الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال رحمه الله تعالى: "ومن أقر بوارث لزمه ما نقصه الإقرار ولم يثبت نسبه وميراثه، فإن كغانا اثنين من أهل الشهادة شهدا وثبت نسبُهُ وميراثُهُ" يعني كما قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا في الرجل يهلك وله بنون، فيقول أحدهم قد أقرّ أبي أنّ فلانًا ابنه إنّ ذلك النسب لا يثبُتُ بشهادة إنسان واحد، ولا يجوز إقرار الذي أقر إلا على نفسه في حصته من ماله أبيه، يُعطَى الذي شَهِد له قدر ما يصيبه من مال الذي بيده. قال مالك: وتفسير ذلك أن يهلك الرجل ويترك ابنين له ويترك ستمائة دينار فيأخذ كل واحد منهما ثلاثمائة دينار، ثم يشهد أحدهما أن أباه الهالك أقر أن فلاناً ابنه، فيكون على الذي شهد للذي استحلق مائة دينار وذلك نصف ميراث المستلحق لو لَحِقَ، ولو أقر له الآخر أخذ المائة الأخرى فاستكمل حقه وثبت نَسَبَهُ اهـ. قال الدردير في الاستحقاق: وإن أقر عدلان بثالث ثبت النسبُ وإلا ورث من حصة المقر ما نقصه الغقرار، فلو ترك شخص أُمًا وأخًا فأقرت بأخ فله منها السدس اهـ. أي لأن الأم تحجب تعدد الإخوة والأخوات من الثُّلُث إلى السُّدس اهـ. أي لأن الأم تحجب بتعدد الإخوة والأخوات من الثُّلُ إلى السُّدْس، فلو تعدد الأخ الثابت النسب فلا شيئ للمقر به، إذ لا تنقص الأم عن السُّدس اهـ. كما سيأتي جميع ذلك في الميراث: إن شاء الله تعالى ولمَّا أنهى الكلام على ما يتعلق بالإقرار وأحكامه انتقل يتكلم على ما يتعلق بأحكام الهبة كما وعدنا في أوّل الكتاب فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في الهبة
أي في بيان ما يتعلق بمسائل الهبة المختصة بها وتتميز به ن غيرها، وهي لغة وعرفًا تمليك من له التبرع ذاتًا تُنقَلُ شرعًا بلا عوض لأهل، أي للهبة، وأركانها أربعة: واهب، ومن شرطه أن يكون أهلاً للتبرع، وموهوب، وشرطه أن يكون مملوكًا للواهب، وموهوب له، وشرطه أن يكون أهلاً لأن يملك ما وهب له، وصيغة كوهبتك
أو ما يدل على التميلك، وإن معاطاة. فمتى وُجِدَتْ هذه الأركان وشروطها صحت الهبة.
قال رحمه الله تعالى: "الهبة قسمان معروف" ومعاوضة وسيأتي حُكْمُه. وأما حُكْمُ هبة المعروف فالندب. قال النفراوي: لم يذكر المصنف حُكْم نحو الهِبَة والصدقة، والحكم الندب؛ لأنها من أنواع المعروف واإحسان، والكتاب والسنة والإجماع دلت على ندبها، قال تعالى:"إِنَّ اللَّه يأَمُرُ بِالْعَدلِ والإِحسنِ"[النحل: 90]: "وءاتي المال على حبه"[البقرة: 177]: "وإن تُبدُواْ الصَّدَقَتِ"[البقرة:271]. وقوله صلى الله عليه وسمل: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل" وقوله عليه الصلاة والسلام أيضًا: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء" وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة. وحكى ابن رشد وغيره الإجماع على ندبها، وتأكد ندبها على الاقارب والجيران، وكونها من أنفس المال كماتقدم لنا في الإرفاق اهـ.
قل رحمه اللَّه تعالى: "فتصح بالقول، وتتم بالقبض، ويجبر على الدفع" يعني أن صحة الهبة لا تكون إلا بالقبض، ويجبر الواهب على دفعها إن امتنع عن
دفعها قال ابن جزي: وعلى المذهب تنعقد الهبة وتلزم بالقول، ويُجْبَر الواهب على إقباضها، فإن مات الواهب قبل الحوز بطلت الهبة إلا إن كان الطالب جادًا في الطلب غير تارك أهـ. وفي الرسالة: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن مات قبل أن يُحاز عنه فهي ميراث. وإليه أشار رحمه الله تعالى بقوله:"فإن تراخى الموهوب له حتى مات أو أفلس بطلت" يعني فإ، تراخى الموهوب له ولم يقبل حتى حصل المانع من مرض أو موتٍ أو فلس أو جنون بطلت الهبة، ولذا ينبغي للموهوب أن يعجل الحضوْز، ويلزم على الواهب أن يقبض الهبة ويجبر عليه بامتناعه إياها حتى يحصل الحوزز والقبض منه قبل المذكور. قال النفراوي: تلزم بمجرد القول أو الفعل الدال عليها ويقضي على الفاعل
بدفعها على المذهب وللمعطى له أن يحوزها ولا يتوقف على إذن المعطي بالكسر اهـ قال رحمه الله تعالى: "ولا رجوع فيهاإلا للأبوين، ما لم يتغير أو يتعلق بها حق فلا ترجع الأم على اليتيم" يعني أنه لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إلا بالإرث لما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" حيث شبه الراجع فيها بالكلب والمرجوع فيه بالقيئ، وذلك غاية التنفير المقتضى للمنع. قاله النفراوي اهـ. قال عمر بن الخطاب:"من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها" رواه مالك في الموطأ بإسناده عن عمر رضي الله عنه. قوله إلا الأبوين لما في المدونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد" اهـ. قال في الرسالة: ومن تصدق على ولده فلا رجوع له، وله أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثًا، والأم تعتصر ما دام الأب حيًا فإذا مات لم تعتصر. ولا يعتصر من يتيم، واليتم من قبل الأب اهـ. قال ابن جزي: واختلف في اعتصار الأم فقيل تعتصر لولدها الصغير والكبير مادام الأبُ حيًا، فإن مات لم تعتصر للصغار لأن الهبة للأيتام كالصدقة فلا تعتصر قلت هذا هو المشهور اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "وللأب حيازة ما وهب لولده الصغير إلا ما لا يتميز فيجعله على يد أمين" يعني كما في القوانين لابن جزي أنه قال: ويحوز للمحجور وصيه، ويحوز الوالد لولده الحر الصغير ما وهبه له هو ما عدا الدنانير والدراهم، وما وهبه له غيره مطلقًا، فإن وهب لابنه داراً فعليه أن يخرج منها، وإن عاد لسكناها بعد عام لم تبطل الهبة، وإن وهب له ما يستغل ثم استغله لنفسه بطلت الهبة، وعقد الكراء حوز، وإن وهب له دنانير أو دراهم لم يكلف الإقرار بالحوز حتى يخرجها عن يده ويقبضها بمعاينة البينة، وإن وهب له عروضًا أو حيوانًا جاز إذا أبرزه من سائر ماله، فإن كبر
وملك أمر نفسه فلم يقبض حتى مات الأب
بطلت، وكذلك إذا لم يقبض الكبير اهـ. وعبارة الدردير في أقرب المسالك عاطفًا على ما يصح: وحوز واهب لمحجوره إن أشهد إلا ما لا يعرف بعينه، أو دار سكناه إلا أن يسكن أقلها ويكري له الأكثر، وإن سكن النصف بطل فقط، والأكثر بطل الجميع اهـ يعني إن سكن والواهب أقل الدار أو أقل الوقت، وأكرى له الأكثر لم تبطل الهبة، وإن سكن النصف بطل نصفها فقط. وإن سكن الأكثر بطل الجميع. قال أبو محمد في الرسالة: وما وهبه لابنه الصغير فحيازته له جائزة إذا لم يكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوبًا وإنما يحوز له ما يعرف بعينه، وأما الكبير فلا تجوز حيازته له. قال شارحها قوله ما يعرف بعينه كدار أو دابة، فلو وهب له ما لا يعرف بعينه كدراهم أو دنانير وحازها حتى حصل له مانع من موت أو جنون أو فلس بطلت، ولو طبع عليها بحضرة شهودها بخلاف ما لو طبع عليها أو وضعها عند غيره إلى موته أو فلسه فلا تبطل. قال خليل: ولا إن بقيت عنده إلا لمحجوره إلا ما لا يعرف بعينه ولو ختم عليه، وسواء كان المحجدور صغيرصا أو سفيهًا، وسواء كان الولي أبًا أو وصيًا أو مقدمًا من قبل القاضي اهـ قال النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: "وتصح بالمشاعل والمجهول والغرر" يعني أن الهبة تصح بالشيئ المشاع وهو غير مميز عن جنسه ولم يكن على حدة كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء، وكذا تصحُّ بالمجهول وهو غير معلوم الجنس والقدر، قال خليل: وصحت في كل مملوك ينقل ممكن له تبرع بها وإن مجهولاً أو كلبًا ودينًا وهو إبراء إن وهب لمن عليه، وإلا فكالرهن، وكذلك تصح الهبة بالغرر. قال ابن جزي في القوانين: وأما الموهوب فكل مملوك. تجوز هبة ما لا يصح بيعه كالعبد الآبق، والبعير الشارد، والمجهول والثمرة قبل بدو صلاحها والمغصوب خلافًا للشافعي. وتجوز هبة المشاع خلافًا لأبي حنيفة. وتجوز هبة المرهون بقيد الملك، ويُجْبَر الواهب على افتكاكه له ومنعه الشافعي. وتجوز هبة الدين خلافًا للشافعي اهـ.
ثم ذكر رحمه الله تعالى القسم الثاني من قسمي الهبة وهو هبة الثواب فقال: "والثاني معاوضة وهي كالبيع" يعني الثاني من قسمي الهبة هبة المعاوضة وتسمى هبة الثواب، وحُكْمُها الجواز كالبيع. قال النفرايو: يدل على جوازها الكتاب والسنّة فالكتاب قوله تعالى: "وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناسفلا يربوا عند الله"[تالروم: 39] فإن ابن عباس قال: الربا أن يعطي الرجل عطية ليُعْطَى أكثر منها، وقوله تعالى:"وَلاض تَمنُن تَستَكثرُ"[المدثر: 6] قال المفسرون: وذلك أن يهدي ليهدى له اكثر منها فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في الخصائص، وأباحه الله تعالى لسائر الناس. ومن السنّة ما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثبت عليها كما في [71][72] الصحيحين اهـ باختصار. قوله وهي كالبيع يعني أن هبة الثواب شبيهة بالبيع، ولذا لو مات الواهب للثواب قبل حيازة الهبة لم تبطل ويجب تنفيذها، ولا تبطل بموت أو مرض أو فلس واهبها قبل حوزها، فليست كغيرها من أنواع العطايا التي تبطل بعدم حيازتها قبل موت الواهب اهـ قاله النفراوي في الفواكهز
قال رحمه الله تعالى: "إلا في العوض فيخير الموهوب له بين إثابة قيمتها أو ردها، فإن أثاب دونها فله الرجوع" يعني أن هبة الثواب خالفت البيع في العوض لجوازها بالمجهول والغرر وما لا يجوز في البيع كما تقدم، وأما من جهة الخيار قبل الفوات وبعده فكالبيع كما قال المصنف وغيره. قال في الرسالة: والموهوب للعوص إما أثاب القيمة أو رد الهبة، فإن فاتت فعليه قيمتها، وذلك إذا كان يُرى أنه أراد الثواب من الموهوب له. قوله فيخير الموهوب له إلخ، فهم منه أنه لا يلزم الموهوب له دفع أكثر من القيمة لو كانت العادة جرت على ذلك، وهو كذلك كما لا يلزم الواهب قبول أقل من القيمة، وقد وقع الخلاف فيما إذا تطوع الموهوب له بدفع أكثر ما يلزمه وأبى الواهب من أخذ أزيد من قيمة هبته فأفتى القابسي بجبر الواهب على أخذ الزائد على قيمة
هبته، حتى لو حلف كل بالطلاق على نقيض ما أراد صاحبه لقُضِيَ بتحنيث الواهب، لأن هبات الناس على ذلك. هذا ملخص كلام القابسين لكن يقيد كلامه بما لا يدخله ربا الفضل وغلا امتنع، وأفتى غره بأنه لا يُجْبَر الواهب على قبول الزائد لأن الإنسان لا يلزمه أخذ ما يتوقع المَن به اهـ النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: "فلو اختلفا في كونها للثواب اعتبر شهادة الحال. والله أعلم" يعني كما قال ابن جزي: وإن اختلف الواهب والموهوب له في مقتضى الهبة نظزر إلى شواهد الحال، فإن كانت بين غني وفقير فالقول قول الفقير مع يمينه، فإن لم يكن شاهد حال فالقول قول الواهب مع يمينه، وإذا أهدى فقير إلى غني طعامًا عند قدومه من سفر أو شبهة فلا ثواب له عليه. قال خليل: وصدق واهب فيه إن لمخ يشهد عُرف بضده، والحكم المذكور عام ولو كانت الهبة لأجل عرس أو عند قدوم من حج. ولو أهب الثوب طلب الثواب ولو معجلأن ولا يلزمه الصبر إلى أن يحدث له فرح إلا لعادة وللموهوب له أن يحاسب الواهب بما أكله هو ومن معه عند إحضار الهبة المسماة عند العامة بالحمولة. والتصديق في إرادة الثواب بيمين مطلقًا. وقيل اليمين عند إشكال الأمر، وذلك إذا لم يشهد العرف له ولا عليه، بناء على أن العرف بمنزلة شاهد فقط، أو بمنزلة شاهدين. واعلم أنه إذا جرى العرف بالثواب يعمل بها ولو كان الموهوب مسكوكًا، أو كان الواهب أحد الزوجين لصاحبه، فما في خليل حيث لا عادة، وإلَاّ عمل بها لأنها عند مالك [72] [73] كالشرط اهـ النفراوي. قال العلامة الشيخ محمد عليش في الفتاوى: ما قولكم في رجل صنع عرصًا فوهب له رجل أردب قمح هبة ثواب، ثم بعد سنين طلب الواهب الثواب فهل يقضى على الموهوب له بدفع الثواب للواهب، وإذ قلتم نعم وقلتم ثوابه في هذه النازلة العرض أو الدنانير وكان الأردب في زمن دفعه للموهوب له يساوي أربعين قرشًا مثلأن وفي زمن طلب الثواب يساوي ستين قرشًا مثلاً، وفي زمن طلب الثوبا يساوي ستين قرشًا مثلاً فماذا يكون العمل؟ أفيدوا الجواب. ثم