الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كرَّم الله وجْهَه في جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت فقال عليه الصلاة والسلام: "أقم عليها الحدَّ وأقيموا الحدود على ما ملكتْ أيمانكم" اهـ. نَقَلَه النفراوي.
ولمَّا أنْهَى الكلام على ما تعلَّق بأحكام القذف ويسمّى فرية ورميًا فقال رحمه الله تعالى:
فَصُلٌ
في القذف
أي في بيان ما يتعلق بأحكام حدّ القذف. قال الصاوي: أمَّا تسميته فرية فكأنه من الافتراء والكذب وأمَّا تسميته رميًا فلقوله تعالى: "وَالَذِينَ يَرمُونَ الْمُحصَنَتِ"[النور: 4] الآية، والقذف لغةً الرمي بالحجارة وعُرْفًا رمي مكلَّف حرًّا مسلمًا بنَفْيِ نسب عن أب أو جدَّ، أو بزِنا لذي آلةٍ بِما يدلُّ على ذلك. وهو من الكبائر وموجب للحدَّ ولبيان ذلك.
قال رحمه الله تعالى: "حَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ لِلحُرَّ ولَلْعَبْدِ أَرْبَعُونَ" يعني أن مَنْ نفى شخصُا عن نسبه أو رماه بالزَّنا فعَلَيْه الحَدُّ ثمانون جلدة، وعلى العبد أربعون. قال ابن جزي في شروط الحَّد: وهي ثمانية: منها ستة في المقذوف، وهي الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والعفاف عمّا رُمِيَ به من الزَّنا، وأن تكون معه آلة الزَّنا، فلا يكون حصورًا ولا مجبوبًا قد جُ قبل بلوغه. واثنان في القاذف وهما العقل والبلوغ، سواء كان حرَّا أو عَبْدًا، مسلمًا أو كافرًا اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "إِذَا رَمَى حُرَّا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَفيفًا، وَيُشْتَرَطُ فِي المرْأةِ إِطَاقَةُ الْوَطءِ لا بُلُوغُ التَّكْلِيفِ" يعني كما في أقرب المسلاك: القذف رَمْيُ مُكلَف
ولو كافِراً حرًّا مسلمًا بنَفْي نسب عن أبٍ أو جد، أو بِزِنًا إن كُلَّفَ وعَفَّ عنه ذا آلةٍ أو إطاقة الوط بما يدلُّ عُرفًا ولو تعريضًا، كأنا معروف النسب، أو لستُ بِزانِ، وأنا عفيفُ الفَرْج، وكقحبةٍ وصبيةٍ وعِلْق ومخنّثٍ بجلد ثمانين جَلْدة، والرقيقُ نِصْفُها، وإن كُرَّر لواحد أو جماعةٍ إلَاّ بعده، وإن قذف في أثنائه ابتدأَ لهما إلَاّ أن يبقى اليسير فيكمل الأوّل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: "صَرَّحَ بِهِ أَوْ عَرَّضَ كَقَوْلِهِ يَا مَنْبُوذُ أَوْ فِي الْمشَاتَمَةِ اَنَا لَسْتُ بِزَانٍ وَأُمضّي لَيْسَتْ بِزَانِيةٍ وَلَا ابْنُ أَمَةٍ يَا ابْنَ زِنِيةٍ لَا زَانيَةٍ". يعني إذا قذفه بالزَّنا فإنه يحدّ سواء صرَّح في قذفه بلفظ صريح كأن قال له: أنت زنيت أو يا زانٍ، أو قذف بالتعويض كما وصف المصنَّلإ. وعلى كل حال إنه يحدّ ثمانين جَلْدة. قال في الرسالة: وعلى القاذف الحرَّ الحدُّ ثمانين، وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزَّنا، والكافر يُحَدُّ في القذف ثمانين، ولا يُحَدُّ على قاذف عَبْدٍ أو كافر، ويُحَدُّ قاذف الصبية بالزَّنا إن كان مثلها يوطأ، ولا يحدُّ قاذف الصبي، ولا حدّ على مَنْ لم يبلغ في قذفٍ ولا وَطْءٍ. ومَنْ نفى رجلاً من نسبه فَلَيْه الحدّ، وفي التعريض الحدُّ، ومَنْ قال لرجل: يا لوطيُّ حُدّ اهـ. قال في أقرب المسالك: وليس له حدُّ والديْهِ، أي ليس للولد أن يحدَّ والديه في القذف على الراجح. قال الصاوي: وهو مذهب المدوَّنة، ومقابله يقول له حدهما في
التصريح، وُحْكَم بفسْقِه، وذهب إلى هذا القول جماعة من أئمَة المذهب. قال ابن جزي في القوانين: ويحدُّ الوالد إذا قذف ولده على المشهور وتسقط عدالة الولد. وعبر الدردير قول الأول بالراجح. وعبر ابن جزي قول الثاني بالمشهور. والفرق بين الراجح والمشهور: أن الراجح ما قَوِيَ دليله، والمشهور ما كَثُرَ قائله كما تقدَّم فتأمَّل.
قال رحمه اللهَّ تعالى: "وَلَوْ أَقَرَّ بِالزَّنَا بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَة فَإنْ صَدَّقَتْه حُدَّ لِلزَّنَا
وَإلَاّ حُدَّ لِلْقَذْفِ أَيْضًا" يعني مَنْ أقرَّ على نفسه بالزَّنا بامراة فصدَّقَتْه في ذلك لزمها الحدّ، وإن لم تصدَّقه فإنه يحدُّ للقذف، ويلزمه أيضًا حدّ الزَّنا لإقراره؛ لان المكلَّف يؤاخذ بإقراره. وفي القوانين: مَنْ قال لامراته زَنَيْتُ بك فعَلَيْه حدُّ الزَّنا وحدُّ القذف وعبارة الدرجير في أقرب المسالك: وإن قال لامْرأة: زَنَيْتِ فقالَتْ: بكَ حُدّت للقذف والزَّنا، وله القيام به وإن عَلِمَه من نفسه كَوضرِثِه اهـ. انظر خليل وشراحه. "وَيُحَدُّ لِلْجَمَاعَةِ حَدًّا وَاحِدًا لِمَنْ قَامَ بِهِ كَتَدَاخُلِهِ قَبْلَ إقَامَتِهِ" يعني إذ قذف قاذف على الجماعة وقام بهواحد منهم بطلب حقه وأقام الغمام على القاذف حدًا سقط القيام لباقي الجماعة، هذا بناء على أن حدَّ القذف حقٌ لله تعالى. وقال الشافعي: يحدّ القاذف لكلواحد منهم، وعلى المذهب يجزئ حد واحد، لتداخل الحدود في بعضها كما تقدم عند قوله: ويتداخل الحدّ قبل إقامته فراجِعْه إن شئت.
قال رحمه الله تعالى: "وَالصَّحِيحُ أَنَّه حَقٌّ لِلْمَقْذوفِ فَيَقِفُ عَلَى طَلَبِهِ وَيَقومُ وَارِثُهُ مَقَامَه وَقِيلَ بَلْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى" يعني أنَّه اختلف قول مالكف ي حدَّ القذف، هل هو حقٌّ للمقذوف أو حقُّ الله تعالى؟ قال العلامة العدوي في حاشية الخرشي: الحاصل أنه قبل بلوغ الغمام حُّ مخلوق وبعده حقّ خالق، وهو أحد قولَيْ مالك. والقول الآخر حقٌّ للخالق فلا عَفْوض ولو قبل البلوغ اهـ .. قال العلاّمة عبد الوهاب الشعراني في الميزان فيما اختَلَفَ فيه الأئمّة: ومن ذلك قول أبي حنيفة: إنّ القذف حقٌّ لله تعالى، فليس للمقذوف أن يسقطه، ولا أن يبرأ منه، وإن مات لم يورث عنه مع قول الشافعي وأحمد في أظهر روايتَيْه أنه حقٌّ للمقذوف فلا يستوفى إلَاّ بمطالبته، وإن له إسقاطه، وأن يبرأ منه، وأنه يورث عنه وبه. قال مالكف ي المشهور عنه: إلا أنه قال: متى رفع إلى السلطان لم يملك المقذوف الإسقاط ثم قال: ووَجْهُ قول مالك في صورة الرفع إلى السلطان ما ورد في الصحيح من وجوب الحكم بإقامة الحدّ إذا رفع إليه، وتحريم قبول الشفاعة في إسقاطه اهـ.