو ذلك. انظر النهاية (4/ 251).

(4)

. صحيح البخاري برقم 1293، وصحيح مسلم برقم 2471.

ص: 132

بل يفرح له بما صار إليه»

(1)

.

وروى والترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله عز وجل قال: «يَا جَابِرُ مَالِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَعِيَالًا، فَقَالَ:«أَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، وَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ مَا شِئْتَ أُعْطِيكَ، قَالَ: تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلُ فِيكَ، فَقَالَ تبارك وتعالى: لَا، إِنِّي أَقْسَمْتُ بِيَمِينٍ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ» يَعْنِي الدُّنْيَا. ونزلت هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران: 169]

(2)

.

وروى النسائي في سننه من حديث جابر رضي الله عنه قال: لَمَّا أُصِيْبَ أَبِي وَخَالِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَاءتْ أُمِّي بِهِمَا قَدْ عَرَضَتْهُمَا عَلَى نَاقَةٍ، فَأَقْبَلَتْ بِهِمَا إِلَى المَدِيْنَةِ. فَنَادَى مُنَادٍ: ادْفِنُوا القَتْلَى فِي مَصَارِعِهِم، فَرُدَّا حَتَّى دُفِنَا فِي مَصَارِعِهِمَا

(3)

.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن

(1)

. فتح الباري (3/ 116).

(2)

. صحيح ابن حبان برقم 6983، وسنن الترمذي برقم 3010، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي برقم 2408، وكتاب التوحيد لابن خزيمة (2/ 890) واللفظ له، والزيادة في آخر الحديث للترمذي، ورواه الإمام أحمد في مسنده (23/ 163) برقم 11488 مختصرًا، وقال محققوه: إسناده حسن.

(3)

. برقم 2005 وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ص 25.

ص: 133

عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم أُحد أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على الشهداء الذين قُتلوا يومئذ، فقال:«زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنِّي قَدْ شَهِدْتُ عَلَيْهِمْ» ، فَكَانَ يُدْفَنُ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ وَيُسْأَلُ: أَيُّهُمْ كَانَ أَقْرَأَ لِلْقُرْآنِ فَيُقَدِّمُونَهُ. قَالَ جَابِرٌ: فَدُفِنَ أَبِي وَعَمِّي يَوْمَئِذٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

(1)

.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أُحد: «لَا تُغَسِّلُوهُمْ، فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ - أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(2)

.

وروى البخاري في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: لما حضر أُحد دعاني أبي من الليل فقال: مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا، فَأَصْبَحْنَا، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ

(3)

.

قال ابن حجر رحمه الله: «وهذا يخالف في الظاهر ما وقع في الموطأ

(1)

. (39/ 64 - 65) برقم 23660، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط البخاري.

(2)

. (22/ 97) برقم 14189، وقال محققوه: حديث صحيح.

(3)

. برقم 1351.

ص: 134

عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما وكانا في قبر واحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أُحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة. وقد جمع بينهما ابن عبدالبر بتعدد القصة، وفيه نظر؛ لأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر، وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة، فإما أن يكون المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد، وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي فقال: حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم، فجئنا فأخرجناهما - يعني عمرو وعبد الله - وعليهما بردتان قد غطى بهما وجوههما، وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيًا كأنهما دفنا بالأمس. وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر

(1)

.

ومن فوائد الحديث:

«1 - الإرشاد إلى بر الأولاد بالآباء خصوصًا بعد الوفاة.

2 -

وفيه الاستعانة على ذلك بإخبارهم بمكانتهم من القلب.

(1)

. فتح الباري (3/ 216).

ص: 135

3 -

وفيه قوة إيمان عبد الله رضي الله عنه المذكورة لاستثنائه النبي صلى الله عليه وسلم ممن جعل ولده أعز عليه منهم.

4 -

وفيه كرامته بوقوع الأمر على ما ظن، وكرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها، والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة.

5 -

وفيه فضيلة لجابر رضي الله عنه لعمله بوصية أبيه بعد موته في قضاء دينه»

(1)

.

فروى البخاري في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أن أباه توفي وعليه دين، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الغُرَمَاءُ، فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«انْزِعُوهُ» ، فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ

(2)

.

وفي رواية في صحيح البخاري: وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ

(3)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

. فتح الباري (3/ 217).

(2)

. برقم 3580.

(3)

. برقم 2127.

ص: 136