الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحَجْرِ والصُّلْح والحَمَالة والحَوالة
يعي أن هذا الكتاب مشتمل على بيان ما يتعلَّق بأحكام الأشياء الأربعة وهي الحَجْرُ والصُّلْح والحَمَالة والحَوَالة، وفي كل منها أحكام ومسائلُ مستقلّة تتعلق بها، وستقف على جميع ذلك إن شاء الله تعالى فبدأ بما يتعلَّق بالحَجْرِ اهتمامًا بشأنه لأنه ضروري فقال رحمه الله تعالى:"يَحْجُرُ عَلَى الصَّغيرِ أَبُوهُ أَو وَصِيُّهُ أوِ الْحَاكِمُ" الحَجْرُ لغة المَنْع، وشَرْعًا صفة حُكمية توجِب مَنْعَ موصوفها من نفوذ تصرُّفه فيما زاد على قوته، كما توجب مَنْعَه من نفوذ تصرُّفه في تبرُّعه بزائد على ثُلُث مالِه. ثم إن الولِيَّ الذي له حَقُّ الحَجْرِ والولاية هو الأبُ في وَلَدِهِ الصغير سواء كان ذكرًا أو أنثى. ثم بعد الأبِ وصيُّه يقوم بولاية المحجور، ثم لِمَنُ أوْصَى به الوصِيّ؛ لأن وَصِيَّ الوَصِيَّ كالوَصِيّ، فإن لم يكن الأب كأن مات أو غاب غيبة بعيدة ولم يُوصٍ كانت الولاية في شؤون الصغير للحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه في مصلحة الصغير، وإن لم يوجد حاكم شرعي فالولاية واجبة لجماعة المسلمين.
قال رحمه الله تعالى: "حَتَّى يَبْلُغَ أَوْ يُؤْنَسَ رُشْدُهُ بِإِصْلَاحِهِ الْمَالَ والأُنثَى مَدْخُولاً بها" يعني أن غاية الحَجْرِ في الصغير إلى بلوغه رشيدًا أو يؤنس رشده بإصلاح المال. قال الدردير في أقرب المسالك: والصبي لبلوغه رشيدًا في ذي الأب، وفَكُّ الوصِيَّ والمقدَّم، وزيد في الأنثى دخول زوْج بها وشهادة العدول بحِفْظِها. والحاصل أن الصبي إذا رشد بِحِفْظ مالهِ لا يحتاج إلى فَكَّ الحَجْرِ عنه من أبيه، بخلاف المقدَّم
والوَصِي فيحتاج بأن يقول للعدول: اشهدوا أني فَكَكْتُ الحَجْرَ عن فلان وأطْلَقت له التصرُّف لِما قام عندي من رُشدِهِ وحُسْنِ تصرُّفه، فتصرُّفه بعد الفَّ لازم لا يُرَدُّ ولا يحتاج لإذْن الحاكم في الفَكّ، وزِيد على البلوغ والرُشْد وفَكَّ الوصي والمقدَّم في الأنثى دخول زوج بها بالفعل وشهادة العدول بحِفْظِها مالَها، وإنَّما احتيج للإشهاد لأن شأن النساء الإسراف، فمدار الرُّشد عندنا على صَوْن المال فقط دون صَوْن الدّيْن اهـ. انظر حاشية الصاوي عليه.
قال رحمه الله تعالى: "ولا تُشْتَرَطُ العَدَالَةُ" المراد بالعدالة هنا حُسْن التصرُّف كما في حاشية الصاوي، وبعبارة أخرى: لا تُشْتَرَط العدالة في دعوى البلوغ وعدمها لأنها لا اعتبار بها هنا؛ لأنها تارة تُقْبَل وأخرى تُرَدّ. قال العلاّمة الجزيري في فِقْهِ المذاهب: وإذا ادَّعى الصغير البلوغ أو عدمه فإن له حالتَيْن: الحالة الأولى أن يشكَّ في صِدْقِه، وفي هذه الحالة ثلاث صُوَر: الصورة الأولى أن يدَّعي البلوغ ليأخذ مالاً أو ليثُثبت عليه مالاً للغير، فالأول كأن يدَّعي البلوغ ليأخذ سَهْمَه في الجهاد، والثاني كأن يدَّعي عليه شخص بأنه أتلف له مالاً اوؤئمن عليه وأنه بالغ فأقرَّ بذلك وخالفه الولي. وفي هذه الصورة لا تسمع دعواه مع الشكّ فيها. الصورة الثانية أن يدَّعي البلوغ ليثبت طلاقه من امرأته، أو يدَّعي عدم البلوغ ليفرَّ من إثبات طلاقها، وفي هذه الصورة تُقْبَل دعواه إثباتًا ونَفْيًا. الصورة الثالثة أن يدَّعي البلوغ ليفرّ من عقاب جناية ارتكبها، وفي هذه الصورة تُقْبَل دعواه مع الشكَّك في صِدْقِه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. أمَّا إذا ادَّعى البلوغ ليثبت على نفسه مع الشك في صِدْقِه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. أمَّا إذا ادَّعى البلوغ ليثبت على نفسه جناية فإنه لا يَصْدُق مع الشكّ لهذه العلة. الحالة الثانية ألَاّ يُشَكّ في صِدْقه، وفي هذه الحالة تُقْبَل دعواه في الأموال أيضًا إثباتًا ونفيًا. فإذا ادَّعى أنه بلغ ليأخذ سهمه في الجهاد أو ليأخذ مالاً مشروطًا ببلوغه أو نحو ذلك فإن دعواه تُقْبَلأ حيث لم يشك في صِدْقه،
وكذلك تُقْبَل في الأمور الدينية المتوقفة على البلوغ كالإمامة وتكملة عدد جماعة الجمعة.
قال رحمه اللَّه تعالى: "وَاْبُلُوغُ بالإِنْباتِ أَوْ بُلُوغ ثَمَانِي عَشرَةَ سَنة. وقال ابْنُ وهْبٍ: خَمْسً عَشَرَةَ وَيُزَادُ في الأُنْثني الْحَيْضُ والْحَمْلُ" يعني أن علامة البلوغ تكون بالأشياء المعلومة، منها خروج المني من الذَّكَر يقظة أو منامًا، ومنها ظهور الحَمْل والحيض في الأنثى. ومنها بلوغ ثماني عشرة سنة على المشهور، وقيل خمس عشرة وهو قول ابن وهب، لحديث ابن عمر، وهو مشهور مذهب الشافعي. ومنها إنبات شعر العانة الخشن غير الزغب؛ فإنه ليس بلعامة البلوغ، ومتى نَبَتَ شعر العانة الخشن كان ذلك علامة على التكليف بالنسبة لحقوق الله تعالى من صلاة وصوم ونحوهما، وحقوق عباد اللَّه على التحقيق. ومنها نَتَنُ الإبط. ومنها فرق أرنبة الأنف. وأمَّا إنبات شعر اللحية والشارب فإنهما ليسا بعلامة، فقد يبلغ الإنسان قبل أن ينبت له شيئ من ذلك بزمن طويل. ومنها غِلْظُ
الصوت قال المأزري: البلوغ هو قوّة تحدث في الصبي يخرج بها عن حالة الطفولية إلى حالة الرجولية، وتلك القوة لا يكاد يعْرفها أحد، فجعل الشارع لها علامات يُسْتَدَلُّ بها على حصولها اهـ. قال الشيخ يوسف بن عمر في كتاب الصيام في شرح الرسالة: ولا قائل باعتبار التنهيد خلاف ما في حاشية الصاوي على الجلَالَيْن من قوله: ومن علامات البلوغ الحيض وكِبَرُ الثَّدي للإناث، ونبات العانة ونَتَنُ الإبط وفرق الأرنبة وغِلْظُ الحنجرة، فإذا وُجِدَتْ تلك العلامات حُكِمَ ببلوغه عند مالك، وأمَّا عند الشافعي فلا يُحْكَمُ بالبلوغ إلَاّ بالاحتلام أو الحيض أو بلوغ خمس عشرة سنة وما عدا ذلك علامة على البلوغ ولا يُحْكَمُ عليه به اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وَيُخْتَبَر بِحُسْنِ تَصَرُّفِهِ" يعني أن المحجور يختبر بحُسْن تصرُّفه في ماله، فإذا حَسُن تصرُّفه وعُدِم تبذيره في المال فحينئذٍ ينفكُّ عنه ويدفع له ماله
بالبيَّنة وهو معنى قوله تعالى: " وابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ إلى قوله: فَإذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [النساء: 6] الآية قال ابن رشد: حدُّ الرشد حُسْنُ النظر في المال ووَضْعُ الأمور في مواضعها اهـ.
قال رحنه اللَّه تعالى: "وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيَّ في دَفْع الْمالِ إلَيْهِ إِلَاّ بِبينَّةٍ، كَدَعْواهُ دَفْعَ نَفَقَتِهِ إِلَى حَاضِنَتِهِ" قال في الرسالة: وكذلك على وَلَيَّ الأيتام البيَّنة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم، وإ، كانوا في حضانته صَدَقَ في النفقة فيما يشبه، ونحو في المدوَّنة. وقال فيها: ويَصْدُق في الأنفاق عليهم إن كانوا في حَجْرِه ما لم يأتِ بسرف. قال عياض قال مالك وابن القاسم وأشهب: بعد يمينه، قال: هذا لا يختلف فيه. قال أبو عمر: ولو أراد الوصيُّ أن يحاسب بما لا بدَّ منه ولا يُشَكُّ فيه ويسقط مازاد فلا يمين عليه. قال عياض: لابدَّ من يمينه لاحتمال استغناء اليتيم عن مثل تلك النفقة التي لا شكَّ فيها أيَّامًا متفرَّقة أو متوالية لمرض أو صِلة من أحد. ومفهوم ما هنا أنه إذا ادَّعى ما لا يشبه لا يُقْبَل، ونحوه عن الموازية اهـ نَقَلَه الشيخ زروق في شرحه على الرسالة فالواجب على وَلِيَّ الأيتام البيَّنة عند الدفع للآية المذكورة.
قال رحمه الله تعالى: "وَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَالِهِ وَمَأْلُوفِهِ" يعني على الوَصِيَّ أن يُوَسَّعَ لمحجوره الحال والمال في نفقته وكِسْوَتِه على حَسَبِ المالوف في طبيعة بمراعاة المعروف والمصلحة في شأنه بدون إسراف ولا تقتير في ذلك، لأن خَيْرَ الأمور أوسطها كما وَرَدَ. قال الدردير في أقرب المسلاك: وللوصِيَّ اقتضاء الدَّيْن وتأخيرُ لنظره والنفقة عليه باملعروف كخضتْنِه وعُرسه وعيدِه ودَفْعِ نفقة له قَلّت، وإخراج فِطْرَتِه وزكاتِه، ودَفْع مالهِ قِراضًا وإيضاعًا، ولا يعمل به ولا يشتري من التركة، وتعقب بالنظر إلَاّ ما قلَّ وانتهت فيه الرغبات، والقول له في النفقة وقدرها إن أشبه بيمين لا في تاريخ الموت ولا في الدفع بعد الرُّشد إلَاّ لبيَّنة اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ولَهُ تَنْمِيَةُ مَالِهِ فَإنْ كَانَ فَقِير فَلَهُ أُحجْرَةُ مِثْلِهِ" يعني للوصي تنمية مال اليتيم الذي في حَجره بالتجارة فيها بنفسه. أو يدفعها قراضًا لغيره لمصلحة لليتيم في الربح، لكن ذلك ليس بواجب على الوصِيّ. قال الصاوي في حاشيته على أقرب المسالك: بل يندي له ذلك. وقول عائشة: "اتجِروا في مال اليتامى لا تأكلها الزكاة" حَمَلَه ابن رشد على الندب. وقال الشاعبي بوجوب التنمية على حَسَبِ الطاقة أخْذًا بظاهر الحديث اهـ.
قوله: فإن كان فقيرًا فَلَهُ أجْرة مِثْلِه: أي لقوله سبحانه وتعالى: طوَمَن كَانَ فَقِيرًا فَليَأكُل بِالمَعروفِ" [النساء: 6] قال الحافظ السيوطي: بقدر أجْرة عمله، أي ما لم تَزِدْ على كفايته وإلَاّ فَلَهُ كفايته فقط، وهذا مذهب الشافعي. وعند مالك له أجرة مِثْلِه مطلقًا زادت على كفايته أو لا اهـ بطرف من الصاوي عليه. قال ي أقرب المسالك: ويتصرَّف الوَلِي بالصملحة؛ فَلَهُ تَرْكُ شُفعةٍ وقِصاص فيسقطان، ولا يعفو مجانًا، ولا يبيع عقار يَتيم إلَاّ لحاجة بينةٍ أو غبطة، أو لِخَوْفٍ عليه من ظالم، أو لكونه موظفًا أو حصةٍ أو قلَّةِ غلَّتِه، أو بين ذِمَّييَّن، أو جيران سوء، أو في محل خوف، أو لإرادة شركيه بيعًا ولا مال له، أو لخشية انتقال العمارة، أو الخراب ولا ما له، أو له مال والبيع أوْلى فيستبدل له خلافَهُ اهـ.
قال رحمه الله: "وَالسَّفيهِ الْحَكِمُ" بكسر الهاء المكفوفة معطوف على الصغير في قوله: يَحْجُرُ على الصغير أبوه أو وصيّه أو الحاكم. والمعنى يتولى الحَجْر على السفيه الحاكم. قال ابن جزي: فإذا ثبت سَفْهُه حَجَرَ عليه القاضي وإن كان كبيرًا خلافًا لأبي حنيفة اهـ. قال الدردير: والسَّفْ: التبذير بصرف المال في
معصية كخمر وقمار، وفي معاملة بِغُبْن فاحش بلا مصلحة أو في شهواتٍ على خلاف عادة مثله، أو بإتلافه هدرًا اهـ.
قال رحمه اللَّ تعالى: "وَيُفَكُّ حَجْرُهُ بإِصْلاحِهِ الْمَالَ كَالْمَجْنُونِ" يعني كما قال ابن جزي: للقاضي ترشيد المحجور إذا ثبت عنده رُشدُه سواء كان بوصِي أو بغير وَصِيّ، وتقدَّم لنا أن المحجور يختبر بحُسْن تصرُّفِه في مالِه، فإذا تحقَّق حُسْنُ تصرُّفه وعدم تبذيره ف يالمال بعد إثبات بلوغه ورُشْدِه فحينئذٍ ينفكُّ حَجْرُه. قال الجزيري:
وصورة الفك أن يقول الوصي لعدلين أو أكثر: اشهدوا أني فَكَكْتُ الحَجْرَ عن فلان محجور، وأطلقت له التصرف، وملكت له أمره لما قام عندي من رشده وحِفظه لمَالِه اهـ. وما تقدَّم من صفة الفكَّ عن السفيه ومثله المجنون كما في المصنَّف.
قال رحمه الله تعالى: "وَلَا يُتَّبَعُ بِمَا اْتَدَانَهُ حَالَ حَجْرِهِ بِغَيْرِه إِذْنٍ" قال التلقين: من استدان من المحجور عليه دَيْنًا بغير إذْن وَليَّه ثم فُك حَجْرُه لم يلزمه ذلك فيمن حُجِرَ عليه لِحَقَّ نفسه كالسَّفيه والصغير، ولزم فيمَن حُجِرَ عليه لِحَق غيره كالعبد يُعْتَق إلَاّ أن يفسخه عند السيد قبل عَتْقِه اهـ نَقَلَهُما الحطاب. وأمَّا تصرفات المحجور قبل الحَجْر ففيه قولان. قال في أقرب المسالك: وتصرُّف الذكر قبل الحجر عليه ماض أي لازم لا يُرَدّ، ولو تصرَّف بغي رعِوَض كعَتْقٍ؛ لأن علّة الرّدّ الحَجْ عليه وهو مفقود، وهذا هو قول مالك وكبراء أصحابه. وقال ابن القاسم: لا يمضي، فلِمَنْ يتولى عليه من حاكطم أو مقدَّم الدرُ أو الإجازة، وله إن رشد، والمعتمد الأول اهـ. انظر حاصله في حاشية الصاوي عليه.
قال رحمه الله تعالى: " بِخِلافِ الْعَبْدِ بَعْدَ عَتْقِهِ مَا لَمْ يُسْقِطهُ سَيَّدُهُ وَهوَ يَمْلِكُ مِلْكًا مُزَلْزَلاً وَلِسَيدِهِ انْتِزَاعُهُ" يعني أن العبد إذا عَتَقَهُ سيَّده يتبع في
ذمَّته بما استدانه بغير إذْن إلَاّ أن يسقطه السيَّ قبل العَتْق فيسقط: وقوله: وهو يملك مِلكصا مزلزلاً يعني غير عام. قال شارح الرسالة: وما ذكره من أن ما بيد العبد له إلخ مبني على أه يملك لكن ملكه غير تام. وقيل لا يملك وبنوا على ملكه جواز وطء السيد لجارية عبده وعدم وجوب الزكاة في مال العبد لعدم كمال الملك، وبنوا على عدو الملك أيضًا أه إذا اشترى العبد من يعتق على سيده فإنه يعتق على السيد أهـ. ويؤيد القول بعدم الملك التام قوله: ولسيده انتزاعه، ويدل على أنّ له ملكًا إلا أن ينزع السيد منه قول أبي محمد في الرسالة وغيرها: ومال العبد له إلا أن ينتزعه السيد، فإن أعتقه أو كاتبه ولم يَسْتَثْنِ مالَه فليس له أن ينتزعه، هذا يدلُّ على أن ماله ملك له، وهو نص المدونة وهو المشهور في المذهب اهـ بمعناه.
قال رحمه الله تعالى: "وَتَبَرُّعَاتُ الزَّوْجَةِ في ثُلُثِها، ولِلزّوجح رَدُّ الزَّائد، فَإنْ لَمْ يَعْلَمْ إلا بعد موتها أو إبانتها مَضَى" يعني إذا تبرَّعت المرأة بأكثر من ثُلُث ماتلِها فلزوجها رَدُّ الزائد ما دامت في عصمته، وإن حصلت الفرقة بموت أو طلاق بائن ولم يعلم بذلك مضي ما فعلت من التبرُّع. قال ابن جزي: وأمَّا المرأة فإنَّما يُحْجَ ر عليها إذا كانت ذات زوج أن تتصرَّف بغير عِوَض كالهبة والعَتْق فيما زاد على ثُلثُ مالِها، خلافًا لهما أي للشافعي وأبي حنيفة، وإذا تصرَّفت في أكثر من الثُّلُث فقيل: تبطل الزيادة على
خاصة. وقيل: يبطل الجميع. ولها التصرُّف بِعوَض في جميع مالِها وبغير عِوَض في الثلث فما دون إلَاّ أن تكون قد أضمْمتعت زوجها في مالِها فليس لها التصرُّ في شيئ مما أمتعته فيه لا بِعِوَضٍ ولا بغير عِوَض إلَاّ بإذنه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "ولِلمَرِيضِ نَفَقَتُهُ مِنْ رَأس مَالِهِ، وَيُمْنَعُ مِنَ التَّبرع بِما زَاد عَلَى الثلثِ" يعني للمريض المحجور عليه نفقته من رأس ماله. ومثل النفقة ما يشتري به الدواء وأجْرة الطبيب، وما يحتاج إليه في مرضه كل ذلك من رأس مالِه
وَيُمْنَع تبرُّعه بما زاد على الثُّلُث كالزوجة. قال الصاوي في حاشيته على الدردير: حاصلة أن المريض مرضًا مخوفًا إذا تبَّرع في مَرَضِه بشيئ من مالِه با، أعْتَقَ أو تَصَدَّق أو وَقَفَ إن ذلك يوقَف لموته كثيرًا كان أوقليلأن وبعد موته يقوم ويخرج كله من ثُلُثِه إن وَسِعه وإلَاّ خرج ما وَسِعَه الثُّلُث فقط، وقُدم الأهمُّ فالأهم كما يأتي في الوصايا، فإن صحَّ ولم يَمُتْ مضى جميع تبرُّعاته، هذا إذا كان مالُه الباقي بعد التبرُّع غير مأمون كالحيوان والعُروض، وأمَّا لو كان الباقي مأمونًا وهو الأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر فإن ما بتله من عَتْقٍ أو صَدَقة لم يوقَف وينفذ ما حِمْلُهُ الثُّلُث عاجلاً ووُقِفَ منه ما زاد، فإ، صحَّ نفذ الجميع، وإن مات لم يمض غير ما نفذ اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وَالزَّحِفُ فِي الصَّف، وَالرَّاكب اللُّجَّة فِي الْهَوْلِ والْحَاملُ تَبْلُغُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَالْمَرِيضِ. وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَخُوفِ كَالْجُنُونِ والْجُذام وَالْبَرَص حُكْمُ الصَّحَّةِ" يعني يلحق بالمريض في استحقاق الحَجْر كل مرض ينشأ الموت فيه غالبًا، بخلاف المرض الخفيف فلا يُحْجَرُ به، وعبارة ابن جزي في القوانين أنه قال: وأمَّا المريض فهو نوعان: مريض لا يُخاف عليه الموتُ غالبًا كالأبرص والمجذوم والأرمد وغير ذلك فلا حَجْرَ عليه أصلأن ومريض يخاف عليه في العادة كالحُمّى والسُّل وذات الجنب وشبه ذلك فهذا هو الذي يُحْجَرُ عليه، فيُمْنَعُ ممَّا زاد على قدر الحاجة من الأكل والشرب والكِسْوة والتداوي. وممَّا يخرج من ماله بغير عِوَض كالهِبَة والعَتْق وال يُمْنَع من المفاوضةإلَاّ إن كان فيها محاباة، فإن مات كان ما فعل ممَّا يُمْنَع منه في ثُلْثِه، وإن عاش كان في رأس ماله، وإنما الحَجْرُ عليه لحِحقَّ وَرَثَتِه. ويُلْحَقُ به من يخاف عليه الموت، كالمقاتل في الصف، والمحبوسللقتل، والحامِل إذا بلغت ستة أشهر. واختلف في راكب البحر وقت الهول اهـ إلى جميع ذلك أشار الدردير في أقرب المسالك عاطفًا على