الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحدود
أي في بيان ما يتعلًّق باحكام الحدود على المحظورات التي حظر الشارع ارتكابه كالحرابة والسحر والزَّنا والقذف والسرقو وشُرْبِ الخمر وغيرها ممَّا هو ممنوع شرعًا، وكل واحد من تلك المحظورات لها حد معلوم من قِبَل الشارع كما ستقف علهي إن شاء الله تعالى في مواضِعِهز والحدود جمع حَد وهو لغة: المَنْع، وشرعًا: ما وُضِعَ لِمَنْع الجانةي من عَوْده لِمِثْل فِعْلِه وزَجْرِ غيره. وفي معنى الحدود التعازير جمع تعزير، وهو اسم لنوع من العذاب موكول قدره لاجتهاد الإمام، بخلاف الحدود فإن تعدادها محدود من الشارع اهـ. النفراوي. وابتدأ بما هو أكثر ضَرَرًا للناس من تلك المحطورات اعتناء بأمن الناس وصَوْنًا للنفوس والأموال فقال رحمه الله تعالى:"يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي مُخِيفِ السَّبِيلِ مَا لَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَقٌّ" يعني يجب أن يجتهد الإمام في إزالة مفسدة النسا، ومنْ أَضَرَّها مفسدة مخيف السبيل ويُسَمَّى المحارب، وهو قاطع الطريقد لمجرَّد مَنْع السلوك، أو آخذ مال مسلِم أو غيره من أهل الذمة علىوَجْهٍ يتعذَّر معه الغَوْث، أو الذي يغيب عَقْلَ غيره ليأخذ معه، أو المخاد لنحو الصبيّ حتى يدخله موضعًا ويقتله ويأخذ ما معه، أو الداخل في زقاق ليلاً أو نهارًا ليأخذ المال على وَجْهِ التغلب والقهر. قاله النفراوي اهـ. قوله: ما لم يتعلق بح قُّ مفهومه: فإن تعلَّق به حقٌّ من حقوق الناس كالعَبْد المرهون وغيره ممَّا هو حقٌّ للآدمي فلابدّ من تخليص ذلك منه قبل حقوق الله تعالى كما يأتي:
قال رحمه الله تعالى: "بَيْنَ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ ثمَّ قَتْلِهِ وَقَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ وَنَفْيِهِ بحَسَب مَا يَرَاهُ رَادعًا فإنْ قَتَلَ تَحَتَّم قَتْلُه وَلَوْ بِعَبْد أَوْ كافِرٍ لَا يَجُوزُ العَفْوُ فَإِنْ تَابَ قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ أُخِذَ بِحُقُوق الآدَمييَّنَ" قوله: بين قَتْلِهِ متعلّق بيجتهد الإمام،
وحاصل المعنى في ذلك كما في الرسالة: والمحارب لا عَفْوَ فيه إذا ظفر به، فإن قَتَلَ أحدًا فلابدَّ من قَتْلِه، وإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جُرْمه وكثرة مقامه في فساده، فإمّا قَتَلَه أو صَلَبَه ثم قَتَلَه أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن به حتى يتوب فإن لم يقدر عليه حتى جاء تائبًا وضع عنه كل حق للَّه من ذلك، وأخَذَ بحقوق الناس من مال أو دَمٍ. ومثله حقوق الله سوى عقوبة الحرابة
كأن شرب خمر أو زنى وهو محارب فإنه يستوفى منه؛ لأن التوبة إنما أسقطت حد الحرابة فقط. قال لخليل: وسقط حدها بإتيان الإمام طائعاً أو ترك ما هو عليه؛ لقوله تعالى: إلَاّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة: 34]. قال الخرشي: إن المحارب إذا جاء تائبًا للإمام قبل أن يقدر عليه أو ترك ما هو عليه من الحرابة كما مرَّ اهـ. وإلى ذلك أشار المصنَّف بقوله: فإن تاب قبل القدرة عليه أخذ بحقوق الآدميين. وفي الرسالة: وكلُّ واحد من اللصوص ضامنٌ لجميع ما سلبوه من الأموال، سواء أخذ في حال تلصُّصِه أو جاء تائبًا، وسواء أخذ المال هو أو أخذه غيره وهو حاضر؛ لأن المُعِين شريك واللصوص بعضهم لبعض حملاء، فكلُّ من أخذ منهم غَرِمَ الجميع ويرجع على أصحابه اهـ. أبو الحسن ومثله في النفراوي. وحاصل ما تقدَّم: أنّ الإمام إن قدر على المحارب يفعل به ما يراه رادعًا ولغيره، لكن يكون اجتهاده لمصلحة الناس فيما ظهر له، ولا يجاوز في ذلك ما حدده الله تعالى له في حْكْمِهِ على المحارب كما تقدَّ في الآية الكريمة. قال العلاّمة الصاوي في حاشيته على الدردير نَقْلاص عن الدسوقي ما حاصله: أن الحدود الأربعة واجبة لا يخرج الإمام مخيَّرة لا يتعيَّ واحد منها، إلَاّ أنه يندب للإمام أن ينظر ما هو الأصلح واللائق بحال المحارب فإن ظهر له ما هو اللائق ندب له فِعْلُه، فإن خالف وفعل غير ما ظهر له أصلحيته أجزأ مع الكراهة اهـ. والله أعلم
بالصواب. ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلّق بالحرابة انتقل يتكلم حُكْم حدّ الساحر والزنديق وغيرهما.
فقال رحمه الله تعالى: "وَيقْتَلُ السَّاحِرُ وَالزَّنْدِيقُ" يعني أن السحر حرام يُقْتَلُ صاحبه إذا ظفر به ولا يقبل توبته. قال النفراوي في الفواكه: يجب قَتْلُ المسلِم الساحر ولا تُقْبَل توبته، وهو الذي يصنع السحر بغيره، فأن يفرَّق بين المرأة وزوجها، أو يُذْهِب عَقْلَ غيره أو يفعل فِعْلاً يغيَّر به صورة غيره كتغيُّر صورة إنسان بصورة حمار أو كلب إلى أن قال: والدليل على قَتْلِ الساحر ما خرّجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: "حدّ الساحر ضربه بالسيف". واختُلِفَ هل يجوز لشخص أن يستأجر غيره لإبطال السَّحْر أم لأن فيه خلاف مَنَعَهُ الحسن قائلاً لأنه لا يُبْطِلُه إلَاّ ساحر. وقال ابن المسَّيب: يجوز لأنه من التعالجن واقتصر على الجواز صاحب الإرشاد يعني مصنَّفًا، ويظهر لي أنه المعتمد. وأمَّا الذي يدخل السكاكين في جوفه فإن كان سحرًا فإنه يُقْتَلُ به وإلَاّ عُوقِب بغير القتل. وأمَّ الساحر الذَّمَّي فإنه لا يُقْتَلُ به وإنَّما يؤدّب إلَاّ أن يدخل بسحره ضَرَرًا على المسلم فإنه يكون ناقضًا لعهده فيُقْتَل إلَاّ أن
يسلم اهـ. بحذف وتضويح. ومثله لأب يالحسن وغيره، وأمَّا الزندقة فهي محرَّمة أيضًا بقتل صاحبها إذا ظفر به ولا تُقَبَل توبته. قال في الرسالة: ويُقْتَل الزنديق ولا تُقْبَل توبته، وهو الذي يُسِرُّ الكفر ويظهر الإسلام. وقال خليل: وقتل المستسرّ بلا استتابة إلَاّ أ، يجيئ تائبًا ومالُهُ لوارثه أي إنّ الزنديق إذا جاء تائبًا قبل الاطلاع علهي سَقَطَ عنه القتل، وتُقْبَل توبته كما صرَّح عليه صاحب الغكليل ولوح به العدوي في حاشيته على الخرشي. وأمَّا لو كانت توبته بعد الاطّلاع عليه فإنها لا تُقْبَل، لكنَّ مالَهُ لوارثه؛ لأن القتل حدًّا. أمَّا إن لم يَتُبْ بأن استمرّ على الزندقة بعد إثباتها باعترافه أو بالبينة فإنه يُقْتَل وال يَرِثُه وارِثُه، ويكون مالُهُ لبيت المال كمَالِ المرتدّ، ولا يكون قتله حدًّا بل كفرًا، وسواء كان الكفر الذي سَتَرَه
بارتداد أو زندقة أو سحر أو بغير ذلك. والدليل على وجوب قَتْلِ الزنديق ما في صحيح البخاري أنَّ عليًّا، رضي الله عنه، أتَى بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لِنَهْي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه".
ثم قال رحمه الله تعالى: "وَمَنْ سَبَّ اللَّه أضوْ نَبِيًّا قُتِلَ دُونَ اسْتِتابَة" يعني أن من سَبَّ اللَّه تعالى أو سَبَّ نبيًّا من الأنبياء ممن أجمع على نبوته قُتِلَ، وال تُقْبَل توبته. قال في الرسالة: ومَنْ سَبَّ رسول اله صلى الله عليه وسلم قُتشل، ولا تقبل توبته. ومَنْ سَبّه من أهل الذمة بغير ما به كفر، أو سَبَّ الله عز وجل بغير ما به كفر، قُتِل إلَاّ أن يسلِم اهـ. قال العلاّمة ابن جزي في القوانين: وأما من سضبَّ اللَّه تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدًا من الملائكة أو الأنبياء فإن كان مسلمًا قُتِلَ اتفاقًا، واختُلِفَ هل يُستتاب أم لا فَعَلَى القول بالاستتابة تسقط عنه العقوبة إذا تاب، وفاقًا لهما. وعلى عدم الاستتابة - وهو المشهور- لا تسقط عنه بالتوبة كالحدود. وأمَّا ميراثه إذا قُتِلَ فإن كان يظهر السَّبَّ فلا يَرِثُه ورثته، وميراثه للمسلمين. وإذا كان منكرًا للشهادة عليه فمالُهُ لورثته، وإن كان كافرًا فإن سّبَّ بغير ما به كفر فعَلَيْه القتل، وإلَاّ فلا قَتْلَ عليه. وإذا وَجَبَ عليه القتل فأسلَم فاختُلِفَ هل يُقْبَل منه أم لا. ومَنْ سَتَّ أحدًا مِمَّن اختُلِفَ في نبوته كذي القرنين أو في كونه من الملائكة لم يُقْتَل، وأدَّبَ أدبًا وجيعًا، وأمَّا مَنْ سَبَّ أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أزواجه أو أهل بيته فلا قَتْلَ عليه، ولكن يؤدَّب بالضَّرْب الوجيع ويكرَّر ضربه ويُطال سجنه. واعلم: أن الألفاظ في هذا الباب تختلف أحكامها باختلاف معانيها والمقصاد بها وقرائن الأحوال: فمنها ما هو كُفْر، ومنها ما هو دون الكفر، ومنها ما يجب فيه القتل، ومنها ما يجب فيه الأدب، ومنها ما لا يجب فيه شيئ، فيجب الاجتهاد في كل قضية
بعينها. وقد استوفى القاضي أبو
الفضل عياض في كتاب الشفاء أحكام هذا الباب، وبين أصوله وفصوله رضي الله تعالى عنه. اهـ كلام ابن جزير بحروفه. ثم ذكر مسائل المرتد وما يلزمه من العقوبة" بقوله رحمه الله تعالى:"والمرتد يحطب عمله وتبين زوجته المسلمة ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل ولو امرأة وماله فيئ" والمرتد ينبغي تعريفه قبل ما يبج عليه من الأحكام فنقول: المرتد هو الخارج عن دين الإسلام بعد بلوغه. قال ابن جزي ي القوانين: وأمَّا المرتد فهو المكلَّف الذي يرجع عن الإسلام طوعًا: إمَّا بالتصريح بالكفر، وإمَّا بلَفْظٍ يقتضيه أو بفعل يتضمنه. ويجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام. وعبارة الدردير في أقرب المسالك: الرَّدة كُفْرُ مسلِم بصريح أو قولٍ يقتضيه أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر وشد زنارٍ مع دخول كنيسةٍ وسحر وقول بقِدَم العالم أو بقائه أو شك فيه أو بتناسخ الأرواح أو أنكر مُجْمَعًا عليه ممَّا عُلِمَ بكتاب أو سنّة أو جوَّز اكتساب النبوّة أو سَبَ نبيصا أو عرض أو ألحق به نَقصًا وإن ببدنه أو وفور عِلْمِه أو زُهْده، وفصلت الشهادة فيه: يُستتاب ثلاثة أيام من يوم الحُكْمِ بلا جوع وعطش ومعاقبة، فإن تاب وإلَاّ قتل، ومالُهُ فَيْئ، إلَاّ الرقيق فلسيدَّده، وَأخَّر المرضع لوجود مرضع وذات زوج أو سيد لحيضة اهـ. انظر شراح خليل. قال في الرسالة: ويُقْتَلُ مَنِ ارتدَّ إلَاّ أن يتوب، ويؤخَّر للتوبة ثلاثًا وكذلك المرأة. قال شارحها: وإنَّما نصَّ على المرأة للردّ على من يقول بعدم قَتْلِ النساء لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عن قَتْلِهِنّ؛ لأن محلَّه عند مالك على نساء أهل الحرب على المرتدة. ويطعم المرتدُّ من مالِهِ زمن الرَّدّة، وأمَّا ولده وعياله فلا ينفقون منه؛ لأنه صار بسبب الرَّدة بمنزلة من لا مال عنده. اهـ النفراوي. وأمَّا الأحكام التي تتعلَّق بالمرتدّ فكثيرة، منها إحباط عمله الذي عمل سابقًا قبل ارتداده فلا اعتداد به، بمعنى لا يحسب به؛ لأنه أبطله بالرَّدة. ولا يطالب بقضاء كالصلاة والصيام وغيرهما ممّا فاته قبل الرَّدّة، ولا ثواب في التي فَعَلَها بل يستأنف غيرها بعد التوبة