المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من قوله: أغْرِمَ أنه لا يُنْقَضُ الحُكْم؛ لاحتمال كذبه في - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ٣

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحَجْرِ والصُّلْح والحَمَالة والحَوالة

- ‌فَصْلٌفي التفليس

- ‌فَصْلٌفي الصلح وأحكامه

- ‌خاتمة:

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلَّق بأحكام الحَمَالة والكَفَالة والزَّعَامة والضمان

- ‌فَصْلٌفي الحَوَالة

- ‌كتاب العارية والوديعة

- ‌فَصْلٌفي الوديعة

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌فَصْلٌفي القسمة

- ‌كتاب الإحياء والارتفاق والغصب والاستحقاق

- ‌فَصْلٌفي الارتفاق

- ‌فَصْلٌفي الغصب

- ‌فَصْلٌفيما يلزم الإنسان من المواسات في بعض الحالات

- ‌فَصْلٌفي الإستحقاق وأحكامه

- ‌كتاب اللقطة

- ‌فَصْلٌفي التقاط المنبوذ وأحكامه

- ‌كتاب الإقرار والهبة والصدقة والعُمْرَى والرقبي

- ‌فَصْلٌفي الهبة

- ‌فَصْلٌفي الصدقة

- ‌فَصْلٌفي العمرى

- ‌فَصْلٌفي الرقبى

- ‌كتاب الوقف

- ‌فَصْلٌفي بيان قِصاص الأطراف

- ‌فَصْلٌفي الدَّية

- ‌فَصْلٌفي الأعضاء

- ‌فَصْلٌفي القَسَامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌فَصْلٌفي الزاني والزانية

- ‌فَصُلٌفي القذف

- ‌فَصْلٌفي الخمر وأحكامها

- ‌فَصْلْفي السارق

- ‌فَصْلٌفي الحد

- ‌تنبيه:

- ‌كتاب الأقضية

- ‌فَصْلٌفي الغائب

- ‌فَصْلٌفي الشهادة

- ‌فَصْلٌفي التنازع

- ‌كتاب العتق والولاء والكتابة والتدبير والاستيلاء

- ‌فَصْلٌفي الولاء

- ‌فَصْلٌفي الكتابة

- ‌فَصْلٌفي التدبير والمدبر

- ‌فَصْلٌفي أم الولد

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب المواريث

- ‌فَصْلٌفي الجد

- ‌فَصْلٌفي الفرائض

- ‌فَصْلٌفي المناسخة

- ‌فَصْلٌفي الخنثى

- ‌فَصْلٌفي الميراث

- ‌فَصْلٌفي التركة

- ‌كتاب جامع

- ‌فَصْلٌفي المسابقة

- ‌خاتمة

- ‌تنبيه

الفصل: من قوله: أغْرِمَ أنه لا يُنْقَضُ الحُكْم؛ لاحتمال كذبه في

من قوله: أغْرِمَ أنه لا يُنْقَضُ الحُكْم؛ لاحتمال كذبه في رجوعه، وإنَّما أغرِمَ لاعترافه بالجناية على المشهود عليه. واحترز بقوله: رجع بعد الحُكْم عن الرجوع بعد أداء الشهادة وقبل الحُكْم، فإنه لا يَغْرَمُ شيئًا لأنه لم يُتْلِفْ شيئًا؛ لأَن القاضي لايجوز له الحُكْمُ بالشهادة بعد الرجوع عنهاز قال خليل مشيرًا إلى تلك المسألة: وغَرِما مالاً ودِيَة ولو تعمُّدًا، وإذا رجع أحدهما غَرِمَ نِصْفَ الحقّ، وإذا كان رجوعهما عن شهادة بقتل فإن قالا: غلطنا فالدَّيَة على عاقلتهما، وأمَّا لو قالا: تعمَّدنا فالدَّيَة في أموالهما. وفُهِمَ من قوله: ما أتلف أن الشاهد لو لم يُتْلِفْ شيئًا كما لو رجع عن طلاق مدخول بها أو عن عَتْق أمَّ ولد أو عَفْوٍ عن قِصاص فلا غُرْم؛ لانه لم يفوت على الزوج أو سيَّد أمَّ الولد إلَاّ الاستماعوالقِصاص وكلٌّ منهما لا قيمة له. اهـ النفراوي باختصار.

ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلَّق بأحكام الشهادة انتقل يتكلم على أحكام التنازع بين الاثنين سواء في النكاح أو الأموال أو غيرهما فقال رحمه الله تعالى:

‌فَصْلٌ

في التنازع

أي في بيان ما يتعلَّق بأحكام التنازع بين الاثنين في شيئ واحد بيديهما أو يد غيرهماوكُلّ منهما يدَّعيه. واعلَم أن هذا الفصل مشتمل على اثنتي عشرة مسألة من مسائل القضاء، وكلٌّ منها مشهورة في باب القضاء، يبغي للحاكم مراجعتها عند الحاجة، أشار رحمه الله تعالى إلى الأولى بقوله:"إِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ شَيْئًا وَلَا بَيَّنَةَ أَوْ تَساوَتْ بَيَّنَتُهُمَا حَلَفَا وَاقْتَسَمَاهُ فَإِنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِما حُكشمَ لَه فَإِنْ نَكَلَ حَلَفلَ الآخَرُ وَانْتَزَعَه كَانْفِرَادِهِ بِاْبَيَّنَةِ" يعني كما في الرسالة قال: وإذا اختلف المدَّعيان في شيئ بأيديهماوحَلَفا قُسَّمَ بينهما، وإن أقاما بيَّنَتيْن قضى بأعدلهما، فإن استويا حلفا وكان بينهما، قال شارحها: قوله: وإذا اختلف المدَّعيان أي في شيئ واحد يشبه أن يكون

ص: 228

مملوكًا لكلٌّ منهما وادّعاه كلٌّ لنفسه والحال أنه محبوس بأيديهماأو لا يَدَ ولاحدٍ منهما عليه، أو كان في يَدِ ثالث لم يدَّعِه لنفسه ولم يقرَّ به لواحد منهما ولم يخرجه عنهما فالحْكْمُ في ذلك أن يضحْلِفا ويقسَّماه بينهما؛ لأنه لم يترجَّع جانب واحد منهما، وإن حلف أحدهما دون الآخر اختصَّ الحالِف به، ومفهوم بأيديهما أنه لو كان بيد ثالث فإنه لِمَن يُقِرُّ له الحائز ولو كان من غير المدَّعيَيْن، فإن لم يُقِرَّ به لأحد وادّعاه لنفسه يَحْلِف ويأخذه، وأمَّا إن لم يضدَّعِه فتقدَّم أنه يُقَسَّم بينهما، وإذا أقام بيَّنة وهوب يد ثالث لم يَدَّعه، فإنه يكون لَمَن يُقِرُّ الحائز له لكن بيمينه وقوله: قُسَّمَ بينهما بشعر بقسمته نصَفَيْن وهو واضح حيث كان كلٌّ يدَّعي جميعه لنفسه. قال ابن فرحون في التبصرة: وإذا ادّعى رجلان شيئًا فإن كانت الدعوى متساوية مثل أن يدّعي كلُّ واحد جميعه فإن لم يكن في أيديهما وكان في يَدِ مَنْ لا يدَّعيه لنفسه لم يُحْكَمْ به لأحدهما إلَاّ ببيَّنة، فإن أقام أحدهما بيَّنة به حُكِمَ له به، فإن أقام الآخر بيَّنة نظر إلى أعدل البيَّنتين فحُكِمَ بها، فإن تساويا في العدالة عرضت اليمين عليهما، فإن نَكَلَ أحدهما حُكِمَ به للحالف، فإن حَلَفا قُسَّمَ بينهما، وإن نكلا تُرِكَا على ما كانا عليه، وإن كان ذلك الشيئ ف ي أيديهما فالحُكْمُ فيه مثل ما لو لم يكن في أيديهما سواء، ثم حيث ثُلْنا يُقَسَّم، فإن كان في يد

غيرهما فإن يُقَسَّمُ على قدر الدعاوي، فإن كان بأيديهما فقيل: يُقَسَّم على قدر الدعاوى، وقيل: يُقَسَّم بينهما نِصْفَيْن، لتساويهما في الحيازة، إلَاّ أن يسلَّم أحدهما لصاحبه بعض حيازته اهـ.

ثم أشار رحمه الله إلى المسألة الثانية فهي فرع من الأولى فقال: "فإن اختلف الدعاوى ككل ونِصْف وثُلُث فمذهب مالك رحمه اللّضه أنها تُقَسَّمُ على العَوْل من أحد عشر وقال ابن القاسم: من ستة وثلاثين" يعني كما قال ابن فرحون: وإذا فرعنا على القول بالقسمة على قدر الدعاوى فقد اختُلِفَ في كيفية ذلك: فرَوَى

ص: 229

ابن حبيب عن مالك أن جميعه يُقَسَّم على قدر الدعاوى وإن اختلفت الحِصَص المدَّعى بها كعَوْل الفرائض، وبه قال مطرف وابن كنانة وابن وهب وأشهب وصبغ. وقال ابن القاسم وابن الماجشون: إن اختلفت الدعاوى، فإنَّما يُقَسَّمُ ما اشتركوا فيه في الدعوى، فيُقَسَّم بينهم على السواء، أمَّا ما اختصّ به أحدهم فلا يقاسمه فيه الآخر، فلو ادّعيا في دار مثلاً فادّعى أحدهما جميعها وادّعى الآخرَ نِصْفَها فعلى قول مالك ومضنْ تابعه: تُقَسَّم بينهما أثلاثًا، لِمُدّعي الكُلّ سهما، ولمُدَّعي النَّصْفَ سهم. وعلى قول ابن القاسم وابن الماجشون: تُقَسَّمُ أربعاًا، لمُدَّعي الكل ثلاثة أسهم، ولمُدَّعي النَّصْفَ سهم اهـ. نَقَلَه عن ابن رشد.

وعبارة النفراوي في هذه المسألة أنه قال: أمّا لو ادَّعى شخص جميعه والآخر بعضه فإنه يقسم كالعَوْل، فإذا ادَّعى أحدهما الكلّ والآخر النَّصْف فإنه يقَسَّمخ على الثُّلُ والثُّلثَيْ، أي لمدّعي الكلّ ثُلُثان، ولمدَّعي النَّصْف الثُّلُث، وإذا ادّعى واحد الكل وواحد النصف وثالث الثُّلث فإنه يحصل أقلّ عدد يشتمل على تلك المخارج وهو ستة، فإنّ لها النَّصْف والثُّلُث فتجعل لمدَّعي الكلّ ويُزاد عليها مثل نِصْفِهاوثُلُثها، وبعد ذلك يُعطى لمدّعي الكل ستة، ولمدّعي النَّصْف ثلاثة، ولمدَّعي الُّلُث اثنا، وهكذا. قال خليل: وقُسَّمَ عىل الدعوى إن لمي كن بيد أحدهما اهـ. النفراوي. قال ابن جزي في بيان تقدَّم: وإذا قلنا: يُقَسَّمُ بينهما فإن استويا في مقدار الدعوى استويا في القِسْمة، مثل أن يدَّعي كل واحد منهما جميعه فيُقَسَّمُ بينهما نِصْفَيْن، وإن اختلفا في مقدار الدعوى في القلة والكثرة: فمذهب مالك أنه يُقَسَّم بنيهما على قدر الدعاوى، وتعول عَوْل الفرائض. ومذهب ابن القاسم أنه يُقَسَّم بينهما على قدر الدعاوى، ويختصُّ صاحب الأكثر بالزيادة التي وقع تسليم الىخر له فيها بدعوى الأقلّ. مالك ذلك: إذا ادَّعى أحدهماجميعه والآخر نصفه فعلى مذهب مالك: تعول بنصف، لأن أحدهما ادّعى نصفين والآخر نِصْفًا، فيُقَسَّمُ

ص: 230

على ثلاثة، يكون لمدَّعي الجميع اثنان، ولمدّضعي النَّصْفَ واحد. وعلى مذهب ابن

القاسم: يكون لمدّعي الجميع ثلاثة أرباع، ولمدّعي النَّصْفَ رُبْع، لأن مدَّعي لنَّصْف قد سلَّم في النَّصْف الآخر لمدّعي الجميع، فيختصُّ به ويُقَسَّمُ بينهما النَّصْفُ المتنازع بيه، ويتبع هذا الحساب كثرة الدعاوى والمدَّعِين اهـ. باختصار.

قوله رحمه اللَّه تعالى: ولوْ أضافَ كلّ الباقي إلى أجْنَبيًّ فهُوَ بينهُمْ ولا شيئ للأجنبيَّ" يعني أن المدعين لشيئ لو أضاف كل واحد منهم باقي السهام لأجنبي بعد تمام الدعوى وأخْذهم حِصَصهم فلا يُعطى للأجنبي منه شيئ، بل الباقي للمدَّعين فيقَسَّم بينهم، لأن الأجنبي لم يكن مدَّعيصا ولا يستحقُّ منه شيئًا، ويرجع ما بقي من ذلك لِمَن ثبتت حقوقهم بالدعوى، هذا مفهوم قول المصنَّف واللَّه أعلم.

ثم أشار إلى المسألة الثالثة بقوله رحمه اللَّه تعالى: ومَنش ادَّعى صَحَّةَ عَقْدٍ سُمِعَ ولَمْ يَلْزَمْهُ بَيَانُ شُرُوطِهضشا" قال ابن فرحون في التبصرة: ممَّا اختلف فيه فُقَهَاء الأمصار في المدَّعي أمرًا ملعومًا هل يلزمه بيان شورطه صحته أم لا" قال المازري رحمه الله: وعندنا أنّ ذلك لاي لزمه، بل إن ادّعى رجل على رجل أنه أنكحه ابنته أو باع منه داره فإنه لا يَشْتَرِطُ في سماع هذه الدعوى ذِكْرَ شروط صِحّة النكاح وصِحَة البيع، ولا يلزم القاضي استفسار المدَّعى لذلك، خِلافًا للشافعي رحمه الله في النكاح خاصة، فقد نصَّ على أنه لا تُسمع الدعوى حتى يذكر المدَّعي شروط الصحةن فيقول: عقدت النكاح بوَلِيَّ وصَدَاق وشاهدَيْن بناء على أصله في أ، تَرْكَ الشهادة في النكاح يفسده. قال: وهذا معترض بأنه يلزمه عليه استقصاء شروط الصحة كلها في النكاح، ككونه لم يقع في عدة ولا في إحرام إلى غير ذلك ولم يَقْلْ به. ووافقنا في دعوى الأعيان أو الديون أنه يلزم الاستفسار فيها، قال: وقد اتفق على أنه لا يلزم الاستفسار عن عرو العقد ممَّا يفسده فلا يجب أن يذكر في دعوى النكاح أنه لم يقع في عدّة ولا في إحرام، ولا غير ذلك ممَّا

ص: 231

يفسد العقد لو ثبت، فلا يزلم عندنا ذكر شروط الصَّحّة، ولا ذِكْرُ اجتناب شروط الفساد؛ لأن العقود أصلها الصَّحّة حتى يثبت الفساد اهـ. من تبصرة الحكّام.

ثم أشار رحمه الله إلى المسألة الرابعة بقوله: "وَفِي تَنَزُعِ الزَّوْجَيْنِ الْجَهَازَ لِكُلَّ مَا يَيْهَدُ بهِ الْعُرْفُ مَعَ يَمِينِهِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قِيلَ: لِلرَّجُل مَعَ يَمِيِنِهِ وضقِيلَ: يَحْلِفَانِ وَيَقْتَسِمَانِ" يعني كمافي تحفة الحكّام لابن عاصم المغربي الغرناطي في أرجوزته المشهورة: أنه عقد فيها فصلاً في اختلاف الزوجَيْن في متاع البيت فقال رحمه الله تعالى وأدم نَفْعَنا بعلومه في الدارَيْن آمين:

وإن مَتَاعَ البَيْتِ فِيهِ اخْتَلَفَا

وَلَمْ تَقُمْ بَيَّنَة فَتُقْتَفَى

وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوُجِ مَعْ يَمِينمْ

فِيمَا بِهِ يَليقُ كالسَّكَّينْ

وما يلِيقُ بِالنَّسَاءِ كالْحلِي

فَهْوَ لِزَوْجَةٍ إذا مَشا تَأْتَلِي

وإن يَكُنْ لَاقْ بِكلَّ مِنْهُمَا

مِثْلُ الرَّقيقِ حَلَفا واقْتَسَمَا

ومَلِكٌ بِذَاكَ لِلزَّوْج قَضَى

مَعَ اليَمِين وَبِقَوْلِهِ القَضَا

وَهْوَ لِمَنْ يَحْلِفُ مَعْ نُكُولِ

صَاحِبِهِ مِنْ غَيرِ مَا تَفْصِيل اهـ.

قال شارحه العلاّمة محمد ابن أحمد بن محمد المشهور بميّاره. يعني أنه إذا اختلف الزوجان في متاع البيت وأثاثه وادّضعاه كلُّ واحد منهما لنسه فإن يفصل في ذلك، فماكان منه يليق بالرجل كالسكين والرمح والقَوْس والفرس والكتاب فيُحْكَمُ به للرجل مع يمينه، ما لم تَقْمْ له بيَّنة فلا يمين عليه، وما يليق بالمرأة كالحلي وما لا يلبسه الرجال، فيُحْكَمُ به للمرأة مع يمينها، ما لم تَقْمْ لها أيضًا بيَّنة فلاي مين عليها، وعلىكون هذ الحءكْمِ إذا لم تَقُمْ بيَّنة نبّه بقوله: ولم تَقْمْ بيَّنة فتقتفي، وما يليق بكلَّ منهما كالرقيق والثياب التي يلبسها الرجال والنساء ففيه قولان: أحدهما: أنهما يتحالفان ويُقَسَّمُ بينهما أنصافًا، والثاني: وهو المشهور يُكْكَمُ به للزوج أيضًا بعد يمينه، وبهذ القول الحُكْمُ والقضاء، وإلى هذين

ص: 232

القولَيْن أشار بالبيت الرابع والخامس، وشار بالبيت السادس إلى أن مَنِ ادَّعى من الزوجَيْن ما يليق به ولا بيَّنة له، وثُلنا القول قوله مع يمينه فَنَكَل عن اليمين وحَلَفَ الآخر فإن ذلك يكون للحالِف؛ لان نكول المدَّعي كالشاهد عليه، فيَحْلِفُ المدَّعى عليه ويستحقُّ، ولا فرقّ في ذلك بين الرجل والمرأة، وعلى ذلك نبَّه بقوله من غير ما تفصيل: واليمين من لزوجَيْن على بيَّت ومن ورثة الزوجَيْن على العِلْم اهـ. نَقَلَه الشارح المذكور في سياق كلام النوادر عن الواضحة.

ثم أشار رحمه الله تعالى إلى المسألة الخامسة بقوله: "وَإِنْ تَنَازَعَا الزَّوْجِيَّةَ فَلَا يَمِينَ عَلَى المُنْكِرِ وَلَا تُرَدُّ فَإِنْ أَتَى الْمُدَّعي بِشَاهِدٍ فَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ بَرئَ وَإِلَاّ فَرِوَيَتَانِ بِالْحُكْم عَلَيْهِ وَبِحَبْسِهِ لِيَحْلِفَ" وفي نسخة: ويحبسه ليَحْلِفَ بالياء، والأولى أصحُّ، فَالمعنى كما تقرَّرر نا هذا الحكم في باب الزوجَيْن في فصل التنازع بين الزوجَيْن وثُلْنا هناك: اعلَم أنه إذا تنازعا ف يالزوجية بأ، ادَّعاها أحدهما وأنكرها الىخر فهذ النكاح يثبت ببيَّنة لمدَّعيه منهما، سواء كان المدَّعي شاهًا يشهد له إلَاّ بعدلَيْن، فلا يمين بمجرَّدها على المنكر، ولو أقام المدَّعي شاهدًا يشهد له إلَاّ [

أن يكون المنكر قد مات بعد قيام الدعوى وقبل الحُكْمِ فيَحْلِفُ المدَّعي مع شاهده لِيَرثَ المال؛ لأن دعوى الزوجية حينئذ آلت إلى مَال، ولا صداق لها إن كان المدَّعي هو وأنكرت هي ثم ماتت بعد ذلك، وإليه أشار بعضهم بقوله:

ص: 233

وَإنْ نِزَاعٌ كَانَ فِي التَزْوِيج

مِنْ زَوْجَةٍ تَأْبَاهُ أوْ مِنْ زَوْجِ

فَمُدَّعِيه كَلَّفُوهُ البَيَّنَة

وَلَوْ سَمَاعًا فَاشِيًا قَدْ أعلَنَه

وَلَا يَمِينَ فِي نُكُولِ الْجَاحِدِ

وَلَوْ تَاهَ الْمُدَّعِي بالشَّاهِدِ

هذا حُكْمُ التي خلت عن العصمة، أمَّا لو ادَعى الرجل على ذت زوج أنها امرأته وتزوَّجها قبل هذا وأقام شاهدًا واحدًا شهد بالقطع على الزوجية السابقة لهذا الرجل وزعم أن له شاهدًا ثانيصا انتظره الحاكم لإقامة شاهد ثانٍ، ثم يأمر الحاكم الزوج الذي كنت المرأة عنده باعتزالها فلا يقربها بِوَطْء ولا بمقدَّماته حتى يأتي المدَّعي بشاهد ثانٍ بشرط قرب مسافة الإتيان به بحيث لا ضَرَرَ على الزوج في اعتزالها لمجيئة ونفقتها مدّة الاعتزال على مَنْ يُقضى له بها، فإن أتى بشاهد ثانٍ عمل بشهادته ويُفْسَخُ نِكاح الثاني وتُرَدُّ إلى عصمة المدّعي ولا يقربها إلَاّ بعد استبرائها من الثاني إن كان قد وَطِئها، وأمَّا إن لم يأتِ به أو كان بعيدًا عجَّزَه الحاكم بعد الانتظار، ثم إن عجَّزَه لم تسمع بيَّنته بعد أن أعجَّزَه الحاكم وأمَرَها بأن تتزوَّج إن شاء، اهـ. الدردير بتصرف.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى لمسألة السادسة بقوله: "وَمَنِ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مَيَّتٍ فَاعْتَرَفَ أَحَدُ ابْنَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ حَلَفَ مَعَهُ وَانْتُزعَ مِنَ التَّرِكَةِ وَإلَاّ دَفَعَ نِصْفَهُ وَإنِ اسْتَوْعَبَ حِصَّتَهُ فَلَوْ كانَ لِلْمَيَّتِ دَيْنٌ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَلَفَ الوَرُثَةُ مَعَه وَاقْتَسَمُوا الْفَضْل فَإِنْ أَبَوْاه حَلَفَ الغَرِيمُ وَأَخّذَ حَقَّهُ فَلَوْ أَرَادُوا بَعْدَ ذلِكَ أَنْ يَحْلِفُوا لِيأخُذُوا الْفَضْلَ لَمْ يَكُنْ لَهْمْ إلَاّ أَنْ يَمْتَنِعُوا لِعذْرٍ أَوْ جَهِلُوا أَنَّ فيهِ فَضْلاً" يعين إذا ادّعى شخص أن له على ميتٍ دَيْنًا ثابتًا بالبيَّنة أو بإقرار الميت واعترف به أحد ابنَي الميت وهو من أهل الشهادة فإن حقَّ الغريم يثبت إذا حَلَفَ مع شاهده الذي هو أحد الورثة، وأخَذَ الغريم حقَّه منالتركة، وهذا لا خِلاف فيه؛ لأنه لا إرْثَ إلَاّ بعد الدَّيْن كالوصية كما سيأتي، وإن لم يأخذ الغريم حَقَّه من التركة بعد حِلْفِه، كأن ادّعى

ص: 234

بعد اقتسامها التركة؛ فإن الغريم يأخذ نِصْفَ حقَّه من يد المعترف له بالدَّيْن وإن استوعب حِصَّته. ولذا قال رحمه الله: وإلَاّ دفع نِصْفَه ومن المعلوم أنه إن أهلك الورثة الكبار التركة فإنهم يضمنونها للغريم الطارئ، وإن كانوا متعدَّين فأقرَّ بعضهم بالدَّيْن الطارئ وأنكر بعضٌ فالضمان في نصيب المُقِرّ. قال مالك فيمن هلك وله دَيْن وعليه دين له فيه شاهد واحد فيأبى ورثته أن يَحْلِفوا على حقوقهم مع شاهدهم قال: فإن الغرماء يضحْلِفون ويأخذون حقوقهم، فإن فضلَ فضلٌ لم يكن للورثة منه شيئٌ؛ وذلك أن الأيمانَ عُرِضت عليهم قبل فتركوها إلَاّ أن يقولوا: لم نعلم لصاحبنا فضلاً ويُعلم أنهم إنَّما تركوا الأيمان من أجلْ ذلك فإني أرى أن يَحْلِفوا ويأخذوا ما بقي بعد دَيْنِهز اهـ قاله في الموطَّأ. وعبارته في المدوَّنة فيما رواه سحنون عن ابن القاسم أنه قال: أرأيتَ إن شهد وارثان بِدَيْن على الميت شهد وارث واحد أيجوز في قول مالك؟ قال: نعم، وإن كان إنَّما شهد له شاهد واحد مع شاهده أي مع يمينه واستحقَّ حقَّه إذا كان عضدْلاً، وإن نكل وأبى أن يضحْلِف معه أخذ من شاهِدِه قدر الذي يصيبه من الدَّيْن، فإ، كان سفيهًا لم تَجُزْ شهادته ولم يرجع عليه في حظَّه بقليل ولا كثير اهـ. وتقدَّم معنى قول المصنَّف: فل كان للميت دَيْنٌ بشاهد واحد إلخ؛ قال أبو الوليد الباجي في شرحه على الميراث، فإن فضل شيئ كا لهم بالميراث، فإن نكَلَ الورثة حَلَفَ الغرماء، وهذا الظاهر من المذهب أن الورثة يبدؤون باليمين على الإطلاق، وبهذا قال مالك وأكثر أصحابه. قال سحنون: إنّضما كان للورثة أن يَحْلِفوا أولّلاً في مسألة الأصل لأن الغرماء لو نكلوا عناليمين أنهم لم يقبضوا دَيْنَهم كان للورثة اليمين مع الشاهد أوّلاً إذا لم يَقمِ الغرماء؛ فإن قاموا وثبتت حقوقهم وطلبوا أن يَحْلِفوا فَهُمُ البادئون بها لأنهم أوْلَىَ بِتَركَتِه اهـ. انظر المنتقى إن شئت.

ص: 235

فرع: وإذا امتنع الورثة من الميين أوّلاً فَحَلَفَ الغرماء بوقي من الدَّين الذي حَلَفَ عليه الغرماء فهل للورثة أن يَحْلِفوا ويأخذوه؟ وقد قدّم من رواية ابن وهب أن لهم ذلك على الإطلاق، وفي المجموعة من قول مالك: ليس للورثة معاودة اليمين، لنكولهم عنها أولاً، إلَاّ أن يقولوا: لم نضعْلَمْ أن في دَيْنِ الميت فضلاً عن الديون التي عليه، ونَعْلَمُ ذلك الآن فيَحْلِفون ويأخذون الفضل وهو معنى ما في الموطَّأ اهـ. المنتقى باختصار.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى المسألة السابقةبقنوله: "وَمَنِ ادَّعَى وَصِيَّةً لَهُ حَلَفَ مَعَ شضاهِدِهِ وَإلَاّ حَلَفَ الْوَرَثَةُ وَسَقَطَتْ فَإِنْ حَلَفَ الغَريمُ أَوْ أَحَدُ المُوصَى لَهُمْ ثَبَتَ حَقُّهُ خَاصّةً وَلِنَّاكِلِ تَحْلِيفُ المُدَّعَى عَلَيْهِ" يعني أ، مَنْ أوصى له شخص بشيئ من المال وله شاهد واحد بذلك وبعد موت الموصي قام الموصى له بطلب وصيَّته عند الورثة فإنه يَحْلِف مع شاهده ويستحقُّ الوصية، وإن أبى أن يضحْلِف حَلَفَ الورثة على رَدَّ دعواه، فإن حَلَفَ الورثة واحد مِمَّن لهم الوصية فإنه يأخذ نصيبه خاصةً من الوصية، وللناكل منهم تحليف المدَّعَى عليه، فإن حَلَفَ سقط نصيب الناكل وإلَاّ لم يسقط. انظره في المقدَّمات لابن رشد؛ فقد قَسَّمَ أحكام الوصية على قِسْمَيْن وفصَّلها تفصيلاً كما ذكر ذلك في التبصرة ابنُ فرحون.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى المسلة الثامنة بقوله: "وَمَنْ يَرَى رَجُلاً يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ مُدّضةً طَويلَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُهُ انِزَاعُهُ وَلَا يَرْهَبُهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ يُسْمَعْ وَلَا بَيَّنَتُهُ" يعني أن مَنِ يرى أحدًا يتصرَّف بِمِلْكه تصرُّف المِلْكية وهو ساكت حتى طال الزمان ثم قام يدَّعي فلا تُسْمَع دعواه ولا تُقْبَل بيَّنته إلَاّ أن يمنعه عن الكلام شيئ نحو القرابة أو خوف الضّرَر على نفسه من المتصرف فَلَهُ القيام بذلك بعد زوال العُذْر. قال في

ص: 236

الرسالة: ومَنْ حاز داراً عن حاضرٍ عشر سنين تُنْسَبُ إليه وصاحبها حاضرٌ عالمٌ لا يدَّعِي شيئًا فلا قيام له ولا يحازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة اهـ. قال خليل: وإن حاز أجنبي غير شريكٍ وتصرَّف ثم ادّعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تُسْمَع ولا بيَّنة إلَاّ بإسكان ونحوه. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حاز شيئًا عشر سنين فهو له" فالحيازة تَنْقُل المِلْك، قاله بهرام وتَبِعه جماعة، وخالفهم ابن رشد لِما نَقَلَه من سماع ابن القاسم في كتاب الاستحقاق أنه قال: الحيازة لا تَنْقُل المِلْك عن المحاز عنه للحائز اتفاقًا اهـ النفراوي. وإليه أشار ابن فرحون فقال:

فرع: ولو شهدت إحداهما بالمِلْك وشهدت الأخرى بالحَوْز قدَّمت بيَّنة المِلْك؛ لأن المِلْك أقوى والحَوْز قد يكون لغير مِلْكٍ فيُقْضَى ببيَّنة المِلْك وإن كان تاريخ الحضوْز متقدَّمًا اهـ. قاله فيتبصرته. وأمَّا عبارة ابن جزي في القوانين فقال: وأمَّا إن كان بيد واحد منهما فلا يخلو الذي حازه أن يكون بيده مدّة الحَوْز أو أقلّ، فإن بقي مدّة الحَوْز فأكثر وهي عشرة أعوام بين الأجانب وخمسون بين الأقارب وقيل: أربعون مع حضور خصمه وعِلْمِه وسكوته لم تُسْمَع دعواه، ولم تُقْبَل بيَّنته إلَاّ إن أثبت أنه بيد الحائز على وَجْه الكِراء، أو المساقاة أو الاعتماد أو شبه ذلك، وإن كان له أقلّ من مدّة الحَوْز طولِبَ المدَّعي بإثباته ببيَّنة، فإن أثبته استحقَّه بعد أن يَحْلِفَ أنه ما باعه ولا فوَّته ولا خرج عن مِلْكه، وإن لم يثبته قضى به لحائزه بعد أن يضحْلِفَ أنه ما باعه ولا فوَّته ولا خرج عن مِلْكه، وإن لم يثبته قضى به لحائزه بعد أن يَحْلِفَ أنه ما باعه ولا فوَّته ولا خرج عن مِلْكه، فغ، نكل حَلَفَ المُدّعِي وحُكِمَ

له فإن نَكَلَ المدّعي بقي بيد الحائز ثم قال: الشهادة على إثبات الشيئ المدّعَى فيه تكون على عينه، فيحضر به حين أداء الشهادة وتؤدّى على عينه، وإن كان عقارًا وَقَفَ القاضي إليه مع الشهود، أو وجه شهود الحيازة على المشهود، فيقولون لهم: هذا هو الذي شهدنا به عند القاضي، فإن أقامالطالب شاهدًا واحدًا مُنِعَ الذي هو بيده من إحداث شيئ فيه، فإن أقام شاهدًا ثانيًا أخرج من يده،

ص: 237

ومُنِعَ من التصرف فيه، وأغْلِقَ إن كان دارًا حتى ينفذ الحُكْمُ فيه. وإن كان المدَّعى فيه عرضًا أو حيوانًا أمَرَ القاضي بإيقافه حتى يَحْكُمَ فيه، ونفقة العبد والدابة في مدّة الإيقاف على مَنْ ثبت له اهـ. بتقديم.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى المسألة التاسعة بقوله: "وَالبَيَّنَةُ عَلَى المُدَّعِي وَالْيضمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَهُ رَدُّهَا وَافْتِدَاؤُهَا وَهِيَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ إلَاّ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَظلُومًا فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ: هذا الحديث أخرجه الترمذي مرفوعاً عن ابن عمرو بن العاص بلفظ: البيَّنة على المدَّعى ولايمين على المدَّعَى عليه، وفي رواية عن ابن عباس مرفوعًا: لو يُعطى الناس بدعاويهم لادَّعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعَى عليه، وفي أخرى: لو يُعطى النسا بدعواهم لذهب دماؤهم وأ/والهم. والحديث له طرق، رواه ستة إلَاّ مالكًا، وتقدَّم كلام مالك في معنى الحديث مفسَّرًا له بقوله رضي الله عنه: مَنِ ادَّعى على رجل بدعوَى نُظِرَ: فغن كان بينهما مخالطة أو ملابَسةٌ أُحلِفَ المدَّعَى عليه، فإن حَلَفَ بَطَلَ ذلك الحقُّ عنه، وإن أبى أن يضحْلِفَ ورَدَّ اليمينَ على المدَّعى فحلف طالبُ الحقَّ أخذ حقَّهُ. هذا، وبه حكم عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا اهـ. وتقدَّم جميع ذلك عند قول المصنَّف: فلا يضحْلِفُ حتى تثبت بينهما الخضلْطة، فراجعه إن شئت. قوله: وله ردُّها وافتداؤها، أي ردُّ اليمين على المدَّعى كما ذكره مالك. أمَّا افتداء اليمين فقد ثبت ذلك عند المحققين؛ قال خليل: وعلى الافتداءِ من يمينٍ. وفي أقرب المسلاك: وجاز الصُّلْح بشيئ على الافتداء من يمين توجَّهت على المدَّعى عليه المنكر ولو عَلِمَ براءة نفسه. قال الخرشي: يعني أن اليمين إذا توجَّهت على المدَّعَى عليه فإنه يجوز له أن يفتدي منها بالمال ولو عَلِمَ براءة نفسه على ظاهر المدوَّنة وهو قولها: ومَنْ لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك، وفي حاشية الخرشي: ليس المراد ظاهر المصنَّف من أن الجواز يتلَّق بالصُّلْح بل المراد أنه يجوز الافتداء عن يمين بمال،

ص: 238

ويعدُّ ذلك الافتداء صُلْحًا اهـ. قال الحطاب: والأصل في هذا أن الصحابة رضي الله عنهم: منهم مَنِ افتدى، ومنهم مَنْ حَلَف أهـ. وأمَّ قوله: ويه على نيّة المستحلف، وعبارة ابن جزي:

[181]

ويعتبر في ذلك نيّة الحالف إِلاّ في الدعاوي فتعتبر نيّة المستحلف في المشهور. قال الدردير: وإنَّما تعتبر إذا لم يستحلف في حقًّ وإلَاّ فالعبرة بنيّة المُحَلَّفِ. وقوله: إلَاّ أن يكون الحالف مظلومًا فتنفعه التَّوْرِية؛ قال في المصباح: فالتَّوْرِية أن تُطْلِقَ لَفْظًا ظاهراً في معنّى وتريد به معنّى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، مثل أن يقول: جوزتي طالق يريد جوزة حَلْقِهِ ليس فيها لُقْمَة. قاله محشى الخرشي. قال خليل: ألَاّ أن يترك التَّوْرِية مع معرفته لها. وفي الإكليل والمذهب: لا يَحْنَثُ ولو تَرَكَهاز قال الدردير في اقرب المسالك: ولو ترك التَّوْرِية مع معرفتها لم يلزمه شيئ، بل لو قيل له: طلَّقها فقال: هي طالِق بالثلاث لم يلزمه شيئ؛ لأن المُكْرَه لا يملِكُ نفسه حال الإكراه كالمجنون. وفي الموّاق نَقْلاً عن ابن شاس: لا يقع طلاق المُكْرَه إلَاّ أن يترك التَّورِية مع العِلْم بها والاعتراف بأنه لم يدهش بالإكراه عنها اهـ. والحاصل أنَّ التَّوْرِية تنفع الحالف المظلوم، وأنه لو تركها مع علم بها لا يلزمه شيئ كما صرَّح به الدردير اهـ.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى المسألة العاشرة بقوله: "وَهِيَ بِاللَّه الَّذِي لَا إله إلا هُوَ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِهِ عَلَ البَتَّ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَتُغَلَّظُ بِالْمْكَانِ وَالزَّمَانِ لَا بِزِيَادَةِ الأَلفَاظِ وَلَا يَحْلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَ أَقَلَّ مِنْ رُبْع دِينَارٍ ويُرْسِلُ إلى ذَاتِ الْخِدْرِ مَن] يُحْلِفُهَا وَلَا مَنعَ لِخَصْمِهَا وَتَحْضَرُ الْبَرِزَة مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُسْتَحلَفُ الْخَصْمُ لِلْوَارِثِ الصَّغير فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ" يعني أنه ذكرلا رحمه الله في هذه المسألة صيغة اليمين وكيفيَّتها وما يتعلَّق بها، قال في الرسالة: واليمين بالله الذي لا إله إله إلَاّ هو وهي اليمين الشرعية التي يوجَّهها إلَاّ حاكم أو مُحَكَّم ولو كان الحالف

ص: 239

كتابيًا على المشهور، ولا يكون بذلك مؤمنًا. وهذه الصيغة يُحْلَفُ بها في كلَّ حقَّ سوى اللَّعان والقَسَامة، وأمَّا اللَّعان فيقول: أشهد باللَّ فقط كما تقدَّم في باب اللغان. وأمَّا القَسَامة فقيل: يقول: أُقْسِمُ باللَّه لِمَن ضربه مات وقيل: يَحْلِفُ باللَّه الذي لا إله إلَاّ هو، وهو ظاهر كلام المصنَّف كخليل؛ فإنه قال: واليمين في كل حقًّ باللَّ الذي لا إله إلَاّ هو، وهو المنقول عن مالك ما في المدوَّنة. قوله: لا بزيادة الألفاظ، أمَّا الألفاظ المذكورة عن زيادتها فهي كما في القوانين. وقيل: يُزاد في القَسَامة واللَّعان (عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم" وقيل: يزيد اليهودي (الذي أنزل التوراة على موسى) وقيل: يزيد النصراني (الذي أنزل الإنجيل على عيسى) قال ابن فرحون نَقْلاص عن مختصر الواضحة: إنَّما يَحْلِفُ الحالف باللَّه الذي لا إله إلَاّ هو، لا يؤمر بأكثر من ذلك في الحقوق والدماء

واللعَّان، وكلّما كان فيه اليمين على المسلمين والنصارى واليهود والمجوس غير أن كلَّ هؤلاء غير المسلمين إنَّما يحلفون حيث يعظمون من كنائسهم ومواضع عباداتهم ويرسل القاضي في ذلك رسولاً يَحلأَّفُهم باللَّه. قال ابن حبيب: وأخبرني ابن عبد الحكم وأصبغ عن ابن وهب وأشهب عن مالك مثل ذلك كلَّه. قال القاضي أبو الوليد: وهذا هو المشهور من مذهب مالك، وبه قال ابن القاسم، ورواه عن مالك في المدوَّنة. قال ابن القاسم: ولا يُزاد على أهعل الكتاب الذي أنزل التوراة والإنجيل اهـ. التبصرة. واعلَم أن اليمين تتوجَّه في كلَّ مال ولو قليلاً، وأمَّا تغليظها فإنَّما يكون في المال العظيم، وهو ربع دينار فأكثر، ولذا قال رحمه الله: ولا يثحْلَفْ عند منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أقلَّ من رُبْع دينار كما في الرسالة، ومثل رُبْع دينار ما يقوم مقامه من غرض أو ثلاثة دراهم، أمَّا أقلُّ من ذلك فلا تغليظ فيه لا بالمكان ولا بالزمان، والتغليظ: في المال العظيم، فيضحْلِفُ فيه الذكر والأنثى، ولا يَحْلِفُ إلَاّ البالغ العاقل. واختُلِفَ في التغليظ بالزمان: ففي كتاب ابن سحنون من رواية ابن كنانة: يتحرّى بالأيمان في المال العظيم، وفي الدماء واللَّعان الساعات التي يحضرالناس فيها

ص: 240

بالمساجد ويجتمعون للصلاة، وما سوى ذلك من مال وحقَّ ففي كل حين. انظره في التبصرة لابن فرحون فيها زيادة إيضاح اهـ. ومن التغليظ الاستحلاف قائمًا، وعند منبره عليه الصلاة والسلام إذا كان التحليف بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا تغليظ بمنبر غير منبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مالِكًا لا يعرف اليمين عند لمنابر إلَاّ عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في المدوَّنة. قال في الرسالة: في غير المدينة يُحْلَفُ في ذلك في الجامع وموضع يعظم منه، ويضحْلِفُ كالمسلم في كنيسة إن كان من أهلها، وفي بيع إن ك ان من أهلها، أو بيت النار إن كان مجوسيًا، كما في كفاية الطالب، ومثله في القوانين اهـ. قوله: ويرسل إلى ذات الخِدْر مَنْ يُحَلَّفُها إلخ. قال ابن جزي: وتَحْلِفُ المخدرة وهي المرأة التي لا تخرج في المسجد بالليل على ما بال، وتَحْلِفُ في بيتها على أقلَّ من ثلاثة دراهم أو ربع دينار شرعي، أو يرسل القاضي مَنْ يُحَلَّفُها في موضعها ومَنْ كانت تخرج نهارًا فإنها تحضر مجلس الحُكْم. اهـ. بتوضيح. قال ابن فرحون:

فرع: وفي المتّيطية: واختُلِفَ في إخراج المرأة من بيتها عند وجوب اليمين عليها فقال في المدوَّنة: تخرج المرأة فيما له بال، فتَحْلِفُ في المسجد، فإ، كانت ممن لا تخرج نهارًا فلتخرج ليلاً، وتَحْلِفُ في بيتها إن لم تكن ممَّن تخرج اهـ. تبصرة الحكام، انظر الخرشي. وإذا وَجَبَتِ اليمين على مريض فإن شاء خصمه أحْلَفَه في موضعه أو أخَّره إلى أن يبرأ، قاله ابن جزي اهـ.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى المسألة الحادية عشرة بقوله"وَمَنْ تَرَكَ القِيَامَ بِبَيَّنَةٍ مَعَ القُدْرَةِ وَاسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا بِخِلاف الَّتِي لا يَعْلَمُهَا" عليه فلا قيام له، ولا تُسمد دعواه ولا بيَّنته، إلاّّ إذا لم يَعْلَمْ بها أو نَسِيَها. قال ابن جزي في القوانين.

ص: 241

فرع: إذا حَلَفَ المنكر ثم أقام المدَّعي بيَّنة فإن كانت غائبة أو كان لا يَعْلَمُ بها قضى له بها، وإن كان عالمصا بها وهي حاضرة لم يُقْضَ له بها، ولم تُسمع بعد اليمين في المشهور. قال خليل: فإن نَفَاها واستحلَفَه. فلا بيَّنةَ إِلاّ لعُذْرٍ كنسيان، وفي نسخة: وإن استَحْلَفَه عالِمًا ببيَّنةٍ تاركًا لها وهي حاضرة أو غائبة فلا حقَّ وإِن قدَّمت بيَّنة اهـ. قال الخرشي: يعين أن المدَّعى إذا كانت له بيَّنة حاضرة أو غائبة كالثمانية أيام ونحوها ذهابًا وإيابًا وهو عالِم بها وحَلَفَ المدَّعى عليه فإن لا تُقبل بيَّنته بعد ذلك إذا حضرت؛ لأنه ما استحلف خصمه إلَاّ على إسقاطها، فلذا سقطت بمجرَّد الحِلْف، وأمَّا إن لم يَعْلَمْ بها فَلَهُ القيام بهأن والقول قوله في نضفْيِ العِلْم مع يمينه اهـ. قاله سحنون. أمَّا لو أن لرجل على رجل مالاً فأنكره ولصاحب الحقَّ بيَّنة قد عَلِمَ بها فصالحه ببعض الحقَّ ثم حضرت البيَّنة فليس له أن يرجع علهي بشيئ، وكذلك لو صالح الطالب المطلوب على شيئٍ لبعد غيبة البيَّنة فلا قيام له بالبيَّنة إذا قُدَّمَتْ؛ لأنه قد رَضِيَ بما قد أخذ، أمَّا لو كان المدَّعي لا شاهد له وطلب يمين المدَّعى عليه فنكل عن اليمين فرجعت اليمين على المدَّعي فَحَلَفَ وأخذ ثم إن المدَّعى عليه وَجَدَ البيَّنة على براءة من ذلك الحَّ فإنه يبرَّأ ويرجع إلى ما أُخِذَ منه فيأخذه اهـ. قاله ابن فرحون.

ثم أشار رحمه اللَّه تعالى إلى لمسألة الثانية عشرة بقوله: "وَأُجْرَةُ الْكاتِبِ عَلَى الرُّؤُسِ وَإِنِ اخْتَلَفَت الحُقُوقُ وَلْيُمِللِ الَّذي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَوِ الَّذي لَهُ بِرِضَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" يعني أن أجْرة الكاتب الوثيقة على عدد رؤوس الورثة. قال في القوانين: الفرع الثاني: أجْرة القِسام على عدد الرؤوس لا عليى مقدار السهام، وكذلك أجْرة كاتب الوثيقة، وكذلك أجْرة كنس مراحيض الديار اهـ. وتقدَّم الكلام للدردير في القِسْمَة أنه قال: وكُرِهَ أخْذُ الأجْرة، ومنع إن رزق عليه في بيت مال. فراجِعْه إن

ص: 242

شئت. قوله: ولْيُمْلِل الذي عليه الحقُّ، هذا اقتباس من بعض الآية الكريمة في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ولْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ولا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ

فَلْيَكْتُبْ ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا. [البقرة: 282] الآية، اقرأ إلى آخر الآية، وقد ختم هذه المسائل بذكر هذه الآية لِما فيها من الأحكام في الديون والآجال ومسائل البيوع وما شاكل البيوع، وهي أطول آية في القرآن والله أعلَم.

ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلَّق بالتنازع والمسائل المتقدّّمة انتقل يتكلم على ما يتعلَّق بأحكام العَتْقِ والولاء والكتابة والتدبير والاستيلاء، وما يتعلَّق بجميع ذلك مفصّّلأاً ومبيَّنًا كلا في محله فقال رحمه الله تعالى:

ص: 243