المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال رحمه اللَّه تعالى: "فَإِنِ الْتَبَسَ عَن الْمَنْقُولِ إِليْهِ لَمْ - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ٣

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحَجْرِ والصُّلْح والحَمَالة والحَوالة

- ‌فَصْلٌفي التفليس

- ‌فَصْلٌفي الصلح وأحكامه

- ‌خاتمة:

- ‌فَصْلٌفي بيان ما يتعلَّق بأحكام الحَمَالة والكَفَالة والزَّعَامة والضمان

- ‌فَصْلٌفي الحَوَالة

- ‌كتاب العارية والوديعة

- ‌فَصْلٌفي الوديعة

- ‌كتاب الشفعة والقسمة

- ‌فَصْلٌفي القسمة

- ‌كتاب الإحياء والارتفاق والغصب والاستحقاق

- ‌فَصْلٌفي الارتفاق

- ‌فَصْلٌفي الغصب

- ‌فَصْلٌفيما يلزم الإنسان من المواسات في بعض الحالات

- ‌فَصْلٌفي الإستحقاق وأحكامه

- ‌كتاب اللقطة

- ‌فَصْلٌفي التقاط المنبوذ وأحكامه

- ‌كتاب الإقرار والهبة والصدقة والعُمْرَى والرقبي

- ‌فَصْلٌفي الهبة

- ‌فَصْلٌفي الصدقة

- ‌فَصْلٌفي العمرى

- ‌فَصْلٌفي الرقبى

- ‌كتاب الوقف

- ‌فَصْلٌفي بيان قِصاص الأطراف

- ‌فَصْلٌفي الدَّية

- ‌فَصْلٌفي الأعضاء

- ‌فَصْلٌفي القَسَامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌فَصْلٌفي الزاني والزانية

- ‌فَصُلٌفي القذف

- ‌فَصْلٌفي الخمر وأحكامها

- ‌فَصْلْفي السارق

- ‌فَصْلٌفي الحد

- ‌تنبيه:

- ‌كتاب الأقضية

- ‌فَصْلٌفي الغائب

- ‌فَصْلٌفي الشهادة

- ‌فَصْلٌفي التنازع

- ‌كتاب العتق والولاء والكتابة والتدبير والاستيلاء

- ‌فَصْلٌفي الولاء

- ‌فَصْلٌفي الكتابة

- ‌فَصْلٌفي التدبير والمدبر

- ‌فَصْلٌفي أم الولد

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب المواريث

- ‌فَصْلٌفي الجد

- ‌فَصْلٌفي الفرائض

- ‌فَصْلٌفي المناسخة

- ‌فَصْلٌفي الخنثى

- ‌فَصْلٌفي الميراث

- ‌فَصْلٌفي التركة

- ‌كتاب جامع

- ‌فَصْلٌفي المسابقة

- ‌خاتمة

- ‌تنبيه

الفصل: قال رحمه اللَّه تعالى: "فَإِنِ الْتَبَسَ عَن الْمَنْقُولِ إِليْهِ لَمْ

قال رحمه اللَّه تعالى: "فَإِنِ الْتَبَسَ عَن الْمَنْقُولِ إِليْهِ لَمْ يَحْكُمْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَيَشْهَدَ عَدْلَانِ عِنْدَهُ بِذلِكَ كَانَ المَكْتُوبُ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ" يعني فإن التَبَسَ للقاضي أمْرُ القضاء فلا يجوز له تنفيذه حتى يثبت وَجْهَ القضاء فيه ويتحقَّق أنه هو الحُكْمُ الشرعي والمحكوم عليه هو المراد بإيقاع الحُكْم عليه بدون شك ولا تردُّد، سواء كان غائبًا أو حاضرًا. قال المصنَّف: ولا يَحْكُم حتى يسمع تمام الدعوى والبيَّنة. وقال في محل آخر: ولا يَحْكُمُ وعنده شكٌّ أو تردُّد. قلتُ: فإن فعل ذلك مع شكًّ أو تردُّد فللمحكوم عليه القيام بطلب فسْخ الحُكْم. انظره في فصل قيام المحكوم عليه في تبصرة ابن فرحون. وينبغي أنَ يقيَّد القاضي أسماء الشهود للمراجعة عند الحاجة. قال ابن فرحون: ولسحنون في المجموع أن تسمِيَتَهم لا تلزم في الحْكْم على الغائب. وسَوَّى أصبغ في هذا بين الحُكمِ على الغائب والحاضر، وبه جرى العمل فهو في الحاضر مستحبٌّ وفي الغائب واجبٌ لإرجاء الحجة له اهـ. ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلَّق بأحكام الغائب انتقل يتكلم على الشهادة وأحكامها فقال رحمه اللَّه تعالى:

‌فَصْلٌ

في الشهادة

أي في بيان ما يتعلَّق بأحكام الشهادة وشروطها، وهي لغة: الإعلام، وعُرْفًا: إخبار عَدْل حاكمًا بِما عَمِمَ ولو بأمر عام ليَحْكُمَ بمقتضاه، وحُكْمُهما أنها فَرْضُ كفاية، ولذا قال رحمه اللَّه تعالى:"تَحَمُّل الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَاّ أَنْ يَخَافَ فَوَات الْحقَّ فَيَتَعَيَّنُ" يعني أن أصل الشهاد فَرْضُ كفاية ويعرض عليها الوجوب فتتعيَّن بخوف فوات الحقّ. قال ابن جزي في القوانين في الباب التاسع في أوّله المسألة: تحمُّل الشهادة وأداؤها وكلاهما فَرْضُ كفاية إلَاّ إن تُعَيَّن، أمَّا التحمُّل فلا يجب على الشاهد أ، يتحمَّل إلَاّ أن يُفتقر إليه ويُخشى تَلَفُ الحقوق لعَدَمِه. وأمَّا أداء الشهادة فيجب على مَنْ تحمَّلها إذا كان

ص: 212

متعيَّنًا، وذلك إذا لم يشهد غيره، أو تعذَر أداء سائر الشهود ودُعِيَ لأدائها من مسافة قريبة كالبريد والبريدين، ولا يجوز أخْذُ الأجْرة على الأداء لأنه واجب اهـ. قال الدردير: وإن انتفع مَنْ تعيَّن عليه الأداء بأن امتنع من الأداء إلَاّ بمقابلة شيئ من الدراهم أو غيرها ينتفع به فجرح أي قادح [3/ 16/162/ 3] في الشهادة لأن الانتفاع رشوة في نظير ماوجب عليه مسقط لشهادته. قال تعالى: ولا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ومَن يَكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة: 283] وهذا قد كتمها حتى يأخذ رشوة، ثم قال: إلَاّ ركوبه لدابة لمجلس الحُكْم لعُسْرِ مشْيِهِ ولا دابة له فيجوز وليس بجرح. وأمّا الانتفاع على التحمُّل إذا لم يتعيَّن فيجوز، فإ، تعيَّن لم يَجُزْ، وقيل بالجواز إن كان يكتبها في وثيقة مِمَّن انتصب لذلك، وكذا إذا لم ينتصب في نظير كتابته وكذا المفتي. اهـ. فراجِعْه إن شئت.

قال رحمه اللَّه تعالى: "وَشَرْطُهُ الإِسْلَامُ وَالْحُرَّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ وَمَعْرِفَةُ تَحَمُّلِهَا وأأدَائِهَا وَتَيَقُّظُهُ وَحِفْظُ مُرُوءَتِهِ وَائتمَانُهُ في غَضَبِهِ لَا يُتَّهَمُ بِمَحَبَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَدَاوَةِ المَشْهُدِ عَلَيْهِ" يعين كما في الدردير قال في أقرب المسالك: وشروط الشهادة العدالة. والعدل: الحُرّ المسلم البالغ العاقل بلا فِسْقٍ وحَجْرٍ وبدعة كقدريَّ ذو المروءة بترك غير لائق من لعب بكحمام وشطرنج ومساع غِناءٍ وسفاهةٍ وصغير خِّةٍ وإن أعمى في القول أو أصَمَّ في الفعل. وشَرْطُه أي شَرْطُ قبول شهادته أن يكون فَطِنًا جازمًا بما أدّى غير متّهَم فيها بوجهٍ، فلا شهادة لمغفَّلٍ إلَاّ فيما لا يُلْبَسُ، ولا المتأكَّد القرب كَوالدٍ وإن علا وولدٍ وإن سفلَ وزوجهما، بخلاف أخ وملّى وملاطف إن برَز ولم يكن الشاهد في عِياله أي في عِيال المشهود له فتجوز كأجير وشريك في غيرها أي في غير مال الشركة وزائدٍ أي في شهادة ومُنَقِّصٍ وذاكرٍ بعد شكًّ أو نسيانٍ فتجوز، وبخلافها لأحد أبوَيْه أو ولدَيْه (أي فتقبل إن برّز) ولم يظهر مَيلٌ لِمَن يشهد له منهما اهـ.

ص: 213

قال رحمه الله تعالى: "وَالأَقاَرِبُ كَلأَجَانبِ فِي القَبُول إلَاّ الْوَالِدَ وَإنْ عَلَا وَالْوَلَدَ وَإِنْ نَزَلَ وَكُلا مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ وَالسَّيَّدَ لأِرِقَّائهِهِ وَصَاحِبَ دَيْن لِمِدْيَانِهِ المُفَلَّ وَوَصِيًّا لِيَتيمِهِ وَالسُّؤَّالَ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ يَدْفَعُ مَعَرَّةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِه وَبَدَويًّا لِقُرَوِيصّ إلاّ فِي قَتْل أَوْ جِرَاح وَوَلَدِ الزَّنَا فِيهِ وَقَذِفًا بَعْدَ حَدَّه وَشَاهِد زُور إلَاّ أَنْ يَتُوبَ وَيَظْهَرَ صَلَاحُهُمَا" يعني أن الاقارب كالأجانب في أداء الشهادة إلَاّ إذا تأكدت القرابة كالأصول والفروع فيمتنع للتهمة، فلا تُقْبضلأ شهادة الولد لوالديه، ولا لأجداده وجدّاتهن ولا شهادة واحد منهم له، ولا شهادة زوج لزوجته، ولا شهادتها له، ولا السيَّد لعبيده، ولا هم له؛ لأنهم ليسوا من أهل الشهادة ولو في غير سيَّدهم، خلافًا للظاهرية وابن المنذر، قاله ابن جزي. ولا شهادة لجار لنفسه منفعة أو دافع عنها مضرّة. وفي القوانين: مثل مَنْ شهد على موروثه المُححْصَن بالزَّنا فيُرْجَم لِيَرِثه أو مَنْ له دَيْن على مفلّس فيشهد للمفلّس أن له دَيْنًا على آخر ليتوصل إلى دَيْنِه أو مَنْ شهد بحقًّ له ولغير اهـ. وسيأتي تمام هذه المسألة عند قوله: فإن تضمَّنت حقًّا له أو لِمَن يتهم عليه وأجنبي رُدَّت. ولا شهادة أي لا تُقْبَل شهادة وصيَّ لمحجوره ولاش هادة السؤال الذين يتكففون النسا لعدم الثقة بهمز وكذلك لا شهادة لِمَن كان في عيال المشهود له، ولا لبدوي لقروي إلَاّ في قَتْلٍ أو جراح فتجوز، ولاش هادة لولد الزَّنا فيه، وكذلك قاذف بعد حدَّه، ولا شهادة لشاهد زور ولا تُقْبَل شهادته أبدًا؛ لأنه لا تُعْرَف توبته. قاله ابن العربي. وقيل: تُقْبَل إن صَلُحَ حالُه وسحَّت توبته كما للمصنَّ وهو المشهورز وأمَّا عبارة الرسالة فقا فيها: ولا تجوز شهادة النساء إلَاّ في الأموال، ومائة امرأة كامرأتَيْن، وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين، وشهادة امرَتَيْن فقط فيما لا يطَلع عليه الرجال من الولادة والاستهلاك وشُبهة جائزة، ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنّين، ولا يُقْبَل إلَاّ العدول، ولا تجوز شهادة المحدود، ولا شهادة عَبْدٍ ولا صبيًّ

ص: 214

ولا كافر. وإذا تاب المحدود في الزَّنا قُبِلَتْ شهادته إلَاّ في الزَّنا. ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له، ولا الزوج للزوجة ولا هي له، وتجوز شهادة الأخ العَدْل لأخيه، ولا تجوز شهادة مجرَّب في كذب، أو مظهر لكبيرة ولا جارٍ لنسه ولا دافِع عنها ولا وصي ليتيمه، وتجوز شهادته عليه، ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن، وال يُقْبَلُ في التزكية إلَاّ مَنْ يقول عَدْل رضًا، ولا يُقْبَلُ في ذلك ولا في التجريح واحد، وتُقْبَلُ شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير اهـ.

قال رحمه الله تعالى: "وَمَنْ رُدَّ فِي شَيئٍ لِنَقْصِه يُقْبَلُ بَعْدَ كَمَالِهِ فِي غَيْرِهِ" يعني كما في النفراوي عند قول الرسالة: ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عَبْدٍ ولا صبيًّ ولا كافر. قال: لمنافاة الصبا والكفر العدالة، ومحلُّ عدم جواز الشهادة مَنْ ذُكِر إذا أدّوها في تلك الأحوال، وأمَّا لو تحمَّلوها على تلك الأوصاف وتأخَّر

الأداء حتى اتَّصفوا بالعدالة لصَحَّتْ شهادتهم، حيث لم يكن صضدَرَ منهم أداء في تلك الحالة ثم رُدَّتْ شهادتهم وإلَاّ لم تُقبَل فيما رُدَّتْ فيه؛ لقول خليل: ولا إن حرص على إزالة نَقْصٍ فيما رُدَّ فيه لفِسْقٍ أو

ص: 215

صباً أو رِقّ؛ لأنهم يتهمون على إزالة النقص الذي ردَّت شهادتهم لأجله. والمراد بالنقص المعرة اللاحقة بسبب رد شهادتهم اهـ. ومثله في الوقانين بزيادة التوضيح هناك.

قال رحمه اللَّه تعالى: "فَإِن تَمَمَّنَتْ حَقًّ لَهُ أَوْ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَأَجْنَبِصّ رُدَّتْ وَقِيلَ بَلْ يُقْبَلُ لِلأَجْنَبِي كَوَصِيَّةٍ لَهُ بَعْضُهَا إلَاّ أَنْ يُتَّهَمَ عَلَى مِثْلِهِ" يعني أن الشاهد إذا شهد بحق له أو لَمَن يتَّهم عليه وأجنب يفإن شهادته لا تقْبَل لتهمة. وقيل: تُقْبَل للأجنبي فقط كوصية له بعضها فتقبَل، إلَاّ أن يتَّهم على مثله فَتُرَدّ، لذلك قال الدردير: ولا إن شهد لنفسه بكثير وشهد لغيره بقليل أو كثير أي في وصية كأن يقول: أشهد أنه أوصى لي بخمسين دينارًا ولِزَيْد أو للفقراء بمثل ذلك أو أقلَّ أو أكثر فلا تصحُّ له ولا لغيره؛ لتهمة جرَّ النفْعِ لنفسه وإلَاّ بأن شهد لنفسه بقليل أي تافِه ولغيره بقليل أو كثير قبل ما شهد به لهما معًا أي لنفسه ولغيره، فإ، لم يوجد إلَاّ هذا الشاهد حَلَفَ الغير معه واستحقّ وصيته ولا يمين على الشاهد؛ لأنه يستحقُّ ما أوصى له به تبعًا للحالِف، فإن نكل الغير فلا شيئ لواحد منهما، وهذا إذا كَتَبَ الوصية بكتاب واحد بغير خط الشاهد، فإن كَتَبَ بخط الشاهد أو لم تُكْتَبْ أصلاً قُبِلَتْ شهادته لغيره لا لنفسه، وكذا إن كَتَب بكتابَيْن أحدهما للشاهد والثاني للآخر فلا تصحُّ له، وتصحُّ للآخر لعدم التبعية حينئٍّ. وأمَّا شهادته له ولغيره في غير وصية كدَيْن فلا تُقْبَل له ولا لغيره مطلقًا؛ لتهمة جَرَّ النفع لنفسه اهـ.

قال رحمه اللَّه تعالى: "وَيُقْبَلُ مِنَ الأَعْمَى فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَنَ الأَقْوَالِ والأَصَمَّ فِي الْمَنْظُوراتِ والأَخْرَسِ المَفْهُومِ الإِشَارَةِ وَالسَّمَاع فِي النَّسَبِ والْوَلاءِ وَالأَحْبَاسٍ والْمَوْتِ وَفِي النَّكَاح خِلافٌ" يعني أنه تُقءبَلْ شهادة الأعمى في الأقوال، وتُقْبَلُ شهادة الأصم في المنظورات، وتُقْبَلُ شهادة الأخرس المفهوم الإشارة، فهؤلاء

ص: 216

الثالثة تُقْبَلُ شهادتهم، قال في حاشية الخرشي في قبول شهادة الأعمى: لا خصوصية للقول بل تجوز فيما عدا المرئيات من المسموعات والملموسات والمذوقات والمشمومات، قال عبد الوهاب: فيُقْبَل فيما يلمسه بيده أنه حارٌّ أو بارد أو لَيَّن أو خَشِ، وفيما يذوقه أنه حُلْوٌ أو حامض وفيما يشمُّه اهـ. انظر الحطاب. وأمَّا الأصمُّ فقال الموّاق نَقْلاً عن ابن شاس: تُقْبَل شهادة الأصمَّ في الأفعال. وفي الخرشي: وأمَّا العدل الأصمُّ غير الأعمى فتجوز شهادته في الأفعال. وأمَّا شهادته في الأقوال فلا يُقْبَلُ ما لم يكن سمعه قبل الصمم. اهـ

بحذف 5. وأمَّا الأخرس فقال الخرشي: ولم يتعرَّض لشهادة الأخرس وهي مقبولة كما قاله ابن شعبان. ويؤدّيها بالغشارة المفهمة والكتابة، وفي الموّاق: ولابن شعبان شهادة الأخرس جائزة إذا عُرِفَتْ إشارته. قال ابن عرفة: قبول شهادتهخ كصِحَة عَقْدِ نِكاحه وثبوته طلاقه وقَذْفه وكلاهما فيه اهـ. والحاصل أن هؤلاء الثلاثة تُقْبَل شهادتهم فيما ذكر، أي عىل الوجه الذي تقدَّم ذِكْرُه. وأمَّا الكلام في شهادة السماع في النسب والولاء والأحباس والموت والنكاح فقد ذكر ابن فرحون في تبصرته في الفروع فقال: وأمَّا شهادة السماع على النسب فصورتها أنهم يشهدون أنهم لم يزالوا يسمعون على قديم الايام ومرور الشهور والأعوام سماعًا فاشيًا منتشرًا من أهل العَدْل وغيرهم أن فلانًا ابن فلان قرشي من فَخِذِ كذا ويعرفونه وأباه من قَبْلِه قد حاز هذا النسب وبيَّناه في شهادتهما لا يعلمون أحدًا يطعن عليهما فيه إلى حين تاريخ إيقاع هذه الشهادة، فإذا شهدوا بذلك فَمَنْ نفاه عن ذلك النسب حدَّ له. وفي مفيد الحكام: أن شهادة لاسماع لا تفيد النسب إلَاّ أن يكون سماعًا فاشيًا ظاهرًا مستفيضًا يقع به العِلْم فيرتفع عن شهادة لسماع ويصير من باب الاستفاضة والضرورة، وهذا مثل الشهادة بأن نافعًا مولى ابن عمر وأن مالكًا بن أنس، وإن لم يعاين الشاهد بذلك أصله، وأمَّ إن قصر عن هذا الحدَّ فإنَّما يستحقُّ بالشهادة المال دون الولاء والنسب، وذلك ما لم يكن للمال وارث مستحق اهـ. ثم

ص: 217

قال: وأمَّا شهادة السماع على الولاء فصِفَتُها أنهم لم يزالوا يسمعون سماعًا فاشيًا مستفيضًا على ألْسنة أهل العَدْل وغيرهم أن فلانًا ابن فلان مولى لفلان ابن فلان بولاء العتاقة، أو أن جدَّه فلان لأبيه قد أعْتَقَ جدًّ لمولى فلان لأبيه، ويحتاج المشهود له إذا توفَّيَ المشهود عليه بالولاء أن يثبت الموت والوراثات حتى يبلغ إلىموت المشهود عليه، إلَاّ أن يكون موت الأول وما بعده قد بعد فيسقط الإثبات لذلك، ويستحقُّ بهذه في رواية ابن القاسم المال مع يمينه، ولا يثبت الولاء ويستحقُّ في قول أشهب الولاء والمال اهـ.

ثم قال: وأمَّا شهادة لاسماع في النكاح فإذا ادّعى أحد الزوجَيْن النكاح وأنكره الآخر فأتى المدَّعي ببيَّنة سماع فاشٍ من أهل العَدْل وغيرهم على النكاح واشتهاره بالدف والدخان ثبت النكاح بينهما هذا هو المشهور المعمول به. وقال أبو عمران: إنَّما تجوز شهادة السماع في النكاح إذا اتفق الزوجان على ذلك. وأمَّا إذا ادَّاعاه أحدهما وأنكره الآخر فلا اهـ. ثم قال: وأمَّا لاشهادة على السماع في الحُبُس فلا بدَّ أن يشهد الشهود أنّ ذلك كان يُحاز بِما تُحاز به الأحباس، ويحترم بحُرْمَتها، وأنها كانت مِلْكًا لِمَن بتل فيها الحُبُس لالمذكور، ويجاوزونها بالوقوف

عليها وإن لمي شهدوا بأنها تُحاز بِما تُحاز به الأحباس، وتحترم بحُرْمَتها سقطت لشهادةز وقال بعد الأندلسيين: لو شهدوا على أصل المحبَّس بعينه لم يكن حُبُسًا حتى يشهدوا بالمِلْك للمحبَّس يوم حُبس اهـ. وأمَّا شهادة السماع في الموت فقد قال في الفرع الثاني من هذه الفروع: لا بُدَّ في شهادة لاسماع على الموت أن يقول الشهود: إنهم سمعوا سماعًا فاشيًا مستفيضًا من أهل العَدْل وغيرهم أن فلانًا ابن فلان الفلاني الذي يعرفونه بعينه واسمه توفِّي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا في وقت كذا ولا يُستغنى عن تاريخ اليوم الذي مات فيه من جهة من يوارثه ليعرف بذلك مَنْ مات قَبْلَه ومَنْ مات بَعْدَه اهـ. نَقَلَه من وثائق الجزيري. قال ابن

ص: 218

جزي في القوانين: المسألة الخامسة: تجوز الشهادة بالسماع الفاشي في أبواب مخصوصة، وعدّها عشرين بابًا. قال الصاوي نَقْلاص عن شبراخيتي: قد أنهاها بعضهم إلى اثنتَيْن وثلاثين مسألة التي تجوز الحُكْمَ بشهادة السمع، وقد جمعت في أبيات ونصُّها:

أيَا سَائلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ

ويَثْبُتُ سَمْعًا دونّ عِلْم بِأصْلِهِ

ففي العَزْلِ والتَّجْرِيح والكُفْرِ بَعْدَهُ

وفِي سِفِهٍ أو ضِدَّ ذَلِكَ كُلَّهِ

وَفِي البَيْع والأحباسُ وَالصَّدَقاتُ معْ

رَضاع وخُلْع والنَّكَاح وَحِلِّهِ

وَفِي قِسْمَةٍ أو نِسْبَةٍ وولَايَةٍ

وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ والمُضِرَّ بِأَهْلِهِ

وَمِنْهَا الهِباتُ والوصِيَّةُ فَاعْلَمن

وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يَضَنُّ بِمِثْلِهِ

وَمِنْهَا وِلاداتٌ وَمِنهَا حِرَابَةٌ

وَمِنْهَا الإبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشِكْلِهِ

وَقَدْ زِيدَ فيهًا الأسْرُ والفَقْدُ وَالمَلاُ

وَلَوْثٌ وَعَتْقٌ فَاظْفِرْنَ بِنَقْلِهِ

فَصَارَتْ لَدى عَد ثلاثينَ أُتْبِعَتْ

بِثْنَتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلَّه اهـ.

قال الدردير في أقرب المسلاك ما في خليل: وجازت أي الشهادة بسماع فشا عن ثثاتٍ وغيرهم بمِلْكٍ لِحائزٍ بلمْ نزل نسمع مِمَّن ذَكر أنّه له، وقُدَّمت ببيَّنةً البتَّ إلَاّ أن تشهد بيَّنة السّماع بنَقْلِ المِلْك من كأبي القائم وبموت غائبٍ بَعُد أو طال زمن سماعه، أو بوقف إنطال الزمن بلا ريبةٍ وشَهِد عدْلان وحلف كتَوْلِيةٍ وتعديل وإسلام ورشد ونِكاح وضدَّها وضررِ زوجٍ وهبةٍ ووصيةٍ ونحوها اهـ. انظر شراح النصوص في المذهب.

قال رحمه الله تعالى: "والصَّبْيَانِ فِي الْجِرَاح بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بشرْطِ إِسْلَامِهِمْ وحُرَّيَّتِهِمْ وَذُكُورِيَّتهمْ وَعَدمِ تَفَرُّقِهِمْ وَالْبَالِغ بَيْنَهُمْ وَتَضَمُّنِهَا الجِنَايَة عَلَيهِ" يعني كما في الرسالة: وتُقْبَلُ شهادة لصبيان في الجراح والقَتْل لبعضهم. وهذا مذهب مالك، وجَمْع من الصحابة منهم عليُّ بن أبي طالب ومعاوية. ومنعها الأئمة

الثلاثة وابن عباس

ص: 219

وجماعة، وإنَّما جازت للضرورة؛ لأن الغالب عدم حضور الكبار عندهم؛ ولأنهم يندبون إلى تعليم الرَّمْيِ والصراع وغيرهما ممَّا يدرَّبهم على الحرب من معرفة الكرّ والفرَ وحمل عدم السلاح؛ فلو لم تُقْبَل شهادة بعضهم على بعض لأدّى إلى إهدار دمائهم؛ لِما قدَّمنا من أن الغالب حضور الكبار عندهم. وشروط قبولها أن يؤدّوها قبل أن يتفرَّقوا، فإن تفرقوا لم تَصُحَّ شهلادتهم؛ لاتهامهم على تعليم الكبار لهم، إلَاّ أن تشهد العدول قبل تفرّقهم. ومن شروطها ألَاّ يحضرهم كبير، فإن حضر عندهم كبير زمن قتالهم لم تُقْبَل. قال خليل: والشاهد حرّ مميّز ذَكَرٌ تعدّد ليس بعدو ولا قريب، ولا خلاف بينهم ولا فرقة إلَاّ أن يشهد عليهم قبلها، ولم يحضر كبير أو يشهد له أو عليه وألَاّ يكون الشاهد منهم معروفصا بالكذب، وأن تشهد الدول على رؤية جسد القتيل أو المجروح. وفائدة العمل بشهادة الصباين في الجراح والقتل لزوم الدَّيَة بعد الثبوت؛ لأن عَمْدَ الصبيان كالخطأ اهـ. النفراوي. وقوله: والبالغ بينهم إلخ أي من شروط قبول شهادة الصبيان عدم وجود البالغ بينهم، فإن وُجِدَ وقته أو بَعْدَه لم تُقْبَل؛ لإمكان تعليمهم، إلَاّ إذا كان البالغ عَدْلاً ووافقهم، فإ، خالفهم لم تُقْبَل شهادتهم. قاله بعض الأفاضل في تقييده. أمَّا قوله رحمه الله: وتضمُّنها الجناية عليه، أيّ منش روط صِحّة قبول شهادة الصبيان عدم تضمُّنها الجناية عليه، فإ، تضمَّنت شهادتهم عليه أي على البالغ الذي هو لم تُقْبَل سواء كانت شهادتهم له أو عليه. قال الخرشي: ومنها ألَاّ يشهدوا على كبير ولا لكبير بل يشهد بعضهم لبعض على بعض كما مَرَّ، وفي الحطاب نَقْلاً عن الرجراجي: وإن كان مشهودًا علهي فلا تجوز شهادتهم عليه باتفاق. وفي حاشية الخرشي: واعلَم أن حاصل ما في الحطاب أنه إذا حضر الكبير وقت القتل أو الجرح وكان عدْلاً لا تصحُّ شهادتهم على المشهور أي للاستغناء به، وهذا إذا كان متعدَّدًا مطلَقًا أو واحدًا والشهادة في جرح أي فيَحْلِفُ معه وأمَّا إذا كانت الشهادة في قَتْلٍ فلا يضرُّ حضور ذلك الواحد في شهادتهم، وإن

ص: 220

كان غير عَدْلٍ فقولان: جواز شهادتهم وهو المعتمد، كان واحدًا أو متعدّدًا. وأمَّا إذا حضر بعد المعركة وقبل الافتراض فتجوز شهادتهم إذا كان عدْلاً. وأمَّا إذا كان غير عَدْل فلأن فتمسَّك بهذا واتْرُكْ خِلافه اهـ. ومثله في حاشية الصاوي.

قال رحمه اللَّه تعالى: "وَامْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْمَالِ أَوْ فِي مَا يُؤَدَّي إِلَيْهِ كَالْوَكَالَةٍ وفِي الصُّلح خِلَافٌ وَرَجُل أَوِ امْرَأَتَيْنِ مَعَ يَمينٍ أَوْ يَمِين الْمُدَّعِي أَوْ نُكُول المثدَّاعى عَلَيْهِ بَعْدً رَدَّهَا عَلَى المُدَّعِي" هذا شروع في ذكر مراتب الشهود والشهادات، يعني كما في القوانين: أن شهادة رجل وامرأتين تكون في الأموال خاصة، دون حقوق الأبدان والنكاح والعَتْقِ والدّماء والجراح وما يتصل بذلك كله، [3/] 167]

* * *

واختُلِفَ في الوكالة على المال. قال في الرسالة: ويُقضى بشاهد ويمين في الأموال، ولا يقضى بذلك في نكاح أو طلاق أو حدَّ ولا في دم عَمْدٍ أو نفس إلَاّ مع القَسَامة في النفس. وقد قيل: يُقضى بذلك في الجراح. قال ابن جزي: فتلخَّص أن شهادة رجل وامرأتين أو رجل ويمين أو امرأتين ويمين مختصّة بالأموال.

قال رحمه الله تعالى: "وَتَنْفَرِدَانِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجَالُ مِنَ الْوِلَادَةِ وَعَيْب الْفَرْج وَافْتِضَاض وَنَحْوِهِ لَا وَاحِدَةٍ" قال ابن جزي: المرتبة الرابعة شهادة امرأتين دون رجل، وذلك فيما لا يطَّلع علهي الرّجال، كالحمل والولاة موالاستهلال وزوال البكارة وعيوب النساء. وقيل: إنَّما يثعمل بها بِشَرْطِ أن يفشو ما شهدتا به عند الجيران وينتشر اهـ. فراجع الفواكه إن شئت.

قال رحمه الَاّه تعالى: "وَمَنْ لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ فَلْيَشْهَدْ عضلَى عَيْنِهِ" يعني أن مَنْ لا يعرف الشاهد نَسَبَه فإنه يشهد على عينه. قال خليل: ولا على مَنْ لا يعرف إلَاّ على عينه. قال الشارح: يعني أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد على شخص لا يعرف نَسَبَه إلَاّ على عينه المعيَّنة بصفة شخصها؛ لاحتمال أن يضع الرجل اسم غيره على اسمه أو بالعكس.

ص: 221

فالمراد بالعَيْن: الحلية بحيث يبقى المعوَّل عليه إنَّما هو مَنْ وُجِدَتْ فيه تلك الأوصاف. اهـ. الخرشي. وعبارة الدرسوقي: أي لا يجوز للشاهد أن يتحمَّل شهادة على أن لِزَيْد على عمرو عشرة، أو يؤدّي الشهادة كذلك والحال أنه إنَّما يعرف نسب عمرو، أو يعرف نسبه وتعدَّد وأراد الشهادة على واحد من المتعدّد، فال يشهد إلَاّ على عينه أي شخصه، كَمَنْ له بنتان فاطمة وزينب، وأراد الشاهد أن يشهد على فاطمة مثلاً والحال أنه إنَّما يعرف أن لفلان بنتَين فاطمة وزينب، ولا يَعْلَم عين هذه من هذه فلا يشهد إلَاّ على عينها، ما لم يحصل له العِلْم بها وإن بامراة. وأمَّا إن لم يكن للمعين إلَاّ بنت واحدة، ولا يُعْرَف له غيرها وكان الشاهد يَعْلَم أن هذه بنت فلان، فهذه من معرفة النسب؛ لأن الحصر ظاهر. والحاصل: أنه لا يجوز تحمُّل الشهادة ولا أداؤها على مَنْ لا يعرف نَسَبَه، إلَاّ على شخصه وأوصافه المميَّزة له، بحيث يقول: أشهد أن لزيد دينارًا على الرجل أو على المرأة التي صفتها كذا أو أشهد أن المرأة التي صفتها كذا تزوَّجها أو طلَّقها فلان اهـ.

قال رحمه الله تعالى: "وَالْمَذْهبُ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى خطَّ الْمُقِرَّ الْمَيَّت أو الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةٍ بِشَرْطِ عَدَم لاشْتِبَاه. والأَحْوَطُ انْضَمامُ يَمِينِ المُدّعِي إلَيْهَا والأَدَاءُ فَرْضُ عَيْنٍ إلَاّ أنَ

يثْبُتَ الْحَقُّ بِغَيْرِه" يعني أن المذهب جواز شهادة الشاهد على خطَّ المُقِرّ، سواء كان المُقِرُّ بِما في الخط ميتًا أو غائبًا غيبة بعيدة. قال خليل: وجازت على خطَّ مُقِرَّ بلا يمين، وخطَّ شاهدٍ مات أو غاب ببُعدٍ وإن بغير

مال فيهما إن عرفَتْه كالمعين، وأنه كان يعرف مشهده وتحمَّلها عَدْلاً. أي جازت شهادته إن جهل مكانه كبُعْدِه. قال الدردير: والمراد بالبُعْد ما ينال الشاهد الغائب فيه مشقة، فلا تجوز على خط شاهد قريب لا تنااله مشقّة في إحضاره، والمرأة كالرجل يُشْتَرَط فيها بعد الغيبة أو موتها قال اللخمي: الشهادة على خطَّ الشاهد لغيبته أو موته صحيحة على الصحيح من القولَيْن؛ فأنها ضرورة. وقال ابن رشد: أمَّ الشهادة على خطَّ الشاهد الميت أو الغائب فلم يختلف

ص: 222

في الأمهات المشهورة قول مالك في إجازتها وإعمالها. قال المصنَّف: بِشَرْطِ عدم الاشتباه، والأحواط انضمام يمين المدّعي إليها. قال ابن جزي في القوانين: المسألة الثالثة في الشهادة على الخطّ، وقد اختُلِفَ فيها، ولكن جرى العمل بجوازها، وهي على ثلاثة أنواع: شهادة الشاهد على خطَّ غيره بِما أقرَّ به، ثم قال: المسألة الرابعة: لا يجوز للإنسان أن يشهد إلَاّ بما عليه يقينًا لا يشك فيه، إمّا برؤية أو سماع، إلَاّ أنه تجوز الشهادة على شهادة شاهد آخر؛ ونَقَلَها عنه للقاضي إذا تعذَّر أداء الشاهد الأوَّل لمرضه أو غيبته أو موته أو غير ذلك، وذلك في جميع الحقوق. ومَنَعَها الشافعي في حقوق اللَّه وأبو حنيفة في القِصاص اهـ. فراجِع الباب الرابع والثلاثين في القضاء بالشهادة على الخطّ، في تبصرة ابن فرحون وغيرها من شراح خليل كالحطاب، وهناك ترى اختلافًا في أقوال أئمّة المذهب. وأمَّ قوله: ولاأداء فَرْضُ عَيْنٍ إلخ تقدَّم الكلام على ذلك في أوّل هذا الفصل فراجِعْه إن شئت.

قال رحمه اللَّه تعالى: "ولَا يَجُوزُ اسْتِنَادُهُ إِلى خَطَّهِ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلشَّهَادَةِ" هذه المسألة قد اختلف فيها أئمّتنا في المذهب اختلافاً كثيرًا، وهي استناد الشاهد على خطَّ نفسه، فمَنَعَه الاكثرون وأجازه لاآخرون، قال خليل: لا على خطَّ نفسه حتى يذكرها وأدَّى بِلا نَفْع اهـ. قال الدردير: يعني لا يشهد الشاهد على خطَّ نفسه بقضية سبقت حتى يتذَكرها فيشهد حينئذٍ بِما عَلِمَ لا على خط نفسه، وإذا لم يتذكَّر أدَّى الشهادة على أن هذا خطّي، ولكن لم أذْكُرِ القضية فيؤدّيها بِلا نَفْعٍ للطالب، وفائدة الأجاء احتمال أن يكون الحاكم يرى نَفْعَها، هذا قول مالك في المدوَّنة، وهو الذي رجع إليه. قال ابن رشد: وكان مالك يقول أولاص: إن عرف خطّه ولم يذكر الشهادة ولا شيئصا منها وليس في الكتاب مَحْوٌ ولا ريبة فليشهد. وبه أخذ عامة أصحابه، منهم مطرف وعبد الملك

ص: 223

والمغيرة وابن أبي حازم وابن دينار وابن وهب وسحنون وابن حبيب. قال في التوضيح: صوب جماعة أن يشهد إن لم يكن مَحْو ولا ريبة؛ فإنه لا بدَّ للناس من ذلك، وكثرة نسيان الشاهد المنتصب؛ ولأنه لو لم يكن يشهد حتى يذكرها لم يكن لوضع خطَّه فائدة، ولذلك نقلَ عن العدوي: أنه

كان يقول: متى وَجَدْتُ خطّي شَهَدْتُ عليه؛ لأني لا أكتب إلَاّ على يقين من نفسي اهـ. مع طرف من الصاوي.

قال رحمه الله تعالى: "وَتَجوزُ عَلَى الشَّهَادَةِ يَشْهَدُ عَدْلَانِ عَلَ كلَّ مِنَ الأَصْلَيْنِ إِذا أَشءهَدَهُمَا عَلَيْهِ لَا بِسَمَاعِهِ يَيْهَدُ أَوْ إِقْرَارِهِ بِخِلافِ شَاهِدِ الأَصْل يَسْمَعُ مَنْ يُقِرُّ بِحَقًّ وَإِنْ لضمْ يُشْهَدْهُ عَلَيْهِ فإِنَّهُ يَشْهَدُ إِذَا سُئِلَ وزَعَلَيْهِ إعْلَامُهُ إِنْ جَهِلَهُ لَا وَاحِدْ عَلَى كُلَّ وَاحِدس:؛ يعني أنه يجوز نضقل الشهادة على شهادة العدلين، ينقل كل اثنين عن أصل عَدْلن إن قال كل: أشهد على شهادتي، أو سمعه يؤدّيها عند الحاكم وغاب الاصل وهو رجل بمكان لا يلزم الأداء منه، أو مات أو مرض ولم يطرأ على الأصل فِسْقٌ أو عداوة للمشهود عليه حتى أدّى الشهادة ولم يكذبه أصله قبل الحكم قال الدردير في أقرب المسالك: وجاز نَقْلُها إن قال: أشهد على شهادتي، أو سمعه يؤدّيها عند الحاكم، وغاب الأصل وهو رجل بمكان لا يلزم الأداء منه، أو مات أو مرض ولم يطرأ على الأصل فِسْقٌ أو عداوة بخلاف جنون ولم يكذبه أصله قبل الحُكْم، وإلَاّ مضى ولا غُرْمَ ونُقِلَ عن كل اثنان ليس أحدهما أصلاً اهـ. قال ابن فرحون في التبصرة: ويكفي فس صِحّة نَقْلِ الشهادة فيما عدا الزَّنا أن يكون الناقلان اثنَيْن، بِشَرْط ألَاّ يكون أحدهما أحد شاهدي الأصل (أي بأن أدّى أحد الأصلَيْن شهادته فلا نَقْلَ عنه) أمَّا إذا كان أحد الناقلَيْن أصلاً صار الحقُّ إنَّشما ثبت بشاهد واحد فلا يكفي؛ لان الناقل المنفرد كالعدم اهـ. بتوضيح.

قال رحمه الله تعالى: "وضفِي الزَّنا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلًّ مِنَ الأرْبَعَةِ وَلَا حْكْمَ لِفَرعْعٍ مَعَ وُجُودِ الأصْلِ" يعني كما قال خليل: وفي الزَّنا أربعة أو على كل اثْنَيْن اثنان. قال في

ص: 224

المدوَّنة: قال ابن القاسم: تجوز الشهادة على الشهادة في الزَّنا، مثل أن يشهد أربعة على شهادة أربعة، أو اثنان على شهادة اثنَيْن، واثنان آخران على شهادة اثنَيْن آخرين، حتى يتمَّ أربعة من كل الناحيَتْين اهـ.

تنبيه: يُشْتَرَطْ في صِحّة شهادة النَّقْل في الزَّنا أن يقول شهود الزَّنا لِمَن ينقل عنهم: اشهدوا عنا أننا رأينا فلانًا يزني وهو كالمردود في المكحلة، ولا يجب الاجتماع وقت تحمُّل النقل، ولا تفريق الناقلّيْن وقت شهادتهم عند الحاكم، بخلاف الأصول اهـ. الدسوقي. ومثله في الخرشي.

قال رحمه اللَّه تعالى: "وَيَ

كْفِي القَاضِي بِعِلْمِهِ بِعَدَالَةٍ أَوْ فِسْقٍ وَمَنْ جَهلَهُ عَدَّله عَنْدَهُ يَشْهَدُ عَدْلانِ أَنَّنهُ عَدْلٌ لا يَكْفِي أَحدُ الْوَصْفَيْنِ" يعين أن القاضي يضحْكُمُ بعِلْمِه في العدالة والجراحة لا في غيرهماز قال خليل: ولا يستند لعِلْمِهِ إلَاّ في التعديل والتجريح. قال أبو عمر: أجمعوا أن له أن يعدل أو يجرح بِعلْمِه، وأنه

إن عَلِمَ أن ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا أنه ينفذ عِلْمَه ويَرُدُّ شهادتهم بعِلْمِه. قال سحنون: ولو شهد عندي عدْلان مشهوران بالعدالة وأنا أعلَم خلاف ما شهدوا به لم يَجْزْ أن أحْكُمَ بهشادتهما ولا أن أردهما لعدالتهما، ولكن أربع ذلك إلى الأمير الذي فوقي، وأشهد بما علمت وغير بما علم، ولو شاهد شاهدان ليسا بعدلين على ما أعلم أنه حخقّ لم يقض بشهادتهما اهـ. نَقَلَه الموّاق. وفي الصاوي على حاشية الدردير: حاصل التجريح في هذه المسألة: أن القاضي إذا عَلِمَ عدالة شاهد تَبَعَ عِلْمَه، ولا يحتاج لطلب تزكيته ما لم يجرحه أحد وإلَاّ فلا يعتمد على عِلْمِه؛ لأن غيره عَلِمَ ما لم يَعْلَمْه، وإذا عَلِمَ جرحة شاهد فلا يَقْبَله ولو عدَّله غيره، ولو كان المعدول له كل الناس؛ لأنه عَمِمض ما لم يضعْلَمْه غيره، اللهمَّ إلَاّ أن يطول ما بين عِلْمِه بجرحته وبين الشهادة بتعديله، وإلَاّ قدَّم المعدَّ له على ما يضعْلضمُه القاضي، هذا هو الصواب

ص: 225

كما في البناني اهـ. فظهر أن للقاضي أن يعدَّل أو يجرح بعِلْمِه كما تقدَّم، وإن جَهِلَ حال الشاهد فَلَهُ تعديله أو تجريحه على اجتهاده، فإن عدَّله يشهد عنده عدلان، ويشهدان أنه عَدْلُ رِضا: لأنها لا تقْبَل إلَاّ مَنْ يقول: عَدْلٌ رضًا، ولا يُقْبَل ي ذلك، ولا في التجريح واحد. وكذلك لا يكفي أحد الوصفَيْن في الشاهد بل لابدَّ من أن يكون عَدْلاً رضاً.

قال رحمه الله تعالى: "وَفِي تَعَرُضِهِمَا تُقَدمُ الْجَارِحَةُ وَقِيلَ: "أَعْدَلُهمضا" يعني إذا تعارضت بيَّنتان بيَّة التعديل وبيَّنة التجريح على الشاهد أو المزكّي فإنه تقدَم بيَّنة التجريح على بيَّنة التعديلن وقيل: نظر الحاكم في أعْدَلِهما. قال خليل: وهو مقدَّم أي على التعديل، وعن مطرف وابن وهب: التعديل أوْلَى من التجريح، والقول بأن شهادة المجرَحِين أعمل هو أظهر وأوْلى بالصواب، ابن سهل تقديم الجرح على التعديل أصحُّ في النظر وقائلوه أكثر وعليه العمل، المتّيطي: الذي مضى به العمل أن التجريح أتُّم شهادة؛ لأنهم عَلِموا من الباطن ما لم يعرفه المعدلون اهـ. الإكليل. وفي القوانين: ويجب أن ينصَّ المجروح على الجرحة ما هي وعلى تاريخها، إذ يمكن أن يكون قد تاب منها، ولاي كفي في التجريح. والتعديل أقلُّ من شاهدَيْن إلَاّ أن يسأل القاضي رجلاً فيخبره، فيكفي واحد لأنه من باب الخير اهـ. قال ابن فرحون: وفي تنبيه الحكّام: لو عدَّل شاهدان رجلاً وجرَّحه آخران ففي ذلك قولان: قيل: يقضي بأعدلهما لاستحالة الجمع بينهما، وقيل: يقضي بشهود الجرح؛ لأنهم زادوا على شهود التعديل؛ إذ الجرح ممَّا يبطن فلا يطَّلع عليه كل الناس، بخلاف العدالة. وللخمي تفصيل قال: إن كان اختلاف البيَّنتين في فعل

شيئ في مجلس واحد كدعوى البيَّنتين أنه فعل كذا في وقت كذا، وقالت البيَّنة الاخرى: لم يكن ذلك فإنه يقضي بأعدلهما، وإن كان ذلك في مجلسَيْن متقتاربَيْن قضى بشهادة الجرح؛ لأنهازادت عِلْمًا في الباطن، وإن تباعد ما بين المجلسَيْن قضى بآخرهما تاريخًا، ويحمل على أنه

ص: 226

كان عَدْلاص فَفَسَقَ أو فاسقَ فَتَزَكَّ، إلَاّ أن يكون في وقت تقييد الجرح ظاهر العدالة فبيَّنة الجرح مقدَّمة لانهازادت. اهـ التبصرة. ففيها فصول وفروع لهذا المقام فراجِعُها إن شئت.

ثم انتقل رحمه الله يتكلم على رجوع البيَّنة قبل أداء الشهادة أو بعد الأداء فقال: "وَرُجُوعُ البَيَّنَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ يَمْنَعُهُ وَبَعْدَهُ يَغْرَمَانِ مَا أتْلَفَاهُ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ كَذِبًا أَوْ غَلَطً. وَقِيلَ: يَلْزَمُ بِالْكَذب: الْقَوَدُ وَبالْعتْقِ: القِيمَةُ وَبالنَّكَاح وَالطَّلَاقِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلنَّكاح مَا لَزِمَ مِنَ الصّدَاقِ وَيُغَرَّمُ القَاضِيَ الْقَاضِي بِتَبَيُّن كُفْرِ البَيَّنَةِ أوْ رِقَّهَا لا فِسْقِهَا" هذا شروع في رجوع الشاهد عن شهادته، يعني كما في القوانين لابن جزي أنه قال: فإن رجع قبل الحْكْم بِها لم يَحْكُمْ ولم يلزمه شيئ، وإن رجع بعد الحْكْمِ لم يُنْقَض الحُكْمُ باتفاق الأئمّة الأربعة، ويلزم الشاهد ما أتلف بشهادته إذا أقرَّ أنه تعَمَّد الزور، ثم إن شهادته التي رجع عنها بعد الحُكْمِ إن كانت في ماله لزمه غُرْمُه، وإن كانت في دم لزمه غُرْمُ الدَّيَة في الخطأ والعَمْد. وقال أشهب: يُقْتَصُّ منه ف يالعَمْد وفاقًا للشافعي، وإن كانت في حدَّ كَذْفٍ فإن رجع قبل الحْكْم حُدَّ وإن رجع بعده حُدَّ أيضًا، فإن كان الحدُّ رَعْمًا فاختُلِف: هل تؤخذ منه الدَّيَة أو يُقْتَل؟ وإن كانت في عَتْقٍ لزمه قيمة العبد لسيَّده، وإن كانت في طلاق قبل الدخول لزم الشاهدَيْن نِسْفُ الصّداق، بخلاف بعد الدخول فلا يلزمهما شيئ، وإذا ادَّعى الشاهد الغلط فاختُلِفَ: هل يلزمه ما يلزم المتعمّد للكذب أم لا؟ والصحيح أنه يلزمه في الأموال؛ لأنها تضْمَن في الخطأ. ثم قال: "فرع" إذا حَكَمَ حاكم بشهادة شاهدَيْن ثم قامت بعد الحْكْم بيَّنة بفِسْقِهِمكا لم يضْمَن ما أتلف بشهادتهما، ولو قامت بيَّنة بكفرهما أو رِقَّهما ضَمَنَ اهـ. كلام ابن جزي بحذف. قال أبو محمد في الرسالة: وإذا رجع الشاهد بعد الحْكْمِ أغْرِمَ ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزورن قال أصحاب مالك رضي اللَّه عن الجميع. قال شارحها: وفُهِمَ

ص: 227