الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤمل عند الغاية؛ فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك، وإذا قوي يقينه وصبره هان عليه كل مشقةٍ يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة.
(ب) التفويض إلى الله:
ومن أسرار هذه الآية: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له ويقضيه له، لما يرجو فيه من حُسن العاقبة.
ومنها: أنه لا يقترح على ربه، ولا يختار عليه، ولا يسأله ما ليس له به علم؛ فلعل مضرته وهلاكه فيه وهو لا يعلم! فلا يختار على ربه شيئًا، بل يسأله حسن الاختيار له، وأن يرضيه بما يختاره، فلا أنفع له من ذلك.
ومنها: أنه إذا فوض إلى ربه، ورضي بما يختاره له؛ أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حُسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه، بما يختاره هو لنفسه.
(ج) تفريغ القلب من الشواغل:
ومنها: أنه يريحه من الأفكار المتبعة في أنواع الاختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبةٍ
وينزل في أخرى، ومع هذا فلا خروج له عما قُدر عليه، فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمودٌ مشكورٌ ملطوفٌ به فيه، وإلا جرى عليه القدر وهو مذمومٌ غير ملطوفٍ به فيه؛ لأنه مع اختياره لنفسه.
ومتى صح تفويضه ورضاه؛ اكتنفه في المقدور العطف عليه، واللطف به، فيصير بين عطفه ولُطفه، فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يهون عليه ما قدره.
إذا نفذ القدرُ في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله في رده، فلا أنفع له من الاستسلام له والرضى به
(1)
!
ومن فوائد الآية الكريمة:
1 -
فرضية الجهاد؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} .
2 -
أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه؛ لا كراهته من حيث أمر الشارع به، ولكن كراهته من حيث الطبيعة؛ أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا، وانشراح الصدر به.
3 -
أن البشر لا يعلمون الغيب؛ لقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} .
(1)
فوائد الفوائد (ص 147 - 149) بتصرف.
4 -
أن الله قد يحكم حكمًا شرعيًا، أو كونيًا على العبد بما يكره وهو خير له.
ولذلك جاء في مسند الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أَسْلِمْ» ، قَالَ: إِنِّي أَجِدُنِي كَارِهًا، قَالَ:«وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا»
(1)
(2)
.
في غزوة بدر خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أجل أخذ العير التي تحمل بضائع قريش فصرفهم الله إلى ما يكرهون، قال تعالى:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)} [سورة الأنفال، آية رقم: 5]، فكان اختيار الله لهم خير من اختيارهم لأنفسهم، قال تعالى:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)} [سورة الأنفال، آيتان رقم: 7 - 8].
5 -
كما ذكر تعالى أن الإنسان قد يحب ما هو شر له ويكره ما هو خير له وبين سبب ذلك والدليل عليه، فقال تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} .
(1)
(19/ 117) برقم (12061)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
تفسير القرآن العظيم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (3/ 49 - 50).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.