المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة) - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٢

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىشرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»

- ‌الكلمة الثانيةقصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الثالثةبعض الفوائد من قصة نبي الله هود عليه السلام

- ‌الكلمة الرابعةقصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة الخامسةفوائد من قصة نبي الله صالح عليه السلام

- ‌الكلمة السادسةقصة سحرة فرعون لعنه الله

- ‌الكلمة السابعةفوائد من قصة إسلام سحرة فرعون

- ‌الكلمة الثامنةشروط الزكاة

- ‌الكلمة التاسعةزكاة عروض التجارة

- ‌الكلمة العاشرةشرح حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات»

- ‌الكلمة الحادية عشرةالمساحة في أخلاق الناس

- ‌الوقفة الأولى:

- ‌الوقفة الثانية: هل يمكن الوصول إلى أعلى المراتب

- ‌الوقفة الثالثة: بعض الفوائد المراد الحصول عليها من هذه الكلمة:

- ‌الوقفة الرابعة:

- ‌الكلمة الثانية عشرةبعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

- ‌الكلمة الثالثة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (1))

- ‌الكلمة الرابعة عشرةالبسملة ومواضعها (رقم (2))

- ‌الكلمة الخامسة عشرةالتولة والتمائم

- ‌الكلمة السادسة عشرةالرقى

- ‌الكلمة السابعة عشرةسيرة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن محاسن الدين الإسلامي

- ‌الكلمة التاسعة عشرةأهل الزكاة

- ‌الكلمة العشرونمن حكمِ الزكاة والأموالُ التي تجب فيها

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صغار المسلمين

- ‌الكلمة الثانية والعشرونتأملات في قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} [الإسراء: 74]

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونشرح حديث: «حفت الجنة بالمكاره»

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونوصايا لرجال الأمن

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}

- ‌الكلمة السادسة والعشرونتأملات في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: 28]

- ‌الكلمة السابعة والعشرونشرح اسم الله: «العليم»

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونتأملات في سورة القدر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالنذر وأحكامه

- ‌شروط صحة النذر ولزومه:

- ‌أنواع النذر وحكم كل نوع:

- ‌الكلمة الثلاثونالأيمان وأقسامها

- ‌شروط وجوب كفارة اليمين:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌نقض اليمين والحنث فيها:

- ‌صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:

- ‌ومن الأيمان الممنوعة:

- ‌مسائل في الأيمان:

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونحقوق العمال والتحذير من ظلمهم

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالقتل الخطأ وأحكامه

- ‌يترتب على قتل الخطأ حكمان:

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونمقتطفات من سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونمقتطفات من سيرة فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونشرح حديث سيد الاستغفار

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (1)

- ‌المقصد الأول (الذرية):

- ‌المقصد الثاني: (الخدمة):

- ‌المقصد الثالث: (المتعة)

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (2)

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح رقم (3)

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (4)

- ‌أعقل نساء العرب:

- ‌الكلمة الأربعون:أسباب السعادةوالنجاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (5)

- ‌الكلمة الواحدة والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (6)

- ‌الكلمة الثانية والأربعون:السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح: رقم (7)

- ‌مقدار ما تستحقه المرأة من النفقة:

- ‌آداب سؤال المرأة لزوجها النفقة:

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون:وقفات مع سورة التكوير (1)

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون:سورة التكوير رقم (2)

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون:سورة الغاشية

- ‌الكلمة السادسة والأربعون:فوائد من سورة الغاشية

- ‌الكلمة السابعة والأربعون:تأملات في سورة الأعلى

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون:فوائد من سورة الأعلى

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك)

- ‌وصايا لقمان الحكيم عليه السلام

- ‌‌‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (بر الوالدين)

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

- ‌الكلمة الثانية والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الصبر على الأذى في سبيل الله)

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (الأمر بالتواضع والنهي عن التكبر)

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه:(التوسط في الأمور)

- ‌الكلمة السادسة والخمسون:(ولاية الله)

- ‌والناس في الولاية على درجات ثلاثة:

- ‌الكلمة السابعة والخمسون:(المروءة)

- ‌«درجات المروءة:

- ‌حقوق المروءة وشروطها:

- ‌من فوائد المروءة:

- ‌الكلمة الثامنة والخمسون:من فضائل الحمد

- ‌الكلمة التاسعة والخمسون:المواضع التي يشرع فيها الحمد

- ‌الكلمة الستون:شرح اسم الله: «العظيم»

- ‌ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:

- ‌الكلمة الواحدة والستون:شرح اسم الله: «الجبار»

- ‌الكلمة الثانية والستون:شرح اسم الله: «الستير»

- ‌من آثار الإيمان بهذا الاسم (الستير):

- ‌الكلمة الثالثة والستون:شرح اسم الله: «الملك المالك المليك»

- ‌الكلمة الرابعة والستون:شرح اسم الله: «القوي المتين»

- ‌الكلمة الخامسة والستون:وقفات مع قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

- ‌(أ) امتثال الأمر:

- ‌(ب) التفويض إلى الله:

- ‌(ج) تفريغ القلب من الشواغل:

- ‌الكلمة السادسة والستون:غزوة تبوك أو العسرة

- ‌الكلمة السابعة والستون:دروس وعبر من غزوة تبوك

- ‌الكلمة الثامنة والستون:مقتطفات من سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌الكلمة التاسعة والستون:مقتطفات من سيرة سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌الكلمة السبعون:شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة» الحديث

الفصل: ‌الكلمة الواحدة والخمسون:وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

‌الكلمة الواحدة والخمسون:

وصايا لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (مراقبة الله، وإقامة الصلاة)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..

الوصية الثالثة: فمن وصايا لقمان الحكيم لابنه: مراقبة اللَّه تعالى:

قوله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} .

في هذه الآية من الفوائد:

1 -

ينبغي للواعظ والناصح أن يكون في موعظته ما يشعر بالإشفاق على المنصوح، فإن قوله: يا بني ليس تصغير احتقار وإنما هو تصغير إشفاق.

2 -

أن الموعظة لا تكون موعظة حقًّا حتى تشتمل على بيان عظمة الله وسعة علمه وبالغ قدرته، وهكذا كانت دعوة الأنبياء لأقوامهم، قال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه:

ص: 393

{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [سورة نوح، الآيات: 13 - 16].

وقد اشتمل القرآن أول ما نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تذكيره بعظمته ? فقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [سورة العلق، الآيات: 1 - 5]. وتعظيم الخالق في نفوس الخلق هو أول ما يجب على من دعا إلى الله، وبذلك أمر الله نبيه فقال:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [سورة المدثر، آية رقم: 3]، ولذلك تجد هذا المعنى في جميع قصص الأنبياء مع قومهم، ومن هنا يعلم الخطأ الكبير الذي يقع فيه بعض خطباء الجمعة الذين تخلو خطبهم من الموعظة، وإنما هي دروس علمية، ومسائل فقهية.

3 -

الهاء في قوله: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا} أي الخطيئة والحسنة، قال ابن جرير رحمه الله: لأن الله تعالى ذكره لم يعد عبادهُ أن يوفيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم فيقال إن المعصية إن تك حبة من خردل يأت بها الله، بل وعد كلا العاملين أن يوفيه جزاء أعمالهما»

(1)

.

(1)

. جامع البيان عن تأويل آي القرآن (8/ 6559).

ص: 394

4 -

في الآية بيان سعة علم الله وعظيم قدرته المحيطة بما دق وجل من خلقه، فإن حبة الخردل حبة متناهية في الصغر، ولدقيق علمه فإنه يأتي بها، وسواء في ذلك أن تكون في صخرة صماء أو في السموات أو في الأرض، ولذلك قال:{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} .

5 -

من أسماء الله الحسنى اللطيف والخبير، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} ، أي لطف في علمه وخبرته حتى اطلع على البواطن والأسرار وخفايا القفار والبحار.

وفي معنى هذه الآية وردت آيات أخر كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [سورة الأنبياء، آية رقم: 47]، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [سورة النساء، آية رقم: 40]، وقال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [سورة الزلزلة، آيتان رقم: 7 - 8]، وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ

ص: 395

وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [سورة يونس، آية رقم: 61].

الوصية الرابعة: إقامة الصلاة:

يوصي لقمان الحكيم عليه السلام ابنه بإقامة الصلاة فيقول فيما حكاه الله عنه: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} ، وفيها من الفوائد:

1 -

أن الصلاة من العبادات التي لا يستغني عنها البشر، ولذلك فرضها الله وشرعها لجميع الأمم لحاجتهم إليها، فمن دونها لا يطيب عيش، ولا يهنأ بال، ولا تسكن نفس، ولا تقر عين.

الصلاة هي قرة أعين الموحدين، وصلة العارفين بربهم، قال صلى الله عليه وسلم:«وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ»

(1)

، وقال صلى الله عليه وسلم:«قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»

(2)

، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. في إقامتها تستقيم حياة المرء، فيحفظه الله بها من الوقوع في المناهي، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت، آية رقم: 45]. مثلها كمثل رجل على نهر جار يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من

(1)

. سنن النسائي برقم (3939) من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي برقم (3680).

(2)

. سنن أبي داود برقم (4986) من حديث صهر محمد بن الحنفية، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود برقم (4171).

ص: 396

درنه شيء

(1)

، هي كما قال صلى الله عليه وسلم: «

والصَّلَاةُ نُورٌ»

(2)

.

وأمره ربه أن يبشر المصلين، قال صلى الله عليه وسلم:«بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(3)

.

فالصلاة لا تحصى فضائلها، ولا يُحاط بخصالها.

قال إبراهيم عليه السلام فيما حكاه الله عنه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)} [سورة إبراهيم، آية رقم: 40].

وقال تعالى لموسى وقومه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)} [سورة يونس، آية رقم: 87]، وقال تعالى عن زكريا:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [سورة آل عمران، آية رقم: 39]، وغير ذلك من الآيات الدالة على أن الصلاة لا تستغني عنها أمة من الأمم.

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء أنهم في قبورهم يصلون

(4)

.

(1)

. صحيح البخاري (528)، وصحيح مسلم برقم (667) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

. صحيح مسلم برقم (223) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

(3)

. سنن ابن ماجه برقم (781) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 130) برقم (633).

(4)

. أخرجه البزار برقم (6888) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وحسنه الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز (ص 272)، وقال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم موسى في قبره يصلي عندما أُسري به، وكذلك صلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقتدين به في تلك الليلة، كما ثبت في الصحيح.

ص: 397

ومن عجيب ما يذكر في ذلك ما جاء في قصة إسلام أبي ذر أنه كان في الجاهلية يصلي، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن الصامت رضي الله عنه أن أبا ذر رضي الله عنه قال له: وَقَدْ صَلَّيْتُ، يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثِ سِنِينَ، قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ

(1)

، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ

(2)

.

2 -

لم يقل لقمان لابنه: صل، وإنما قال له: أقم الصلاة، وبهذا اللفظ وردت أكثر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا اللفظ أبلغ وأشمل، فهو يدل على أن المطلوب أن تقام الصلاة على أكمل الوجوه، وما يشرع فيها من خشوع القلب والجوارح، قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} [سورة البقرة، آية رقم: 43]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} [سورة البقرة،

(1)

. الخفاء بكسر الخاء والمد: هوالغطاء، وكل شيء غطيته بكساء أو ثوب فذلك الغطاء خفاء.

(2)

. برقم (2473).

ص: 398

آية رقم: 277]، وغيرها كثير.

3 -

لا يصدق على العبد أن يكون مقيمًا للصلاة حتى يقوم فيها بالأمور التالية:

أ- أن يكون خاشعًا في صلاته مقبلًا فيها على ربه يعلم ما يقول فيها، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [سورة النساء، آية رقم: 43]، وقال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [سورة المومنون، آية رقم: 1 - 2].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا»

(1)

.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن الرجلين يقومان في الصف قد أديا أعمال الصلاة الظاهرة من التكبير إلى التسليم وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.

قال ابن القيم رحمه الله: «والناس في الصلاة على مراتب خمسة:

أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.

(1)

. سنن أبي داود من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما برقم (796)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 151) برقم (714).

ص: 399

الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكنه قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.

الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها لئلا يُضيْع شيئًا منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه سبحانه وتعالى فيها.

الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه رضي الله عنهما، ناظرًا بقلبه إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه رضي الله عنهما. فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب، لأن له نصيبًا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه

ص: 400

- عز وجل في الآخرة، وقرت عينه أيضًا به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات»

(1)

.

ب- أن يؤديها بشروطها وأركانها وواجباتها وتكمل إقامتها بالإتيان بما يُستحب فيها، قال صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»

(2)

.

ج- المداومة على أدائها حتى الممات، قال تعالى:{إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)} [سورة المعارج، آيتان: 22 - 23]، وكان من آخر ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ أنفاسه أن قال:«الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

(3)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

الوابل الصيب من الكلم الطيب، (ص 34 - 35).

(2)

. صحيح البخاري برقم (631) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

(3)

. سنن ابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم (2697)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 109) برقم (2183).

ص: 401