الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوصايا
أي في بيان ما يتعلق بأحكام الوصية، والوصايا جمع وصية، بفتح الياء المشددة، وفي لغة: الوصل، وعرفًا عقد يوجب حقًا في ثلث مال عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده. وعرفها ابن عرفة بقوله: هي في عرف الفقهاء لا الفُراض: عقد يوجب حقًا في لثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده، فما يوجب حقًا في رأس ماله مما عقده في صحته لا يسمى وصية، كما خرج ما يلزم بدون الموت كالتزام من لا حجر عليه بشيء من ماله لشخص، وزاد قوله: أو نيابة، عطفًا على حقًا ليدخل الإيصاء بالنيابة عن الميت، وأما الوصية عند الفراض فهي: عقد يوجب حقًا في ثلث عاقده فقط، فالوصية عند الفقهاء أعم من الوصية عند الفرائض؛ لأن الوصية عند الفراض مقصورة على الإيصاء بما فيه حق، وأما عند الفقهاء فتنوع إلى وصية نيابة عن الموصي، كالإيصاء على الأطفال وعلى قبض الديون وتفرقة التركة. والنوع الثاني: أن يوصي بثلث ماله للفقراء أو بعتق عبده أو قضاء دينه، وتعريف ابن عرفة مشتمل على النوعين. اهـ. النفراوي.
قال في أقرب المسالك: الوصية مندوبة أي ولو لصحيح؛ لأن الموت ينزل فجأة، ويعرض لها بقية الأحكام لما فيها من زيادة الزاد للميت. اهـ. انظر حاشية الصاوي عليه، وأركانها أربعة: فهي الموصي بالكسر، والموصى به، والموصى له بفتحتين، والصيغة. وعدها ابن جزي ثلاثة بقوله في القوانين: أركان الوصية ثلاثة، وأسقط الصيغة. قال:
الأول: الموصي وهو كل مالك حر مميز، فلا تصح من العبد ولا المجنون إلا حال إفاقته، ولا من الصبي غير المميز، وتصح من الصبي المميز إذا عقل القربة، ومن السفيه ومن الكافر، إلا أن يوصي بخمر أو خنزير لمسلم.
الركن الثاني: الموصى له، وهو كل من يتصور له الملك من كبير أو صغير حر أو عبد، سواء كان موجودًا أو منتظر الوجود كالحمل، إلا الوارث، فلا تجوز له اتفاقًا، فإن أجازها سائر الورثة جازت عند الأربعة، وإذا مات الموصى له
قبل الموصي بطلت الوصية، ويشترط قبول الموصى له إذا كان فيه أهلية للقبول كالهبة.
الركن الثالث: الموصى به وهو خمسة أقسام:
الأول: يجب على الورثة تنفيذه وهو الوصية بقربة واجبة كالزكاة والكفارات، أو مندوبة كالصدقة والعتق، وأفضلها الوصية للأقارب.
والثاني:
اختلف هل يجب تنفيذه أم لا؟ وهو الوصية بما لا قربة فيه كالوصية ببيع شيء أو شرائه.
الثالث: إن شاء الورثة أنفذوه أو ردوه وهو نوعان: الوصية لوارث، والوصية بأكثر من الثلث.
الرابع: لا يجوز تنفيذه وهو الوصية بما لا يجوز كالنياحة وغيرها.
الخامس: يكره تنفيذه وهو الوصية بمكروه. اهـ. ابن جزي.
ثم نرجع إلى ما نحن بصدده.
قال رحمه الله تعالى: (وتثبت الوصية بالموت من الثلث)، يعني أن الوصية تثبت بموت الموصي، ولا تصح إلا من الثلث. قال في الرسالة وغيرها: والوصايا خارجة من الثلث (1)، ويرد ما زاد عليه إلا أن يجيزه الورثة فتجوز إذا كانوا بالغين رشداء فتكون الإجازة ابتداء عطية منهم؛ لأن الحق انتقل لهم، وإن أجاز البعض دون البعض مضت حصة المجيز وردت حصة الممتنع له. اهـ. النفراوي.
قال ابن جزي: إذا أجاز الورثة الوصية بالثلث لوارث أو بأكثر من الثلث بعد موت الموصي لزمهم، فإن أجازوها في صحته لم تلزمهم، فإن أجازوها في مرضه لزمت من لم يكن من عياله دون من كان تحت نفقته. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (وله الرجوع)، يعني أن للموصي الرجوع عن وصيته إذا أراد أن يرجع عنها، سواء كان رجوعه في الصحة أو في المرض.
قال ابن جزي في الفروع: للموصي أن يرجع عن وصيته في صحته ومرضه إلا عن التدبير. اهـ. قال الدردير في أقرب المسالك عاطفًا في مبطلات الوصية: وبرجوع فيها وإن بمرض بقول أو عتق
(1) تنبيه) الوصية بالثلث من خصائص هذه الأمة، قاله النفراوي.
وإيلاد وتخليص حب زرع ونسج غزل وصوغ معدن وذبح حيوان وتفصيل شقة كأن قال: إن مت من مرضي أو سفري هذا ولم يمت إلا أن يكتبها وأخرجه ولم يسترده فإن رده بطلت. اهـ.
قال مالك: فالأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه يغير من ذلك ما شاء غير التدبير. اهـ. الموطأ.
قال رحمه الله تعالى: (وشراء ولده بجميعه ليعتق ويرثه) معطوف على الرجوع، فالمعنى: وله شراء أي وللموصي بالكسر شراء ولده بجميع ما يوصي به وهو الثلث، وإذا اشتراه بالثلث فإنه يعتق بالشراء ويرثه.
قال خليل: وللمريض اشتراء من يعتق عليه بثلثه ويرث. قال الحطاب: احترز بقوله: بثلثه، مما إذا اشترى بأكثر من الثلث. قال ابن عرفة: وفيها، أي المدونة: من اشترى ابنه في مرضه جاز إن حمله الثلث، نقله الصقلي عن محمد بن المواز، وإن اشترى بأكثر من ثلثه وعتق وورث باقي المال إن انفرد وحصته مع غيره، وإن عتق مع ذلك عبده
بدأ بالابن وورثه إن حمله الثلث. ونقل عنه أيضًا: إن اشتراه بأكثر من ثلثه عتق منه محمل الثلث ولم يرثه. وفي سماع ابن القاسم مثله، وفيه إن لم يحمله الثلث عتق منه محمله ورق ما بقي للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم عتق ما بقي عليهم. اهـ. انظر الحطاب.
قال رحمه الله تعالى: (ويوقف الزائد على إجازة الورثة ولوارث يوقف الجميع)، يعني أنه إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله يرد ما زاد على الثلث إلى الورثة إلا أن يجيزوا تلك الزيادة، وكذلك يوقف جميع ما يوصى به، سواء كان ثلثًا أو أكثر أو أقل إذا كانت الوصية لوارث حتى يجيزها الورثة أو يردوها؛ لأنه لا وصية لوارث. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث))، رواه الأربعة إلا النسائي، وهو حديث حسن. وفي رواية عن ابن عباس بزيادة: إلا أن يشاء الورثة. ورواه أحمد أيضًا بإسناد حسن. والحاصل: أن الورثة
مخيرون في تنفيذ الوصية أو ردها، وذلك في موضعين هما: الوصية لوارث، والوصية بأكثر من ثلث مال الموصي، والورثة مخيرون في هاتين الصورتين، فإن أجازوا فعطية منهم وإلا فجميع المال لجميع الورثة على فريضة الله تعالى التي فرض لكل وارث في كتابه العزيز، هذا حاصل كلام المصنف في هذه المسألة، والله أعلم.
ثم قال رحمه الله تعالى عاطفًا على ما يلزم من الثلث بقوله: (والحج والزكاة كغيرهما إلا زكاة عامه يموت قبل التمكن فتلزم من رأس ماله)، يعني أنه قد أشار رحمه الله تعالى ببعض ما يلزم إخراجه من الثلث في الوصايا، كما يلزم تقديم بعضها على بعض عند ضيق الثلث، وأشار العلامة خليل لذلك مبينًا مرتبًا بقوله: وقدم لضيق الثلث: فك الأسير الذي أوصى بفدائه، ثم مدبر الصحة، ثم صداق المريض، ثم زكاة أوصى بها إلا أن يعترف بحلولها ويوصي فمن رأس المال كالحرث والماشية وإن لم يوص ثم زكاة الفطر، ثم عتق ظهار وقتل وأقرع بينهما إن لم يسعهما ثم كفارة يمين، ثم كفارة فطر رمضان، ثم كفارة التفريط في قضائه، ثم النذر، ثم العتق المبتل في المرض والمدبر فيه، ثم الموصى بعتقه معينًا عنده أو يشترى أو لكشهر أو بمال فعجله ثم الموصى بكتابته والمعتق بمال والمعتق لأجل بعد ثم المعتق لسنة ثم المعتق لأكثر منها ثم عتق لم يعين ثم حج إلا لصرورة فيتحاصان، أي عتق غير المعين وحج الصرورة، وشبه في التحاصص فقال: كعتق لم يعين ومعين غيره وجزئه أي جزء من مال الموصي كثلثه، فهذه الثلاثة في مرتبة واحدة فتتحاصص في الثلث إذا ضاق عنها، ولا يقدم أحدهم على الآخر. اهـ. النفراوي مع طرف من الإكليل. فإن أردت أن تقنع بمسألة الجزء فراجع القوانين،
فإن مصنفه قد عقد فيه فصلاً مستقلاً تضمن بيان وصية بجزء وفيه كفاية بذلك إن شاء الله تعالى.
قال رحمه الله تعالى: (فلو ضاق عن الوصايا قسم بالحصاص)، يعني كما في الرسالة وهو قولها: وإذا ضاق الثلث تحاص أهل الوصايا التي لا تبدئة فيها. قال شارحها:
والوصايا التي لا تبدئة هي التي لم يرتبها الموصي ولا الشارع، كأن يوصي لشخص بنصف ماله مثلاً وللآخر بثلثه، وإن أجاز الورثة الوصيين فلا إشكال في أخذ أحدهما نصفه والآخر ثلثه؛ لأن مقام النصف من اثنين والثلث من الثلاثة وهما متباينان، فيضرب أحدهما في الآخر بستة. هذا حاصل مخرج الوصيتين، لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث اثنان والباقي واحد للورثة، وإن لم تجز الورثة الزائد اقتسما الثلث على النصف والثلث وهما متباينان، ومقامهما من ستة، لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث اثنان وذلك خمسة: وهي المحاصة فاجعلها ثلث المال يكون المال خمسة عشر: خمسة للموصى لهم: للموصى له بالنصف ثلاثة، والموصى له بالثلث اثنان، وتبقى عشرة لأهل الفريضة، وكأن يوصي لرجل بنصف ماله ولآخر بربعه، فإنك تأخذ مقام النصف ومقام الربع تنظر بينهما فتجدهما متداخلين فتكتفي بالأربعة فتأخذ نصفها وربعها فيكون المجموع ثلاثة تقسم بينهما على ثلاثة أسهم، لصاحب الربع سهم وللآخر سهمان. وإن أوصى لشخص بثلث ماله ولآخر بربعه فالثلث بينهما على سبعة أسهم: لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة على هذا القياس: ومما يقع فيه التحاصص: النذر ومبتل المريض إذا ضاق الثلث عن حملها، بخلاف ما إذا ضاق الثلث عن كفارة الظهار والقتل فإنهما لا ترتيب بينهما ولا يتحاصان وإنما يقرع بينهما، بخلاف غيرهما من متحدي الرتبة؛ لأن تقديم أحدهما على غيره ترجيح بلا مرجح، وعدم التحاصص لأن الكفارة لا تتبعض بخلاف ما سبق اهـ. النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: (وبمؤيد معها كمصباح في المسجد يضرب له بالثلث)، والضمير في معها عائد على الوصايا، يعني كما قال ابن عرفة نقلاً عن المدونة: ونصها من أوصى بشيء يخرج كل يوم إلى غير أمد من إضاءة مسجد وسقاء ماء أو خبز كل يوم بكذا أبدًا وأوصى مع ذلك بوصايا فإنه يحاصص لهذا المجهول بالثلث وتوقف له حصة، وأكثرهم لم يحك فيه خلافًا. وقال المواق نقلاً عن ابن الحاجب: إن كان في الوصية
مجهول كوقود مصباح على الدوام أو تفرقة خبز ونحوه ضرب له بالثلث ووقف حصته ثم ذكر نص المدونة كما تقدم اهـ. قاله عند قول خليل: وضرب لمجهول فأكثر بالثلث وهل يقسم على الحصص؟ قولان اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (ولزيد بنفقة عمره يعمر تمام سبعين ويعد له نفقته فينفق عليه فإن مات قبل استكمالها ففي ضيق الثلث عن الوصايا يعاد الباقي عليهم بالحصاص وإلا عاد ميراثًا)، هذه الجملة معطوفة على قسم بالحصاص، فالمعنى لو ضاق الثلث لأهل الوصايا وقد أوصى موص بنفقة زيد عمره فإنه يضرب له نفقة ما يعمر مثله من ثلث مال الموصي يقدر له نفقة تمام سبعين سنة من يوم موت الموصي إلى تمام عمر الموصى له، وإن مات قبل استكمال ما وقف له ففي ضيق الثلث يعاد الباقي إلى أهل الوصايا يقسمونه بالحصاص وإلا عاد ميراثًا اهـ. بمعناه.
قال رحمه الله تعالى: (وبمثل نصيب ابنه بالكل أو أحد ابنيه بالنصف وقيل: يجعل كابن زائد وبمثل نصيب أحد ورثته وهم مختلفون يقسم على عدد رؤوسهم فيعطى سهمًا)، يعني كما في الدردير ونصه: وإن أوصى لشخص بنصيب ابنه بأن قال: أوصيت لزيد بنصيب ابني أو بمثله بأن قال: أوصيت لزيد بمثل نصيب ابني فإن لم يكن له إلا ابن فيأخذ الموصى له جميع تركة الميت الموصي إن أجاز الابن الوصية، وإلا فللموصى له ثلث التركة فقط، فإن قال ذلك ومعه ابنان فيأخذ نصف التركة إن أجازا وإلا فالثلث ولا كلام لهما، وإن زادوا فله قدر نصيب واحد ولا كلام لهم، فإن كان مع الابن ذو فرض فللموصى له جميع التركة بعد ذوي الفروض إن أجاز. قال الصاوي في حاشيته عليه: وحاصله أنه إن مات الموصي لزيد بنصيب ابنه وترك صاحب فرض كزوجة مثلاً فإن كان معه ابن وأجاز كانت السبعة الأثمان للموصى له، وإن لم يجز أخذ ثلث التركة، وإن كان معه ابنان كان له نصف ما بقي بعد الفرض إن أجاز وإلا فله ثلث التركة،
فإن زادوا كان له مثل نصيب أحدهم أجازوا أو لا. ولذا قيل: وقدر زائدًا في اجعلوه وارثًا معه وألحقوه أو نزلوه منزله أو من عداد ولدي فإن الموصى له يقدر زائدًا على ذريته، فتكون التركة نصفين إن كان له ابن واحد وأجاز، وإلا فالثلث للموصى له، فإن كان للموصي ابنان فللموصى له الثلث أجازا أم لا، ولو كانوا ثلاثة فهو كرابع وهكذا، فلو كان مع الذكور إناث فهو كذكر، فلو كانت الوصية لأنثى لكان لها مثل أنثى من بناته اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (وبسهم أو جزء مجهول أو نصيب، فقيل: الثمن، وقيل: السدس، وقيل: سهم من تصحيحها ولا يتجاوز الثلث)، يعني كما في الموافق نقلاً عن سماع عيسى بن القاسم: من مات وقد قال: لفلان جزء من مالي أو سهم منه أعطي من أصل فريضتهم سهمًا إن كانت من ستة فسهم منها، وإن كانت من أربعة وعشرين فسهم منها، وإنا كان ورثته ولده فإن ترك ذكرًا وأنثى فله الثلث، وإن ترك ذكرًا وأنثيين فله الربع، وإن لم يكن له وارث فسهم من ستة. وقال أشهب: سهم
من ثمانية ابن رشد وقول أشهب أظهر ابن يونس، وإن لم يترك إلا ابنة أو من لا يحوز الميراث فإن له سهمًا من ثمانية؛ لأنه أقل سهم سماه الله تعالى لأهل الفرائض. اهـ. انظر الحطاب.
قال رحمه الله تعالى: (وبألف فتلف المال سواها له ثلثها وبجزء مسمى له مسماه من الباقي)، يعني إذا أوصى شخص بشيء معين كألف درهم أو غيره لفلان فتلف المال كله بطلت الوصية، فإن بقي منها ألف فقط فللموصى له ثلثها، وإن سمى جزءًا كالربع مثلاً فتلف المال فللموصى له مسماه من الباقي. قال خليل: وإن لم يبق إلا ما سماه فهو له إن حمله الثلث.
قال رحمه الله تعالى: (وبمعين ما بقي منه وبثيابه ما مات عنها)، يعني أن الوصية بالشيء المعين تؤخذ من الباقي إن بقي منها قدر ما يوصى به كما تقدم آنفًا، فإذا أوصى له بثيابه فالعبرة بالثياب التي مات عنها.
قال رحمه الله تعالى: (وبثلثه وله مال لا يعلمه له ثلث المعلوم)، يعني كما في القوانين: من أوصى بوصية وله مال يعلم به ومال لا يعلم به فالوصية فيما علم به دون ما لم يعلم به، إلا المدبر في الصحة فهو علم وفيما لم يعلم. اهـ. ومثله في النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: (وبأحد عبيده أو ماشيته نسبته إلى نوعه بالقيمة)، يعني إن أوصى لشخص بأحد عبيده أو بواحدة من ماشيته فإنه ينظر إلى نوع العبيد أو الماشية فيقوم ذلك ويعطى الموصى له من القيمة، أو يشارك الورثة في ذلك إن لم تمت موصى بها، وإن ماتت بطلت الوصية. قال خليل: وبشاة أو بعدد من ماله شارك بالجزء، إن لم يبق إلا ما سمى فهو له إن حمله الثلث لا ثلث غنمي فتموت، وإن لم يكن له غنم فله شاة وسط، وإن قال: من غنمي ولا غنم له بطلت كعتق عبد من عبيده فماتوا أو لا عبيد له بطلت اهـ. قال في المدونة: من أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يعينهم وعبيده خمسون فمات منهم عشرون قبل التقويم عتق ممن بقي منهم عشرة أجزاء من ثلاثين جزءًا بالسهم خرج عدد ذلك أقل من عشرة أو أكثر، ولو هلكوا إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث، وكذا من أوصى لرجل بعدد من رقيقه أو بعشرة من إبله. اهـ. نقله المواق وغيره. قال رحمه الله تعالى:(وبمعين لزيد ثم به لعمرو فهو بينهما ما لم تدل أمارة على رجوعه عن زيد)، يعني إن أوصى بشيء معين لرجل معين كزيد ثم أوصى به لعمرو فإنهما يقسمانه ما لم تدل أمارة على رجوعه عن زيد، فإن دلت الأمارة على رجوعه فيكون لعمرو خاصة. وفي القوانين: من أوصى بشيء معين لإنسان ثم أوصى به لآخر قسم بينهما، وقيل: يكون للأول، وقيل: للثاني؛ لأنه نسخ. اهـ. (ولميت يعلمه
يصرف في ديونه فإن لم يكن فلورثته)، يعني كما في القوانين ونصه: من أوصى لميت وهو يظنه حيًا بطلت الوصية اتفاقًا، فإن أوصى له بعد علمه بموته صحت وكانت لورثته خلافًا لهما. اهـ. قال خليل: ولميت علم بموته ففي دينه
أو وارثه. قال الخرشي: يعني وكذلك تصح الوصية للميت إن علم الموصي بموته، ويصرف المال الموصى به في دينه إن كان على الميت دين وإلا فهو لوارثه، فإن لم يعلم بموته فإنها لا تصح، إذ الميت لا يصح تملكه إلى أن قال: وبيت المال وارث شرعي فيدفع له حيث لم يكن له وارث ولا عليه دين، قلت: هذا خلاف ما في الدردير فإنه قال: فإن لم يكن عليه دين ولا وارث له بطلت، راجع حاشية الخرشي للعلامة العدوي. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (وبحبس ونحوه في مصالحه)، يعني وتصح الوصية بحبس وتصرفها في مصالح أهل الأحباس كما تقدم في الوقف، ونحو الحبس الرباط، وتصرفها لأهلها كالمجاهدين، ومثله القنطرة والمساجد، وتصرف في حصره وقناديله ورمه وغير ذلك، وما زاد فيعطى لخدمته من إمام ومؤذن ونحوهما احتاجوا أم لا. اهـ. الدرير. وعبارة خليل: ولمسجد وصرف في مصلحته. قال المواق نقلاً عن الحاجب: تصح الوصية للمسجد والقنطرة وشبهها؛ لأنه بمعنى الصرف في مصالحهما. قال ابن رشد: الواجب أن يقدم بنيان المسجد ورمه على أجر أئمته وخدمته. اهـ.
قال رحمه الله تعالى: (وتصح لقاتله والعفو عن العمد لا الخطأ إلا أن يحمل الثلث الدية أو يجيزها الورثة)، يعني تصح الوصية لقاتله قتل عمد بعد إنفاذ المقتل وقبل زهوق روحه؛ لأنه لا كلام للولي في شأن تلك الحالة ولا لذي دين عليه بخلاف قتل الخطأ فلهما الكلام، فإن أوصى لقاتله خطأ فتكون الوصية في ثلث الدية. قال في الرسالة: وللرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه عن الخطأ في ثلثه. قال الشارح: فإن حملها نفذت قهرًا على الورثة، مثل أن يكون عنده ألفان من الدنانير وديته ألفًا فإن الدية تسقط عن عاقلة القاتل، وإن لم يكن عنده مال سقط عن القاتل مع عاقلته ثلث الدية إلا أن تجيز الورثة الزائد كسائر الوصايا بالمال. اهـ. النفراوي. وإليه أشار خليل عاطفًا فيمن يصح إيصاؤه بقوله: وقاتل علم الموصي بالسبب وإلا فتأويلان. قال المواق
من المدونة: إن أوصى له بعد ضربه وعلم به فإن كانت الضربة خطأ جازت الوصية في المال والدية، وأما في العمد فتجوز في ماله دون الدية؛ لأن قبول الدية كما لم يعلم به. اهـ. ومثله في الإكليل.
قال رحمع الله تعالى: (ولقرابته يؤثر الأقرب لا أولاد بناته ولأهله عصابته
قال القاضي أبو محمد: الصحيح أن اسم الأهل والقرابة لكل من مسه به رحم)، يعني كما قال خليل: وفي الأقارب والأرحام والأهل أقاربه لأمه إن لم يكن أقارب لأب، والوارث كغيره بخلاف أقاربه هو أي في الدخول، فلو أوصى لأقارب زيد أجنبي أو لأهله أو لذي رحمه فيدخلون كلهم مدخلاً واحدًا، ويستوى في ذلك الوارث وغير الوارث، فيدخل العم للأم والأم؛ لأن الموصي ليس هو المورث، وذلك بخلاف إيصائه لأقاربه هو أي الموصي أو لذي رحمه أو أهله، فلا يدخل وارثه فيهم؛ لأن الشرع حكم بمنع الوصية للوارث، فإذا كان له ولد مثلاً وأعمامه دخل الأعمام وبنوهم ولا يدخل الولد. وإن أوصى للأقارب أو للأرحام أو لأهل له أو لغيره أوثر المحتاج الأبعد في القرابة من غيره، لشدة فقره أو كثرة عياله بالزيادة على غيره لا بالجميع، فالمحتاج الأقرب علم إيثاره بالأولى في كل حال إلا لبيان من الموصي كقوله: أعطوا الأقرب فالأقرب، أو أعطوا فلانًا ثم فلانًا، فيفضل، ويقدم من قدمه الموصي امتثالاً لأمره، وإن لم يكن المقدم أحوج لا يختص بالجميع. قال خليل: وإذا قال: الأقرب فالأقرب يقدم الأخ وابنه على الجد ولا يخص اهـ. الإكليل بتوضيح. وعبارة الخرشي: يعني أنه إذا أوصى لأقارب فلان الأجنبي أو لأرحامه أو لأهله أو أوصى لأقاربه هو أو لأرحامه أو لأهله فإن الأحوج يؤثر ولو كان أجنبيًا. ومعنى الإيثار: أن يزاد له، ولا يختص بالجميع إلا أن يقول: أعطوا فلانًا فإنه يعمل على قوله. ويقدم من قدمه ولو كان غيره أحوج منه، أو يقول: أعطوا الأقرب فالأقرب، فيقدم الأخ وابنه على الجد؛ لأنهما يدليان بالبنوة والجد يدلي بالأبوة وجهة
البنوة أقوى، وإذا قدم الأقرب فإنه يزاد له شيء من الوصية ولا يختص بجميعها اهـ. باختصار. (ولواحد بمقدارين متساويين من نوعين ولا قرينة على إثباتهما له أحدهما فإن تفاوتا قال ابن القاسم: الأكثر ومطرف: إن كانت الأولى أعطيهما وإلا أكثرهما)، يعنى كما في المواق قال: روى ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن أوصى لرجل بدنانير ثم أوصى له بدنانير أقل عددًا أو أكثر فإن له أكثر الوصيتين. قال الباجي: ووجه هذا أن هاتين وصيتان من جنس واحد فكان له أكثرهما كما لو كانت الأولى أقل عددًا، وعلى حسب هذا تجري الوصيتان في الذهب والفضة والعروض التي تكال أو توزن أو الحيوان والدور والثياب وغير ذلك ما لم يكن في شيء معين. وروي عن ابن حبيب: أن له في العروض الوصيتين؛ لأن التماثل فيها معدوم. ووجه القول الأول: أنهما وصيتان متماثلتان كالمكيل والموزون، وإذا ثبت هذا فلا خلاف أن الدراهم من سكة واحدة متماثلة، وكذلك الأفراس والإبل والعبيد، وأما الدنانير والدراهم فقال
مالك: إنهما متماثلان؛ لأنهما صنف واحد في الزكاة. وقال ابن القاسم: هما غير متماثلين؛ لأن التفاضل بينهما جائز، فإذا قلنا بقول مالك وأوصى له بدنانير ثم أوصى له بدراهم فإنه يعتبر الأقل والأكثر بالصرف. اهـ. المنتقى، ثم بقي النظر إذا أوصى له بدراهم ثم بسبائك أو بقمح ثم شعير، نقل عن محمد أن ذلك مثل ما إذا أوصى له بدراهم ثم بدنانير فله الوصيتان على قول ابن القاسم. وبقي النظر إذا أوصى له بعددين متساويين في العدد والجنس، مثل أن يوصي له بعشرة دنانير ثم يوصي له بعشرة دنانير فقال مالك وابن القاسم: له العددان جميعًا. قال الباجي: وإن كان ما أوصى به معينًا كعبد بعينه ثم أوصى له بعبد آخر بعينه فله الوصيتان. اهـ. وفي القوانين لابن جزي: وإن أوصى له بوصية بعد أخرى فالوصيتان، إلا من نوع وإحداهما أكثر فله الأكثر وإن تقدم. وإليه أشار خليل بقوله: وإن أوصى بوصية بعد أخرى فالوصيتان كنوعين ودراهم وسبائك وذهب وفضة وإلا فأكثرهما وإن تقدم. اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: (وبعبد معين وبعتقه يؤخذ بالأخيرة وأشهب بالعتق)، يعني إن أوصى الشخص بعبده المعين وأوصى أيضًا بعتقه فإنه يؤخذ بوصيته الأخيرة وهي الوصية بالعتق، وعليه أشهب. وفي المدونة: فإن قال: اعتقوا فلانًا لعبد له بعد موتي، وقال: اشتروا نسمة فاعتقوها عني، بأيهما يبدأ في قول مالك؟ قال: بالعبد الذي بعينه اهـ. وفيها أيضًا: إن كان عبدًا بعينه يملكه فهو حر مبدأ، وإن أوصى أن تشترى رقبة بعينها فهي أيضًا مبدأة، مثل ما يقول: اشتروا عبد فلان بعينه فاعتقوه اهـ. وإليه أشار في الرسالة بقوله: والعتق بعينه مبدأ عليها. قال شارحها: وهو يشمل ما كان عنده وأوصى بعتقه: كاعتقوا عبدي مرزوقًا، ويشمل ما أوصى بشرائه كاشتروا عبد فلان لمعين واعتقوه، ويشمل ما أوصى بعتقه ناجزًا أو إلى شهر بعد موته، ويشمل ما أوصى بعتقه مجانًا أو على مال وعجله أو بكتابته وعجلها اهـ. النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: (وبشيء معين وأمواله مختلفة يخير الورثة بين دفعه ومشاركته بالثلث)، يعني إن أوصى بشيء معين في ماله والحال أن له أموالاً مختلفة الأنواع كصاحب الحوائط والعبيد والحيوان والعروض والدكاكين وغير ذلك من الأموال المختلفة فإن الورثة مخيرون بين دفع الشيء المعين الموصى به لأهل الوصايا وبين أن يشاركوهم بالثلث في جميع مال الميت. قال في المدونة: أرأيت إن أوصى بثلث ماله وبربع ماله وأوصى بأشياء بأعيانها لقوم شتى؟ قال: ينظر إلى قيمة هذه الأشياء التي كانت بأعيانها وإلى ثلث جميع ماله وإلى ربع جميع ماله فيضربون في ثلث مال الميت، يضرب أصحاب الأعيان في الأعيان، كل واحد منهم في الذي جعل له
الميت بمبلغ وصيته، ويضرب أصحاب الثلث والربع في بقية الثلث، يكونون شركاء مع الورثة بمبلغ وصاياهم. قال: فإن هلكت الأعيان التي أوصى بها كلها بطلت وصايا أصحاب الأعيان، وكان ثلث ما بقي من مال الميت بين أصحاب الثلث والربع، يتحاصون في ذلك على مال قاله مالك اهـ. بتوضيح.
قال رحمه الله تعالى: (ولواحد بمائة وآخر بخمسين والثالث بمثل أحدهما سهمًا قيل: مثل نصفيهما وقيل: أكثرهما، وأشهب أقلهما)، يعني إن أوصى الميت لثلاثة أشخاص: الأول بمائة والثاني بخمسين والثالث بمثل أحد الأولين فإنه يعطى سهمًا واحدًا، وقيل: يعطى مثل نصفيهما، وقيل: يعطى أكثر مما أعطاهما. وقال أشهب: يعطى أقل مما أعطاهما، قلت: العلم بالنقل لا بالعقل ولولا ذلك لقلنا: يعطى الثلث مائة أو الخمسين ولكن الرجوع إلى ما قاله الأئمة أولى؛ لأنهم أدرى بذلك ولم أقف في المسألة على نص فتأمل: (وفي ضيق الثلث يبدأ بالآكد فيقدم مدبر الصحة على معتق المرض والمبتل فيه على الموصى بعتقه والمعين على المطلق والزكاة على الكفارة)، يعني قد بين رحمه الله في هذه الجملة مراتب الوصايا، وتقدمت لنا هذه المسألة مما نقلناه من المختصر عند قول مصنفنا: والحج والزكاة كغيرهما، فراجعه إن شئت.
ثم قال رحمه الله تعالى: (وتصح من الصحيح والمريض والسفيه المحجور عليه والمميز ولمجنون في حال إفاقته وإلى العبد والمرأة لا الفاسق وبماله إلى واحد وولده إلى آخر فإن شرط اجتماعهما لم تجز مخالفته والإطلاق يقتضيه)، يعني تصح الوصية من الصحيح والمريض والسفيه والصغير المميز المحجورين والمجنون في حال إفاقته. قال في المدونة: تجوز وصية ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها. وروى ابن وهب أن أبان بن عثمان أجاز وصية جارية بنت ثماني سنين أو تسع. قال خليل: صح إيصاء حر مميز مالك، وإن سفيهًا أو صغيرًا كما تقدم في أول الكتاب. وتصح الوصية إلى العبد والمرأة وغلى رجل واحد وولد الموصي إلى رجل آخر ما لم يشترط اجتماعهما، فإن شرط ذلك وجب على الوصي اجتماعهما ولم تجز مخالفة الموصي في ذلك، كما أن إطلاق الموصي يقتضي ذلك على الوصي ولو لم يشترط ما لم يمنع. اهـ. بمعناه.
قال رحمه الله تعالى: (وقوله: فلان وصيي تفويض فيملك أن يوصي إلا أن يمنع وقبوله بعد الموت يمنع الرجوع إلا لعجز أو عذر ظاهر)، يعني إذا قال المريض: فلان وصيي فيحتمل قوله ذلك أن فلانًا وصيه مفوض، فيملك جميع ما تناولته الوصية المفوضة، فيملك أن يوصي على غيره عند الحاجة، ولأن وصي
الوصي كالوصي في تنفيذ ما أوصي به، إلا ما يمنعه الموصي أو اختص وصيته بشيء مخصوص فيقتصر على ما يوصي عليه فقط، كما إذا استثنى عليه بعض الأشياء كما يفهم ذلك في حالة الوصايا. وقبوله الوصية بعد موت الموصي يمنع الوصي الرجوع عن الوصية إلا لعجز عن ذلك أو عذر ظاهر كالمرض والهرم وغيرهما.
قال رحمه الله تعالى: (وتبطل بالرجوع وموت الموصى له أو رده وتلف الموصى به والله أعلم)، يعني تبطل الوصية بالرجوع عنها وبموت الموصى له أو رده الوصية أو تلفها قبل الموصول إليه كالهبة. انظر قوله: وله الرجوع في أول الكتاب، فهناك بيان مبطلات الوصية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فرع: قال الحطاب نقلاً عن التوضيح: وقبول الموصى له للوصية شرط في وجوبها له؛ لأنها أحد أنواع العطايا فاشترط فيها القبول كالهبة وغيرها. قال: وظاهره إذا مات الموصى له قبل قبول الوصية لم يكن لورثته قبولها، وهو خلاف مذهب المدونة. وقال في الجواهر: إن مات الموصى له بعد الموصي لا ينتقل حق القبول للوارث، قاله الشيخ أبو بكر الأبهري. وقال القاضي أبو محمد: ينتقل اهـ. وما قاله هو مذهب المدونة قال في الوصايا الأول. وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي فالوصية لورثة الموصى له علم بها أم لا، ولهم أن يقبلوها كشفعة له أو خيار في بيع ورثوه. اهـ. ونحوه في الوصايا الثاني، خلافًا لما قاله الأبهري، فراجع الحطاب إن شئت.
ولنختم: كتاب الوصايا بوصية مشهورة وهي وصية صحابي جليل (الزبير بن العوام) التي أوصى بها ابنه عبد الله في قضاء دينه الذي عليه،
ليعتبر بها المعتبرون في وفاء الوصايا وقضاء الديون عن الأموات ولا يجوز لوارث أن يرث مال مورثه إلا بعد قضاء دينه ووصيته، قال الله تعالى:{من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12].
(قال عبد الله بن الزبير) رضي الله عنهما: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال يا بني: إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لأراني سأقتل اليوم مظلومًا، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقى من مالنا شيئًا، ثم قال: يا بني بع ما لنا واقض ديني، وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه يعني لبني عبد الله، فجعل يوصيني بدينه ويقول: إن عجزت عن شيء منه فاستعن بمولاي، فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض دينه فيقضيه، فقتل الزبير ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلا أرضين، منها الغابة وإحدى عشرة دارًا بالمدينة وداران بالبصرة ودار بالكوفة ودار بمصر، وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال
فيستودعه إياه فيقول الزبير: ل، ولكن هو سلف إني أخشى عليه الضيعة، وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجًا ولا شيئًا إلا أن يكون في غزو مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان، فحسبت ما كان عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، فلقيني حكيم بن حزام، فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدين؟ فكتمته وقلت: مائة ألف، فقال: والله ما أرى أموالكم تسع هذا، فقلت: أرأيتك إن كان ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء فاستعينوا بي، وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألفي ألف وستمائة ألف، فقال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف، فقال: إن شئتم تركتها لكم، قال عبد الله: لا، قال: وإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم، فقال عبد الله: لا،
قال: فاقطعوا لي قطعة، فقال عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا، فباع عبد الله منها فقضى دينه وأوفاه، وبقي معه أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قومت الغابة؟ قال: كل سهم مائة ألف، قال: كم بقي منها؟ قال أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر: قد أخذت سهمًا بمائة ألف، وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهمًا بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهمًا بمائة ألف فقال معاوية: كم بقي؟ قال: سهم ونصف، قال: قد أخذت بخمسين ومائة ألف، وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، فقال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له عند الزبير دين فليأتنا فلنقضه، فجعل كل سنة ينادي في الموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ورفع الثلث، وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف. اهـ. رواه البخاري.
قال الشارح: وبتمام هذه الوصية يتم الجزء الخامس من شرح ابن عسكر المسمى بأسهل المدارك على إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، الحمد لله على كل حال، ويليه الجزء السادس أوله (كتاب المواريث) وهو آخر الكتاب وأصغر جزء بالنسبة لما تقدم من الأجزاء، نسأل الله حسن عونه على إتمامه في أحسن حال، إنه سميع مجيب، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: لما أنهى المصنف الكلام على ما تعلق بأحكام الوصايا انتقل يتكلم على ما يتعلق بالميراث ومسائله، فقال رحمه الله تعالى: