الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العارية والوديعة
أي في بيان ما يتعلَّق بأحكامها وقد جعل رحمه الله تعالى لكل واحدة منهما فَصْلاً مستقلاً يختص بما يخصها من الأحكام كما ستقف عليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال رحمه الله تعالى: "الْعَارِيَةُ" أي بالمعنى اللغوي، أي هي الشيئ المُعَار كالإناء، ومعناها عُرْفًا فكما قال المصنف هي "تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ" قال في أقرب المسلاك الإارة تمليك منفعة مؤقتة بلا عوض، وهي مندوبة. ورُكْنُها مُعيرٌ وهو مالك المنفعة بلا حَجْرٍ وإن بإعارة أو إاجارة، ومستعيرٌ وهو مَنْ تأهل للتبرع عليه، لا مسلم أو مِصْحَف لكافر. ومستعار وهو ذو منفعة مباحة مع بقاء عينه لا جارية لاستمتاع بها، والعينُ والطعامُ قَرْضٌ وما يدلُّ عليها اهـ وعبارة أبي محمد في الرسالة أه قال: والعارية مُؤداةٌ. قال شارحها: واعلم أن الكلام على العارية من وجوه: الأول في حُكْمِها. وهو الندب هذا حُكْمُها الأصلي لأنها إحسان، وتتأكَّد في الأقارب والجيران والأصحاب، وقد يعرض لها الوجوب لِمَن معه شيئ مستغنّى عنه وطلبه مَنْ يُخْشَى عليه الهلاك بتَرْكِه ككسَاء في شدّة بَرْدٍ، والحُرْمَة إذا كانت تعين على معصية، والكراهة إذا كانت تعين على فِعْل مكروه، والإباحة إذا أعهان بها عنيًّا، دل على الإذْن فيها الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، أمَّا الكتاب فقوله تعالى:"وافعلوا الخير"[الحج: 77] وأمّا السنّة فَلِمَا في الصحيحَيْن من أنّ رسول الَّه صلى الله عليه وسلم استعار فَرَسًا من أبي طلحة، واستعار من صفوان بن أمية دِرْعه يوم حنين، فقال له أغَصْبٌ يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة. وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "العارِية مؤدَّاةٌ، والمِنْحَة مردودةٌ، والدَّيْن مَقْضِي، والزعيم غارمٌ" قال الترمذي حسن صحيح. والمِنْحَة: الشاة أو نحوها تُعار لأخْذ لَبَنِها. وأمَّا الإجماع فقد حكاه شيوخ المذهب. الثاني من الوجوه من أركانها الأربعة المعير، وشَرْطُه أن يكون من أهل التبرُّع وملاكِاً للمنفعة التي يريد الإعانة بها، ولو بإجارة أو استعارة لأنّ للمُعِير ان يُعِيرَ إن لم يَحْجُرْ عليه المُعِيرُ له ولو بلِسَان الحال، كأن يُفْهَمُ منه أنه لا يَسْمَحُ بإعارتها لغير اهذا المستعير. والمستعير، وشَرطْطه أن يكون ممَّن يجوز شَرْعًا انتفاعه بالعَارِية، فلا تصحُّ إعارة المصحَف للكافر، أو الغلام المسلم لِخدْمَة الكافر.
والشيئ المُعار، وشرطه أن يكون يمكن الانتفاع به من بقاء ذاته كالكتاب والثوب والبيت، بخلاف الطعام والنقد فلا يُعاران؛ لأنهما يستهلكان عند الانتفاع بهما، وإنما يقرضان، وأن تكون منفعته مباحة لمستعير فلا تعار الأمة أو الزوجة للاستمتاع بهما، ولا الأمَة لخدمة بالَغ غير محرَمٍ أو لِمَن تُعْتَقُ عليه لأنّ الخدمة فرع الملك، ومِلْكُها لا يستقرُّ لِمَن تُعْتَقُ عليه. وإن أعِيرت الأمَة أو العبد لِمَن يُعتقان علهي لم تصحَّ العارية، ويملكان خدمتهما تلك المدّة، ولا يملكها السيد ولا المستعير. وما به العارية وهي الصيغة من قول أو فعل تُفْهَمُ منه العارية. ثم إن قُيدت بزمن فلا إشكال في لزومها لأنها معروف وهو يلزم بالقول، وإن لم تُقَيَّدْ بزمن فاللازم ما تُعار لِمِثْلِه. قال خليل: ولزمت المقيَّدةُ بعمل أو أجلٍ لانقضائه وإلا فالمعتادة اهـ النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: "وَضَمَانُهَا كالرَّهْنِ" يعني أنّ ضمان العارية كضمان الرهن. يضمن ما يُغاب عليه ولا يضمن ما لا يُغاب عليه نحو عَبْدٍ أو دابة، إلَاّ أن يتعدَّى فَيَضْمَن. قال في الرسالة: والعارية لا يصدق في هلاكها فيما يُغاب عليه كما تقدَّم فراجِعْه إن شئت. قال بعضه: العارية مندوبة، وهي تميلك منفعة عين مباحة بلا عِوَض، إلَاّ البُضْع، وأمَة شابة لغير امرأة ومحرَمخ، وعَبْدًا مسلِمًا لكافر فلا تصح إعارتهم مَنْ يصحُّ
تبرُّعُه مع بقاء عين العارية إذا كان المستعير ممَّنْ يصحُّ أن يتبرَّع عليه وضمن المستعير ما يثغاب عليه إلَاّ ا، يقيم بيَّنة على التَّلَفِ أو الضياع لا غيره ولو بِشَرْط، وإن حمَّل الدابة ما تُعْطَبُ به وعُطِبَتْ أُلزِم بدَفْع قيمتها لربَّها، وصَدقَ المستعير في رَدَّ ما لم يضمن إن لم يقبضه ببينة مقصودة للتوثق اهـ. قاله الشيخ محمد بن أحمد الشنقيطفي في الآيات المحكمات.
قال رحمه الله تعالى: "فَإِنْ أَعَارَ إِلَى أَجَلٍ فَلَا رُجُوعَ قَبْلَهُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَحَتَّى يَنْتَفِع بِها انْتِفَاعَ مِثْلِها: يعني كما تقدم إن قيَّده بزمن فلا إشكال، وإن لم يقيّد بأن أطلق فالعبرة حينئذ بالعادة في مثلها. قال ابن جزي في القوانين الثالث أي من أحكام العارية اللزوم، فإن كانت إلى أجَل معلوم أو قَدْرٍ معلوم كعارةي الدابة موضع كذا لم يُجزظْ لِرَبَّها أخْذُها قبل ذلك ذلك، وإلا لزمه إبقاؤها قَدْر ما ينتفع بها الانتفاع المعتادز قال أشهب: له أن يأخذها متى شاء اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وَلِمْمُسْتَعِيرِ أَن يُعيرَ وَإذّا عيَّن مَنْفَعَة لَمْ يَكُنْ لهُ مُجَاوَزَاتُها" يعني للمستعير أن يعِيرَ لغيره، إلَاّ إذا اشترط له المُعِير عَدَم الإعارة للغير فيمتنع. قال ابن جزي: الانتفاع حسبما يؤذَن له. قال خليل: وفَعَلَ المأذونَ، ومثلَه، ودونه، لا أضرَّ. قال في المدوَّنة: مَنِ استعار دابة ليحمَّل عليها حِنْطة [25][26] فحمَّل عليها حجارة فكلُّ ما حَمَّل ممَّا هو أضرَّ بها ممَّا استعارها له فعُطِبَتْ به فهو ضامن، وإن كان مثله في الضَّرَر لم يَضْمَنْ، كحِمْلِه عدسًا في مكان حِنطة، أو كتّانًا أو قطنًا في مكان برّ، وكذلك من اكتراها لحِمْل أو ركوب فأكراها من غيره في مثل ما اكتراها له فُعطِبتْ لم يَضْمَنْ، وإن اكتراها لحِمْل حنطة فرَكِبَها فَعُطِبَتُ فإن كان ذلك أضرَّ وأثقل ضمن وإلَاّ لم يضمن اهـ. وتقدَّم لنا مثل هذه المسألة في كتاب الإجارة عند قراءة: وحمل الأضرّ، وارتكابُ غير المماثل، وسلوكُ الأشقّ أو الأبعد اختيارًا يوجب ضمانها، فراجِعْه إن شئت.