الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيعتق المدبر. اهـ. قال الشارح: وهذا على ما قال: إن النصراني إذا دبر عبده النصراني ثم أسلم العبد فإنه انتهى إلى حكم بين مسلم ونصراني ينظر فيه على حكم الإسلام، ولا يجوز بيع المدبر فيلزم نماؤه على حكم التدبير لكنه تزال يد السيد عنه ويخارج له؛ لأن الذي بقي له فيه منافعه، فيمنع من مباشرة استيفائها ويباع من غيره من المسلمين فيستوفيها ويدفع إليه ثمنها، فإن مات النصراني عن دين يستغرق ماله بيع المدبر وقضي منه دينه، وإن لم يكن عليه دين أعتق في ثلثه
أو ما حمل منه ثلثه على حسب ما يفعل لو كان السيد مسلمًا لا فرق بينهما إلا في إزالة يده عنه ومنعه من استخدامه. والله أعلم وأحكم. اهـ. انظر المنتقى للباجي.
ولما أنهى الكلام على ما تعلق بمسائل التدبير والمدبر انتقل يتكلم على ما يتعلق بأحكام أم الولد فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في أم الولد
أي في بيان ما يتعلق بأحكام الأمة التي استولدها سيدها وتسمى أم ولد لإتيانها به من سيدها. قال العلامة الدردير: أم الولد هي الحرة حملها من وطء مالكها. وقال الصاوي في حاشيته عليه: وأم الولد في اللغة: عبارة عن كل من لها ولد وهي في استعمال الفقهاء: خاصة بالأمة التي ولدت من سيدها الحر. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (تعتق المستولدة بالموت من رأس المال وإن كان مدينًا ولم يترك غيرها أو استولدها بعد استدانته أو وضعت غير مخلق)، يعني كما قال في أقرب المسالك: وتعتق من رأس ماله إن أقر بوطئها ووجد الولد أو ثبت إلقاء علقة ففوق ولو بامرأتين. وفي الرسالة: وكل ما أسقطته مما يعلم أنه ولد فهي به أم ولد. قال في القوانين: فمن وطئ أمته فحملت صارت له أم ولد، سواء وضعته كاملاً أو مضغة أو
علقة أو دمًا إذا علم أنه حمل. وقال أشهب: لا تكون أم ولد بالدم المجتمع، ويرد قول أشهب أن يقال: بأن المراد بالدم المجتمع هو الذي يسمى علقة إذا صب عليه الماء الحار لا يذوب بل يزيد تجمدًا، وهذا معنى قوله: أو وضعت غير مخلق كما سبق آنفًا، وهو معنى قول الرسالة: وكل ما أسقطته مما يعلم أنه ولد فهي به أم ولد فتأمل. اهـ بمعناه.
قال رحمه الله تعالى: (ولا يجوز له إخراجها عن ملكه بغير العتق وله الاستمتاع بها والاستخدام الخفيف)، يعني أنه لا يجوز للسيد أن يبيع أم ولده، ولا أن يهبها ولا أن يفعل بها شيئًا مما يؤدي إلى خروجها عن ملكه إلا العتق، وفي الرسالة: فله أن يستمتع منها في حياته وتعتق من رأس ماله بعد مماته، ولا يجوز بيعها ولا له عليها خدمة ولا غلة، وله ذلك في ولدها من غيره، وهو بمنزلة أمه في العتق يعتق بعتقها. اهـ. وحاصل ما نقل عن عياض، رضي الله عنه، أنه قال: لأم الولد حكم الحرائر في ستة أوجه، وحكم العبيد في أربعة أوجه. فأما الستة فلا خلاف عندنا أنهن لا يبعن في دين ولا غيره ولا يرهن ولا يوهبن ولا يؤجرن (1) ولا يسلمن في جناية ولا يستسعين، وأما الأربعة: فانتزاع أموالهن ما لم يمرض
السيد، وإجبارهن على النكاح على قول، واستخدامهن لكن في خفيف الخدمة فيما لا يلزم الحرة، والاستمتاع بهن وله أرش الجناية عليهن. وزيد على ذلك: عدم شهادتهن، وحدهن نصف حد الحرة وعدم إرثهن وعدم القيم لهن في المبيت اهـ. نقله النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: (ولو اشترى زوجته بعد وضعها لم تكن به أم ولد)، يعني أن الزوج لو اشترى زوجته بعد وضعها من حملها منه لا تكون بذلك الوضع أم ولد له؛ لأنه قبل الشراء، أما لو اشتراها وهي حامل منه لكانت به أم ولد. قال
(1) أي إلا برضاهن، قاله خليل في المختصر.
خليل: مشبه بها كاشتراء زوجته حاملاً لا بولد سبق. قال ابن شرد: اختلف قول مالك فيمن تزوج أمة ثم اشتراها وهي حامل، فمرة قال: إنها تكون أم ولد؛ لأنه عتق عليه وهو في بطنها، وهو مذهب ابن القاسم، وأكثر أصحاب مالك، وبه العمل كما في أقرب المسالك، وأما لو وضعت قبل الشراء فلا تكون به أم ولد، وإليه أشار خليل بقوله: لا بولد سبق. وفي المدونة: إن اشترى زوجته وقد كانت ولدت منه قبل الشراء لم تكن به أم ولد، إلا أن يشتريها حاملاً منه اهـ. نقله المواق. انظر الخرشي.
قال رحمه الله تعالى: (وفي أمة المكاتب والمدبر روايتان)، فالمشهور صيرورتهما أم ولد بوطء سيد المكاتب والمدبر إن حملتا. قال الدردير: أو حمل من وطء شبهة إلا أمة مكاتبه فتكون له أم ولد، أي من وطئ أمة عبده المكاتب فحملت منه فإنها تكون أم ولد للواطئ ولا حد عليه للشبهة، ويغرم قيمتها لمكاتبه، وتعتبر قيمتها يوم الحمل، فإن لم تحمل فلا يملكها ولا يغرم لها قيمة. اهـ. بطرف من الصاوي.
قال رحمه الله تعالى: (وفي إسلام مستولدة الذمي يعرض عليه الإسلام فإن أبى فهل تعتق أم تباع عليه؟ روايتان)، والصحيح أنها تعتق ولا تباع، ويكون ولاؤها لجميع المسلمين، إلا أن يسلم سيدها بعد ذلك فيرجع إليه ولاؤها. قال مالك في المدونة في مكاتب الذمي إذا أسلم فأدى كتابته: إن ولاء للمسلمين، فإن أسلم سيده بعد ذلك رجع إليه ولاؤه؛ لأنه عقد كتابته وهو على دينه، فكذلك أم الولد. اهـ. قال الباجي في شرحه على الموطأ:
مسألة: ولو أسلم عبد لنصراني فدبره النصراني ففي المزنية من رواية عبد الرحمن بن دينار، عن أبي حازم: يباع عليه ولا ينفعه تدبيره؛ لأنه لا يجوز ملكه حين أسلم. وروى عيسى، عن ابن القاسم: لا يباع عليه ويحال بينه وبينه ويخارج عليه، وإخراجه من يده يقوم مقام بيعه عليه، وإبقاؤه على حكم العتق
أفضل من بيعه؛ لأن ذلك رد له
إلى الرق، فإن مات النصراني وخرج من ثلثه عتق عليه، وإن ترك دينًا يغترقه بيع وقضي منه بثمنه، وكان بيعه الآن كبيعه يوم دبره، والله أعلم وأحكم. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (وأحكامها أحكام الأرقاء مدة حياة السيد، والله أعلم)، يعني كما في القوانين لابن جزي لأنه عقد فيه فصلاً شاملاً في الكلام على أم الولد وأحكامها في حياة سيدها، بعد مماته على مشهور المذهب وبعض ما ذهب إليه الأئمة، فقال: أما في حياة السيد فأحكامها أحكام المملوك في منع الميراث وفي الحد في الزنا وغير ذلك، ولسيدها وطؤها إجماعًا، ولا يجوز له استخدامها إلا في الشيء الخفيف، ولا مؤاجرتها خلافًا للشافعي، ولا يجوز له بيعها عند الجمهور وفاقًا لعمر وعثمان، رضي الله عنهما، وأجازه الظاهرية وفاقًا لأبي بكر وعلي، رضي الله عنهما، وإن جنت جناية لم يسلمها كما يسلم الأمة بل يفكها بالأقل من أرش الجناية أو قيمة رقبتها، وأما إذا مات السيد عتقت أم ولده من رأس ماله، وإن لم يترك مالاً غيرها، ولحقت بالأحرار في الميراث والحد والجناية وغير ذلك. اهـ. والله أعلم.
ولما أنهى الكلام على ما تعلق بأحكام أم الولد انتقل يتكلم على أحكام الوصايا وما يتعلق بمسائلها، فقال رحمه الله تعالى: