المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين) - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٢

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىشرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»

- ‌الكلمة الثانيةقصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الثالثةبعض الفوائد من قصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الرابعةقصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة الخامسةفوائد من قصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة السادسةقصة سحرة فرعون لعنه الله

- ‌الكلمة السابعةفوائد من قصة إسلام سحرة فرعون

- ‌الكلمة الثامنةشروط الزكاة

- ‌الكلمة التاسعةزكاة عروض التجارة

- ‌الكلمة العاشرةشرح حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات»

- ‌الكلمة الحادية عشرةالمساحة في أخلاق الناس

- ‌الوقفة الأولى:

- ‌الوقفة الثانية: هل يمكن الوصول إلى أعلى المراتب

- ‌الوقفة الثالثة: بعض الفوائد المراد الحصول عليها من هذه الكلمة:

- ‌الوقفة الرابعة:

- ‌الكلمة الثانية عشرةبعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

- ‌الكلمة الثالثة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (1))

- ‌الكلمة الرابعة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (2))

- ‌الكلمة الخامسة عشرةالتولة والتمائم

- ‌الكلمة السادسة عشرةالرقى

- ‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن محاسن الدين الإسلامي

- ‌الكلمة التاسعة عشرةأهل الزكاة

- ‌الكلمة العشرونمن حكمِ الزكاة والأموالُ التي تجب فيها

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صغار المسلمين

- ‌الكلمة الثانية والعشرونتأملات في قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} [الإسراء: 74]

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونشرح حديث: «حفت الجنة بالمكاره»

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونوصايا لرجال الأمن

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}

- ‌الكلمة السادسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: 28]

- ‌الكلمة السابعة والعشرونشرح اسم الله: «العليم»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونتأملات في سورة القدر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالنذر وأحكامه

- ‌شروط صحة النذر ولزومه:

- ‌أنواع النذر وحكم كل نوع:

- ‌الكلمة الثلاثونالأيمان وأقسامها

- ‌شروط وجوب كفارة اليمين:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌نقض اليمين والحنث فيها:

- ‌صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:

- ‌ومن الأيمان الممنوعة:

- ‌مسائل في الأيمان:

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونحقوق العمال والتحذير من ظلمهم

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالقتل الخطأ وأحكامه

- ‌يترتب على قتل الخطأ حكمان:

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونمقتطفات من سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونمقتطفات من سيرة فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونشرح حديث سيد الاستغفار

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (1)

- ‌المقصد الأول (الذرية):

- ‌المقصد الثاني: (الخدمة):

- ‌المقصد الثالث: (المتعة)

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (2)

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح رقم (3)

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (4)

- ‌أعقل نساء العرب:

- ‌الكلمة الأربعون:أسباب السعادةوالنجاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (5)

- ‌الكلمة الواحدة والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (6)

- ‌الكلمة الثانية والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (7)

- ‌مقدار ما تستحقه المرأة من النفقة:

- ‌آداب سؤال المرأة لزوجها النفقة:

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون:وقفات مع سورة التكوير (1)

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون:سورة التكوير رقم (2)

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون:سورة الغاشية

- ‌الكلمة السادسة والأربعون:فوائد من سورة الغاشية

- ‌الكلمة السابعة والأربعون:تأملات في سورة الأعلى

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون:فوائد من سورة الأعلى

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك)

- ‌وصايا لقمان الحكيم عليه السلام

- ‌‌‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

- ‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الصبر على الأذى في سبيل الله)

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتواضع والنهي عن التكبر)

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه:(التوسط في الأمور)

- ‌الكلمة السادسة والخمسون:(ولاية الله)

- ‌والناس في الولاية على درجات ثلاثة:

- ‌الكلمة السابعة والخمسون:(المروءة)

- ‌«درجات المروءة:

- ‌حقوق المروءة وشروطها:

- ‌من فوائد المروءة:

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون:من فضائل الحمد

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون:المواضع التي يشرع فيها الحمد

- ‌الكلمة الستون:شرح اسم الله: «العظيم»

- ‌ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:

- ‌الكلمة الواحدة والستون:شرح اسم الله: «الجبار»

- ‌الكلمة الثانية والستون:شرح اسم الله: «الستير»

- ‌من آثار الإيمان بهذا الاسم (الستير):

- ‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

- ‌الكلمة الرابعة والستون:شرح اسم الله: «القوي المتين»

- ‌الكلمة الخامسة والستون:وقفات مع قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

- ‌(أ) امتثال الأمر:

- ‌(ب) التفويض إلى الله:

- ‌(ج) تفريغ القلب من الشواغل:

- ‌الكلمة السادسة والستون:غزوة تبوك أو العسرة

- ‌الكلمة السابعة والستون:دروس وعبر من غزوة تبوك

- ‌الكلمة الثامنة والستون:مقتطفات من سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌الكلمة التاسعة والستون:مقتطفات من سيرة سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌الكلمة السبعون:شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة» الحديث

الفصل: ‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

‌‌

‌الكلمة الخمسون:

وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..

الوصية الثانية: من وصايا لقمان الحكيم لابنه: بر الوالدين.

وردت النصوص الشرعية بالحث على بر الوالدين مع بيان الأجر العظيم في ذلك والتحذير من عقوقهما مع بيان ما يترتب عليه من الأضرار الوخيمة في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)} [سورة الإسراء، آية رقم: 23]، وقال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة النساء، آية رقم: 36].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ» ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ،

ص: 385

أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»

(1)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ»

(2)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ»

(3)

.

وكثيرًا ما يقرن الله بين عبادته والوصية بالوالدين وهذا يدل على عظمة ذلك، وهكذا في وصايا لقمان عليه السلام، فبعد أن أوصاه بعبادة الله وحده ثنى بطاعة الوالدين، قال تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} ، وفي هاتين الآيتين من الفوائد والحكم ما يدعو إلى تدبرها والوصية بها:

1 -

رحمة الله بعباده إذ يوصيهم بما ينفعهم فعلًا وتركًا.

2 -

أن الوصية بالوالدين عامة لكل الناس مشركهم ومؤمنهم وكافرهم ومسلمهم.

(1)

. صحيح مسلم برقم (2551) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

. جزء من حديث مسلم برقم (1978) من حديث علي رضي الله عنه.

(3)

. سنن الترمذي برقم (1899) من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (2/ 44) برقم (516).

ص: 386

3 -

الوالدان الموصى بهما هما الأب والأم، ويلحق بهما الجد والجدة.

4 -

بين الله تعالى سبب الوصية للوالدين فقال عن الأم: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ، قال ابن سعدي رحمه الله:«أي مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق من حين يكون نطفة من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ثم فصاله في عامين» . وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب أن يؤكد على ولده ويوصي الله بتمام الإحسان إليه

(1)

.

5 -

أن تمام الرضاعة عامان كاملان، قال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [سورة البقرة، آية رقم: 233].

6 -

الله - سُبْحَانَهُ - وتعالى شكور وسمى نفسه الشكور وأمر عباده أن يشكروه لما له عليهم من الفضل العظيم ويشكروا من أحسن إليهم، ويعلموا أنهم حين يقومون بذلك سيرجعون إلى الله تعالى فيجزيهم أحسن الجزاء، ولذلك قال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} [سورة لقمان، آية رقم: 14].

7 -

قرن الله تعالى بين شكره وشكر الوالدين، فكما أن الله

(1)

. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص 866).

ص: 387

يستحق الشكر لأنه هو الذي أوجدك من العدم فكذلك أوصى بشكر من كان سببًا في وجودك، ولو لم يكن إلا هذا السبب لكفى به موجبًا لبر الوالدين وطاعتهما. وهذا السبب لا يوجد من أعمال البر ما يكافئه إلا شيئًا واحدًا لا يتوفر في غالب الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ»

(1)

.

8 -

مع هذه الوصايا العظيمة ببر الوالدين إلا أن طاعتهما مشروطة بأن تكون في غير معصية الله، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مهما عظم قدره.

روى مسلم في صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال:«حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، فَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}»

(2)

.

9 -

ما أرحمك يا رب وما أحلمك وما أكرمك، فشرك الوالدين

(1)

. صحيح مسلم برقم (1510) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

. صحيح مسلم برقم (43/ 1748).

ص: 388

وكفرهما وعصيانهما لربهما؛ بل حتى مع اجتهادهما وشدة حرصهما على ولدهما أن يشرك بالله تعالى ولا يؤمن به ويعصيه ولا يطيعه، مع هذا كله أمر بالإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف ولم يقل: وإن جاهداك على أن تشرك بي فعقهما؛ بل قال: «فلا تطعهما» .

10 -

قوله تعالى: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .

بيان واضح أن كل من أشرك بالله تعالى أن فعله ليس على علم بل على جهل وضلال، قال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [سورة المؤمنون، آية رقم: 117]. وقد تحدى الله تعالى جميع الخلق أن يأتوا ببرهان على شركهم، قال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)} [سورة الأحقاف، آية رقم: 4].

11 -

في قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} حث على اتباع سبيل المؤمنين المنيبين إلى الله والاقتداء بهم ومصاحبتهم، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأنبياء قال:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [سورة الأنعام، آية رقم: 90]، وكما أمر باتباع سبيل المؤمنين حذر من

ص: 389

اتباع سبيل غيرهم فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [سورة النساء، آية رقم: 115].

12 -

تضمنت الآية الكريمة التنبيه إلى فضل مصاحبة الأخيار، وقد وردت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تحث على ذلك وتنهى عن خلافه، قال تعالى - بعد أن ذكر ما وجده زكريا عليه السلام من الرزق عند مريم عليها السلام الذي لا يوجد عند غيرها، وأن الله هو الذي رزقها به -قال تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [سورة آل عمران، آية رقم: 38]، وقال تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} [سورة الزخرف، آية رقم: 67].

فمصاحبة الصالحين خير وبركة في الدنيا والآخرة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، وجَلِيسِ السُّوءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ، إِمَّا أنْ يَحْذِيَكَ، وإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ، إِمَّا أنْ يَحْرِقَ ثَيابَكَ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبيثَةً»

(1)

.

وروى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن

(1)

. صحيح البخاري برقم (5534)، وصحيح مسلم برقم (2628) واللفظ له.

ص: 390

النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»

(1)

.

وأيضًا فإن من جالسهم تشمله بركة مجالستهم ويعمه الخير الحاصل لهم، وإن لم يكن عمله بالغًا مبلغهم، كما دل على ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ» ، وفي آخر الحديث:«فَيَقُولُ اللَّهُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» . قَالَ: «يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»

(2)

.

قال عمر رضي الله عنه: لولا ثلاث ما أحببت العيش في هذه الحياة الدنيا: ظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات من الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام، كما ينتقى أطايب الثمر.

قال الشافعي:

إِذا لَم أَجِد خِلًّا تَقِيًّا فَوِحْدَتِي

أَلَذُّ وَأَشْهَى مِنْ غَوِيٍّ أُعَاشِرُه

وَأَجْلِسُ وَحْدِي لِلْعِبَادَةِ آمِنًا

أَقَرُّ لِعَيْنِي مِنْ جَلِيسٍ أُحَاذِرُه

(1)

. برقم (2378)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/ 633) برقم (927).

(2)

. صحيح البخاري برقم (6408)، وصحيح مسلم برقم (2689).

ص: 391

13 -

في قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} تنبيه إلى أنه ينبغي للعبد أن يتذكر عند كل عمل صالح يعمله أنه سيلاقيه، فيدفعه ذلك إلى إحسانه وإخلاص النية فيه، فما ضل من ضل إلا بنسيان ذلك اللقاء، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [سورة ص، آية رقم: 26].

14 -

في قوله تعالى: {فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} ، إن الله سبحانه وتعالى يحصي أعمال العباد عليهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال تعالى:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)} ، ثم يُقال له:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [سورة الإسراء، الآيتان: 13 - 14].

وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)} [سورة آل عمران، آية رقم: 30]. فمن عمل وأيقن أن كل عمل يعمله سيلاقيه يوم القيامة لم يقدم إلا خيرًا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 392