الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة عشرة
أهل الزكاة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..
«يبين الله في هذه الآية الكريمة أهل الزكاة وهم المستحقون لها، وهم الأصناف الثمانية. ويستفاد منه أنه لا يجوز أن تُصرف في غيرهم؛ لأن الحصر يقتضي إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه، فلا يجوز صرف الزكاة في بناء المساجد، ولا في بناء المدارس، ولا في إصلاح الطرق
…
ولا غير ذلك؛ لأن الله فرضها لهؤلاء الأصناف، فقال:{فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
(1)
.
(1)
. الشرح الممتع، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (6/ 219 - 220).
وإيضاح هذه الأصناف كما يلي:
الصنف الأول: الفقراء: جمع فقير، وهو من ليس لديه ما يسد حاجته وحاجة من يعول من طعام وشراب وملبس ومسكن، بأن لا يجد شيئًا، أو يجد أقل من نصف الكفاية، ويُعطى من الزكاة ما يكفيه سنة كاملة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ولو قيل أنه يُعطى إلى أن يصبح غنيًّا، ويزول عنه وَصْفُ الفقر لكان قولًا قويًّا، وكذلك القول في المسكين»
(1)
.
الصنف الثاني: المساكين: جمع مسكين، وهو من يجد نصف كفايته أو أكثر من النصف، كمن معه خمسة آلاف ويحتاج إلى عشرة آلاف، ويُعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة عام.
الصنف الثالث: العاملون عليها: جمع عامل، وهم الذين يرسلهم ولاة الأمر لجمع الزكاة من أهلها وصرفها لمستحقيها، فهم ولاة وليسوا أجراء، فلا يشترط أن يكونوا فقراء، بل يعطون ولو كانوا أغنياء؛ لأنهم يعملون لمصلحة الزكاة، فهم يعملون للحاجة إليهم، لا لحاجتهم، فإذا انضم لذلك أنهم فقراء، ونصيبهم من العمالة لا يكفي لمؤونتهم ومؤونة عيالهم، فإنهم
(1)
. الشرح الممتع، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (6/ 221).
يأخذون بالسببين، أي يعطون للعمالة ويعطون للفقر، لكن ينبغي التنبيه للآتي:
الأول: أنه ليس للعامل أن يأخذ لنفسه من الزكاة ما شاء، وإنما يأخذ ما يقدره له من أرسله من الحكام والولاة.
الثاني: أن من كان من هؤلاء العمال يعطى رزقًا أي يصرف له راتبًا فلا يحل له أن يأخذ من الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ»
(1)
.
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهي على أقسام:
1 -
الكافر يرجى إسلامه، فيُعطى ترغيبًا له في الدخول في الإسلام.
2 -
الكافر يعطى لكف شره وأذاه عن المسلمين.
3 -
المسلم يعطى ليسلم نظراؤه وإن كان حسن الإسلام، كعدي ابن حاتم رضي الله عنه.
4 -
من يُعطى ليزداد إيمانه وليثبت على الإسلام، وغيرهم ممن إذا أُعطوا كان ذلك تأليفًا لقلوبهم بجلب خير أو دفع شر.
(1)
. سنن أبي داود برقم 2943، وابن خزيمة برقم 2369، من حديث عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، واللفظ لهما. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير برقم 6023.
الصنف الخامس: في الرقاب: جمع رقبة، والمراد بها العبد المسلم أو الأمة المسلمة، يُشترى من مال الزكاة ويعتق، أو يكون مكاتبًا فيعطى من الزكاة ما يسدد به أقساط كتابته، ليصبح حرًّا، نافذ التصرف، ويتمكن من عبادة ربه، وكذا الأسير المسلم يُفك من الأعداء من مال الزكاة.
الصنف السادس: الغارمون: جمع غارم، وهو المدين الذي تحمل دينًا في غير معصية الله، سواء لنفسه في أمر مباح أو لغيره، كإصلاح ذات البين، فهذا يُعطى من الزكاة ما يسدد به دينه، والغارم للإصلاح بين الناس يُعطى من الزكاة وإن كان غنيًّا، لما رواه مسلم: أن قبيصة رضي الله عنه تحمَّل حمالة
(1)
بين فئتين متخاصمتين، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب أن يساعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ، رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ»
(2)
.
(3)
.
(1)
. يعني دينًا أو دية عن غيره للإصلاح.
(2)
. صحيح مسلم برقم 1044.
(3)
. سنن ابن ماجه برقم 1841 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، في شرحه لبلوغ المرام ص 396.
الصنف السابع: في سبيل الله: والمراد بهم الغزاة في سبيل الله، المتطوعون الذين ليس لهم راتب في بيت المال، فيعطون من الزكاة، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء.
الصنف الثامن: ابن السبيل: وهو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده، فيُعطى من الزكاة قدر ما يوصله إلى بلده.
وهذه بعض المسائل المتعلقة بالزكاة:
المسألة الأولى: الأصناف الذين لا يجوز صرف الزكاة لهم وهم:
1 -
الأغنياء، والأقوياء المكتسبون: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»
(1)
. ويستثنى ما تقدم ذكره.
2 -
الأصول والفروع والزوجة الذين تجب نفقتهم عليه، فلا يجوز دفع الزكاة لمن تجب على المسلم نفقتهم كالآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأولاد وأولاد الأولاد؛ لأن دفع الزكاة إلى هؤلاء يغنيهم عن النفقة الواجبة عليه، ويسقطها عنه، ومن ثم يعود نفع الزكاة إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه.
(1)
. مسند الإمام أحمد (29/ 486) برقم 17972، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين من حديث عبيد اللَّه بن عدي.
3 -
الكفار غير المؤلفين: فلا يجوز دفع الزكاة إلى الكفار لقوله صلى الله عليه وسلم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»
(1)
. أي أغنياء المسلمين وفقرائهم دون غيرهم؛ ولأن من مقاصد الزكاة إغناء فقراء المسلمين، وتوطيد دعائم المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك لا يجوز مع الكفار.
4 -
آل النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحل الزكاة لآل النبي صلى الله عليه وسلم إكرامًا لهم لشرفهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ»
(2)
.
وآل محمد هم بنو هاشم وبنو المطلب على الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ»
(3)
.
5 -
وكذلك لا يجوز دفع الزكاة لموالي آل النبي لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوَالِيَ القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»
(4)
.
(1)
. صحيح البخاري برقم 1395، وصحيح مسلم برقم 19 مطولًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
. صحيح مسلم برقم 1072 من حديث ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما.
(3)
. صحيح البخاري برقم 3140 من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(4)
. سنن أبي داود برقم 1650 من حديث أبي رافع رضي الله عنه، وسنن الترمذي برقم 652، واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي برقم 530.
وموالي القوم عتقاؤهم، ومعنى: من أنفسهم، أي فحكمهم كحكمهم، فتحرم الزكاة على موالي آل بني هاشم ..
6 -
العبد لا يدفع الزكاة إلى العبد: لأن مال العبد ملك لسيده، فإذا أُعطي الزكاة انتقلت إلى ملك سيده، ولأن نفقته تلزم سيده، ويستثنى من ذلك المكاتب، فإنه يُعطى من الزكاة ما يقضي به دين كتابته
(1)
.
فمن دفعها لهذه الأصناف مع علمه بأنه لا يجوز دفعها لهم فهو آثم.
المسألة الثانية: هل يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة؟
لا يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة على القول الصحيح، بل يجزئ دفعها لأي صنف من الأصناف الثمانية، لقوله تعالى:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} [البقرة: 271]. فنص على صنف واحد، وقوله صلى الله عليه وسلم:«تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»
(2)
، فنص على صنف واحد.
(1)
. وأجازها بعضهم للعبد إذا كان عاملًا على الزكاة.
(2)
. سبق تخريجه.
فهذه الأدلة وغيرها تدل على أن المراد بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} بيان المستحقين للزكاة لا تعميم المستحقين عند تفريقها.
المسألة الثالثة: في نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر:
يجوز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر قريب أو بعيد للحاجة، مثل أن يكون البلد البعيد أشد فقرًا، أو يكون لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد مثل فقراء بلده، فإن في دفعها إلى أقاربه تحصيل المصلحة وهي الصدقة والصلة، وهذا القول بجواز نقل الزكاة هو الصحيح، لعموم قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} أي الفقراء والمساكين في كل مكان
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لمجموعة من العلماء تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية ص 144 - 147، ومذكرة للدكتور أحمد الخليل في شرح زاد المستقنع ص 99 - 144 بتصرف.